كان فى بلدة ( فلدمير ) تاجر يدعى " أيفان ديمتريش أسكينوف " يملك منزلا ومتجرين وكان شابا مرحا جميل الصورة مغرما بالغناء والموسيقى . وكان يدمن فى صغره تعاطى المسكرات ولكنه بعد ان تزوج اقلع عنها واصبح لا يتعاطاها الا فى النادر القليل
اعتزم ( اسكينوف ) فى صيف أحد الاعوام السفر الى احدى المدن للتجارة واراد ان يودع زوجه قبل سفره فقالت له : " لا ترحل اليوم يا ديمتريش لقد حلمت عنك حلما مزعجا " فضحك عنها ( اسكينوف ) وقال : " انك تخشين ان انساك اذا رحلت اليس كذلك ؟ "
- لست اعرف بالضبط عما اخشاه من سفرك اليوم ولكن كلما ادريه هو اننى رأيت في الماء انك قد رجعت من السفر وخلعت قلنسوتك فرايت شعرك ابيض كالثلج "
فضحك ( اسكينوف ) وقال : " أنه بشارة . حسنة وسترين اننى سوف ابيع كل ما مع من بضائع واحضر لك معى بعض الهدايا من المدينة
قال ذلك ثم ودع عائلته ورحل وتقابل فى منتصف الطريق مع تاجر له معرفة سابقة به قضى معه الليلة بأحد الفنادق وتناولا الشاى معا ثم ذهب كل الى سريره بالغرفة المجاورة .
وكان من عادة ( اسكيوف ) ان ينهض مبكرا فى الصباح . . وحرصا منه على ان يسافر فى برودة واعتدال الطقس استيقظ مبكرا جدا قبل الفجر وايقظ الحوذى لاسراج الدواب ثم ذهب الى صاحب الفندق فدفع ما عليه من حساب واستأنف رحلته
ولم يكد يقطع نحو خمسة وعشرين ميلا حتى توقف عن السير بأحد الفنادق لعلف الدواب والاستراحة بعض الوقت فطلب شايا واخرج قيثارته واخذ يعزف عليها بعض المقطوعات والالحان
ووقفت فجأة عربة مجلجلة امام الفندق وخرج منها ضابط خلفه اثنان من الجند توجه راسا الى ( اسكينوف ) يستجوبه من هو ومن ابن جاء فأجابه على اسئلته اجابه تامة وقال له : " الا تتفضل لتتناول الشاي مع " ولم يجبه الضابط
بل امعن فى استجوابه قائلا " اين قضيت الليلة الماضية ؛ هل كنت بمفردك او مع زميل لك من التجار ؟ وما الذى حملك على مغادرة الفندق قبل الفجر ؟
فدهش ( اسكينوف ) من توجيه الضابط كل هذه الاسئلة له ولكنه أجاب على كل اسئلته وعن جميع ما حدث له ثم قال له : " ولكن ما حملك على توجيه كل هذه الاسئلة الى كأنما ارتكبت جناية او اقترفت جريمة ؟ اننى مسافر فى مهمة خاصة بى فلا حاجة الى سؤالي مزيدا من الاسئلة
فأشار الضابط الى الجنديين خلفه وقال : " أننى ضابط بوليس هذه المنطقة وقد سألتك كل هذه الاسئلة لان التاجر الذي قضيت الليلة معه وجد مقتولا وارى من واجبى ان أفتش متاعك ايضا " .
ودخل الضابط ومن معه من الجند الى الغرفة وفكوا متاع ( أسكينوف ) وفتشوه ثم سحب الضابط فجأة سكينا من احدى الحقائب وصرخ قائلا : " سكين من هذه " واستولى الخوف على ( اسكينوف) . لدى رؤيته سكينا ملطخا بالدم يستخرج من احدى حقائبه . .
واستمر الضابط في سؤاله فقال : " ما الذي لوث هذه السكين بالدم ؟ فحاول ( اسكينوف ) ان يجيب فلم يستطيع ولكنه رد بعد لأى متلعثما بقوله : " لا أدري . . انها ليست لى .
