قسما بسحر عيونك الخضر يا أجمل الالوان فى عمرى
وبدرك المنظوم مزدهيا بالاحمر المضموم فى الثغر
وبصوتك المنغوم يهمس لى وبعطرك المشموم فى النحر
وبصدرك المعصوم من نزقي وبليلك المقسوم فى الشعر
وبقدك المرسوم ترقصه فتن ( الخلاعة ) في حمى البحر
وبارضك الخضراء وارفة بالتين والزيتون والتمر
وبشطك الهادى ورملته مجلوة بالطيب والتبر
وبروعة التاريخ فى حقب صفحاتها تنهل كالعطر
و ( ببو سعيد ) وطيب سيرته و ( الشاذلى ) ومهده الطهر
وبلهفتي من يوم فرقتنا يمضى على اليوم كالشهر
وبأغنياتى فيك ، انظمها لتكون ليلة عودتى مهرى
ما كان لى الاك أمنية لو طالعتنى ليلة القدر
فديت ذات الاعين الخضر حسناء قرطاجية الكبر
لما تزل من عهد اندلس فى صوتها ترنيمة تسرى
وتطوف بـــــ ( ــــــالمالوف ) شادية فتزيدني سكرا على سكر
مرت ب ( حلق الواد ) تسألني من اين انت ؟ فقلت من مصر
قالت : وكيف النيل ؟ قلت لها : رغم الحوادث لم يزل يجرى
متحملا لجرراح عزته متذرعا بالحلم والصبر
مترصدا للمحدقين به متحفزا للاخذ بالثار
ما زالت ( الاهرام ) شامخة والسد مختالا على النهر
و ( الكرنك ) المرفوع مؤتلقا يجلو دبيب الروح فى الصخر(1)
وصلاة ( اخناتون ) خاشعة غبارة كمؤذن الفجر (2)
وهواية الامجاد ما برحت مهوى قلوب الفتية السمر
الصامدين بحلو نكتتهم يروونها فى العسر واليسر
ومن العجائب فى طبائعهم لطف الحمام وعزة النسر
شربوا التفاؤل من تعطشهم للنيل في تياره الثورى
يروى ( أبو الهول ) الامين لهم ما شامه من حادث الدهر
نقش الفراعن فى براثنه تعويذة مجهولة السر
مر الغزاة به فما هبطوا من سفحه الا الى القبر
لم يلق منهم فاتح سكنا فى ارض مصر عصية الظهر
الا جنود الله ، اذ قدموا فى موكب الايمان والخير
يسعم والقرآن رايتهم والله ناصرهم على الكفر
يمشون فيها رحمة وهدى ويباركون الكون بالذكر
فتحت لهم مصر منازلها واستقبلتهم رحبة الصدر
وعنت لدين الله قانتة ودنت له بالحمد والشكر
وحنت على ( عمرو ) مهللة يا بارك الرحمن في عمرو
الله اكبر ، هكذا انطلقت تلك المواكب فى المدى القفر
تنساب من بلد الى بلد وتسير من نصر الى نصر
حتى اتت ( قرطاجة ) فرأت صور الحضارة في الربى الخضر
ورأت على طول المدى زمرا ضاقت بعهد الشرك والنكر
فبنت لهم فى الارض مملكة مأثورة بالمجد والفخر
عزت بدين الله وانتسبت للحرة الزهراء في الخدر (3)
وسما المعز بها لذروتها فتألقت كالكوكب الدرى(4)
الفاطمية جسر لحمتنا اكرم بها فى الله من جسر
وانا ابن قاهرتى ، وقاهرتى بنت المعز وآله الزهر
ولكم بها فى ارضنا نسب اقوى من الارحام والصهر
ووشيجة من صنع جوهركم ووثيقة ابقى من الدهر ( 5 )
ولكم بيوت الله عامرة ومنازل الاحسان والبر
والازهر المعمور ، تربطه بالقيروان قداسة الفكر
ركنان فى صرح الهدى اقتربا قربى الرسول الى ابى بكر
يا تونس الاحلام ، يا كنفا للفن والانغام والسحر
يا بلدة ( الشابى ) ، وهو لنا خدن الشباب وزهرة العمر
وربى " أبولو " النضر تجمعنا حول الربيع وعهده النضر
كم ضللتنا فى ملاوته اسطورة تدعي الهوى العذرى
عشنا نسبح باسمها زمنا تسبيحة النساك في الدير
عشنا لوجه الحب ، يسعدنا فى الوصل والحرمان والهجر
عشنا نرى الايام حالية بالناس ، خالية من الوزر
عشنا بلا حقد ولا طمع الكوخ يبهرنا عن القصر
عشنا لوجه الشعر متشحا بالنور والايمان والطهر
حتى نأى (الشابي ) فاغتربت حلل الشباب ونضرة الزهر
ولى ، وعشنا بعده لنرى عنف الغريزة حين تستشرى
فى عالم كالغابة انتحرت فى قلبه اسطورة الخير
الحب فيه خرافة نسجت بالاثم والشهوات والغدر
والحق فيه رواية صبغت بالظلم والارهاب والمكر
والعدل فيه قضية وئدت بالافك والعدوان والشر
والعلم فيه خطيئة سفحت امن الشعوب بهولها الذرى
والبدر ، كم وطأوا طهارته بنعالهم ، لهفى على البدر
والله ، ، حتى الله انكره من امنوا بضلالة الحمر
اين الحضارة ؟ اين مكسبها وقضية الانسان فى خسر ؟
يا رب انزل منك مرحمة او لا فقرب موعد الحشر
يا بلدة الشابى ، معذرة ان كنت موتورا فمن قهرى
انا صاحب الشابى ، مذهبنا الا نخون خليلنا البصرى ( 6 )
وامانة الشابى فى عنقى والذود عن ذكراه من نذرى
ما زال فى قلبي وفي خلدى منه هدى متأرج العطر
واحسه روحا مرفرفة فى المهرجان كرفة القمرى
واكاد المحه بقامته مترنما بروائع الدر
واكاد اسمع صوت غضبته مما ألم بحرمة الشعر
جحدوا التراث ، وباركوا رجزا متهتك الاقواء والكسر
متطاولا متقاصرا قلقا ترددا كالمد والجزر
سموه بالحر الجديد ، الا يا رحمتا للشاعر الحر
الشعر موسيقى منغمة اما حنا شطر على شطر
وتأنقا وزنا وقافية وتألقا بثقافة العصر
وتجملا بحلى قوامهما وتراقصا فى موجة البحر
والنبت لا يخضل رونقه ان عاش منبتا عن الجذر
والشعب لا تزكو ثقافته ولبابها مستورد الفكر
يا تونس الحسناء ، معذرة اني شجيتك دون ان ادرى
عفوا إذا شط الحديث بنا فنسيت ذات الاعين الخضر
وغفلت عن ولهى بفتنتها وبأرضها وباهلها الغر
حان الوداع ، وظل لى أمل فى ملتقاك يشد من ازري
سأعود يا خضراء بعد غد من وكرك الحانى الى وكرى
سأعود ، فى جنبى أجمل ما حملتنيه من هوى مصر
سأعود من بلد ( الحبيب ) الى بلدى لاشهد ساعة الصفر
فاذا حييت فان لى اجلا واذا قضيت فان لى اجرى
انا لست من ديني ومن نسبى ان عشت مغلوبا على امرى
سأعود من وطني الى وطني وكلاهما بصبابتى يغرى
واظل استدنيك فى حلمي وأعد ايامى على الجمر
حتى أعود إليك ثانية وعلى يدى شهادة النصر
