قال الباحث :
في غابر القرون والازمان كانت تعيش تحت سطح القمر وعلي ظهر الارض ، امم وقرون بين ذلك كثيرة ، لا يحصيها عدا الاخالق الكون وحده .
كانت القبائل البشرية ، الموغلة في القدم ، كثيرة وما وصل الينا من اخبارهم وحقائقهم ، نذرمن النذر ، يسير .
وأخبرنا الله في محكم كتابه العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، عن بعض هذه الامم الغابرة - فقال عز من قائل :
" الم تر كيف فعل ربك بعاد ، ارم ذات العماد . التى لم يخلق مثلها فى البلاد . وثمود الذين جابوا الصخر بالواد . وفرعون ذى الاوتاد . الذين طغوا فى البلاد . فأكثروا فيها الفساد . فصب عليهم ربك سوط عذاب ان ربك لبالمرصاد " . . وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ، واتبعوا كل جبار عنيد . واتبعوا فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ، الا ان عادا كفروا بربهم ، الا بعد لعاد قوم هود "
" والى ثمود اخاهم صالحا . قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ، هو انشأكم من الارض ، واستعمركم فيها ، فاستغفروه ، ثم توبوا اليه ، ان ربي قريب مجيب . قالوا يا صالح ، قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ، اتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ، اننا لفي شك مما تدعونا اليه مريب
وفي القرآن ، أمم اخرى . . كانت . . وأين صارت ؟ . . ذلك تذكرة لاولى الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا ، وعلى جنوبهم ، ويتفكرون فى خلق السموات والارض ، ربنا ما خلقت هذا باطلا ، سبحانك فقنا عذاب النار .
وطمس الزمن بعض معالم قصص تلك الامم ، ولكن التاريخ الذي رافق الكون سجلها . . أما بتفصيل او اشارة . .
كانت من بين تلك الامم والقبائل البائدة - قبيلنا طسم ، وجديس ، واسم جديس مشتق من اسم الاب ، وهو كما نسبه المؤرخون ، النسابون ، " ابن ادم ، بن سام ، ابن نوح عليه السلام " وآخرون قالوا : انه جديس بن لاوذ ، بن سام ، بن نوح عليه السلام " وطسم بن لاوذ ، بن سام ، بن نوح عليه السلام .
وكان بنو طسم ، اقوياء ، أشداء ، مرهوب الجانب - فكان فيهم الملك والنهى والأمر فخضعت جديس للامر ، حتى استقر الحكم فى يد حاكم من طسم ، ظالم ، مستبدل ، فجار ، فاذاقهم من البلاء أصنافا ، ونكل بضعيفهم تنكيلا ، وكان يسمى " عملية " تصغير عملاق وقد اشتهر بنوه ، بطول القامة ، واجسام مهولة ضخمة . .
قال الباحث : وفي ذات يوم ، له تاريخ ، بينا هو بين ندمائه ، يتجاذب معهم اشتات الاحاديث
أقبلت امرأة ولهي ، وعبراتها منسابة مدرارا وكانت من قبيلة " جديس " وتدعي " هزيلة " فخرت على عتبة القصر ، ولثمت ذرات الاديم ، وظلت راكعة ، حتى إذا أقبلت على عرش الملك ، سجدت بين يديه ، ولثمت ذيل ردائه ، تحية الملك فى ذاك الزمن من ازمان الجاهلية البائدة ، ثم وضعت باطن كفها الايمن على الارض ، وقبلت البساط الملكى ، وقالت :
- يا أيها الملك . . ان بعلى ما شقا ، لفظني كما تلفظ النواة ، حملني كرها لان أشكوه اليك . . . ان لى منه ابنا - هوذا وأشارت الى رضيع فى حضنها - يحاول أخذه مني غصبا . . اني حملته تسعا ، ووضعته دفعا ، وأرضعته شفعا ، حتى اذا تمت اوصاله ، ودنا فصاله ، اراد ان يأخذه مني كرها ، ويتركني من بعده وزها " .
