الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 6الرجوع إلى "المنهل"

قصة الشهر : ، غريبة على السعادة . . . ، قصة تحليلية فازت بجائزة القصة بمجلة ترولوف ستورى الأمريكية

Share

ما زال يتمثل فى ذاكرتى ذلك اليوم وتلك الساعة التى أدركت فيها أنني اكره شقيقتي ، لقد كان ذلك بعد تناول وجبة الغداء في احد ايام السبت ، وكان البيت لا يزال عابقا برائحة مربى الخوخ التى قمنا بعملها فى ذلك اليوم ، والشذى العاطر ينبعث من المطبخ الحافل بالكثير من الحلل والاطباق اللذيذة ، الى جانب الكثير من الاطباق الخالية المعدة للغسل التى كانت شقيقتي قد كلفتنى بغسلها بمفردى ، لأن ( ماريكا ) كبرى

بناتها قد اعتزمت ان تخرج في نزهة مع بعض صويحباتها فى الوقت الذى كنت فيه فى غاية التعب والاجهاد ، فلم أتمالك أن أصرخ : كلا لن اغسلها مالم تساعدني ( ماريكا ) فى غسلها ، وكنت على حق فى ذلك ، وشعورى بالكراهية لشقيقتى ( عائدة ) تملأ نفسي ، فردت ماريكا منفعلة : ألا تريدين أن اذهب يا عزيزتي ( سيلى ) بينما ردت على ( عائدة ) منفعلة : من حقك ان تخجلي يا ( سيلي ) وتدعي ابنة اختك تتنزه ، وتقضى بعض الوقت مع صويحباتها . . فاستندت الى خزان الماء مشتبكة

اليدين انتفض سخطا وغضبا وصرخت ( واعتقد أنها المرة الاولى التى اعلن فيها تمردى ) قائلة : وأنا أليس لى حق فى الخروج والنزهة ؟ . . انني لا أكبر ماريكا ابنتك الا بسنة واحدة ونصف فقط ومع ذلك فلم أخرج قط للتفسح والنزهة . وكان اليوم جميلا مناسبا للمواعدة على الخروج ولكنك قلت : اننى سابقى مع ماريكا بالمنزل لغسل الحلل والاطباق !!

- لا أريدك أن تواعدى أحدا ولن اريدك مطلقا ان تفارقى المنزل حتى تكبرى وتعرفي كيف تحسنين سلوكك واخلاقك . .

فضحكت في استهزاء وقلت : أتقولين : حتى أكبر ، ولكن لماذا تدعين ماريكا تخرج وتضرب الوعود مع الآخرين ، ولكنى اعرف السبب ، انك لم تفعلى ذلك الا لكى تتصل بأحد الصبيان و . . .

فصرخت ماريكا مغضبة : اماه دعيها تصمت ! حسنا سأصمت ، وكانت ( عائدة ) عريضة الكتفين قوية البنية تكبرني بثلاثة وعشرين عاما طلعت لوالدى على ما يظهر اذ لا يوجد أى وجه شبه بينها وبين والدتي . .

فتقدمت نحوى ووقفت أمامى ويداها على فخذيها وصرخت قائلة : احذرى أن تفتحي فمك بكلمة والا قتلتك امضي في شغلك الآن في غسل الاطباق واذا فرغت منها تناولي القدور والحلل ، واتركي لى تقشير الخوخ بدلا عنك . .

فصرخت قائلة : كلا لن اصنع شيئا من ذلك ( والقيت بالمريلة على ارض الغرفة بيننا ) عليك ان تحاسبي أنت نفسك فلا تدعينى أقوم بعمل قدر كهذا مرة اخرى فلست انا خادمتك ، أتسمعين اننى لا أريد القيام بعمل قذر كهذا . .

- عجيب والله هل قمت بتربيتك كل هذه السنوات الاثنتى عشرة لتقابليني بمثل هذا الكلام ؟

فقلت : انك لم تعملي لى أى شئ اننى اشتغل كالحصان فى كل يوم أعني بأطفالك وأقوم عنك بأعمال البيت ، ويرسل أبى النقود شهريا باسمى فلا تدفعي الى منها شيئا

فالتمعت عينا عائدة كالشررو وتهدج صوتها وقالت : آه أيتها المنكرة للجميل . . لقد نسيت كل شئ . .

فقلت لها اصمتي اننى لم أععد احتمل كل هذه المعاملة القاسية . فردت عائدة قائلة : انسيت انك انت التى قتلت والدتك ولولاك لبقيت الآن على قيد الحياة قائمة بيننا ، فتوقفت برهة عن الكلام ثم قلت : انك تكذبين ، ولا أريد ان ابقى هنا كخادمة لك ، اننى ساغادر المنزل ، وستساعدني المدرسة فى ايجاد عمل لي ، انني سأعمل لنفسى ، ولكسب رزقي . وسيكون بأمكانى ان اشترى ما يلزمني من

ملابس وطعام ، سأحصل على  ، وأعيش كخير الفتيات . . فتجهم وجه عائدة : لا اشك انك تعنين ما تقولين فاذهبي حيث شئت وجللينا بالعار واتركينى أنا هنا . . ثم صمتت تفكر فعرفت ما يدور بذهنها ، لقد كانت حياة عائدة غير مرضية ، كما لم يكن زوجها فى حالة مالية حسنة فكان على عائدة ان تساعده فى كسب معيشتهما وكانت تكرهنى وفى خروجى وانطلاقى من نير الاعمال ما يكلفها فوق المستطاع . . وقطعت حبل الصمت المخيم بقولها : ليس لك غير

السوط ، فلست في سن يخول لك فعل ما تريدين فاعملي ما قلت لك والا . . . فلم ارد عليها بكلمة وخرجت اركض من المطبخ بعد أن ركلت الباب ورائى بشدة ثم الى الفناء ممرة بمعمل ( بيت ) اخي للموبيليا والأثاث ثم للسفوح المترامية الأطراف الواقعة خلف الدار ، التى تكون زاخرة عادة فى زمن الشتاء والربيع بمياه الامطار وسرت فى محاذاة تلك السفوح الى ان مررت بشجرة من اشجار السرو