فأجاب الضابط حينئذ بقوله : ( لقد وجد التاجر مذبوحا في فراشه هذا الصباح وليس غيرك يستطيع
أن يفعل ذلك فالغرفة مغلقة من الداخل وليس بالمحل غيرك وقد وجدنا هذه السكين فى رحلك كما ان وجهك وصوتك ينمان عن جريمتك فأصدقني كيف قتلته وكم المبلغ الذي سرقته ؛
فأقسم ( أسكينوف ) انه لم يقتله وانه لم ير التاجر مطلقا بعد ان تناولا الشاى معا وانه ليس معه غير ثمانية آلاف روبل من ماله الخاص وان السكين التى وجدوها ليست سكينته وكان صوته يرتجف من الفزع كما لو كان مجرما حقيقة .
فأشار الضابط إلى الجند فأحكموا وثاقه والقوه في العربة . فأخذ ( أسكينوف ) ينتحب ويندب حظه العائر . .
وقد اخذوا ما معه من نقود وبضاعة وزجوا به فى السجن بأقرب مدينة فى طريقهم وبعثوا يبحثون ويستقصون فى بلده ( فلدمير ) السكان والتجار عن سلوكه واخلاقه فقالوا انه كان يدمن في صغره الشراب ويبدد أوقاته فى اللعب ولكنه اقلع الان عن ذلك والتزم طريق الاستقامة . وجاء وقت المحاكمة فاتهم بأنه الذى قتل التاجر وسلبه عشرين الف روبل كانت معه
اما زوجه فكانت في حالة يأس لا تدري ولا تكاد تصدق عما اشيع عن زوجها وكان اطفالها صغارا كلهم من بينهم رضيع واحد فى حجرها فأخذت اطفالها معها وذهبت الى البلدة التى قيل ان زوجها سجين بها فلم يسمح لها بادى بدء برؤيته ولكنها استطاعت مع مزيد من الرجاء والالحاح ان تحصل على رخصة
بادخالها اليه وقد اغمى عليها عندما رأت زوجها مكبلا بالاغلال فى ثياب السجن بين الاشقياء والمجرمين ولم تفق من غشيتها الا بعد وقت طويل ثم جذبت اطفالها اليها وجلست الى جانبه واخذت تحدثه عن شؤون البيت واستخبرته عما حدث فحكى لها عن كل ما جرى فسألته عما يجب عمله الآن ؛ فقال : " علينا ان نكتب التماسا الى القيصر باطلاق سراح رجل برئ حكم عليه ظلما " فقالت له : لقد رفعت التماسا بدلك الى القيصر فلم يستجب " .
فلم يرد عليها ( أسكينوف ) بشئ وأرخى بصره الى الارض فقالت زوجه : " لقد رأيت ان رؤيتى لم تكن عبثا عندما حلمت ان شعرك قد اشتعل شيبا ، لقد كان عليك الا ترحل فى ذلك اليوم كما قلت لك " ثم استانفت كلامها وهى تخلل شعره بأصابعها قائلة : " عزيزى الا تفضى الى زوجتك بالحقيقة ؟ الست انت الذى فعلها ؟ " فقال اسكينوف : " وانت ايضا تشكين فى براءتى " ثم خبأ وجهه في يديه واخذ يبكى وينتحب . وجاء ضابط يؤذن بانتهاء الزيارة فودع أسكينوف عائلته لآخر مرة .
وأخذ يستعيد فى ذهنه بعد انصراف عائلته ما دار من حديث وعندما ذكر ان زوجه تشك فيه كذلك قال : ( ليس غير الله العالم بالحقيقة فاليه وحده التمس ومنه وحده ارجو العطف والرحمة ) وتوقف اسكينوف بعد ان قطع الامل فلم يعد يكتب شيئا من الملتمسات وتوجه إلى الله يصلى ويدعو
وقد حكم على ( اسكينوف ) بالجلد
ثم النفي الى سيبريا فجلد وبعد ان شفى من الجراحات المتسببة عن الجلد نفى الى سيبريا فلبث بين المجرمين بها نحو ستة وعشرين عاما صار شعره فيها ابيض كالثلج واستطالت لحيته وضعف واستحال لونه وفارقه كل ما كان يملؤه من مرح وقل كلامه فما كان يتكلم الا فى النادر القليل وصار يصلى ويدعو على الدوام .
