الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "المنهل"

صفحات من الأدب العالمي, فلقة ( * )، من ذكريات الصغر, فلقة

Share

وما كنت افهم معنى " بائن حتى سألت ذات يوم والدتي فى البيت فأجابتني بعد ان حملقت في .

هذا قسم عظيم . هل يمسخ الشخص الذي يقسم به كاذبا ؟ - كلا اذا ماذا يكون ؟ - يكون أشد من ذلك . - كيف تطلق منه زوجته .

لم استطع ان اتصور عظم هذا القسم ولكنى اخبرت زملائى بما فهمته من والدتي فتركنا القسم بالالفاظ المعتادة وشرعنا نقسم على الصحيح والكاذب بكلمة " بائن كانا جميعا لنا زوجات سوف تبين منا .

وما كان الأستاذ لينس عادته ابدا ففي صباح كل يوم عند ما يجلس الى مكتبه يرفع صوته عاليا : بائن ان لم اضرب كل من يعطس منكم حتى الموت

وفى ذات يوم عندما كنا ندخل الكتاب بعد عطلة الظهر سمعت غطيطا شديدا فنظرت فاذا بالشيخ يغط فى نوم عميق ، فالتفت الى زملائى واشرت اليهم بالسكوت الجميع كى ينظروا ماذا اصنع ، فقدمت نحو علبة النشوق الكبيرة الموضوعه على المكتب وبجانبها غطاؤها على رؤوس اصابعي حتى رفعت العلبة وافرغتها فى كراستى ثم كررت راجعا الى مكانى حيث التف حولى ذلك الجمع طالبين منى ان . قدم اليهم النشوق فقلت :

كلا لن اعطيكم منه خوف ان نعطس فيستيقظ الاستاذ - اذا ما ذاستفعل به ؟ لا أقول لكم ، ولكنكم سوف تضحكون كثيرا .

وكنت قد دبرت امرا عظيما جعلنى استغرق فى الضحك كلما تذكرته من ما جعلهم يضحكون من ضحكى حتى استيقظ الشيخ من نومه ، وغضب غضبا شديدا عندما رأى العلبة خالية من النشوق فقال :

- يخبرني من أخذه والا فبائن ان لم اضربه حتى الهلاك - أخبروني من أخذ ؟ - لا ندري لا ندري .

- لا بأس ! انا ساريكم . . سوف يظهر من أخذه عند ما يعطس . . بائن ان لم أضربه حتى الهلاك

وكان الجميع يخشى من عطسة فجائية تأتيه . - بائن ! ليتنى أرى احدكم يعطس الآن ! وما كان الغضب الذي استولي على الشيخ ليزول ابدأ . وكنت مشغولا خلف مكتبي اذ انى قطعت من كراستى ورقتين ولففتهما

بشكل بوق بعد آن ملأتهما بالنشوق الذي كان معى .

قرب المساء ولبس الشيخ جوربه وخفه ونزل اكمامه ورمى بالجبة على كتفه بينما نحن كنا فى قراءة جدول الضرب على لسان واحد وبنغم ثم انتهينا منه الى النشيد ، وعندما اوشك النشيد ان يتم غمزت زميلى الجالس الى جنى بالوقوف ، فوقفنا . فنظر الينا الشيخ سائلا :

- ماذا تريدون ؟ ! - انهيئ لكم الشلبي ؟ نعم ! ولكن اسرعوا .

خرجنا حسب ما كنا تعودنا من خروج طالبين قبل الجميع ليضعوا البرذعة واللجام على الحمار .

آسرعنا بالنزول من الدرج الحجري فوجدنا الحمار نائما . على بقايا الحشيش فركلناه بارجلنا فانتصب قائما فوضعنا على ظهره البرذعة والجمناه . سمعت أصوات النشيد قد انقطعت من الداخل فاخرجت من كراستى احد القرطاسين ونفخته فى انف الحمار ، فكاني اشعلت فى أنفه نارا ، ولم استطع نفخ الآخر اذ ان الحمار شرع ينهق ويرفس ويظهر اصواتا عجيبة ويحاول حك أنفه بالأرض مما جعلني اتخوف من الفضيحة قبل ان تتم مؤامرتي ولكنى حاولت ان اقوده الى منتهى الدرج الحجرى فاستطعت بعد جهد عظيم ، وكان صديقى يكاد يختنق من الضحك .