الوارفة فتهالك تحتها وكل ما يهمنى الآن هو ان انفرد بنفسى وان لا ارجع الى منزل عائدة ثانية ولم أجد للتفريج عن نفسي غير البكاء فأخذت اجهش وأبكى ولست ادرى ماذا كانت تريد ان تصنعه عائدة بى لو لم اهرب فقد اعتادت أن تضربني لأتفه الاسباب ولليسير التافه من التحدى وشعرت فجأة بجسمى يرتعش ووضعت وجهى فى يدى والرععدة ترجحنى يمينا وشمالا وقلت في نفسى وانا اندب حظي : آه ليتنى مت أنا بدل

والدتي عند ولادتي ! لماذا كل الناس تكرهنى ؛ لقد ولدت أنا وعائدة فى الثالثة والعشرين من العمر ، وأخي الاكبر في الخامسة والعشرين ، كما كانت ولادتي سببا لوفاة والدتي كما تقول اختى عائدة على الدوام ، ولا اشك أن أمي كانت تشعر بالخجل من ولادتي وهي فى تلك السن ، ولها أولاد كبار ، ولد لأحدهم طفلة مثلها ، لقد كنت لا اشك دائما ان كلا من ( بيل ) و ( عائدة ) يكرهانني لأننى كنت السبب فى موت امنا ، كما ان والدى نفسه

أصبح حزين الفؤاد مكدر الخاطر لفقدها ، كما لازلت اذكر ان والدى كان قد استأجر بعد وفاة والدتي امرأة للعناية بى اسمها ( مسز هانلى ) وقد كان والدى رجلا هادىء الطبع خصني بالكثير من عنايته ، وقد ذكرت ( عائدة ) ان الناس اخذوا يقولون انها هى التى اصبحت تقوم بعد والدتها بادارة المنزل لذا فقد فضلت ان تقوم هى بالعناية بى وتدبير شئون المنزل ، وكنت اذ ذاك فى الخامسة من عمرى وكان لها فى

ذلك الوقت طفلان هما ( هال ) و ( ماريكا ) ولعلها فكرت انه ليس كثيرا أن يزيد عدد اطفالها طفلة واحدة ، وكنا اذ ذاك في بلدة ( مسورى ) ثم انتقلنا بعد ذلك الى ( كاليفورنيا ) لانتقال وظيفة أخي ( بيت ) اليها واخترنا الاقامة ببلدة جبلية صغيرة بها . وقد مضت عدة سنوات لم ار فيها والدى ، وقد كتبت اليه قريبا خطابا اشكر له فيه ماخصني به من هدايا جميلة

بمناسبة عيد الميلاد ، ولم اكد ابلغ العاشرة من العمر حتى كان لدى ( عائدة ) خمسة اطفال كما تضاعفت بذلك الاشغال الملقاة على عاتقى وزادت مشقة العمل وكلما كان يبعثه والدى من نقود لشراء ملابس لى كانت تصرفه عائدة على ابنتها ماريكا التى هى على الرغم من رشاقتها لم تؤثر الملابس على ما يبدو من عينيها المصفرتين وشعرها الاغبر ووجهها المرقش في الوقت الذى كنت ابدو فيه اكثر جمالا لو لقيت نصف ما تلقي من عناية كما صرحت بذلك احدى صديقاتنا في غياب عائدة . . وقد

كانت على حق على ما اعتقد فشعري متموج حالك كما لا توجد على وجهى آثار ترقيش مثلها وشكلى مناسب حسن ، فكم تزلف إلى الطلاب بالمدرسة العليا ورغبوا فى مصاحبتى ولكن عائدة كانت تقف لى بالمرصاد ولا تسمح لى بالخروج مع احد الا اننى قد عرفت السبب الآن فليس ذلك الا لخشيتها وحسدها لأن ماريكا ابنتها ليست مثلى ، وكان لعائدة ما يشغلها فقد كان الحال ليس

على ما يرام لان ( بيت ) ليس له عمل يدر عليه دخلا كافيا فلم تجد عائدة بدا من عمل اغطية سرر لبيعها والانتفاع بثمنها فى وقت فراغها الذي لا يكون الا عندما اكون انا منهمكة فى الخدمة منكفنئة على الكى أو قائمة بغسل اكداس الاطباق والحلل ، أما ماريكا فقد كانت كسولا ، لا يرجى منها خير . كما كنت أفضل أن أعمل بمفردي دائما . لقد كانت عائدة نفسها تصرح بذلك

وانا شخصيا على استعداد لان أقسم أننى غير مدينة لها بشئ فى ضمى اليها بالمنزل وكان ( هال ) ابن اختي الذي يكبرنى بسبعة اشهر كان عليه بدوره ان يعمل فى جد فى جمع الخشب ومساعدة والده فى فرز الموبيليات بالمخازن لقد كان ولدا لا يستطاب النظر اليه ولكنني مع ذلك كنت احبه واتحدث اليه أحيانا ويحدثني عن رغبته فى السفر الى الخارج عندما يكبر ويحوز الشهادة العليا فكنت اقول له : " ليس ذلك

بعيدا على طالب مجد مثلك " وكانت لى آمال أيضا وهي أن أحصل على عمل وابرح منزل عائدة بعدما احصل على الشهادة المدرسية العليا وقد تحقق ما ارجو فى مبارحة المدرسة وان كنت لم احصل بعد على الشهادة والعمل ، لقد كان على ( هال ) فى الصيف المنصرم ان يكون فى درجة أعلى ففكر ( بيت ) والده ان يوسع

أعماله وان يبقيه الى جانبه ، فاقترض لذلك من البنك بعض المال ولكن الفكرة لم تنجح وبقى ان يسدد ما عليه من دين للبنك ، واخذت عائدة تساعده في اعمال الموبيليات وتركت لى المنزل لذلك لم اتمكن من الذهاب الى المدرسة حتى ولا ( هال ) كذلك اما ماريكا فقد كانت تذهب

الى المدرسة وابقى أنا وحدى بالمنزل أعاني مرارة الانفراد والوحدة وقد حاول بعض الطلاب من معارفى ان يضرب معي موعدا غير مرة للخروج ولكن عائدة كانت تعارضني في كل مرة ، وقد عرفت الآن انه كان على ان اتمرد من زمن طويل وافارق تلك

العيشة ولكن كان من الصعب الخروج على المألوف علاوة على اننى كنت اخاف كالطفل الصغير من عائدة ومن ضربها لى على أقل هفوة تصدر منى . لقد جعلتني احتقر نفسي وملأتني بالتردد والجبن ولكن سوء المعاملة كانت لا تزال تأكل فى نفسى حتى انفجرت فجأة فى ذلك المساء وقابلت التحدى والاساءة بالمثل وتركت العمل وهربت من المنزل . .