وقد تعلم ( اسكينوف ) فى السجن صنع الاحذية فكان يحصل منها على بعض النقود .
وقد احبت سلطات السجن (أسكينوف ) لرقة طبعه واحترمه زملاؤه السجناء فكانوا يدعونه بالرجل الصالح وعندما يريدون التماس اى شىء من سلطات السجن يأتونه ويجعلون منه رئيسا لهم يتكلم ويدافع عنهم وعندما يحدث خصام بين المسجونين يأتونه فيحكم بينهم ويرجع الحق الى نصابه .
ولم تكن تصل الى اسكينوف اية انباء عن اهله فلم يكن يدرى ما إذا كانت زوجه واطفاله لا يزالون على قيد الحياة أم لا !
وورد عدد من المسجونين الجدد الى السجن ذات يوم فاحاط القدماء بالجدد يسألونهم من اى مدن اوقرى جاؤا وبماذا كان الحكم عليهم وكان السجين ( اسكينوف ) جالسا بين المسجونين القدماء يستمع لما يقال منكس الرأس الى الارض
وكان بين الواردين رجل طويل قوى البنية فى نحو الستين من عمره بلحية محدودية خالطها الشيب أخذ يروى لزملائه السبب الذي
قبض عليه من أجله قال : " حسنا أيها الرفاق ان السبب فى القبض على هو أننى أخذت فرسا كان مربوطا الى سارية فقبضوا على بتهمة سرقته وعبثا قلت لهم اننى لم آخذه الا لاصل به إلى المنزل ثم ارجعه الى صاحبه الذى هو احد اصدقائى فأصروا على أننى سرقته بدون سبب معقول يحملهم على ذلك ، لقد ارتكبت جريمة حقا ذات مرة كنت استحق بها ان آتي الى هنا من زمن طويل ولكن لم يكتشف امرى فى ذلك الوقت اما الآن فأنى ابعث الى هنا بغير سبب ولا جريرة مطلقا ولكن آه ! عفوا لقد كذبت عليكم لقد سجنت هنا بسيبريا مرة قبل هذه ولكن لم البث بها طويلا " .
فسأله احدهم بقوله : " من أى بلد أنت ؟ " فرد عليه قائلا : من بلدة ( فلدمير ) فعائلتي من هذه البلدة واسمى ) ماكار ( كما ادعى أيضا ( سيمبونيخ ) فرفع ( اسكينوف ) رأس وقال : اخبرنى يا سيمونيج هل تعرف آل سكينوف التجار ببلدة ( فندمير ) ألا يزالون احياء ام ماذا فعل الله بهم ؛
- طبعا ! أننى اعرفهم حق المعرفة فآل أسكينوف من الاثرياء ولو ان اباهم بسيبريا من المجرمين امثالنا كما يظهر ! وانت يا ابانا ما الذي جاء بك الى هنا ؟
ولم يشأ اسكينوف أن يتحدث عن نفسه واكتفى بأن قال : لقد لبثت بالسجن ستة وعشرين عاما كما ارتكبت من ذنوب
فتساءل ( ماكار ) ، قائلا : " ولكن ماجي تلك الذنوب ؟
ولكن أسكينوف لم يجب واكتفى بأن تمتم قائلا : حسنا حسنا لابد اننى استحق كلما حدث ولم يزد على ذلك ولكن زملاءه رووا للمسجونين الجدد كيف جاء الى سيبريا وذلك لان شخصا قتل احد التجار ووضع السكين بين متاعه فحكم عليه ظلما بالجريمة
- ولم يكد سيمونيج يستمع الى القصة حتى هتف وهو يضرب ركبتيه قائلا : هذا غريب حقا انها قصة من الغرابة بمكان ! ولكن كم تبلغ من العمر يظهر ان ما بك ظواهر شيخوخة مبكرة .
- فسأل بعضهم ماكار عما حمله على كل هذه الدهشة وهل سبقت له رؤية أسكينوف فلم يجب ماكار ولكنه اكتفى بأن قال : الغريب ايها الرفاق ان نتقابل جميعا هنا !
