يقف النقاد من اصول القصة العربية مواقف متعددة منهم من يقول ان القصة جاءتنا من الغرب وان الادب الفرنسى هو منبع للقصة العربية الحديثة وان القصاصين العرب قد تأثروا بالادب الاروبى عامة والادب الفرنسى بصفة خاصة ، وابرز من ينظر هذه النظرة الى القصة العربية الروائى المصرى يحيى حقى فى كتابه (( فجر القصة المصرية ))
ومنهم من يقول ان القصة عربية اصلا ومفاصل ، وان لها اصولا عريقة ووطيدة فى الادب العربى وان عروقها ممتدة فى تاريخ الآداب العربية ونذكر من هؤلاء الناقد يوسف الشارونى الذى يذهب شوطا بعيدا ويرجعها الى العهد الفرعونى والى نمط النادرة العربية ( 1 ) وفى مقال له بمجلة آفاق عربية ( 2 ) يرى ان العرب عرفوا القصة القصيرة فى مرحلة من مراحلها عبر تاريخها الطويل . وحصر الشارونى انواعا عديدة للقصة القصيرة فى قالب النادرة مثل نوادر جحا وابى نواس ، ونوادر كتب الحيوان .
إلا اننا نرى أن القصة القصيرة العربية لئن وردت تقنياتها الحديثة من الغرب ، واقتبسها الادباء العرب من مطالعاتهم الغربية ، فان روح القصة قديم جدا عند العرب . وقد لقحت هذه التقنيات الجديدة الادب القصصى العربى فوجدت الارض الطيبة والتربة الخصبة التى ما لبثت ان اعطت عطاءها الثرى والمتنوع .
فما هى أصول القصة العربية التى كونت هذا الاستعداد الفطرى لقبول هذه التقنيات الجديدة وتبنيها وتطويرها واثرائها ؟
انه لمن السهل ان نجد فنونا وانواعا من القصة فى الادب العربى القديم ابتداء من قصص الايام الجاهلية ومرورا بروايات العشاق والمتيمين وهى روايات تقوم على اطار شعرى ويكثر فيها الاستشهاد بالشعر وتتحلى بتحليل عميق لعواطف الحب ومشاعر الهيام والعشق والوجد بنوعية العذرى والاباحى وهي قصص واقعية حية لكن للخيال فيها قسطا كبيرا . الا ان الترجمة من لغات اجنبية كان لها مفعولها الكبير فى القصة العربية . فابن المقفع ترجم كتاب بيدبا الفيلسوف ونقله عن الفهلوية ، وهى لغة فارس القديمة ، لكنه زاد عليه وصبغه بالروح العربية ونحن نعلم بدقة الفصول التى اضافها الى الاصل بقلمه ، والتحويرات التى ادخلها عليه ، والصبغة الاسلامية التى كساه بها مما جعل كليلة ودمنه كتابا عربيا اصيلا .
ولئن كان اصل رواية (( الف ليلة وليلة )) فارسيا وهنديا ، فان هذا الكتاب قد اكتسب روحه العربية وتحلى بخصائصه البديعه فى بلدان مشرقية عربية وفى عواصم اسلامية كدمشق وبغداد والقاهرة وغيرها . .
الا أننا نجد اطارا فنيا قصصيا قد نشأ ناضجا مكتملا على يد بديع الزمان الهمذانى ( ت 398 ه ) فى أواخر القرن الرابع الهجرى وكان له اثره البعيد على الادباء العرب من بعده فى كامل ارجاء البلدان العربية الى اوائل عصرنا إذ نجد فى تونس فى القرن التاسع عشر واوائل هذا القرن كتابا عديدين تفننوا فى المقامة كالورغى والغراب والدالى وبيرم التونسى وقد حاولوا جميعا طرق مواضيع واقعية تكشف كلها عن نظرات نقدية ازاء الواقع والمجتمع وان كان عيبها الغرق فى المحسنات والشكليات اللغوية .
ولقد قامت القصة العربية الحالية على اطار المقامة التى كانت لها بمثابة الرحم الذى انبثقت عنه التجارب القصصية فى مستهل هذا القرن واواخر
القرن الماضى ، ونذكر من الكتاب الذين استغلوا قالب المقامة وكان عملهم تطويرا له ومحاولة للتقرب من فن القصة الحديث وتقنياته العصرية ؛ كاتبين هما احمد فارس الشدياق ومحمد المويلحى .
ويعتبر الشدياق جبار القرن التاسع عشر واكبر موهبة قصصية لكنها اهدرت ( 3 ) ، وقد ترجم فى كتابه (( الساق على الساق فيما هو الفارياق )) لحياته باسلوب حى طريف .
اما محمد المويلحى فنرى فى أثره (( حديث عيسى بن هشام )) تعانق الفن العربى مع الفن الغربى الروائى وذلك لاول مرة فى تاريخ القصة العربية . اذ يعتنى المويلحى قبل كل شئ بالسرد الفنى ورسم المجتمع المصرى بدقة ، وتصوير الشخصيات المصرية فى كثير من البراعة والحبكة الفنية الجمالية والنظرة النقدية الواعية .
وتعتبر سنة 1913 السنة المصيرية للقصة العربية اذ كانت سنة النهاية لادب المقامة بظهور كتاب : (( زينب مناظر واخلاق ريفية ، بقلم مصرى فلاح )) وبه ظهرت ثمرة من ثمار الثقافة الغربية البحتة اذ كان وليدا لقراءات روائية فرنسية . ( 4 )
وهكذا ستتطور الكتابة القصصية بعد رواية (( زينب )) لهيكل وتتقدم خطوات على أيدى مؤسسيها فى المشرق والمغرب نذكر من مصر محمد تيمور فى العشرينات ( 5 ) ومحمود طاهر لاشين ( 6 ) فى الثلاثينات ثم اخوه محمود
تيمور وقد ارسوا جميعا اسس القصة الحديثة واهتموا بتصوير اشخاص من المجتمع المصرى من الطبقة المتوسطة .
اما فى تونس فنجد على الدوعاجى ( 7 ) وعبد الرزاق كرباكة ومصطفى خريف وزين العابدين السنوسى وغيرهم ، ولئن كان انتاج هؤلاء يتسم بالقلة فانه يعتبر مساهمة فعاله فى كتابة قصة تعبر عن خوالج النفس ونوازع القلب وتصور أحداثا وتجارب وترتكز على الاساليب القصصية التقليدية من سرد وحوار وتشويق وامتاع وحبكة وتركيز وحل عقدة . . .