آه ! كم أنا بائسة الآن ، ليت والدتي لم تمت أو أن والدى كان أبقاني معه لقد فكرت مليا فى التحدث اليه بالتليفون ولكن لم تكن معى نقود كما تذكرت ان والدى لا يرغب في وجودى الى جانبه وانا التى كنت السبب فى وفاة والدتي ، فعادني البكاء والنحيب واستولى على فجأة ماعانيت طوال الاشهر الماضية من تعب واجهاد

فانطرحت على الارض المليئة بالاشواك ورحت في نوم عميق لم اصح منه الا بعد غروب الشمس فنهضت فزعة وكان الليل قد اقبل فلم ادر ما افعل ولا الى اين اذهب وانا لا املك شيئا من النقود حتى ليخجلني ان اعترف أننى كنت من البؤس الى درجة ان كل شئ قد طاب لى الآن المطبخ وعائدة ، وأكداس الأطباق القذرة و . . و . .

وتوجهت صوب المنزل مذعورة اتعثر في الطريق المتحدر القذر وانا أحاول جاهدة ان اقر على شىء ، انا التى لم تتح لى الفرصة لاتخاذ قرار حاسم ولم تكن لى رغبة فى الرجوع الى منزل عائدة ولكنى كنت خائفة

من الليل والظلام المطبق فاستمررت في سيرى حتى قادتني قدماى اخيرا الى الفناء الخلفي للمخازن فدخلت متعثرة الى المنزل .

لقد كانوا - جميعهم - يتناولون طعام العشاء ورفع ( هال ) بصره الى وحيانى وقد بدت عليه علائم الاطمئنان من رؤيته لى اما ( بيت ) والأطفال الثلاثة فلم يعنوا أنفسهم حتى بالنظر الى ثم نظرت الى ( ماريكا ) فى استغراب ولكنها لم تقل شيئا ، أما أنا فحملقت في عائدة انتظر فى ضعف ما ستواجهنى به ولم اكن أصدق اذني عندما خاطبتني في لهجة عادية بقولها : حسنا يا سيلي لقد

جئت في الوقت المناسب اجلسي مع الاولاد وتناول عشاءك ولا تتركي شيئا فجلست ولكنى كنت لا استسيغ الطعام ، وساد الصمت برهة ولم ينبس احد ببنت شفة وأردت القيام بعد تناول الطعام فشعرت بساقي لا تكادان تحملانني ويدى ترتعشان وكنت أعرف أن على أن أرفع المائدة واجمع الاطباق فقالت عائدة حينئذ لابنتها : عليك ان تساعدى الليلة فى غسل الاطباق فردت ماريكا مغضبة :

وما لها سيلي لا تغسلها ؟ ولكن عائدة ردت عليها فى حزم قائلة : افعلي ما أمرتك من غير جدال فالتفتت ماريكا الى والدها ( بيت ) متسائلة : هل على أنا يا ابي أن أغسل الاطباق ؟ فرد ( بيت ) موجها الخطاب الى زوجه عائدة ، وكان رجلا عريض الكتفين أصلع الرأس مغضن الوجه ، هل على ماريكا ان تغسل الاطباق ؟ ألا يكفي أنها حرمت من

الخروج للنزهة اليوم ؟ ! فردت عليه عائدة في حدة بقولها : ليس هذا من شأنك ، دعنى أنا أدير شؤون بيتي وأولادى ، فلم يرد عليها ( بيت ) بكلمة ، ثم التفتت الى والغضب يتطاير من عينيها وقالت لابنتها : ان سيلى متعبة الليلة ، دعيها تستريح ، وعليك انت ياجيني الا تنامي الليلة مع ماريكا ولتتركا سيلى وحدها ، وامضى انت يا ماريكا فيما أمرتك به . . فأطاعت ماريكا وأخذت مشمئزة فى غسل الاطباق والحلل

أما أنا ففغرت فاى دهشة من هذا التغير الغريب في شعور عائدة ، فلم اذكر قط أنها وقفت مرة بجانبي ضد ماريكا ولم البث ان انسللت الى فراشى بالدور العلوى ، وكنت ما زلت متيقظة عندما دخلت عائدة وقالت وهي تشعل المصباح : حسنا أيتها الفتاة الصغيرة لقد عكرت اليوم صفو عائلة لم تعرف غير الهدوء ،

فأردت أن أقول لها اننى اعرف ذلك وآسفة لما حدث ولكن الكلمات ماتت فى حلقي ، واستمرت عائدة فى كلامها قائلة : لقد بذلت جهدى ومع اننى قد فقدت والدتي بسببك فقد حاولت جهدى أن اقوم مقامها نحوك وتعرفين ان ذلك ليس من السهل فى شئ على يا سيلى ، ومع انك لست من ابناء ( بيت ) فقد ضمنتك الى وكافحت عنك ، قمت بذلك من اجلك انت ومن أجل والدنا حتى لا يذكره وجودك الى جانبه بأمنا . . فملأني الشعور بالبؤس والجريمة فقد كانت ولادتى السبب في وفاة أمي ، وكراهة كل احد لى فانخرطت في

البكاء وقلت : ولكن ذلك ليس من غلطتى ، فردت عائدة قائلة : لقد كنت السبب على كل حال فى وفاتها ثم اردفت فى هدوء تقول : لا يبعد ان اكون قد كلفت عليك كثيرا ولكنك تعرفين اننى لم اعف نفسى من الخدمة فلم اعرف في حياتي كلها غير الجد فى العمل ، فرددت موافقة : اعرف ذلك ! . . واستمرت عائدة فى كلامها فقالت : ان احسن طريقة يا سيلى هى أن تغادرى المنزل لبضعة ايام لقد كنت أمس عند السيدة " آبوت "

وهي مريضة وفي حاجة الى من يساعدها وقد قلت لها اننى سأرسلك اليها فى الغد ، فلم ادر بماذا أجيبها لقد كان من الخير لى ان ابرح المنزل ولكنني لم اقم في حياتي قط بزيارة احد ولم يكن اشق على نفسى من ذلك وخاصة منزل السيدة آبوت هذه ! والسيدة أبوت هذه التى اشارت اليها تعيش فى مزرعة صغيرة وقد اعتادت عائدة أن تقابلها فى طريقها وهي ذاهبة الى البلدة لشراء ما يلزم من حاجيات ، وهي سيدة