وسمع الملك ، مقالتها ، والجلادون حوله ذات اليمين وذات الشمال ، وتحت أقدام العرش ، قد جردوا سيوفهم من أغمادها : وقد احمرت مقلات أعينهم وارنبات أنوفهم غضبا ، ينتظرون اشارة مولاهم ، ليفصلوا عنق ما شق . .
وقطب الملك ما بين حاجبيه ، وران على المجلس صمت مخيف ، فكاد ماشق يحدث فى نفسه من رهبة الموقف ، ولعن فى سره هزيلة ووليدها . . واذا بالملك يسأله فى حدة :
" وانت يا هذا . . ما هي حجتك ؟ " . . فأجاب متلعثما - خشية ان تطير رقبته من مكانها . . " يا ايها الملك . . اني قد اعطيتها المهر كاملا ولم أصب منها طائلا ، الا وليدا خاملا ، فلك الامر ، وافعل ما أنت بأمرنا فاعل " . .
- يا غلام كبير غلمان الملك راكعا ، ليلبي نداء مولاه - الذي أمره بأخذ
الوليد منهما وضمه الى املاكه ، وباشارة اخرى من يد عمليق، انصرف ما شق وهزيلة - وأسدل الستر على المسألة فى القصر الى أجل .
قال الباحث : وخرج الزوجان من قصر الملك - وقد أظلمت الدنيا أمامهما ، ومادت بهما الحياة يضربان كف بكف ، ويعضان بنان الندم . وعبرات " هزيلة " تتساب مدرارة . .
وعلى عتبة القصر ، تكاكات القبيلتان ، رجالا ونساءا ، وعذارى وكهولا هذه تسأل عن الوليد ، وتلك تصغي ، وثالثة تضرب بيدها على صدرها ندما وحسرة ، ورابعة تمنيها بأعذب الامانى - وانه لشرف عظيم أن يكون وليدها في بلاط الملك - وتحت امرته وهزيلة لا تعي ما حولها - كادت تجن وهى تقول :
اتينا اخا طسم ليحكم بيننا
فأنفذ حكما فى " هزيلة " ظالما
ندمت . ولم اندم ، واني لعثرتى
وأصبح بعلى في الحكومه نادما
ثم مشت حيث تسكن - وفي نهاية الطريق - وقد بعدت عن القصر وحدوده : قالت وكأنها تخاطب الملك بصراحة تامة :
" لعمري لقد حكمت لا متورعا
ولا كنت فيما يبرم الحكم عالما "
ولم تدر ، بأن عمليقا قد دس اذنا بين الحضور ، وان مقالتها ستنقل حرفيا الى مسامعه . . فهاج وماج وتوعد بالويل والثبور ، وعظائم الامور .
يا غلام . . ( ودوى في ارجاء القصر نداؤه واسرع كبير غلمانه مرتبكا ساجدا بين يديه ولثم ذيل ردانه - مولاى . . فأمره بأن ينادى فورا فى قومها - جديس - بما يأمره حالا ، وهمس له ببعض الكلام ، وصرفه . .
وهناك على تل مرتفع فى قلب مساكن جديس ، وقف كبير فئة الغلمان ، وقد اجتمع الحي بقضه وقضيضه - وقال : يا معشر جديس . . أمر الملك عمليق ، بأن لا تزف بكر من جديس بعد اليوم ما لم يرها الملك اولا ، ويفترعها . . وفي صباح اليوم التالي بعد خروج العروس من مخدعه يقيم أهلوها مادبة كبيرة للملك ولرجال دولته وأهل بيته تكريما . . لا عدول عما تقرر . . ليعلم الحاضر منكم الغائب . .
