طبع بمطبعة الشيمي باسكندرية على نفقة السيد اسعد طرابزوني فى ٤٠٤ صفحة من القطع المتوسط
" اقدم هذا التاريخ لحضرة الفاضل ابى نبيه الانصاري اعترافا بمثابته بين الاخوان من الاحاديث عن هذا التاريخ الذي مضي عليه ثلاثة قرون كان فيها رهن محابس الخزائن حتى وفقني الله لاصداره والتعليق عليه خدمة العلم وارجو من الله الثواب ومن الاخوان التشجيع على عمل علمى مثل هذا. وانا اشكر الاستاذ سلفا على كلمته الذي سينشرها المنهل العذب الفرات عن هذا التاريخ ليظهر للعالم الاسلامي بمرآة بحثه هذا التاريخ . والله الموفق . وأرجو قبوله من ناشره والمعلق عليه : اسعد طرابزوني الحسينى "
كنت قد اطلعت على هذا الكتاب وطالعته وهو مخطوط ، رهن محابس الخزائن ، كما يقول ناشره ومهديه الفاضل البنا . وقد رأيت فوائد جمة كتبها المؤلف فيه عن الآثار القديمة وما حققه منها بنفسه ، بحسب أصول التحقق في ذلك العصر . مما اقنعني بان العباسى هذا عالم خبري وأثرى معا فطال لما حكى لنا في طيات كتابه هذا انه ذهب بنفسه الى الاثر الفلاني وشاهده وحقق وجوده
وموطنه . وكنت لهذا رجوت الله تعالى أن يقبض من يخرج هذا السفر إلى نور الطبع والنشر ، فإذا السيد أسعد طرابزوني يقوم بهذه المهمة وفي رأي ان ميزة المؤلف تتمثل في عنايته بهذه المشاهدات ، وقرب عصره من عصرنا اذ هو من اهل القرن الحادي عشر كما شاد به فى الصفحة ٩٧ والصفحة ١٧٥ وذكره الاسماء المستعملة عندنا اليوم لبعض المأثر والاماكن كقربان وابي جيدة ، واحتفله بتوضيح علاقة الاسم الحديث بالمسمى القديم وربطه الاسم الحديث بالاسم القديم كما فعل في ) جفاف ( اذ صرح بانها ) قربان ( وابانته عن وجه تسمية ناحية جفف بقربان بان قربان اسم رجل كانت له حديقة ذات عمارة شرقي مسجد الشمس الى جانب الشمال يفصل بينهما سيل ابي جيدة وسميت القرية باسمه واطلق هذا الاسم عليها تغليبا وكثرت فيها العمارات - فانت ترى من هذا التحليل البديع ثقوب نظر العباسى وتشهد ببراعته التاريخية ، وليس هذا وحده الموضوع الذي حلله تحليلا علميا معقولا ، فانه قد شرح لنا سبب تسمية ذي الخليفة بأبيار على اذ يقول ما ملخصه : ان هذه الاضافة ليست الى على بن ابي طالب بل الى شخص اسمه على بني مسجد ذي الحليفة ورأى اسمه منقوشا عليه مذكورا في هذا النقش انه بني هذا المسجد فنسب اليه وعم الاسم من باب الغلبة . والعباسى بهذا يصحح لنا ما وقع فيه سابقوه من المؤانين من الوهم العلمي تحليلا مدعما بالمشاهدة والبحث العلمى الدقيق
كما انه القى ضوءا ساطعا على دار سعد بن خيثمة فقال انها تقع قبلى مسجد قباء وان بالدار مسجدا جدد في زمانه سنة ١٠٣٣ ه ) ص ١٧٥ (
من هو العباسي؟!