فى منتصف العمر هزيلة الجسم يغلب عليها الهدوء والابتسامة لا تكاد تفارق شفتيها ، وقد كانت تحييني فى حنان كلما رأتني وكثيرا ما كانت تروى لى قصة ذلك الثور الشرس الكبير الجسم المحمر الوجه ذى الصوت الهائل المفزع الذى كان كل احد يهرب من طريقه خشية ان ينطحه ، أما ابنها ( فانس ) فقد طلع لابيه فكان يغضب ويثور لاتفه الاسباب وكان الناس يمزحون معه عندما يكون والده غائبا بالبلدة ، وقد

سمعت ( بيت ) مرة يقول لعائدة وهو يضحك : لست ادرى ما الذى عمل السيد آبوت لابنه فى صغره حتى طلع اكثر مجونا وابعد مكرا منه ، فقلت لها اخيرا : ولكنى اخشى ان يتضايق السيد آبوت منى ، فقالت : ما عليك منه فما دمت تحبين السيدة آبوت فستكونين معها ، ثم نهضت وهي تقول : احزمى امتعتك الليلة وستكونين عندها ظهر الغد

وقد رافقتني عائدة ظهر اليوم التالي الى دار السيدة آبوت فرحبت بنا ولكن لم يكن يبدو عليها انها مريضة وان كان يظهر عليها بعض التعب لكبر سنها ثم استأذنت عائدة لوجود اشغال كثيرة وانصرفت ، وقد سمعت عائدة تتحدث قبل ذهابها إلى السيد آبوت ولكن . اتبين ما قالت له حتى أخذ يقول لها مؤكدا . لا تكن لك أية فكرة سيتم كل شئ على ما يرام دفع لك القرر كما اتفقنا .

اخذت افكر فيما يعنيه بذلك طويلا على ماذا ياترى قد اتفقا ؟ ووقفت في مكانى متحيرة بعد ذهابها ثم ابتسمت لى السيدة آبوت قائلة : الا تأتين معى الى المطبخ نتحدث ريثما ينضح الطعام ؛ ثم نظرت الى نظرة غريبة وقالت : تحسنين صنعا يا ابنتى لو تقومين عنى باطعام الفراخ ، وتجدين طعامهم بالجردل ذلك تحت الكوخ خلف الباب فتبعتها الى المطبخ ثم خرجت الى الفناء فرأيت السيد أبوت واقفا هنالك على عتبة الباب الحفر وبعد

ان قمت باطعام الفراخ صلت الى المنزل فى شئ غير قليل من الوحشة والحبرة ثم رأيت السيد آبوت يدخل فانسللت انا الى المطبخ لا ادرى ماذا محاك حولى ولا ما يروى عن" دفانس " 7 بن من اشاعات سيئة . جت لها السيدة كثيرا ، وكان طعام العشاء حسنا ولو اننى كنت اشعر بالخجل امام السيد آبوت والسيد فانس ابنه وكانا يتحدثان مع بعضهما ولم

يتوجها الى بكلمة ، وبعد ان ساعدت في رفع الاطباق خرجت الى الفناء فرأيت عددا من الزكائب مطروحة تحت الكوخ فاقترحت على السيدة تنظيفها واعدادها للمحاصيل التى سوف تحمل الى الاسواق فى صباح الغد ، فضحكت وقالت : لا ترهقى نفسك يا ابنتى ، وبالمناسبة - ان

( فانس ) سيذهب الليلة الى السينما وبامكانك اذا رغبت ان تذهبى معه ، فلم أملك اخفاء فرحي وسرورى بذلك فقد كنت حينئذ في السابعة عشرة من عمرى ومع ذلك فلم تتح لى الفرص لمشاهدة شئ فقلت لها ولكن هل انت متأكدة من ان فانس يرضى بأخذى معه ؟ فأجابت بقولها : كل التأكيد . .

وذهبت مع فانس الى السينما بالمدينة بعد ان اوقف والده بنفسه السيارة بالباب واعطاه قيمة التذكرتين وأخيرا فاني لم اكن اخشى من فانس شيئا فقد اندفع بسيارته وعيناه لا تفارقان الطريق الممتد امامه كما انه بالسينما لم يكن يحول نظره عن الشاشة ، ثم استرحنا قليلا بعد انتهاء العرض

واخذنا في التحدث عما شاهدنا من مناظر ، وقد قلت له ونحن فى طريقنا الى المنزل : لقد كان تفضلا منك يافانس ان تصحبني معك .

واستمر فانس يأخذني معه الى السنما كل مساء عدة ليال متعاقبة ففارقني ما كان يغلب على من حياء كما ان المقام قد طاب لى بمنزل السيدة آبوت بعد الوحشة الضاربة على ، لقد كنت أساعدها خلال النهار ولكنها لم تكل الى قط القيام بعمل مرهق ما ، بل كانت تقوم بنفسها بعمل الشاى لى ولابنها فانس وتلقى على بعض الاسئلة فأجيبها عليها واني اعتقد انها قد حصلت بذلك على صورة واضحة عن حياتي بمنزل عائدة حتى لقد قالت لى ذات مساء : لكم اتمنى ان تبقى معى دائما ياسيلى

ولا ترجعي الى عائدة فأجبتها قائله : وانا مما يسرني كذلك ان ابقى معك فامسكت بيدى فى حنان وقالت : احقا ما تقولين يا سيلى ؟ فهززت رأسى بالموافقة ، فشدت على يدى وقالت باسمة : انني جد سعيدة بك يا عزيزتي ، وبعد قضاء بضعة ايام معها خشيت ان افقد بطول الاقامة ما ألقى من ترحيب وان يمملوا اقامي

ذلك علاوة على اننى قد شعرت ان السيدة لم تعد في حاجة الى فقلت ذات مساء ونحن على مائدة العشاء اظن من الافضل ان ارجع الى منزل عائدة ، فرفع السيد آبوت رأسه وقال : الا ترغبين فى المقام معنا ولما هززت رأسى بالرغبة فى ذلك قال : اذن فلا تفكرى فى ذلك حتى ينتهى الحفل الذى سوف يقام يوم

الجمعة التالي فنحن ولا شك في حاجة الى مساعدتك فى كل شىء ، فنظرت في دهشة الى السيدة أبوت فقلت : لا علم لى أنا نفسي عن الحفل حتى هذه اللحظة ، فأوضحت السيدة قائلة : لقد فكر فانس وأبوه فى عمل ذلك الحفل ، وأملى ألا تنزعجى لكثرة الاعمال !! قلت : كلا مطلقا فذلك مما بسرنى .