كان الشيخ قد ارتدى جبته وشرع ينزل من الدرج بتمهل ووقار ولكنه انزعج عندما بصر بالحمار يخرج اصواتا غريبة شبيهة بالعطاس فسأل قائلا :

- ما لهذا الحيوان ؟ ! لا اعلم ولكنى وجدته نائما . - الجتموه خطأ ! - لا ياحضرة الاستاذ . ايتونى به لانظر

فقربت الحمار من الشيخ بيما كان عموم التلامذة ينتظرون النتيجة باندهاش وفي هذه اللحظة ازداد الحال بالحمار فشرع يرفس ويعطس فاستغرق التلاميذ فى الضحك وبدأت الفوضى حتى بهت الشيخ

تقدمت الى الشيخ وكاني لا اعلم ما به قائلا : - يا حضرة الاستاذ يستهزئ بكم . - اخطأت جدا . غضبت فقلت : ينبغي ان نلقيه فى الفلقة

- هو حيوان لا يشعر بشئ ولا يدري . هو . . . . فشرع التلاميذ وهم مستغرقون فى الضحك يعيدون كلمة فلقه : فلقه . فلقه . .

تجرأت قليلا وقلت : كان اقسم حضرة الاستاذ اليوم بانه سيلقي في الفلقة بكل من يعطس ، فاذا لم يضرب الاستاذ الحمار فستكون امرأته بائنا .

رد التلاميذ على بصوت واحد " تكون امرأتكم بائنا تكون امرأتكم بائنا " ورغم ان دهش الشيخ قد ازداد فقد تقدم نحو حماره وجعل يربت عليه قائلا : ماذا جرى يا حماري ! ماذا جرى يا حماري !

وبينا انا اشاهد الشيخ فى موقفه الغريب اذ ابصرت بالفلقة تتناقلها الايدى حتى وصلت امام الشيخ ، فبذا اختلط الامر على الشيخ فما يدري ايسكت التلامذة الذين لم يزالوا يعيدون " تكون امراتكم بائنا " ام يهدئ من ثائرة حماره الذي يحاول حك انفه بالارض فنال منه الغضب مناله وفقد شعوره فصرخ قائلا .

ضعوه فى الفلقة !!

فتهافت نحو من عشرين من التلامذة الذين كانوا ينتظرون هذه الكلمة من الشيخ على الحمار وبعد جهد استطاعوا ان يرموا به الى الارض وان يضعوا رجليه الخلفيتين فى الفلقة فشرع الشيخ يضرب بالعصا ضربا شديدا على نعله بينما كان الصوت يخرج عاليا . كان الحمار يصرخ ويحاول النهوض وكانت التلامذة باصواتها

وضحكاتها العالية قد احدثت ضحة شديدة فلم نشعر الا بصوت من خلف الصفوف القول : سعادة القائمقام . سعادة القائمقام . . . .

فاسقط في ايدينا والتفت الجميع نحو الباب الخارجى فذا برجل مقطب الوجه عبوسه مرتد الملابس الافرنجية السوداء وبجانبه شرطيان . - ما هذا امها الشيخ ! !

كان الشيخ ايضا قد ارتج عليه فاصفر وجهه وسقطت العصا من يده بينما كان التلاميذ قد تركوا الفلقة فنهض الحمار وجرز وهو ينهق بصوت منكر الى ما تحت الشجرة .

تقدم القائمقام قليلا نحو باب الكتاب الداخلى وهو محتد من الغضب حتى قرب من الشيخ فاعاد السؤال فى دهش .

- ماذا كنتم تفعلون ! - ش . . يا سعادة . . . وكان الشيخ لا يستطيع التكلم - ماذا ؟ ! - كنت قلت : بائن . . - ما معنى هذا ؟ ! كل من يعطس . - مامعنى كل من يعطس ؟ ! - عطس الحمار . - وهل يعطس الحمار - ....... - !!!!!!!

وكان بعض التلامذة لا يزال يضحك ويحاول العطاس فغضب القائمقام ونظر اليهم نظرة شزراء ثم صاح فيهم بعد ان ابدي نواجذه وهى تصطك ببعضها من الغضب - اخرجوا من هناك أيها الوقحاء

) البقية على الصفحة ٢٠ (

) بقية المنشور على الصفحة ١٨ (

خفت الصوت وعم الخوف . التفت القائمقام الى الشيخ وقد كان المسكين مطرقا ينظر الى الأرض قائلا له : تفضلوا معي قليلا ، خرج القائمقام من الامام وتبعه من خلفه الشيخ مع الشرطيين

وبعد هذا اليوم لم أر في الكتاب الشيخ ولا الفلقة .

أتذكر الآن عند ما أرى شخصا يعطس ما فعلته فى الصغر فابتسم ولكن شبح هذا الشيخ المسكين الذي تسببت في طرده من الكتاب فى كبر سنه ووهن قواه وربما جعلته يموت جوعا ينتصب امامي فاشعر فى قرارة نفسي بألم شديد من عذاب الوجدان تزيده الأيام شدة .

ولكن . . ولكن .... لعل هناك في كل ما تضحك منه شيئا مخفيا من الألم

اشترك في نشرتنا البريدية