وتفرق الجمع ، وافكار شتى تدور فى رؤوسهم ، وذرات متأججة تجلدهم لمحو هذا العار مهما يكن الثمن ، فقد نكبت القبيلة فى شرفها وكرامتها وانسانيتها ، وبقيت مسبة أمام القبائل الاخرى وأمام التاريخ . . وأخذ هذا ينظر الى الآخر - وفي نظراتهما معان شتى . . وهؤلاء العذارى وقد شلت الفاجعة أفكارهن ، والجمت النكبة السنتهن فذرف بعضهن العبرات مع اختلاف فى المشاعر والامانى - وجاش فى صدر بعضهن أحلى المعاني
وما أن تفرقوا شيعا كل الى سبيله - واحتوى البعض أقبيتهم ، حتى بدأت الهمسات بينهم تتعالى ، بعد ان كانت حبيسة لا تكاد تبين . اه . لقد ذلت جديس فيا للعار - واكرمتاه - واشرفاه . . ويل لجديس ان نفذت هذا الامر الفاجر الفاجع ، أترون يا قوم ! انه يجب علينا أن ندع لحانا على وجوهنا بعد اليوم ؟ خير لنا ان نجذها من أن يلحقها عار جديس للأبد - ولكن القوم التزموا الصمت ، خشية ان تكون هناك أذن تسترق السمع فلا يدرون أية طامة أخرى جديدة ، ستحل بهم ، بعدها . . وكان كل ما استطاع الجمع ان يفعلوه فركة كعب بقوة على الارض - دليلا على معنى السحق بشدة . . . وماذا فى امكانهم -
وهم قلة ضعيفة مسألة وهم قلة ضعيفة - مسالمة - بجانب كثرة وبجانب بطش عملية ورجاله على ان الضيم لا ينام عليه العرب مهما تكن الظروف وأيا كان السبب . .
وتوالت الايام - وقدمت العذارى ليلة " دخلاتهن " واقيمت المآدب ، وزينت الاودية الوهاد ، وأشعلت نار الثار في الصدور فومضت - وكان لها ضرام اتت على اليابس والاخضر - وأحرقت الاول على الآخر . .
كانت لرغبات عملية مغزي غير ما فسره القوم ، ومغزاه " اباحة الفجور بربات الخدور " وقد عرفهن وعرفته ؟ ٠٠
ولقد كان لجديس سيد مطاع ، يدعى " الاسود بن غفار " وكانت له أخت ، هي أجمل بنات القبيلة . وأرفعهن علما وأسماهن عقلا وادراكا ، فسميت دلالا باسم " الشموس " وكان اسمها الحقيقى " عفيرة بنت غفار " وذاع صيتها ، واشتهر جمالها فتهافت الشباب على طلب يدها من كل مكان ومن بينهم اولئك الذين يملكون المال ، والسلطة ، والجاه والجمال والشباب - فرفضتهم واحدا اثر واحد
وكانت الشموس قد أحبت ابن عمها المسكين الراعي - الذي لا يملك من زخارف الحياة الدنيا الا وكاءه - ومذودته - وعصاه وتعاهدا على الزواج . . وقد اطمأن الجانبان الى بعضهما وخطا على الامل خريطة ، سيرهما فى دروب الحياة عبر الزمن .
كان عملية على بينة من أمرها وأمر قلبها ، وكان طلبها زوجة له ، فرفضت مطلبه - فتربص بها - حتى كانت قصة هزيلة ، فاهتبلها فرصة ، وأصدر حكمه ذاك في قبيلتها - وكان يعلم أن الشموس ستزف يوما ما - ولا بد لها من الوقوف على مسرحه - فكان انه ما اراد .
قال الباحث : وشاء القدر أن يتم زفاف الشموس على ابن عمها - بعد طول انتظار فى حفل عد الاول من نوعه فى القبيلة . .
وغنت القينات - ورددت العذارى الجميلات ، وهن يتقدمن بها الى قصر عملية ، في موكب حاشد من عذاب وثيبات القبائل :
أبدى . . بعمليق . . وقومي فاركبى
فسوف تلقين الذي ، لم تطلبي
وبادرى الصبح ، لأمر معجب وأسلمنها الى حرس القصر وحملها كبير غلمان الملك الى حيث ينتظرها - وقد أعد لها مفاجأة لم تكن في حسبان أحد أبدا . . أتدرون ماذا فعل بها ؟ انه وسمها كما يسم العرب انعامهم - ولكن ليس بالنار ، انما ضربها بالآلة حادة - صنعت خصيصي لهذه الغاية ، فمزق انسجة جسمها تمزيقا وأسال دمها فوق ملابسها - وشعر براحة نفسية كبيرة .