وما كادت تأتي ليلة الجمعة حتى شعرت ببعض الاضطراب والقلق وقد عنيت السيدة آبوت بعمل ثياب جديدة لى لحضور الحفل بعد ان اخذت قياسي بعناية ، كما أعارتني بعض حليها الخاصة ، وأعطتني حذاء أبيض مناسبا ، وعندما اغتسلت فى صباح ذلك اليوم قامت بتمشيط وترجيل شعري ، ونظرت فى المرآة بعد ان ارتديت الملابس الجديدة فلم املك أن اعتقدت ما قالته عني السيدة ايرما ايفرسون من اننى فتاة جميلة حقا ، وقلت للسيدة آبوت :

أشكرك يا سيدتى على جميل صنعك معى ، ان حبى وتقدير لك لا يزال يتضاعف لك على الدوام . فردت قائلة ( عفوا يا عزيزتي ان كل ما ارجو هو ان يحب بعضنا بعضا ويساعد أحدنا الآخر مدى العمر ) وكان يبدولى غريبا ان تقول ذلك ، ولم يتمالك السيد أبوت من ان يبدى اعجابه

بي وعند ما وضعت مائدة الطعام اجلسني بجانبه واجلس ابنه بالجانب الاخر منه وكان عشاء لذيذ جمع بين الكثير من الخضروات والدجاج المحمر وقد وضع الأسكريم بجانب المائدة بدل الحلوى كما وضعت بوسط المائدة

الكعكة الكبيرة الفاخرة المحشوة التى عملتها والتي قامت السيدة آبوت بزخرفتها وكان السيد آبوت يقوم بنفسه بملء كؤوس المرطبات وأردت أن أقوم برفع الاطباق بعد الطعام لتقديم الفاكهة ولكن عائدة أبت على ذلك فجلست في مكاني كاحدى المدعوات ثم وقف السيد آبوت وسط الحفل بعد أن أتم ملء الكؤوس

بالشراب وقال : حضرات المدعوات والمدعوين الكرام : صديقاتي وأصدقائي الاعزاء ! . لدى خبر سار أريدان أفضى به اليكم ( سنعقد عما قليل قران ابني فانس على الانسة سيلى لوميز فلنشرب جميعا نخب الزوجين السعيدين ) فهتفت في تأثر ودهشة ( ماذا ؟ ) ولكن صيحتى المختنقة لم يسمعها احد فقد كانت عائدة تملأ

المكان بقهقهتها وضحكما والسيد آبوت يجعجع بصوته يحث المدعوين على تناول المرطبات ، وقد وقف المدعوون والمدعوات جميعهم ما عدا فانس وأنا فقد كنت أظن ان فانس يدري ان علينا نحن ان نجلس . . ذلك علاوة على ان جسمى كان ينتفض وساقى ترتعشان من هول المفاجأة ولم اتمالك اخيرا ان هتفت : قل

لهم يا فانس اننا . . فرد السيد آبوت مقاطعا : لا تكوني خجلة هكذا يا سيلى ! لقد تم كل شئ ومع ذلك فلا نريد ان نطلب من فانس ان يقبلك هنا أمام المدعوين فامامكما متسع كبير من الوقت فهتفت في ثورة وانا لا اكاد اتبين صوتى من الفزع : دعوني فضلا . . فربتت السيدة آبوت على كتفي بيدها وقالت : هلم

ساعديني يا سيلى ، فذهبت معها وهنالك انفردنا ببعضنا في المطبخ فهتفت ثائرة : انك على علم بذلك فقد نقشت اسمى واسم فانس على الكعكة ومع ذلك فلم تخبريني ، لقد كنت اعتبرك صديقة لى !!

فاختلجت شفتا السيدة آبوت وقالت : لقد قلت انك تفضلين المقام معي على الذهاب الى منزل عائدة ففهمت من ذلك موافقتك على المشروع كما أن عائدة قالت لنا انك مغرمة بابني فانس وان مما يسرها ان تقترني به علاوة على أن ذلك كان بموافقة زوجي لذا فقد دبر معها حضورك الى هنا وكنت اظن . . فقلت : آه لقد عرفت الآن الفخ الذي نصبته لى عائدة والسيد آبوت ،

ليضع حدا لعبث فانس على ما يظهر وقد كان لذلك يدفع لها بعض المال لاخذ العدة للحفل ، حسنا . ولكنني لن ادع ذلك يتم ! لن أوافق ابدا . ونظرت الى السيدة آبوت فرأيتها متكدرة فأحسست بالشفقة عليها فربت على ذراعها وقلت : ليس ذلك من غلطتك يا سيدتى ولكنى يجب أن أقول لهم ، يجب ان اصرح انني لا أحب فانس ، فاصفر وجه السيدة

آبوت وقالت : هل تريدين ان تكسفينى انا وفانس بين الناس يا سيلي هنالك اشاعات غير مرضية حول فانس ، وسيصبح اذا رفضت ضحكة بين الناس ، الا يمكنك . . ألا يمكنك ان تدعي المسألة تمضى ولو مؤقتا ياسيلى ؟ ارجوك يا عزيزتى فأجبتها فى تأثر : ولكن هذا سيكون مجرد تمويه وافتراء ! فأجابت

السيدة قائلة : هل تودين فى هذه الحالة ان تبقى هنا أم تفضلين الذهاب لمنزل عائدة ! ؟ ففكرت فى عائدة وماريكا ابنتها فهززت رأسى وقد حملني على ذلك ما لحظته على وجه السيدة آبوت من تأثر فلم اكن أشك أنها تحب ولدها ولا تريد أن يكون مهزأة عند الناس واكدت لها موافقتى على البقاء مؤقتا ، فتنهدت

السيدة آبوت والتقطت الكعكة قائلة : لقد كنت ارجو ان اتخذك كابنة لى يا سيلي احرص على راحتك وأوفر لك ما تصبين اليه فى منزل عائدة من ارتياح وهدوء فهي تكرهك لانك أجمل من ابنتها ماريكا ،

