الزهد والتصوف :
صدر فى فيفري 1982 عن " الدار العربية للكتاب " للاستاذ توفيق بن عامر كتاب بعنوان " دراسات في الزهد والتصوف " وهي مجموعة دراسات منها ما قدم فى ملتقيات ومنها ما نشر فى المجلات ومنها ما لم ينشر أو يقدم لكن يجمع بينها إطار الزهد والتصوف الذي وإن حظي بالكثير من الاهتمام والدرس لا يزال واسع المدى بعيد الغور مما يستوجب كبير الاعتناء والسبر والتعمق .
وان الكاتب ليلم في هذه الدراسات بأهم التجارب والظواهر الصوفية والزهدية ويأعظم اعلام الزهد والتصوف فهو يتعرض أولا الى الحسن البصرى الذي كان لا يخشى لومة لائم ولا اضطهاد حاكم فى الاصداع بالحق والعدل والدفاع عنهما والتطوع الى الوعظ الشجاع الملتزم فجعل الشيعه والخوارج وأهل السنة من المرجئة خاصة يتألبون عليه مدة حياته لكن آراءه أخصبت بعد موته فجعلت جل المذاهب تنتصر لها وتلتمس الانتماء الى صاحبها معترفة له بالامامة.
ثم يتناول توفيق بن عامر أبا العتاهية وتجربته الزهدية مبينا أبعادها الذاتية المتمثلة خاصة فى عقدة النقص وعقدة الحرمان وفي التداعي الى الفشل مما جعل الظروف مكتملة لايجاد مأساة ، وجودية حادة ومبينا بعد ذلك أبعادها الاجتماعية والسياسية المتمثلة فى تجربة أبى العتاهية الزهدية التى هى فى الحقيقة - بايجابياتها وسلبياتها - نقمة وثورة معا على الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهذا يظهر التفاعل والتمازج بين الناحيتين من شخصية وتجربة أبى العتاهية.
وبالتعرض الى السرى السقطى يتناول توفيق بن عامر الحياة الصوفية ببغداد في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث للهجرة ومن المعلوم أن
أعلام الصوفية لم يكونوا قلة اذذاك فمنهم معروف الكرخي أستاذ السقطى والحارث المحاسبي بشر الحافى لكن مؤرخي التصوف الاسلامي يجعلون السرى السقطى امام البغداديين وشيخهم الذي بفضله أصبحت مدرسة بغداد واضحة الملامح متميزة الآراء والعقائد عن غيرها من المدارس الصوفية المعاصرة لها كمدرسة خراسان ومدرسة نيسابور ومنزلته تلك راجعة الى ظروف تصوفه ومنهجه فى الوعظ والارشاد وتجربته الصوفية وكونه أول من تكلم فى التوحيد وأول من تكلم فى المقامات والاحوال فأصبح بذلك أستاذ البغداديين وشيخهم وإمامهم .
وبتناول ديوان عمر بن الفارض يتعرض توفيق بن عامر الى قضية الرمز الغزلي والخمرى ومشكلة الالتباس فى الشعر الفارضى بين الحب البشرى والحب الالهى مع إبراء الرأى فى مستويات التعبير الرمزى فى الديوان.
ومع ابن خلدون يقدم لنا توفيق بن عامر بحثا ضافيا شاملا وإن كان موجزا لجانب تفكير العلامة ابن خلدون الذي لم يقع الاهتمام والاحاطة به ولا تحديده وحصره على الوجه المرضى فتعرض له صاحب الكتاب مبينا بكامل الوضوح جميع مراحله وخلاصته أن ابن خلدون " بعد أن سبر أعماق التراث الصوفى وأحاط بشتى التجارب والعقائد الصوفية متتبعا أهم مراحل تطورها عبر العصور استخلص لنفسه موقفا إزاء التصوف يتمثل فى التنويه ببعض مظاهره كتنويهه بفضله فى إحياء الضمير الدينى وإثراء حياة المسلم الروحية واعترافه بأنه مرسخ للايمان ومطهر للقلوب وقد سلم بصدق الصوفية فيما ذهبوا اليه من درجات الكشف وأحوال المشاهدة ... وقبل منهم بصدر رحب على خفايا الوجود ودعا الى تفهمها وتأويلها ملتمسا لاصحابها العذر فى التلفظ وفكر متحرر وتسامح كبير ما نسبوه لانفسهم من علم الاسرار الالهية والاطلاع بها لانهم كانوا فى حالة تشبه السكر وهى حال الغيبة عن الحس " .
