بشراك بالعيد السعيد يا ايها الجيل الجديد
سر للعلا متحمسا واجنح الى الراي السديد
هذي المعاهد فتحن ابوابها هل من مزيد
والساح عجت كلها والنشء يهزج بالنشيد
يسعى لكرع العلم من ينبوعه الثر الفريد
لبنال مجدا شامخا ويفوز بالعيش الرغيد
ويسود في الوطن الذي يعتز بالعهد المجيد
وطني سعدت بنخبة رفعتك للاوج البعيد
العلم اخصب فكرها والدرس والخلق الحميد
انعم بها ريحانة ضاعت بنشر فوق جيد
او مثل عقد حافل بالدر مشراق نضيد
سارت على نهج الهدى من كل علم تستزيد
أهزوجتي شعري وما شعري سوى هذا النشيد
من فيض قلبي إنه مهدي إلى الجيل الجديد
فيه أعيد مرددا بشراك بالعيد السعيد
الشاعر الأصيل عندى من يشعر بأن له رسالة فى حياته من غير أن نهمس بذلك فى أذنه . .
الشاعر الأصيل فى عصرنا إعصار يعصف بالأطلال والأبراج العاجية . . الشاعر الأصيل فى عصرنا قوة تبنى وتشيد للغد الأفضل .
الشاعر الأصل في عصرنا صوت نضال ضد الظلم والجوع والفقر . .
وهل هناك اتحاد أجل وأشرف من أن يحمل الشاعر الفأس ويزيل الطحالب ويخصب التفكير ويعين على نمو البذرة ويحمل الطفل فى يديه ليطل من نافذته على الوجود والانسانية . .
وإني أعتقد جازما أن هذه الدعوة الخفية لم يهضمها بعضهم بعد لأنهم بحرصون بكل طاقاتهم على توفير ما يعجب القارىء المتخلف الذي ما زال يمشى على نقش " الجنس اللطيف " . .
وبعد فلقد احتوى العدد من مجلة الفكر الغراء على ست قصائد نتفاوت فيما بينها من حيث التعبير وشرف المرمى . . وقد دفعتني غيرتى على الشعر ورغبتى فى غربلته والخروج به من تابوت الصمت والمجامله الى ان اتعرض بالنقد إلى القصائد الست لأن النقد النزيه عامل بناء وخير . . ولنأخذ القصائد وقبل الخوض فيها أرجو أن لا يغضب أصحابها أو يفرحوا لأن ما سأقوله قد يكون مصيبا أو مخطئا ، والكمال لله وحده .
تحية المهدية
لم تبلغ هذه القصيدة في نظري ، المستوى المطلوب لكونها تقليدية شكلا ومضمونا . . وما كنت لأتناول ناحية الشكل فيها لولا انصراف الشاعر بكليته
الى الجرى وراء القافية مما أدى به الى العثرة حينا والى الحشو حينا اخر طوال المسافة التى قطعها والتي تعد أربعا واربعين بيتا . .