ولن يبعث اليك والدك بشئ من النقود عند بلوغك سن الثامنة عشرة فتزداد معاملتها لك سوءا فأجبتها قائلة : اعرف ذلك ولكنني لا استطيع ان اتزوج برجل لا احبه ! فتنهدت واشارت الى وهي تحمل الكعكة ان اتقدم امامها وقد قمت بتقسيم الكعكة كالعادة المتبعة

وانصت الى عبارات التهانى باسمة طوال الوقت وقد كان السيد آبوت ملازما لى ولابنه كأنما كان العقد بين ثلاثة لا اثنين ولكن بعد ان خرج المدعوون التفت نحوا وقال : " أرى ان الافضل ان تذهبا معا للنوم لأننا نريد ان نذهب غدا بالسيارة مبكرين الى المحكمة لاتمام العقد " فحملقت فيه اما فانس فقد ارخي بصره وقال :

بابا ! . هل من الضرورى ان نذهب بهذه السرعة ؟ فرد عليه والده قائلا : لا داعي للتأخير فقد اعطتنا عائدة موافقتها على الزواج وبأمكاننا ان

نحصل على الرخصة من المحكمة في التاسعة والنصف غدا ويقوم أحد القضاة باجراء العقد ثم نرجع الى المنزل ولا يزال امامنا مدى للتخلص من أعباء حفلة الامس فقلت : كلا سامضى هذه الليلة هنا فقط حتى لا أكون سببا فى تكسيف احد ولكنى لا استطيع مطلقا ان اقترن بفانس وهو ايضا لا يريد ان يقترن بى فرد فانس وهو يحول نظره عني بقوله : سيان ذلك عندى فهز السيد

آبوت كتفيه وقال : مسألة الحب لا تأتي الا بعد الزواج لا قبله . . ولكن يكفينا الليلة ما قضينا من وقت في الحديث والسمر ولنذهب للنوم ولنستأنف الحديث في الصباح ، فرددت بالموافقة قائلة : حسنا ولكن على أى حال يجب الا يتم أى زواج في الغد ، وهرعت الى غرفتي فتهالكت على سريرى فى الظلام وانا ارتعش من الغضب ، وكان صوت السيد ابوت يجلجل من الدور السفلى وهو

يخاطب زوجه فقلت فى نفسى رباه ! كيف أجد الشجاعة الكافية لمعارضته يجب أن اذهب الى أى مكان الا منزل عائدة فلا يمكنني الرجوع اليه بحال من الاحوال ! وجلست فى مكانى منا علة حتى سمعت الأسرة تصعد الى الدور العلوى لياوى كل الى غرفته وبعد أن عم الهدوء انتزعت حذائى من قدمى وانسللت الى الدور السفلى ثم وقفت برهة انصت . ولما لم اسمع حركة ما انطلقت اركض من المنزل على غير هدى حتى انقطعت انفاسى وشعرت بالتعب وسمعت وقع اقدام آتية نحوى من المنزل فخشيت ان

يكونوا قد شعروا بخروجى فأتوا فى أثرى فاختبات تحت شجرة بلوط كثيفة كانت قائمة على قارعة الطريق وجلست هنالك افكر في الموقف حتى سمعت صوت فانس يناديني من الطريق قائلا : سيلى قفى بربك ولا تخشى شيئا فقد جئتك وحدى ، وارغب في التحدث اليك ، فالالتزامت الصمت برهة ثم هتفت به قائلة : أنا هنا يا فانس تحت الشجرة فقال فانس بعد ان جلس على ناحية منى

يشرح لي الامر : لقد شعرت بك والدتي وانت تهبطين الى الدور السفلى فارسلتني فى اثرك ، فقلت : يجب ان اخرج لانني اخشى ان يحملنى والدك على الزواج إذا بقيت ! فصمت لحظة ثم قال : آسف جدا على ماجرى ولكننى احببتك ورغبت فى الاقتران بك وكنت أظن انك لا تمانعين فى الاقتران بى ! ألا ترين فى الامكان ان نمضى فى الامر ؛ فهززت رأس متأثرة له فلم اكن اتوقع ان يقابلني بمثل هذه الرقة والحنان ، فقال فانس :

سوف يقع اللوم على والدتي فى خروجك هذا فسيظن والدى انها ساعدتك على الهرب والخروج ومع ذلك فالى أين انت ذاهبة فليس هذا هو الطريق الى منزل عائدة ؟ ! فأجبته في مرارة : انها لا تريدني لذا فانى ساذهب الى أى مكان تقودنى اليه قدمي . فرد فانس : لا ارى احدا بالمدينة يرضى ان يمنحك طعاما او ماوى بدون نقود كما ان لعائدة الحق فى ان ترجعك اليها مرة اخرى لانك لم تبلغي النامنة عشرة بعد ثم اضاف قائلا : ان والدتي منزعجة كثيرا من

هذه الجهة ، فقلت : يا لها من امرأة طيبة !! وعلى كل فليس فى مكنتى هو اصلة السير فان قدمى تؤلمني كثيرا ، وانفجرت أبكى بمرارة ، وكان فانس ظريفا معى تلك الليلة ربما كان ذلك لانه لم يكن مع والده فجلس الى جانبي وطوقني بذراعه محاولا تهدئتى وكانت تلك هى المرة الاولى التى أجد فيها فى حياتى من يلتصق بي ويحاول تهدئتى والتخفيف عني في الشدة وفداحة الالم فدهشت وبدأت افكر ، أليس الاولى بى أن أتزوج بفانس بدلا من الهرب او الرجوع مكرهة الى عائدة ؟ وكنت لسذاجتى أظن أن الزواج ليس غير مجرد اجتماع شخصين ببعضهما ومساعدة أحدهما الآخر ولكن لم يخطر ببالى قط حصول شىء . . .

. . .. . . . . . . .  .. . بين الرجل والمرأة يأتي أثره البنون والبنات كما أنني لم أتصور نفسى وفانس زوجين أو والدين وعندما قال فانس : أليس الاولى بنا أن نرجع قبل ان يدرى والدى عن خروجك فينحى على أمي باللائمة ؟ لم أبد أى ممانعة ورجعت معه مستندة قليلا على ذراعه متلذذة بذراعه الملتفة حولى وقد انسللنا الى المطبخ فوجدنا السيدة آبوت مشتغلة بغسل اطباق حفلة الغداء التى اقيمت اليوم ويظهر انها بدأت في غسلها عندما غادرها ابنها فانس للبحث عني فما أن رأتني حتى فتحت لى ذراعيها فارتميت فيهما وانا اشعر كأننى فى حضن أمي .