وقد جعلت هذه الكلمات أسكينوف يفكر في أن هذا الرجل سيمونيج ربما يعرف الشخص الذى قتل التاجر فسأله قائلا : " الم تسمع بقصتى من قبل وهل سبقت لك رؤيتي أم لا ؟
فرد سيمونيج قائلا : " كيف لم اسمع بها والدنيا ملأى بالأنباء والاشاعات ولكن مضي على ذلك وقت طويل نسيت به كل ما سمعت
- لعلك تعرف الشخص الذي قتل التاجر ؟
- فضحك سيمونيج وقال : " ومن هو غير من وجدت السكين بين متاعة واذا صح ان شخصا آخر هو الذي قتل فليس هو المجرم حتى تثبت عليه الجريمة . ولكن اخبرني كيف يتمكن شخص من وضع السكين فى
حقيبتك وهي تحت رأسك ؟ لو فعل ذلك لأيقظك من دون شك .
وأحس أسكينوف لدى سماعه هذه الكلمات أن هذا الرجل هو الذى قتل التاجر فنهض وانصرف عنه .
ولم يذق طوال تلك الليلة للنوم طعما لقد استولى عليه احساس مخيف بالشقاء والبؤس فكانت تتراءى له صورة زوجه وهى تودعه عند حيله من بلده لاول مرة ، بوجهها الجميل وكلماتها العذبة وعينيها الفياضتين بالحنان والعطف ، وتتمثل له صور اطفاله وهم يلتفون حوله من بينهم مولود صغير كان فى ذلك الوقت
متشبئا بأمه وذكر نفسه كيف كان شابا وسيما مرحا وكيف انه كان يتناول الشاى بذلك الفندق المشئوم ويعزف على قيتثارته عندما قبض عليه واتهم بتلك التهمة الفظيعة التى هو منها براء وتمثل فى ذهنه المكان الذي جلد به والجلاد والناس الملتفين حوله والاغلال التى كان يرصف فيها والمجرمين الذين سيقوا معه وتمثل
كلما مر عليه خلال الست والعشرين سنة التى قضاها بالسجن وما صار اليه من شيخوخة مبكرة ، تمثل له كل ذلك فبلغ به اليأس حتى كاد يقضى على حياته مما استولى عليه من حزن جارف واسى . ولم يكن السبب فى كل ذلك غير هذا الخبيث المجرم ماكار سيمونيج لقد كان سخطه عليه وحنقه شديدا حتى لود
لو ينتقم منه ولو ضحى فى سبيل ذلك بما بقى له من حياة ، وانهمك فى الصلاة والدعاء طوال الليل ولكن اليأس والالم كانا يحزان في نفسه حزا ، وابتعد عن ماكار ولم يعد حتى ينظر اليه .
وقضى نحو اسبوعين على ذلك النمط لا يدري للنوم طعما هما يعتمل فى نفسه من شقاء لا يدرى ماذا يصنع حتى لاحظ ذات ليلة وهو يتمشى حول السجن ترابا ينهار من تحت احد المقاعد التى ينام عليها المسجون فتوقف ليرى سبب ذلك فلم يشعر الا وماكار سيمونيج يزحف الى الخارج من تحت ذلك المقعد واخذ ينظر الى اسكينوف في
فزع فحاول هذا ان يمر بدون ان يبدى انه رآه ولكن ماكار أمسك بيده واخبره انه قد افتتح منفذا تحت احد الجدران وانه كان يتخلص من التراب بملء خفه منه وتفريقه فى الطريق فى كل مرة يخرج فيها المسجونون للعمل تم قال له : " عليك أيها الهرم ان تلتزم السكوت لتخرج معى انت ايضا اما اذا افشيت السر فسوف يقضون على جلدا بالسياط ولكننى سوف اقتلك قبل ذلك .
فأنتفض " أسكينوف " غضبا ونظر الى عدوه وسحب يده بشدة منه وقال : " ليست في رغبة فى الهرب كما انك لست في حاجة لان تقتلني فقد قتلتني من زمن طويل ! اما عن الاخبار عنك فقد يكون اولا يكون حسب مشيئة الله " .