يقول الشاعر مخاطبا البحر فى حديثه عمن ركب رأسه بلا روية : خاضك ظافرا وجابك قهرا مستخفا بشرك المستطير
فقد اختل الوزن فى هذا البيت ويتركز الحلل فى " خاضك " التى كان من حقها أن تمد ، بالإضافة الى زلل لغوى يتمثل فى استعمال لفظة " قهرا " بدل " قاهزا " ما دام الشاعر قد عطفها على حال فى صورة اسم فاعل وهو " خاضك ظافرا " . . ويثقل التركيب فى قوله :
لم أجد فيهم ولا فى سواهم مثل بورقيبة الزعيم الكبير
ويستعمل الشاعر كلمات متناقضة أو لست أدرى كيف هي فى نظره مع أنها متحدة فى المعنى
وسناء يشع نورا هديا في دجى النفس كالسراج المنير
فكيف يمكن للسناء أن يبعث النور وهو النور بعينه ، يمكن له أن يشع هديا كما قال أما أن يشع نورا وضياء فلا . . ويختل الوزن مرة أخرى فى عجز البيت :
هو هو الذي أنار حياتى لبناء المكارم والحبود
ويتجلى هذا الخلل فى كلمة المكارم التى يجب أن تمد كما يقتضى البحر الخفيف . . ويتصدع البيت مرة أخرى ويكاد ينهار لو لم يكن " مشمخرا والحمد لله ، ويتمثل هذا التصدع الخطير فى كلمة أول :
أول من بني لتونس مجدا مشمخرا ولم يكن بالمغير
ويصرخ الذوق الشعرى صرخة مدوية ليلفتنا الى عدم تدقيق العبارة فى البيت الذى يقول فيه الشاعر
أفيرجو ، ونحن سد وراه ناعق الشرق ، خرق هذى الجسور
استعمل الشاعر هنا كلمة الجسور وكان عليه أن يستعمل كلمة السدود ما دام قد شبه الشعب التونسي خلف زعيمه بالسد ، هذا السد الذى لا يمكن " لناعق الشرق " أن يتخطاه ويفتح فيه ثغرة ، ، سامح الله القافية التى أجبرت شاعرنا على ارتكاب الخطأ فأصبحت الجسور " تخرق " . .
وننتقل الى ناحية المضمون التى لم تكن بأحسن حال من ناحية الشكل موضوع القصيدة هو التغنى بمكانة المهدية وبنهضتها فى العهد البورقيبي ، وهو لعمرى موضوع مشرف لو لم يتناوله الشاعر بطريقة تقليدية تغلب عليها السطحية . . تبتدئ القصيدة بمقدمة تمهيدية خلناها انقرضت من زمان وهو الوقوف على الأطلال إذا صح أن نعتبر البحر طللا ، ويكون ذلك جسرا للعبور فوقه الى الموضوع الرئيسى من القصيدة وهو التغنى بنهضة المهدية فى يومنا هذا . . وحتى المعانى التى تعرض اليها الشاعر سواء فى الجزء الاول أو الثاني من القصيدة لم يطرأ عليها تجديد يذكر ، تلك المعاني التى ربطها الشاعر في بعض الأحيان بكلمات وعبارات بدائية مبتذلة مثل " خاسئ " ، " طريد المنايا " ، " دوخوا الدنيا ، " هام البدور " ، " النفير " ، " مشمخرا و " بشت بدورا فى سماها " . .
طفل على الشاطئ
قصيدة مؤثرة شريفة المرمي كتبها الشاعر جعفر ماجد الذي يحرص دائما على تكثيف الصور فى شعره مع الحرص أيضا على الوضوح والابانة مما يقيم الدليل على شاعرية جعفر وقدرته على الخلق ، ومما زاد فى نجاح القصيدة تلك البساطة المشرقة التى تتجلى فى كل حرف وكلمة وهذه العفوية الصادقة
ألعب بالرمل ولا تتعب قد أوشك صيفك أن يذهب
كلمات بسيطة يومية تتداولها الألسن فى الريف والمدينة ، وشعرية منتقاة فى آن واحد توفر للقارئ الابانة والفهم التام ، وهي لعمرى كلمات سهلة ممتنعة . . ويجارى الشاعر هذا الطفل الصغير ، وهو يلعب على شاطئ البحر ، في مشاعره : فى أنانيته وحبه الامتلاك
البحر لأمرك ممتثل خذه بيديك فلن يهرب
ثم يصور ماجد براءة هذا الطفل ويبدع فى ذلك :
تلقى لليم سفائنه فأراك إذا غرقت تطرب
وتشيد قصورك شامخة فتخر لديك ولا تغضب
غير أن الابداع الحق فى هذا القصيد يتجلى فى الارتفاع بالتجربة عن مستوى الذات وفى تقديم جعفر غذاء جديدا للطفل ، غذاء يتماشى والتطور البشرى والنمو العقلي ، ، غذاء لم يألفه الطفل العربى خاصة من لم يتعود إلا الانتصاب أمام جدته فى ليالي الصيف وفتح أذنيه مليا لتقص عليه جدته حكاية " أمي سيسي " أو حكاية " ولد السلطان " وغيرهما ، ، قلت قد هيأ جعفر
ماجد فى هذا القصيد غذاء جديدا للطفل وهو أن يعيش الواقع وان يطل من نافذته الصغيرة على الوجود والانسانية . .
