الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "المنهل"

في ميزان القرآن :, ابكم لا يقدر على شيء

Share

من الناس " قطيع " ذليل يسام خطة الخسف ؛ فلا يتكلم . ويؤذى فى عرضه وماله فلا يتألم ، ويقرع بعصى العدوان فلا يصيح

وفى هذا القطيع الانساني : من يحرم حقه ، ويعطى غيره ما ليس له  فلا يرتفع صوته بشكاة . . ومن يفضل عليه زميله ، وهو ليس بذى فضل ، فلا يعارض ولا يحاج . . ومن فى غيبة ظالمه ينهش سمعته بأسنانه واظافره ، وفى حضرته يلثم يده راكعا ، ويتمسح عند ركتبه ساجدا ، ويدعوه ب " سيدي . . ومولاي " ! !

وفي هذا القطيع ايضا : من يندلق لسانه في مجال الاماديح المفتراة بأكذب الحديث : ولكنه فى معركة الحق والباطل يغمض عينه ، ويقفل أذنه ، ويزم شفتيه

ان هذا القطيع - من الناس ! - هو السبب المشجع لظلم الظلمة ، وهو بنومه على الهضيمة ، وصمته عن الشكوى عامل قوي لامتداد المظالم والجرائم . . انه بعبارة موجزة : الغذاء الذي يمد غول الشر بالحياة والنماء .

بل ان الواحد من هذا القطيع يكاد يكون اقل كرامة من الحيوان ، فالقطة والكلبة - وهما انثيان - ! لا تمتد اليهما يد مؤذ ، وتصيبهما قذيفة راجم الا اقبلتا عليه ، منتضيتين المخالب و الانياب ، للانتقام منه . أو على الاقل صاحتا فى وجهه صيحات الاستنكار والتظلم ، ثم ولتا عنه - ولم تقيما على عدوانه - وهما تجأران !

ولكن هذا القطيع - من الناس - على ما امتاز به عن قطعان الحيوان من قلب يفقه به ، وعقل يستمد منه التفكير السليم ، ووجدان حساس بالضيم -

يابى ان يئن والسوط يلهب قفاه ، ويمسك عينه ان تدمع والصفعات تتابع على خديه ، ويقفل شفتيه بينما حقه يغصب ، وعرضه ينتهك ، وكرامته تهان !

وأبخل ارض بارجولة بقعة         يضام للفتى فيها ولا يتبرم

وما الحر الا من اذا ضيم لم يلن    وان قال حقا فهو لا يتلعثم

وليس هذا القطيع وحده فى الميدان . فهناك قطيع اخر مشتبه وغير متشابه . قطيع المملوكين لشهواتهم أو لساداتهم . الواحد منهم متكلم مقدام ولكنه يتكلم الزور ويغشى الفجور ، حتى اذا انكتم حق صراح فى حضرة ساداته ، او التبس بباطل ، لم تسمع له همسا ولا ركزا بانتقاد أو اعتراض . واذا نيل عرض حرام فى معترك شهواته لم نر فى وجهه أثرا لاستنكار أو امتعاض . واذا قيل - فى مجلسه - للمعروف هذا منكر ، وللمنكر هذا معروف ابتسم كأنه يقول : نعم . وان تعالى صوت بين يديه يأمر بخير وينهى عن شر تجهم كأنه يقول : لا !

هذا النوع ، وذلك النوع - من الانسان - يضرب القرآن المثل بهما وهو يعرض لمخيلاتنا قطيعا - من البشرية - موبوءا بالعطل والفشل والخمول ، لا يفهم لحياته سرا ، ولا يحسن بين اخوانه عملا ، وهو يعيش كلا عليهم تارة ومملوكا لهم تارة اخرى . كالانعام تماما ، بل الانعام انفع منه ، لانها تعطى وتأخذ : وهذا النوع من الناس يأخذ ولا يعطى .

" ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ . . ومن رزقناه منا رزقا حسنا ، فهو ينفق منه سرا وجهرا ، هل يستوون ؟ ؟ "

و " ضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شئ ، وهو كل على مولاه ينما بوجهه لا يأت بخير . هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل على صراط مستقيم ؟ "

والقرآن ، وهو يعرض للمسلمين هذه الصورة المقيتة للسيد الابكم ، عظة ودرسا ، ليربأوا بانفسهم ان يعيشوا مع الهمل ، وليرغبوا بالسنتهم ان يكون خرسها سببا فى كتمان الحق ، واعلان الباطل ، وطغيان الظالم ، وعدوان الاثيم - القرآن وهو يفعل

ذلك يتبع هذه الصورة المقيتة بأخرى تبدو فى الظاهر مناقضة لها ، وهى فى الواقع شبيهه بها من حيث الأثر ، ومن حيث الخطر .

فتلك صورة البكم القولي ، وهذه صورة البكم العملي ، مع انطلاق اللسان بالوعود المكذوبة ، والأماني الحلوة والدعاوى الطوال العراض !

ان الاسلام يرفض ممن يتسمى باسمه ، ويتزيا بزيه ، ويعتقد عقيدته ان يقول ما لا يفعل ، وان يعد ما لا يفي . وان يدعي ما لا يستطيع بل أدف من ذلك . يأبى الاسلام ان ينطق أهله بافواههم ما ليس فى قلوبهم .

إنه يريد منهم ان تكون ألسنتهم " مكبرات صوت " حقيقية لخلجات أفئدتهم وان تكون الكلمات فيضا خالصا لما فى الاوعية ، غير مشوب بكدر الزور ، ولا قذر النفاق " او تكون هذه الكلمات نبعا بقدرة الجوارح ، غير مجوف كالطبل يرن على فراغ ، وتفتضح ضخامته وفخامته بأهون امتحان !

ولئن كان ذلك " القطيع " من الناس ، قطيع العبيد البكم هو " وقود " ما نرى من ظلم وجريمة . فهذا القطيع الآخر منهم ، الذى ينعق بما لا نجده الا اضغاث احلام ولهو احاديث : وهو " لقاح " ما تحس من كسل وكساد ! !

" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون "

- " هم للكفر يومئذ اقرب منهم للايمان . . يقولون بافواههم ما ليس فى قلوبهم " فليعرف المسلمون هذه القطعان بينهم جيدا . . وليتعهدوها بالتربية والعلاج ، عسى ان يطهرها الله من رجسها ، او عسى ان يكفينا شر عدواها - على الاقل

اشترك في نشرتنا البريدية