الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

فى الادب الخفيف, تحية صحفى مصري لزملائه العرب

Share

وانا فى طريقي إلى " مكتب تحرير أم القرى الغراء " لزيارة الزملاء الكرام حاملا اليهم تحية زملائهم في مصر ، حدثتني نفسي بأنى ملاق زملاء ناشئين إذا دخلت معهم فى حوار أو نقاش فى اي من الموضوعات العلمية فستتكون الغلبة لى ، فى ذلك الحوار المنتظر ، والنقاش المرتقب .

بهذا كانت نفسى تحدثني ، وعلى هذا ارتقيت درجة الدار ، يملأني الاعتداد بالنفس ، منتفخ الجسم ! كما تنتفخ الديكة عند انزالها للمصارعة !

واشد ما دهشت له أن عصاي ، هي الاخرى ، تحدث على درجات السلم صوتا غير مألوف لى من قبل ، كأنها قد انتفخت كبرا ، والعياذ بالله ، وكأنها تريد ان تتباري مع عصى أهل الأدب بالحجاز قلت لنفسي : وما لعصاي تحدث هذا الصوت ! لا ايتها العصى ! لقد قضت عصى موسي عليه السلام على سحر العصى ، فدعك لشأنك ، فما جعلت إلا للتوكؤ فقط ، فليس لى فى هذه البلاد المقدسة ناقة أو جمل اهش عليهما بك .

وانتهيت من الصعود الى غرفة صغيرة اشبه بشرفة مطلة على الشارع ، ووضع فيها مكتب جلس خلفه شاب شغل بحديث مع شابين آخرين ، فلما اصبحت أمامهم وجها لوجه صافحوني وأذن الجالس خلف المكتب بالجلوس ، واخذت التحيات الطيبة تنهال على لما عرفتهم بنفسي وبعملى ، كما اخذت الاسئلة تترى على استفسارا عن أحوال الأدب فى مصر ، وفى نواح علمية كثيرة ،

وأهدانى مدير مجلة المنهل نسخة منها ، فأخذت اتصفحها ، فى خلسة ، لآخذ فكرة عن مقدار تفكير هؤلاء الأدباء وبحوثهم ، وساعدتني فرصة اشتغالهم ببعض شئون التحرير فى تصفح قسم كبير من موضوعات المنهل

هنا شعرت بأن الانتفاخ قد زال عني ، واني قد عدت إلى حالتى الاولى ، فان هذه الوهلة التى تصفحت فيها بعض أوراق " المنهل اعطتني فكرة طيبة عن أهل الأدب فى الحجاز ، وعن التقدم الذى بلغته النهضة الفكرية فيها فى مدى هذه الأربعة عشر عاما المنصرمة .

ففي الحق ، وجدت أن المنهل يخرج للناس الادب الغريز فى تفكير مستقيم ورأى ناضح ! بل هو كالمدرسة التنقلية ينتفع بها الناس في منازلهم ، ومتاجرهم وفى غدواتهم وروحاتهم ، فى مدارسهم ومجالسهم ، ففيه من النقد ما يعتبر من الامثلة العليا للنقد العصرى ، وفيه من الشعر ما يهز أوتار النفوس ومن النثر ما يعتبر مثال البلاغة : وفيه من الوصفات الطيبة ما يعتبر حصانة منيعة ضد أمراض الطفولة التى تفتك بعماد الامة وهو الطفل

قلت لنفسي : قاتلك الله ايتها النفس لقد كدت تزجين بي في مضمار كنت سأخرج منه مغلوبا على أمرى ، فمالى ولهؤلاء الادباء ورثة تراث عبد الحميد وأبى الطيب ، ان مادتهم ، ايتها النفس ، لمتينة . وكعبهم فى العلوم عال ، فلانفدن بجلدى من هذا المضمار ، فلا قبل لى على هؤلاء الغزيرى المادة .

شربت القهوة واستأذنت في الخروج وانا على يقين فى ان المستقبل للعلوم والادب لهذه المملكة الفتية التى لابد ستسترد مكانتها العلمية ، برعاية حضرة صاحب الجلالة الملك المحب لرعيته ، الذي لا يألوا جهدا فى فتح مجالات الثقافة والعلوم

اشترك في نشرتنا البريدية