وقد تم زواجي من فانس في اليوم التالي ورجعنا من المدينة الى المنزل

لنأخذ فى موالاة مراسيم الزواج فكنت اساعد السيدة آبوت في كل شئ ، وقد طلبت منى الا ادعوها الا بيا أمي ابتداءا من تلك اللحظة لقد كانت تملؤني حينئذ عاطفة جذلى ولم أملك ان اقول لنفسى : لقد تزوجت وانتهى كل شىء وليس عليك الا أن تبقى حيث انت بالمنزل وكان مما فكرت فيه اننى عددت هذا الزواج عقابا لى من الله لأن ولادتى

هي التى كانت السبب فى وفاة والدتي واكتفى بذلك عن الشرح لما تلاه من تغير في حياتي فقد سبق ان قلت ان عائدة شقيقتي لم تبد لى أية معلومات عن الزواج كما اننى لم اختلط بغيرى من البنات لاعرف عن معنى الزواج ، وكانت شبه صدمة لى عندما سمعت السيدة أبوت تهمس لابنها فانس : أتريد ان اساعدك فى نقل امتعتك الى غرفة سيلى ؟ فرد

عليها بقوله : اتركى لى ذلك فانى استطيع القيام به وحدى ثم انطلق على الاثر ، فجلست جامدة في مكاني برهة من الزمن لست ادرى لم كان كل هذا يخفى على ؟ ! لقد كان على كل زوجين ان يتخففا من ثيابهما ويناما معا في سرير واحد كما كانت عائدة وزوجها ( بيت ) يفعلان . وكالسيد آبوت وزوجه و . . و . .

فما كاد يخطر بذهنى كل ذلك حتى قفزت من مكاني واندفعت صاعدة للدور العلوى والقيت بنفسي على السرير بعد أن احكمت غلق الباب فى الوقت الذى كان فيه فانس يصعد حاملا بعض الاثواب والأشياء فحاول ان يفتح الباب فلم يفلح فطلب

الى في صوت منخفض ان افتح قائلا : افتحى لي يا سيلى والا جن جنون والدى علينا ! فجلست على حافة السرير انتفض ثم هتفت به قائلة : اتركني وحدى هنيهة من فضلك وشعرت به وهو ينكص على عقبيه الى الدور السفلى وسمعت والده ينفجر ضاحكا على الاثر ، اذن فهو لم يجن جنونه كما كنت اتوقع . ونمت بملابس تلك الليلة ونزلت مبكرة الى الدور السفلى صباح اليوم التالي بقصد ان اشغل نفسي باعداد

الافطار تفاديا ان يفاتحنى احد بشئ فوجدت السيدة آبوت قد سبقتني لذلك ثم قالت لى في صوت مرتعش : عندي ما اقوله لك يا عزيزتي : عندما تزوج البنت فليس ذلك يعنى مجرد الاهتمام بشئون المنزل . . فأجبتها من غير ان انظر اليها : ذلك ما ظننت ولكن يظهر ان المفروض كذلك ان يناما معا فى سرير واحد ولكنى أنا . . انا . .

- ليس الزواج هو كل ذلك يا سيلي انه . . بالاضافة إلى ذكرت ما يحصل بين الزوجين لانتاج البنات والبنين ! ولا اشك انك رأيت بعض الحيوانات وهي تختلط ، هل عرفت ما اقصد ؟ فقلت لاهثة : لقد رأيت ذلك في الحيوانات ولكنى لم اسمع الا منك ان مثل ذلك يقع

بين البشر ايضا ولكن لا . . لا يمكنني انا ان اكون كذلك وصرت طوال اليوم في حال لا توصف من القلق والذعر ثم ذهبت بعد تناول العشاء مباشرة إلى مخدعي وأغلقت الباب خلفي . وقد جاء السيد آبوت على

طعام العشاء بكل المرطبات التى تبقت من الحفلة ولكنني رفضت ان أتناول منها شيئا ، فتناولها فانس وحده حتى اتى عليها وكنت اسمع ضحكهما من الدور العلوى وكانت قهقهة فانس تعلو على ضحك والده وقهقهته وشعرت بهما يصعدان السلالم يثرثران حتى وقفا أمام مخدعي فأخذا يحاولان فتحه ثم صرخ السيد آبوت قائلا : افتحي الباب ودعي زوجك الشرعى يدخل !

فرددت مختنقة كلا لن افتح ، اريد ان أكون وحدى ! وكان الجواب ان سمعت وقع قبضاتهما تهوى على الباب ، وزار السيد آبوت قائلا أفتحى والا كسرت الباب ! ولم اكن أظنه يعنى ما يقول ولكنه اخذير كل الباب بقدميه ويهوى عليه بقبضتيه الحديديتين حتى تحطم الباب فهرعت الى النافذة اريد ان القي بنفسي منها ولكن السيد آبوت لحق بي وأمسك بذراعي في قسوة وهزنى حانقا

وهو يقول : ان لفانس عليك حقوقا يجب ان يحصل عليها . تعال الى هنا يا ولد ! ورأيت فانس واقفا على عتبة الباب محمر الوجه من الخجل ثم القاني والده على السرير قائلا : انصحك ان تلزمي الهدوء وتكوني خير زوجة لابنى وجاء فانس فرجوته من خلال دموعي : دعنى يا فانس ارجوك ! ولكن فانس هذا امسى غير فانس الذي كنت اعهده عادئ الطبع لطيفا فيما سبق لقد بدا ثملا كالحيوان الشرس ودفنت وجهي في الوسادة ، وعندما اخذت في مقاومته امسيك بملابسي فأخذت

أصرخ فوضع يده على فمى فعضضته فانهال على ضربا ، وانا أقول انى لا أرضاك لى زوجا ولن . . وكدت من ثورتى افقد صوابى ولكنى كنت لم ازل فى شئ من الوعى استطيع به التفكر فيما لحقني من عار وآلام وبينما كنت ائن فى سريرى اخذ فانس يصرخ يدعو والده فجاء ابوه وأتت امه على الاثر وما أن راتنى حتى صرخت قائلة : ما هذا ادعوا الدكتور

( وارين ) في الحال ، سأقول للمحافظ اذا أصيبت هذه البنت بأذى انكما قد تعاونتما على ضررها وأروى كل ما حدث ! فساد الصمت وأعتقد انها لم تقف من زوجها قط مثل هذا الموقف . . ولن انسى مدى الحياة انها فعلت ذلك من اجلى ، وكان ذلك بمثابة تعنيف لهما فانسحبا من الغرفة على الاثر وبقيت أنا وتلك السيدة التى احتوتني بين

