الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "الفكر"

فن الشعر اليابانى

Share

ينقسم الشعر اليابانى الى قسمين اساسيين :   - الطانكا   - والهايكاى

وبصفة عامة ، يمكن ان نقول ، ان الطانكا يمثل الشعر الحضرى الاورستقراطى ، شعر الطبقة الموسرة ، بينما يمثل الهايكاى التقاليد الشعبية للشعر اليابانى .

وابتداء من عصر الهيان Heian الذى دام من سنة 784 الى سنة 1186 ، اخذ الطانكا حظه ، وسما على يد شعراء كبار ، نذكر منهم : (( ناريهيرا )) Narihira واثره : قصص ((يزى)) Sée I المعروفة ، وايضا على يد الشاعرتين الخالدتين : أونونو كوماشى Onono Komachi وميرازاكى شيكيبو Murasaki Shikibu

أونونو كوماشى تذكر عنها الاساطير القديمة ، ان جمالها لا يظاهيه جمال ، وحسنها لا يظاهيه حسن ، وعفتها وذكاءها ليس لهما مثيل ، وقد الهمت هذه الصفات ، مواضيع مسرحيات شتى ، غنم منها المسرح اليابانى كثيرا .

أما (( ميرازاكى شيكيبو )) فقد خلفت عدة قصائد ذات قيمة ، زيادة عن مذكراتها الخاصة (( جانحى مونوقا تارى )) Gengi Monogalari التى تعتبر من امهات التراث الادبى فى العالم .

نماذج من شعر الطانكا : Tanka

1

ذبلت الورود

فبانت ألوانها

وهأنذا احاول بلا جدوى

التفتيش عن مرورى فى هذا العالم

من خلال شيخوخة جسدى

11

الآن وقد طلع الفجر

آه .... ووددت لو رأيت

الثعلب يفترس الديك

الذي بغنائه باكرا

أفزع حبيبتى .... ففرت

111

تعب ! قمر منتصف الليل

اخذ يغيب فى سحابة كثيفة

بينما كنت اتساءل

اذا كان حقا هو

الذي اسعدت بملاقاته

اما الهايكاى فهو عبارة عن قصيدة شعرية قصيرة جدا ، تتركب من ثلاثة أبيات : 5و7و5 مقاطع     فعن اى شىء يمكن ان يعبر الشاعر فى اطار ضيق كهذا ؟ عن شىء بسيط سطحى فى الظاهر وعن اشياء عظيمة عميقة ، اذا رسمنا الهايكاى بطريقة فنية مؤثرة ، اذ يصبح حينئذ ، وضعا شاعريا حالما وصادقا لحال خاصة ومعينة .

وبما ان تركيبه قصير ، فتاثيره يكون محصورا ومحدودا .

واليابانى متأثر بتربيته وبيئته ، ومن هنا نفهم قدرته على التأثر المركز العميق .

والغرض الاصلى لتعاليقنا فهو انارة راى القارىء ، واعانته على السير فى الطريق ....

ولا شىء يمكن ان يظاهى ، اتحاد العواطف والآراء ، مع روح الشاعر اليابانى (( باشو )) Baho

ماتسيو باشو Matsuo Basho (1694-1644) اكبر شاعر يابانى ، كان يغنى الحب والطهر ، مولعا بالزهور ، والرياحين والقمر .

فآثاره عبارة عن أناشيد وتسابيح للطبيعة ، مجزاة ومقسمة ، ومنقوشة فى التلفيظ الصغير ، لقصائده القصيرة، فهو تارة شاعر ، وطورا مسافر ، يجوب ليلا ونهارا ، طوال حياته ، الحقول والغابات ، والجبال والسهول .

لقد كان دائم التأمل ، حسب فصول السنة ، فمرة نراه متأملا تحت شجرة كرز ، واخرى تحت شجرة خوخ ، أو على الثلوج الطاهرة النقية ، فروحه المولعة الرقيقة ، تعشق الزهور ، والحيوانات ، والناس ، والأشياء . ان فلسفته كلها عطاء وطيبة ، ومحبة .