وطلع الفجر - وخرجت الشموس من القصر - وكان الاسود شقيقها جالسا مع رجال القبيلة ، يتشاورون فى امر المائدة . . واذا بالشموس تقف في وسطهم ، وقد شقت رداءها ، والدماء منها تسيل باكية تقول :
لا أحد أذل من جديس
أهكذا يفعل بالعروس ؟
يرضى بهذا يا لقومي حر
أهدى وقد اعطى وسيق المهر :
لاخذة الموت كذا لنفسه
خير من ان يفعل ذا بعرسه
وصاحت في رجولتهم ، وبصقت على شهامتهم اذا هم التزموا الصمت ولم يفعلوا شيئا والا فالخدور اولى لهم - وعليهم جذ لحاهم ، ووضع الكحل دلالا فى عيونهم . .
ايجمل ما يؤتى الى فتياتكم
وانتم رجال فيكمو عدد النمل ؟
وتصبح تمشى فى الدماء شموسة
عشية زفت فى النساء الى بعل ؟
ولو اننا كنا رجالا وكنتم
نساءا فانا لا نقر بذا الفعل
فموتوا كراما أو اميتوا عدوكم
ودبوا لنار الحرب بالحطب الجزل
وان انتم لم تغضبوا بعد هذه
فكونوا نساءا لاتعاب من الكحل
ورمت عليهم ثيابها وحليها وعطورها
وأتمت قولها هائجة:
ودونكم طيب العروس فانما
خلقتم لاثواب العروس وللنسل . .
فوجم الكل وازدادت ومضة نار الثأر
في صدورهم توهجا ، فقال لهم الاسود :
- أتسمعون وترون يا معشر جديس ؟ - بلى : سمعنا ورأينا - انه العار - وانه ذل الدهر بعينه - وافضيحتاه واكرمتاه . .
وقال الأسود : لقد بغي وطغي هذا الفاجر - واستولى على الحكم - وليس هو بأحق منا ولا أكفا - وافضيحتاه - أرأيتم ما فعله بالشموس . . ذلك ما فعله مع من سبقها اليه - اترون رأيا ؟ .
القوم : القوم : ( وقد غلى الحقد ونار الثار فى صورهم وسال الزبد من افواههم) . - مر ونحن نطيعك . .
- ليتبعني رجال القبيلة بأسرها . . وسار القوم خلف سيدهم ، والكل يهدر ، ويعض بنان الندم . . وفي قلب اليمامة وفى مكان فسيح ، وقف الاسود ، ووقف معه القوم ، ونظر يمينا وشمالا وفى كل اتجاه ، فوجد أن الوادى سحيق ، تحوطه من جميع جهاته جبال شاهقة وعرة المسالك
صماء زلقة لا تستقر عليها قدم . . وأخذ يدور فى قلب الوادى وهو يحدد أماكن وقوف القوم . . هنا يا فلان انت تقف - وانت يا فلان تقابله وهذا وذاك - حدد لكل واحد منهم موقفه - وهنا أقف انا خلف ظهر الملك . . فوقف الجميع حيث امر . .
الاسود : ينظر الكل تحت قدميه فارتدت أبصارهم حيث يقفون . .
- أتسمعون وتلبون ؟ - بلى سمعا وطاعة . . لي كل واحد منكم سيفه البتار مكان قدميه . بحيث يسهم عليه اخراجه ، ولا يراه سواكم ( ففعلوا ما أمرهم به) . .
الاسود - اني ساقيم لكم مأدبة جفلي ، وأدعوه وادعو اهله ، وجنده كلهم ، حتى لا يبقى أحد من طم الا وحضر مادبتى التكريمية .
