لا ينكرما للنقد من الاثر الظاهر ، والفائدة الملموسة ، فى خدمة الحقائق ، وتنقيح الاراء فلولا النقد الذى انتصب له منذ القدم ، كثير من أهل العلم والأدب لما عرف صحيح الروايات من زائفها ، ولما امتاز جيد الاراء وصائبها ، من سقيمها وساقطها . ولا اخال القراء في حاجة الى التفلسف في النقد ، والافاضة فى ذكر ماله من أثار حسنة ، وفوائد جمه ، فقد تصدى لذلك كثير من الادباء والكتاب ، فاجادوا فى بحثه وتحليله ، بمالا مطمح بعده لمستزيد .
والذى يؤلم ويؤسف كل غيور على ادبنا الناشئ ، ما نراه من ادعياء الادب اطفال العقول ، على كثرتهم بيننا ، وابتلاء صحفنا بهم وامتلائها يهرائهم ، من الجهل الفاضح ، والخطأ المشين ، فى فهم حقيقة النقد ، والغاية منه ، التى يجب ان يؤديها بكل نزاهة واخلاص ، فقد اتخذه بعضهم آلة للاعلان عن نفسه ، ولفت انظار القراء اليها ، هوسا بحب الظهور ، وتطبيقا للمثل المعروف : " خالف تعرف" واتخذه البعض الاخر ستارا . يهاجم من ورائه الشخصيات ، فينال من كرامتها ويحط من قدرها ؛ لادافع له الى ذلك ، سوى الحسد ، وحب التشفي والانتقام . كل هذا باسم العلم والأدب وهما ارفع واجل من ان يكونا وسيلة لأحط الغايات واحقرها !!
وبجانب هؤلاء فريق اخر ، إذا هاجمت له رأيا ، أو وقفت لمناقشته فى تصحيح رواية ، أخذته العزة بالأثم ، وجمت به نفسه عن الاعتراف بالحق ، وحمله الغلو في حب الذات على العناد والمكابرة ، والتعصب لرأيه ، والتعسف فى الدفاع عنه ضاربا بفضيلة الانصاف ، والرجوع الى الحق عرض الحائط ...
وان في عمل أولئك وهؤلاء من النتائج السيئة ، مالا تحمد عقباه ... فهو فضلا عما يتركه من الاثر السئ فى بث روح التباغض والنقاطع او العداء يقضي على الحقائق ويضيعها ، ويشوه جمالها ، ويطمس معالمها . ولا ريب ان اكبر قسط من المسئولية عن هذه النتائج ، وما تتركه من الاثار السيئة ملقي على عاتق اصحاب الصحف فهم الذين افسحوا المجال لامثال هذه السفاسف , ناسين او متناسين ان الصحافة منبر سيار ، يجب ان تصان عن اتخاذها ميدانا للمهاترة والهذيان ، وعن جعلها مرسحا يمثل فيه الادب الساقط أسوأ تمثيل ...
وبعد فهذه كلمة عجلى ، املاها الضمير ، فسجلتها البراعة ، تبصرة وذكرى وما أريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقى الا بالله .
المدينة المنورة
( تأبط شرا )