كان بوذيا مستنيرا ومثقفا يفهم بقلبه ، ويجد لكل شىء تفسيرا ، فالفقر بالنسبة اليه ، اعظم كنز ، وهو الوحيد الذى يوحى للشاعر ، بالملامسة الباطنة للطبيعة ، وثروة المسارة العميقة ، وسر الحياة الطاهرة المطهرة .

وبقطع النظر عن روحانيته وتصوفه ، فان خاصيته ، ومميزاته الادبية ، بقيت يابانية صرفة : تقشف وزهد فى التعبير ، رقة ولطافة فى اللمس ، ثم حسن ذوق، بالإضافة الى ذلك الامر الذى لا يمكن ان نعطيه تسمية، وانما هو يشم شما، ويحس احساسا تلك الاناقة الباطنية ، محلاة بذلك الحياء الخفى، تعريض حضارة قديمة رفيعة .

ولد (( باشو )) Basho سنة 1644 بـ (( أووينو )) Oueno باقليم (( ايقا )) lga ، وتصادق منذ صغر سنه مع ابن سيده ، وكان يحبه حبا جما وهو الذى درسه وعلمه الشعر .

ولما مات هذا الاخير ، يئس ((باشو)) من الحياة وهجر الناس، وانصرف الى دير بوذى. ومنذ ذلك الوقت، بدأ ميله والهامه يتجهان الى الشعر والفلسفة، فذهب الى (( إيبدو )) Yedo ( اى كييتو Kyoto الحالية ) ليصقل مواهبه لدى علمائها وادبائها ، ولكن معلمه الوحيد كان الطبيعة .

وبـ (( إييدو )) سكن كوخا حقيرا مبنيا امام شجر الموز ، ومعنى (( باشو )) Basho باليابانية هو شجر الموز ، وهو اسمه الذى اشتهر به . وذاعت شهرته  وانتشرت بسرعة فائقة ، فأصبحت له مدرسة بطلابها ، وحاشية من المعجبين كونت حوله وعاشت فى ظله ، (( فباشو )) اصبح يدرس فن الشعر ، كتعبير مدرك لروح طاهرة ، مع شغف بالبساطة والاخلاص .

فالقصائد العلمية ، والاشكال والصور المصطنعة ، والافكار المذبذبة لا تروق له ، فقد كان يقول :

(( إن كل هذا ليس هايكاى )) .

فالشعر ، قبل كل شىء ، استعمال بنشوة لتجربة الحياة الصافية بحرارة وهمة وتصوف .

وفى سنة 1682 التهمت نيران حريق عظيم جزءا كبيرا من العاصمة ، فتأثر من حديد بمظهر انعدام الاشياء ، والرؤيا الخفيفة العابرة فى العالم ، فاخذ عصاه وراح مسافرا يجوب رحاب بلاده .

ولم ينفك عن الانتاج ، بل اخذ يغنى بحرية ، لنفسه لا لغيره ، وليعظم سروره لا ليرتزق بغنائه ، يغنى للطيور ، ولحفيف الحقول ، للقمر والعشب والصخور .

كان ينام فى الحانات الحقيرة والحقول والسهول ، او ينزل ضيفا احيانا على بعض الموسرين من هواة الشعر والادب ، ثم يهب عند الفجر ويستمر فى تجواله ، يشبه فى ذلك ، الراهب المتسول الفقير ، ولكن فى القلب منه نشوة ، وفى الهمة سمو ورفعة .

كان الهايكاى قبل (( باشو )) شيئا بسيطا ، فاصبح على يده لونا من الشعر الرقيق ، يصور حب الطبيعة ، وتاثر الفؤاد ، روحه بسيطة رقيقة ، يتأثر مع كل من يتأثر بظروف الزمن ويتلون بانصاف المقامات او ارباع المقامات المنوعة للاشياء .