- رأى صائب وانت سيدنا المطاع . . الأسود - ها هنا أقف خلف ظهر الملك وليتخذ كل واحد منكم موقفه خلف ظهر صاحبه وعندما يمدون أيديهم الى المائدة ، أستل سيفى ، وأضرب به عنق عمليق وليعقص كل واحد منكم صاحبه ، فلا تدعوا أحدا هذي الا ضربتم عنقه . .
- نفعل . نفعل ( وراحوا يفركون اكفهم اليمني باليسرى ، انتظارا للساعة المرتقبة الحاسمة) . .
الاسود - زكنتم الامر ؟ - القوم ( فى صوت واحد) : بلى الاسود - ليكتم كل واحد منكم الامر كل الكتمان .
قال الباحث : وزين الوادى وسفوح الجبال ، وضربت القباب ، ونصبت الارائك ، ونصبت القدور على أثافيها ، ونحرت الابل والضأن ، وامتلأ الوادي بسعته برجال القبيلتين ، ٤٨٢
وراح الاسود يستأذن على دعوة الملك ، وأهل بيته اجمعين .
الاسود : ( يا ايها الملك - لقد هيانا لك المقام ، ونصبنا لك الارائك ، وضربنا لك اجمل القباب وأثمنها - حياك ربى أنت وجندك ورجالات دولتك واهلك اجمعين). وقبل الملك دعوته ، وهو لا يكتم ضحكة سخرية فى نفسه من اذلاله لهذه القبيلة - الى هذا الحد .
وفي الموعد المحدد ، تحرك الموكب الملكى الى حيث المادبة - فلما شاهد كثرتها وتنسيقها - والتفنن فى نصب القباب والسرادقات أخذته الدهشة ، وأراد أن يقول كلمة شكر ، فأمسك عنها !
واخذ كل منهم مكانه ومدت الايدى الى المائدة - فقال : ( انه كرم لا مثيل له ) فقال الاسود ( الجود من الموجود) ، وهمس فى نفسه : " رب اكلة تمنع أكلات " وما استتم كلامه ، حتى اطار رأس عمليق بحسامه البتار ، وطارت معه رؤوس رجال قبيلة طسم ، وكأنها هباء ندف القطن ، امتلأت الجفان بالدماء وسالت الدماء غزيرة كالسيل على ارض المادبة - ولم يبق احد من طسم على قيد الحياة . . . الاسود : صائحا وهائجا :
ذوقي ببغيك يا طسم
فقد أتيت لعمرى أعجب العجب
انا اتينا فلم ننفك نقتلكم
والبغي هيج منا سورة الغضب
ولن يعود علينا بغيكم ابدا
ولن تكونوا كذى أنف ولا ذنب
واستدار على رجال قبيلته ، آمرا : " ليلحق كل واحد منكم من بقى من طسم فى زوايا المدينة ، وليضرب عنقه - ومضى القوم يضربون اعناق طسم حتى افنوهم عن بكرة ابيهم الا واحدا منهم يقال له " رياح
ابن مرة " تمكن من الفرار الى اليمن ، حيث استجار بحسان بن تبع ، وقص عليه أمر المذبحة الجديسية الخالدة :
- " أبيت اللعن " . . ان قومى " طسم " قد أبييدوا عن بكرة أبيهم ، ابادهم قوم جديس . .
- وما جديس هذه ؟ - قبيلة تقطن اليمامة ، قليلة العدد والرجال ، كثيرة الغدر والخيانة !
- وما تبغي منا ؟ - ان يامر مولاى بتجهيز حملة عظيمة من الجند المسلح والفرسان الاشاوس ، مزودين بالاسلحة المختلفة الى موطن القبيلة الغادرة ، فتباد عن بكرة ابيها ، جزاء وتنكيلا . .
- انه لهو الامر الصائب فأمر حسان الجند فتجهز ، وبالخيل فأسرجت والجمت ، وبالاسلحة فحملت . . وتهيا القوم للرحيل . .
- أبيت اللعن . . ان أختا متزوجة فى جديس يقال لها " زرقاء اليامة " لتبصر الرجل - وهو على مسيرة ثلاث مراحل ، وانى أخاف ان تنذر قومها بما نراه . .