كما طرح ابن خلدون قضية التصوف طرحا دقيقا شاملا على بساط التاريخ والعلم والفلسفة والعقيدة معا فمكنه ذلك من أن يثرى الدراسات الصوفية بفوائد جمة إذ استطاع أن يحيط بعدد ضخم من المصطلحات الصوفية وأن يحددها بصورة علمية وأن يجلى الطريق الصوفية وغوامضها وملتبساتها فكان له الفضل فى تطهير التصوف وتخليصه على الطريقة السنية من كل أنواع التطرف .
ويختم توفيق بن عامر مجموعة بحوثه فى التصوف بتناول مرحلة تدهور التصوف فى عصور الانحطاط باستفحال ظاهرة الحتمية والاستسلام عند تعدد
الفرق الصوفية وانتشارها وذلك فى فصله الاخير تحت عنوان " الصوفية والعقيدة الجبرية " وتنتهى المجموعة بفهرس للمصادر والمراجع العربية والاعجمية وفهرس للقوافى مع ذكر البحور وفهرس للآيات القرآنية مع ذكر السور وفي الختام لا بد لنا من أن نشير الى بيان صاحب المجموعة للاحوال والمقامات فى الطرق الصوفية.
ورأينا ان هذا الكتاب لا بد من مطالعته لمن أراد ربح الوقت والجهد فى الاطلاع على أهم مراحل التصوف الاسلامي إطلاعا سريعا واضحا ودقيقا.
مجموعة شعرية عنوانها : "الأفكار" :
صدر للأخ جعفر ماجد عن مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله مجموعة شعرية ثالثة بعنوان : " الأفكار " جمع فيها الشاعر خاصة قصائد نظمت وقيلت في مناسبات كالاحتفال بالذكرى الالفية لميلاد ابن زيدون أو الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس مجلة " الفكر " أو الذكرى المائوية لتأسيس المدرسة الصادقية أو مؤتمر الادباء العرب ومهرجان الشعر المنعقدين بالجزائر فى أفريل 1975.
وقصائد أخرى مختلفة شخصية يتغنى فيها الشاعر بحبه لأهله وبنيه وتعلقه بمسقط رأسه القيروان المجيدة.
واننا لنعرف فى الاخ جعفر التمسك الشديد بالفكر الامين والمبدأ الرصين والتوق الملح الى المساواة والعدل الاجتماعى والنقمة على الظلم والجبروت والاقطاع والاستغلال .
ومع جودة جميع قصائد المجموعة فليسمح لنا جعفر أن نفضل قصيدة " الأفكار " التى تحمل المجموعة عنوانها فهى تصور واقع الامة العربية الاليم الذى من سوء الحظ لا يختلف كثيرا عن ماضيها البعيد والقريب منذ أن تسربت جرثومة الشقاق الى وحدة الامة العربية الاسلامية وتضخمت آفة الانانية في صميم حكم القادة العرب والمسلمين نتمنى " للأفكار " خاصة عند ذوى الالباب ، رواجا هي أجدر به من طفيف وأحيانا من خسيس الأشعار المتراكمة اليوم فى الاسواق كما نأمل من جعفر ماجد المزيد من العطاء الشعرى الجيد الاصيل والواعي المسؤول.
