لا ناقة لى فيها ولا جمل
يقال : ان أول من قال هذا هو قيس بن ذريح مجنون " لبني " الذي ولد سنة ٦ وتوفى سنة ٧٠ من الهجرة ، ضمن قصيدة له قالها فى لبني :
وهذا مما يؤكد لنا مدى ترابط التراث الشعب بتراث الاجداد . . وبهذه المناسبة نرى شعراء من البادية يطرقون ما طرقه سلفهم من المعاني . وقصة الشاعر الشعبي نمر بن عدوان الذي سبق أن أوردناها فى صفحات سابقة تمثل قصة المجنون الذي قضى شطرا من حياته فى بكاء وعويل على معشوقته " لبني " ويحسن بنا الآن أن نتخيل مع القراء احساسه وشعوره وحبه العذرى الشريف حين قال :
الى الله اشكو فقد لبنى كما شكا
الى الله فقد الوالدين يتيم
يتيم جفاه الاقربون فجسمه
نحيل وعهد الوالدين قديم
وهذا المثل " لا ناقة لى فيها ولا جمل " يضرب فى الشئ الذى لا دخل للانسان منه ولا فائدة من اهتمامه بطلبه وصرف الوقت من اجله . . ويضرب هذا المثل البادية والحاضرة دائما .
كلمة المحرر :
أطلع القراء في هذه الصفحة على حديث قيم أدلى به الينا أحد رجال الادب والتربية والتعليم فى بلادنا العربية هو الدكتور محسن جمال الدين ، صاحب الباع الطويلة والخبرة الواسعة في الأدب الشعبى البدوى وأحد الادباء الذين تذوقوا هذا الادب وادركوا أنه جزء متمم للادب العربي والعناية به تعنى العناية بالادب . وأن هذا الادب ليس خطرا محدقا بالادب الفصيح واللغة العربية كما يدعى بعضهم . ولعل امثال هذا الدكتور العربي يكون قدوة حسنة لدفع ادباء بلادى ، ليطرقوا الادب باسلوب ادبى كما يفعل قلة منهم وان لا يكون لديهم عقدة وعزوف عنه . ان دراسته وتمحيصه يدلاننا على انه يحوى تراثا لا يزال أبناء البادية يحافظون عليه وان ٧٠ في المئة منها عربية تحمل بين مفرداتها الكثيرا من الكلمات العربية الفصيحة . وهذا ليس رأيي وحدى
انما هو رأى كبار الكتاب العرب منهم الدكتور طه حسين وغيره .
أن ما ذهب اليه الدكتور محسن جمال الدين من أن الشعر والادب الشعبى ليس خطرا على اللغة العربية وأدبها رأى له قيمته .
٥ - من أدبنا الشعبى في الجنوب
الحلقة الاولى
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ان لا تلاقيا
يحكى ان رجلا في بادية الجنوب تزوج بامرأة صالحة وعاش معها أسعد أيامه ورزق منها بولد ثم سافر في بعض أغراضه فغاب مدة طويلة وعندها رجع سأل امه عن زوجته وكيف كانت مدة غيابه واسم زوجته " حسن " فقالت : حسن ما تنام كل ليل حتى يكون معها رجل تغازله وتضمه الى صدرها ، وتشبعه بسمات حارة وقبلات وجدانية وقد حاولت اقناعها بضرورة الاقلاع عن هذه العملية التى تعتبر خيانة وغدرا لا سيما في غياب زوجها .
هذا ولا يخفى عليك عزيزى القارىء مفعول هذه الكلمة على الزوج . وهنا وبعد
أن انتابه القلق قرر بعد تفكير عميق التخلص ولو مؤقتا من هذه المرأة الخائنه فى نظره . وشد رحاله وسافر بزوجته وابنها الصغير الذي لم يتجاوز عمره خمس سنوات وادركه الليل بظلامه الدامس وهو فى الفلاة بوحشتها فناما معا بعدما تناول معها العشاء وقد كان يرمقها بطرف وينظر اليها بسخرية واستهزاء ، ولكنه كان يلمح في عينيها البراءة والعفة . نظرات كل منهما تترجم للآخر واقع حال كل منهما . وكأني بالغضب والحمق يلف وجه بالرجل . فيكاد يخلق منه شيطانا ماردا وعدوا حقودا . وباتا ليلتهما وقلبه نافر كل النفور منها وساخر فى نفس الوقت . اما قلبها فهو مفعم بالعتاب عليه والحسرة عليه وفي الوقت نفسه تحمل له بين جنبيها قلبا مليئا بالحب والحنان ولكنه عندما استغرقت في نوم عميق فاق ودهش عندما رآها قد لفت غترته على عنقها اشارة لما يبثه لها . وعندما استيقظ وجدها مستيقظة كذلك فقالت له لماذا لا تنام ؟ قال : لم يداعبني النوم قالت وقد رأته يجمع حوائجه وينوى المغادرة : إلى أين ؟ قال : دعيني أذهب يا فاجرة ثم ولى تاركا وراءه زوجته المسكينة وابنها المستغرق فى نومه . وارسلت من عيونها نهرا من الدموع الساخنة والاسف القاتل وزاد من حزنها انها لا تعرف السبب . وزيادة على كل هذه المصائب فهى يتيمة لا أم لها ولا أب فهي السائمة الضائعة التى لا راعي لها .