- وما الرأى ؟ - ليقطع كل رجل من جندك شجرة ويجعلها امامه ، ويسير وهي فى يده .
(حسان جنده بذلك ففعلوا ) وجد القوم في السير ، حتى بقيت لهم ثلاث مراحل فأبصرتهم زرقاء اليمامة كما هم فقالت :
- واقوماه . . اني أرى قوم حمير . . - وما الذي ترينه ؟ - " اني أرى رجلا خلف شجرة ، ومعه كتف يتعرقها ، وآخر يخصف فعله " فلم يصدقها أحد ، وانهموها بالمبالغة
والافتراء . . وناموا ليلتهم ، وهم يتحدثون علانية ، عن قصة غسل العار ، وكيف ان العرب لا تنام على ضيم ، فقال أحدهم مداعيا للآخر : أرشيد انت أم راشد ؟ فقال كلاهما - أرأيت اني كدت أجذ شعرات لحيتي ، لما لحقنا من الذل . فقال الآخر : لا عليك ان تجذها الآن . .
ومد يده يتحسس لحيته الكثيفة -اخسأ انها دلالة الرجولة ، فأجابه الثاني ، هي مع المرأة ايضا فضحكا معا - وقال قاتلك الله ، نم يا وجه الفقر .
قال الباحث : وما كان لهم أن يناموا ، فالزمن لم يطمس بقية القصة ، ولا تزال لها ذيول وجذور . . ووصل جيش حمير ، وعلى رأسه " حسان وباغتوا جديسا مباغتة ، شلت افكارهم فكانت مجزرة اخرى رهيبة واخذ حسان يحرق ديار القوم ، حتى افناهم عن بكرة أبيهم ، وبعد ان انتهى ء امر باحضار زرقاء اليمامة هذه التى تبصر الرجل من ثلاث مراحل ، ليقف على سر قوة ابصارها ، فاحضرت له وأمر بان تفقا عيناها فشاهد عروقا سوداء فيها فسألها . . فقالت أسود يقال له " الثمد " كنت اكتحل به . .
وفي هذا يقول الاعشى :
قالت أرى رجلا في كفه كتف
أو يخصف النعل ، لهفي أية صنعا
فكذبوها بما قالت فهاجمهم
ذو آل حسان ، يزجي الموت والشرعا
فاستزلوا اهل " جو " من مساكنهم
وأهدموا شاخص البنيان فاتضعا
كانت مساكن جديس تدل على يسر أهلها
- وثرائهم وكانت ذات طبقات ، تتخلل مسالك المدينة ، جنان فيحاء ، وكانت
منازلهم عالية جدا - ولعل زرقاء اليمامة شاهدت قوم حسان من فوق احداها - وسميت اليمامة بهذا الاسم ، لان امرأة من جديس ، يقال لها - اليمامة بنت مرة - وهى أخت رياح - صلبت على بابها ، فسميت باسمها .
وحسان هذا كما يقول عنه المؤرخون - هو حسان بن تبع الحميري ، بن ذى معافر ابن تبع ، بن تبع بن تبان ، بن اسعد ابي كرب ، بن كليكرب ، بن تبع ، بن اقرن وهو جد حسان الذي يذكر المؤرخون ، انه قدم مكة ، وكسا الكعبة ، وان " الشعب " من المطابخ - انما سمى بهذا ، لنصبه
المطابخ فيه ، واطعامه الناس ، وان " أجيادا " احد احياء مكة انما سميت بهذا الاسم ، لانها كانت مرابط خيله ، .
قلت : وهناك اسماء لاماكن كثيرة فى مكة نعرفها ، ونجهل تاريخها ، وأسباب تسميتها بهذه الاسماء المشهورة ولدينا اليوم - شعب عامر - شعب على - جبل الشراشف جبل السبع البنات - جبل خندقة - جبل الناقة - جرول - وارجو من استاذى عبد القدوس وهو الذي يقوم بتحقيق تاريخ مكة المكرمة ، أن يوضح لنا سر تسمية هذه الاماكن وتواريخها فى مؤلفه القيم ان شاء الله . .
