الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

على هامش تاريخ الاستلام, السياسة المالية، في عهد عمر بن الخطاب

Share

٢

انتهينا في القسم الاول من هذا البحث عند ايراد الخراج وبيان مدى أهميتة فى تدعيم المالية العامة حينذاك ، وكيف وقف عمر رضي الله عنه وقفته الخالدة الموقفة فى تقرير نظام هذا المنبع الضخم من منابع الايرادات فى دولة الاسلام الناشئة . ثم ما كان له من الآثار المباشرة فى احداث نظام العطاء ؛ وتقرير الرواتب فى شكلها المنظم الرتيب ، ثم التوسعة على المسلمين ، ورفع مستوى معيشتهم على وجه العموم

وفى هذا القسم الثاني سنشير الى ما بقي من منابع هذه الايرادات ، ثم الى العناصر الأخرى من هذا البحث ، فنقول :

كان من منابع الايرادات الهامة فى ذلك العهد : " العشور " وكانت تؤخذ بنسبة عشر المحصول على الاراضى الزراعية التى لا يؤخذ عليها خراج ، ولا بد لنا لكى نبين انواع هذه الاراضى من الرجوع الى ما جاء فى كتاب " الاحكام السلطانية " للماوردى فى هذا الصدد حيث قسمها كما يأتى :

) ١ ( الارض التى استأنف المسلمون احياءها فهى أرض عشر لا يجوز أن يوضع عليها خراج .

) ٢ ( الأرض التى اسلم أهلها وهم عليها بدون حرب فهذه كانت تترك لهم على ان يدفعوا عنها ضريبه العشر زكاة ولا يجوز بعد ذلك ان يوضع عليها خراج .

) ٣ ( الارض التى كانت تؤخذ من المشركين عنوة وقهرا وهذه تعتبر غنيمة تقسم بين الفاتحين فيملكونها ويدفعون عنها العشر من غلتها وحينئذ تكون ارض عشر لا يوضع عليها خراج .

وقد اشار الماورذي الى قسم رابع من هذه الاراضى قال عنه انه ما صولح عليه المشركون من أرضهم فهي الارض المختصة بوضع الخراج عليها ؛ واذا فهذا القسم خارج عن نظام الغشور

ويلاحظ ان هذا النوع من الايرادات أو هذه العشور كانت تختلف عن الخراج فى ان نظامها يسرى فى نطاق الشروط التى أشار اليها الماوردي على جميع البلدان سواء ما كان منها فى جزيرة العرب أو ما كان فى غيرها .

ويوجد نوع اخر من العشور ، وهو ما كان يؤخذ من الرسوم على البضائع التى يأتى بها التجار من البلدان الاجنبية وكانت تؤخذ بنسبة ربع العشر من المسلمين ونصف العشر من الذميين وبنسبة العشر من غير الذميين

وكان البدء في تقرير هذه العشور حينما كتب " ابو موسى الاشعري " الى الخليفة عمر : " ان تجارا من قبلنا من المسلمين ياتون ارض الحرب فياخذون منهم العشر " فكتب اليه عمر : " خذ انت منهم كما ياخذون من تجار المسلمين ، وخذ من اهل الذمة نصف العشر ومن المسلمين من كل اربعين درهما ، درهما وليس فيما دون المائتين شىء ، فاذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم وما زاد فبحسابه " .

وجاء فى كتاب " الخراج " للقاضى ابي يوسف : ان اول من بعث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على العشور زياد بن حدير ، فامره ان لا يقتش احدا وما مر عليه من شئ اخذ من حساب اربعين درهما درهما واحدا من المسلمين ومن أهل الذمة من كل عشرين واحدا ، وممن لاذمة له العشر

هذه العشور ، وهي التى كان باعثها كما رايت ما يسمونه اليوم : قانون

المعاملة بالمثل بالنسبة الى الممالك الأجنبية ، والتى اقتضى بقاءها الى الان ما يحقق من فائدتها العامة للدولة . هذه العشور هي الرسوم الجمركية - كما هو مفهوم - فى اصطلاح هذه العصور .

وكان هناك منابع اخرى للايراد ، ممواريث من لا وارث لهم من موتى المسلمين ، وكغيرها مما تأتى أهميته فى المكان الثاني ، ولذلك نكتفى بالاشارة اليها

أشرنا فيما سبق الى ان تنظيم هذه الايرادات وفى مقدمتها الخراج كان له الفضل الاول فى نماء الثروة الاسلامية العامة اذ ذاك وكان من اهم نتاججها المباشرة احداث نظام العطاء . فلنتتحدث عن العطاء اذن ، ولنتحدث عما كان له من أثر جليل فى تطور حياة المسلمين الاجتماعية فى ذلك الحين وفي رفع مستوى معيشتهم وزيادة رفاهيتهم وما تلى ذلك من تقدم فى ميادين الحضارة والثقافة والاقتصاد .