وقد فطن الجند في اليوم التالي عندما اقتادوا المسجونين للعمل ان بعضهم كان يفرغ اتربة من احذيتهم فأجروا البحث والتنقيب فى السجن حتى عثروا على النفق المحفور فجاء محافظ السجن واستنطقهم فأنكروا أن لهم اى علم بذلك النفق ثم التفت المحافظ اخيرا الى ( أسكينوف ) لما يعرف من انه رجل عاقل لا يكذب وسأله بقوله : " وانت ايها الشيخ الصالح أسألك بربك ان تنبئني عمن أحتفر ذلك النفق ؛ "
وكان ماكار سيمونيج واقفا ينظر الى المحافظ كأن الامر لا يعنيه فى شئ متجنبا النظر الى أسكينوف ، فارتجفت شفتا أسكينوف ويداه ولبث فترة طويلة لا ينبس ببنت شفه يفكر في نفسه لماذا يكشف عن امر من دمر حياته ولا يدعه يعيش ويعاني ما عانى من شدائد واهوال ؟ " فأعاد المحافظ سؤاله قائلا
" تكلم ايها الشيخ وأصدقني من هو الذي احتفر النفق تحت الجدران ؟ .
فنظر اسكينوف إلى ماكار سيونيج وأجاب : " لا يمكنني يا صاحب السعادة ان اجيبكم بشئ فذلك ممالا يريده الله ، افعلوا بي ما شئتم فأنا بين ايديكم ،
وقد حاول المحافظ كثيرا فى أن يحصل على أفادة من اسكينوف فلم يحصل منه على شئ فتنوسى الأمم
كأنه لم يكن
وكان اسكينوف مضطجعا فى سريره ذات ليلة وقد بدأ النوم يدب فى اجفانه فلم يشعر الا وشخص يقترب منه ويجلس على طرف سريره فنظر اليه فتبين له فيه شخص ماكار سيمونيج فهتف به قائلا " ماذا تريد مني بعد ، ولماذا جئت الى هنا ؟ " فلم يرد عليه ماكار بشئ فجلس اسكينوف فى سريره وقال : " ماذا تريد اذهب من هنا والادعوت الحارس " فانحنى ماكار على اسكينوف وهمس في اذنه قائلا " سامحنى يا ايفان ديمتريش أسكينوف " فسأله اسكينوف ولكن عماذا أسامحك ؟
- أننى انا الذي قتلت التاجر وخبأت السكين بين متاعك وكنت على عزم ان اقتلك انت ايضا لولا اننى سمعت حينذاك جلبة فى الخارج لذلك فأنى اكتفيت بأن خبات السكين بسرعة فى حقيبتك وهربت من النافذة " .
فصمت اسكينوف برهة وحار بماذا يجيب ، فأنزلق ماكار من السرير وجلس على الارض امام اسكينوف وهو يقول " سامحنى . . سامحني بربك يا ايفان ديمتريش اننى سوف اعترف لدى سلطات السجن بأنني انا الذى قتلت التاجر وسيطلق سراحك وترجع الى اهلك ووطنك " .
فقال اسكينوف : " من السهل عليك أنت ان تقول هذا ولكنى أين أذهب الآن بعد كل ما قاسيت طوال الستة والعشرين عاما التى قضيتها فى السجن لقد توفيت زوجتى ونسينى أطفالي فلم يعد لى مكان الجأ اليه ! "
فلم يرفع ماكار رأسه اليه ولكنه هتف : سامحني . . سامحني يا ايفان أسكينوف صدقني اننى لم اتالم عندما جلدت بالسياط الى الآن بالمثول امامك . . الا تزال رغم كل ما قاسيت بسبب تشفق ولا تخبر عني ، آه يالي من بائس سامحنى بربك أرحمني واخذ يبكى وينتحب ! وما رآه أسكينوف يبكى حتى أجهش هو ايضا بالبكاء وهو يقول
سامحك الله ولتكن ايامى أردا أو اسوا من ايامك " قال ذلك وكان عبئا ثقيلا قد ازيح عن صدره وفارقه الحنين الى أهله ووطنه فلم تعد له أية رغبة فى مغادرة السجن ، وانهمك فى العبادة يدعو ويصلي منتظرا ساعته الأخيرة . .
ومع أن أسكينوف قد قال لماكار سيمونيج انه قد سامحه فقد اعترف ماكار للسلطات أنه هو الذي قتل التاجر وان أسكينوف برئ الساحة ولكن الأمر باطلاق سراح أسكينوف لم يصل الا وأسكينوف كان قد مات منذ زمن