لقد بحثت عن ترجمته فى سلافة العصر وخلاصة الاثر في اعيان القرن الحادي عشر وقاموس الاعلام " فلم اعثر له على ذكر ، ثم عدت الى الكتاب نفسه ) عمدة الاخبار ( لاستلهمه ترجمة مؤلفه - والاثر يدل على المؤثر كما يقولون - ولقد فحصت الكتب
فحصا جيدا فلم أجد فيه الا ما يدل على أن عصر المؤلف هو ) القرن الحادي عشر الهجرى ( كما قال ناسخه وناشره ولكنى أعدت الكرة وتذكرت ان فى الزوايا خبايا ، وما لي لا أفحص هذه القصيدة التى استهل بها المؤلف كتابه ، لعل فيها ) حل اللغز ( وكان الامر كذلك فمن مقارنة هذه القصيدة بما ذكره المؤلف من انه الف كتابه هذا عام ١٠٣٥ ه استنتجت ستنتاجا علميا ترجمة العباسى وفق ما يلى : -
" انه ولد في المدينة هو وأجداده . أما ولادته فكانت عام ٩٦٥ ه وعاش الى حين تأليفه الكتاب سبعة وسبعين عاما ، فهو معمر وكتابه هذا الفه على حين شيخوخته ، وهو قرشي عباسى مثر كريم واشترى بستان سميحة (١) في العوالى وجعلها وقفا لله تعالى . وقد حج سبعا وخمسين حجة وعمرة " ا ه
أما زمن وفاته فهو بالطبع في القرن الحادي عشر الهجرى ، واما تحديه وقتها فغير متيسر لنا الآن ولكن ما أدنى الموت الى من وصل سبعا وسبعين سنة ! ونستنتج من عدم ذكر معاصرية لترجمته انه كان منعزلا ، أو كان غير مشهو رفى عصره بالعلم والفضل . وهذا يظهر ايضا من عدم انتشار كتابه وقد يكون اشتغل بالتجارة وصرف همه الى الثراء فى شبابه وهو مع هذا يطلب العلم ويعلمه ويحضر مجالس أهل الفضل فحصل له بهذا ملكة علمية دعته فى آخر عمره الى كتابة هذا التأليف
أما انه ولد فى المدينة فيصرح به فى قوله فى القصيدة :
وفي دار خير الرسل عندك مولدى وفيها مقامي لم أحل داهر الدهر
وفي قوله
تقسمت الاوطان بين المعاشر فكان نصيبي كابرا بعد كابر
مدينة خير الرسل مهبط وحيه سقاها الهى ماطرا بعد ماطر
وأما أن ولادته كانت عام ٩٦٥ ه فيؤخذ صراحة من مقارنة قوله :
ولى قد مضى سبعون عاما مصانة (١) تنيف بسبع طاب زرعا لباذر
فها هو يقول لنا هنا انه حين تاليفه هذا الكتاب مضى من عمره سبع وسبعون سنة ، وتأليفه لهذا الكتاب كان عام ١٠٣٥ ه فاذا اسقطنا سبعا وسبعين من الف وخمس وثلاثين يصير البقي عندنا تسعمائة وخمسا وستين سنة ، وهذه هى سنة ولادة المؤلف بعينها . وأما انه قرشى عباسى ، فيصرح بعباسيته فى طليعة كتابه ، ويؤيد ذلك بقوله في القصيدة :
ولى نسب أرجو اليه بجرئي شريف كريم فاخر بعد فاخر
وأما ثراؤه واشتراؤه بستان سميحة ووقفه إياه فيشيد به فى قوله عنها : وقد ملكت هذه الحديقة بفضل الله تعالى وأوقفتها وجعلت بئرها موردا مباحا لكل وارد " . وأما انه حج سبعا وخمسين حجة وعمرة فنص عليه فى قوله :
تخللها خمسون حجا وعمرة تنيف بسبع حبذا من ذخاير
وبعد فاننا نعتبر ترجمتنا للشيخ العباسى مؤرخ المدينة فى القرن الحادي عشر ، بهذه الكيفية التى قدمناها للقراء ، اكتشافا علميا موفقا يسرنا تسجيله على صفحات المنهل خادمة العلم والثقافة والادب فى هذه البلاد المقدسة .
ولقد سها الطابع فادمج بعض التعليقات فى المتن ، وكان الأولى فصلهما ليعلم الاصل بصراحة من الفرع . وهناك غلطات مطبعية تدرك بالتأمل
وتداخل بعض العناوين مع ما قبلها من الموضوعات فى بعض الاماكن .
والتامل يميز العنوان والموضوع المستجد عما قبله . وقد صحح الفاظ الكتاب الأصلى استاذنا فضيلة الشيخ محمد الطيب الانصارى المدرس بالمسجد النبوى الشريف ، كما علق ناشره السيد اسعد طرابزوني عليه وقدم له بمقدمة ، وزينه برسوم في طليعتها رسم جلاله الملك المعظم " عبد العزيز آل سعود ورسم صاحبي السمو الملك ولى العهد الامير سعود " والنائب العام " الامير فيصل ورسم صاحب المعالي وكيل امير المدينة المحبوب " عبد الله السديري " ورسم الناشر .
ومن لطيف المصادف ان كان كتاب العباسى هذا وهو مخطوط من مصادر كتابنا " آثار المدينه المنورة " . فاذا احد مصادره - وهو مطبوع - كتابنا " آثار المدينه المنورة "