يقول البلاذرى فى كتابه " فتوح البلدان " : ولما افتتح عمر العراق والشام وجى الخراج جمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ابي قد رايت ان افرض العطاء لاهله . فقالوا : نعم رأيت الرأى يا أمير المؤمنين قال : فيمن أبدا ؟ قالوا بنفسك ، قال : لا ، ولكنى أضع نفسي حيث وضعها الله ، وأبدأ بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعل فكتب عائشة أم المؤمنين يرحمها الله فى اثنى عشر الفا وكتب سائر ازواج النبي صلى الله عليه وسلم فى عشرة آلاف وفرض لعلى بن ابي طالب فى خمسة آلاف ؛ وفرض مثل ذلك لمن شهد بدرا من بني هاشم " .

وقد فرض عمر العطاء لغير هؤلاء من المسلمين والغزاة على درجات متقاربة جاء فى الطبرى : ازعمر لما فرض العطاء فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف ثم قرض لمن بعد الحديبية الى ان اقلع أبو بكر عن أهل الردة ثلاثة آلاف ثلاثة الاف فى ذلك من شهد الفتح وقاتل عن ابى بكر ومن ولي الأيام قبل القدسية ) اي الحروب التى كانت قبلها ( كل هؤلاء ثلاثة آلاف ، ثم فرض لاهل القدسية وأهل الشام الفين ، الفين وفرض لأهل البلاء ) أى الذين عرف بلاءؤهم فى الحرب (

البارع منهم الفين وخمسمائة ، وفرض لمن بعد اليرموك والقادسية الفا الفا الفا الفا الفا وكانت هذه الطبقات هى الاصل فى ترتيب العطاء ومن جاء بعدهم من الطبقات ممن لم تشهد تلك المشاهد الكبيرة كان بلحق كل قوم منهم باهل طبقة من تلك الطبقات يسمون الروادف ، وقد فرض لهؤلاء الروادف على درجاتهم للمثنى منهم خمسمائة خمسمائة ، ثم للروادف الثلث بعدهم ثلاثمائة ثلاثمائة وسوى كل طبقة في العطاء قوبهم وضعيفهم عربيهم وفرض للروادف الربيع مائتين وخمسين مائتين وخمسين ، وفرض للنساء مثل ذلك ايضا فجعل لنساء الجند من الخمسمائة الى المائتين وجعل الصبيان مائة ، وعلى هذا الترتيب ضبطت اعطيات الجند في ديوان الجيش وكان من اراد الالتحاق بالجيش بعدم تدوين عمر رضي الله عنه للديوان يقيد فى ديوانه على هذا الترتيب .

وهكذا وعلى هذا النحو المثالى البديع مضى عمر فى تنظيم العطاء حتى شمل المجاهدين وغيرهم ثم خصص لعمال الدولة وقضاتها وللائمة والمؤذنين والمعلمين رواتب معينة ، وانت تعلم ان اغلبية المسلمين فى ذلك العصر كانوا جندا لكن هناك عناصر أخرى غير الجند ، هذه العناصر شملها العطاء ايضا ولم لا وقد من الله على المسلمين بالمال الكثير ؟ ولم لا وهذه الفتوح تتوالى وهذه الغناء تتوارد وهذا الفن الذي آفاءه الله على المسلمين ينمو باستمرار ؟ لم لا يكون الجميع سواء فى ان يشملهم هذا العطاء ؟ آجل لقد بلغ من رافة عمر ومن سداد رأيه أن أوصل العطاء الى كل الناس . يقول البلاذرى بعد كلام طويل : ثم فرض أى عمر للناس على منازل لهم وقراءتهم القران وجهادهم ثم جعل من بقى من الناس بابا واحدا ، فالحق من جاءه من المسلمين بالمدينة فى خمسة وعشرين دينارا لكل رجل وفرض لآخرين معهم ، وفرض لاهل اليمين وقيس بالشام والعراق لكل رحل ما بين الفين الى الف الى تسعمائة الى خمسمائة الى ثلاثمائة درهم ولم ينقص احدا من ثلاثمائة وقال : ) لئن كثر المال لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم ألفا لسفره ، وألفا لسلاحه وألفا يخلفه لأهله وألفا لفرسه وفرض لنساء مهاجرات فرض لصفية بنت عبد المطلب ستة آلاف درهم ولأسماء بنت عميس الف درهم ولأم كلثوم بنت عقبة الف درهم ولأم عبد الله بن مسعود الف درهم

اشترك في نشرتنا البريدية