لقد تممت الاسفار واكملت شخصيته ، فأصبح يبحث - زيادة عن التفكير - عن عمق الفكرة ، ذلك العمق الاعمق ، دون زخرف الكلام وبديع اللفظ ، وبفضل فراره من الناس وكل ما هو مصطنع ، بقى يشعر ويحس مباشرة ولنفسه ، بروح طفل برىء صغير .

وعندما يكون الشاعر محتاجا شديد الاحتياج لتصفية تامة شاملة ، فالخطب والقصائد الطويلة تصبح لا تروقه ، لان الكلمات المستعملة هى اقنعة تخفى اشياء كثيرة ، فاقل ما يمكن من اللفظ والكلام ، والراحة والسكون والسكوت ، هو ما يحفظ عذارة القلب وصدق التأثير .

ويقال انه فى احد الايام كان بوذا مارا من طريق ، محفوفا بأتباعه ، فراى زهرة جميلة ، فابتسم لها ، وفهم سر هذه الابتسامة ، كل من كان معه ، ولم ينبس أحد ببنت شفة ، ولم يحاولوا الكلام ، لان الكلام يكون عاجزا احيانا عن تصوير شعور او احساس .

هل يمكن ان تؤدى ترجمة ما ، جمال الهايكاى ورقته وعمقه ؟

اننا ، لسوء الحظ ، لا يمكن ان نطلب كرامة او معجزة ! يكفينا الاحساس بنفس شعور (( باشو )) ، فى الظروف التى عاشها .

اما اعادة القيمة الموسيقية للنص ، بالنسبة للقارىء اليابانى فهذا مستحيل، لان الهايكاى يغنى بطريقة رتيبة ، ويعاد غناء البيت الواحد ، مرتين لتركيز همة القارىء ، فيقوى التاثير ويعمق .

مات (( باشو )) سنة 1694 فى العقد الخامس من عمره بـ (( أوزوكا )) Osaka عند صديقه (( نيزايمون )) Nizaémon وحوله تلامذته الاوفياء ، مات مسافرنا الفقير ، فى هدوء وابتسامة ، مات موتة سهلة ، ناعمة .

مات وآخر شىء قام به ، صلاته لالهة الرحمة البوذية ، التى يذكر ، ان رؤيتها وحدها ، تهدىء وتسعد أشقياء جهنم .

يا فلسفة الطيبة ! انت الحقيقة الانسانية الوحيدة ! بدونك انت ، لا توجد نشوة ، ولا تأثر عميق !

مات (( باشو )) وترك لنا قصائده الرائعة ، واشياء قليلة : أوانيه التى يستعملها فى الاكل والشرب ، وصورة لبوذا .

ثم دفن بدير على ضفاف نهر (( البيفا )) Biwa حيث القمر جميل بديع .

وبعد موته ، بقى اسمه ، مقرونا الى الابد ، بالشعر ، والحياة البسيطة ، والعفة ، والطيبة .

وهذه نماذج من الشعر الهايكاى Haikai

1

   عند صوت المجداف

وأنين الامواج .... يثلج قلبى

    وفى الليل أبكى

II

         البرد قارس

 متحدثا ، نائما مع صديق لى

   يا له من سرور عميق

III

       ظلى متقلص

       فوق حصانى

  يبدو كأنه قد من الثلج

IV

        أيها الغراب الحزين

     انهم يكرهونك فى العادة

   ولكن كم هو بديع ظهورك

        وانت تعلو الثلوج

V

         هذا المساء !

لم يفكر أحد أن ينام ، ولو لحظة

     أيها القمر البديع !

VI

             قمرى الباهر

             ليريح العيون

  سحابتين أو ثلاثا ، من حين لآخر

VII

              قطيع !

          صوت التدرج

   حين نعلم انه يأكل الآفاعى

VIII

         بدون أغصان

          نبات البحر

    يعيش بعيدا ... بعيدا

اشترك في نشرتنا البريدية