لا تعلم أن العالم بين لسان الذئب وناب الدب
لا تعلم أن شعوبا قد فنيت بالنار ولم تغلب . .
ويشعر جعفر ماجد ككل مناضل فى بلادنا بضرورة العمل والتفانى فيه لتوفير فرحة الحياة للجميع وللأطفال خاصة نظرا الى أنهم الوارثون لهذه البلاد وهم الذين سيواصلون حمل مشعل النضال فى سبيل تقدم تونس ومناعتها
لا تعلم أنك فى وطن نبنيه اليوم بما نكسب
لك يا ابنى ما نستكشفه من سر الغيب وما نحسب
أملى أن تقبل قصتنا وتقول انا لهم انسب
إنها لقصة شريفة حقا نضالنا اليوم ضد التخلف ، هذا النضال الذى من واجب كل فرد المساهمة فيه كما فعل جعفر ماجد " الشاعر " فى هذا القصيد البناء . .
" عيناك "
أما الشاعر عبد المجيد بنجدو " فما زال بدنيا الهوى فى أسر " رغم تقدمه نسبيا فى السن مما يقيم الدليل على أن نفس الشاعر لم يدركها الشيب بعد وما زال " للجمال " و " والحب " عليها سلطان . . وإنى لا أشك في صراحة بنجدو واستجابته لحرارة العاطفة التى ولدت من القصائد والمقطوعات ما أعده فوق الاشادة والتنويه إلا أنى آخذ عليه فى هذا القصيد مغالاته فى الهيام بجمال عيني حبيبته ، تلك المغالاة التى قد تسئ الى شخصية صاحبها وقد تذيبها فى بوتقة " الجنس اللطيف " . .
" حديث من القبيادس "
قرأت هذه القصيدة كثيرا وأوليتها عناية خاصة للوصول الى تفسيرها واستكشاف رموزها . . ويظهر أن عفيفي مطر قد وقف من المشكلة التاريخية فى تجربته هذه موقف تمرد وتفاؤل فى آن واحد . . إلا أنه كان عليه أن يعتمد البساطة مع بقاء الرموز كما فعل الشاعر بدر شاكر السياب في معظم قصائده التى كانت رمزية إلا أن تعاببيرها مشحونة وكلماتها منتقاة مما يجذب القارىء فيتأثر بالقصيدة دون أن يتوصل في بعض الأحيان الى استكشاف أحد رموزها . .
ومجمل القول أن قصيدة عفيفي مطر لو كانت بسيطة الصور والكلمات والتعابير لكانت أوقع فى النفس خصوصا وان القضية المطروحة إنسانية وجديرة بالكتابة فيها . .
" يا خصلة الحرير "
بالرغم من أن رياض المرزوقي شاعر قادر على حمل الفأس وقد فعل ذلك سابقا الا انه ما زال يتعثر فى " ضفائر النساء " ويناجيها ويمعن فى المناجاة ليحمل في النهاية " خصلة الحرير " برقية الى حبيبته يقول فيها :
" أحبها ، ما دام لي شعور . . " . .
وما من شك في أن هذا الشعر جميل ومرغوب فيه مع الأسف الشديد ومحب لدى كل عاشق متيم خصوصا إذا كان نابعا من نفس شفافة عميقة الشعور كنفس رياض المرزوقى الذى نجح فنيا فى هذه القصيدة ، ، ولكن المهم عندى هو أن لا يكون الشعر مثيرا وجميلا بل أن يؤدى وظيفة إنسانية .
أغنية الفقر والخجل "
هذه القصيدة لكاتب هذه السطور ، لا أريد التعرض إليها بالنقد تواضعا وخجلا . . أرحو أن يكفيني ذلك أحدهم فى العدد المقبل من مجلتنا ، وله الشكر والاحترام . .