ذراعيها في حنان من غير ان ينبس احدنا بكلمة واحدة ، ثم جاء الطبيب تلك الليلة ، والثلاث ليال التى تلت ايضا ويظهر انه حظر ان يدخل على احد غير السيدة آبوت لانني عشت خلال تلك المدة فى جو من الهدوء التام ثم تحسنت صحني اخيرا وأخذ الطبيب العجوز يقص على قبل ان

يغادرني وهو جالس الى جانب سريري مالا . ينبغى ان يجهله الطفل الصغير ويشرح لي معنى الزواج ومميزاته وكان من رأيي ما قال على ألا يكون بشخص غير محبوب كفانس تم قال : لقد اوصيتهم ان يتركوك بمفردك فترة من الزمن ، ولكن عليك أنت ايضا ان تقومي بما عليك نحو

فانس فان له عليك واجبات . ويفيني انك ستحسين معاملته بقدر ما تستطيعين فردت عليه هامسية : سأحاول ذلك ولو ان العيش معه كرزوجة لا يعنى غير تعذيب ، واعتقد ان فانس ووالده ايضا قد استاء من نتائج تلك الليلة وندما على ما فعلا معي ، وعلى كل فيظهر اننى قد اعطيت فانس درسا لا ينساه جعله يعود لسابق لطفه ورقته معى وكان

يتبع والده كظله ويعمل بكل ما يأمره به ، وقد اخذ فانس يتودد الى بعد ان ظل فى حيرته مليا فكنا . نخرج معا الى السوق لشراء ما يلزم من حاجيات والى السينما حتى زال تدريجيا ما اشعر نحوه من خوف وانكماش وقد اخذت على نفسي في الاسابيع الاخيرة بالوفاء بوعدى للدكتور وارين والعيش مع فانس

كزوجة واذا كنت لم اشعر بالسعادة فانى على الاقل لم اكن اشعر بشئ من الشقاء والقلق فقد كان وجودى الى جانب " ماما آبوت ، وحده يشعرنى بشئ من السعادة والاطمئنان فقد كانت تنظر الى كابنة لها وقد غلبني الفرح عندما احسست انني حامل وعلى الأخص لفرح ماما آبوت لذلك واخذت معها للتاهب لاستقبال

المولود الجديد ، ورجعت بذاكرتى الى وراء . . الى عهد الطفولة وما اعتدت فى جوما من انطلاق ومرح ، وازداد ميلى لفانس ولكن فانس بدل ان تجذبه هذه البشرى ازداد تعلقه بوالده ويظهر ان سروره بذلك لم يكن الا لسرور والده البالغ بذلك ورأى الطبيب ان يكون الوضع

والدك يا فانس فرد على مقهقها بقوله : لقد قال ان احسن طريقة لتبديد هذه الافكار الجنونية من ذهنك هي ان اجعلك تلدين طفلا آخر وقد جئتك الليلة لهذا الغرض . . . فلم أصدق انه يعنى ما يقول ولكنه رجع الى الباب فأحكم اغلاقه ثم هم بى فصحت به : كلا . . كلا يا فانس انك تقتلني بذلك فلم تنته المدة المقررة بعد ! ولكنه لم يسمع لقولي

ووضع يده على فمى يكتم صراخي فسقطت خائرة القوى فقد استحال فانس الى وحش ضار لا يدرى ما يفعل ، وكنت لفرط ما عانيت من آلام اعتقد اننى سألقى نحبي في التو والساعة ثم غادر الغزفة اخيرا فنظرت الى طفلى يحبو فعادني حب الحياة والتمسك بأهداب النجاة فحاولت ان اصرخ ادعو السيدة آبوت ولكن الكلمات

اختنقت في حلقي وشعرت اغيب شيئا فشيئا عن وعيى ولكنني جهدت في السيطرة على نفسي عندما سمعت طفلى يصرخ ويبكى فجاءت السيدة آبوت للعناية به فرأتني وضمتني اليها فى حنان قائلة : ليتني لم ادعك تنامين وحدك ، ولكن الحنان وحده لم يكن يكفى فقد كنت فى أمس الحاجة للاسعاف والعلاج فقلت : لقد ضرني ، انني احتضر !! آه ! ليت

عندى بعض المال لافارق بطفلى هذا المنزل ! فرفعت السيدة آبوت الى بصرها قائلة : هل تريدين ان تتركينى يا عزيزتي لقد كنت مثلك فيما سبق افكر فى الهرب واقتصد لذلك ما اسطعت من نقود طوال

سنوات ولكن الفكرة لم تلبث ان تبخرت من ذهنى بمرور الايام ، سأذهب بك الآن الى المستشفى فالقمي الطفل بزازته ريثما اذهب الى الدور السفلى وارجع ولم تلبث ان اتت قائلة : لقد ذهب ابن اختك ( هال ) لاخراج البيكاب من القراج اما السيد آبوت وابنه فهما يغطان فى نومهما وقد اغلقت الباب على كل منهما فلنخرج نحن من غير ان يشعرا

بنا فتحاملت على نفسى ونزلت مع السيدة آبوت الى الدور السفلى بعد ان البست الطفل ، واصطحبت معى بعض الملابس لى وله ثم ألقت السيدة آبوت معطفا ثقيلا على كتفى وحملتني هي وهال الى السيارة بعد ان مهدت إلى فراشا مناسبا بالسيارة واخذت الطفل فى حضنها وجلست بجانب ( هال ) وظلت السيدة آبوت معى بالمستشفى الى أن تم اجراء العملية

ثم قالت لى : لا تنزعجى يا ابنتى فسيتم كل شئ على ما يرام ولن تصابي أنت ولا طفلك بأذى فقلت لها : ليس لى غيرك يا والدتي فأجابت : اننا كلنا على الدوام في خدمتك فهنالك هال ابن اختك اذا لزمتك أية حاجة وآخرون غيره ايضا . . أما الآن فساذهب الى المنزل مع الطبيب ولكنني سأرجع اليك .

ويظهر ان الطبيب قد هدد فانس بمؤاخذته قانونا بما اجترم لذا فانه قد تكفل هو ووالده بتحمل كافة مصاريف العلاج ولم ينته الاسبوع الاول من وجودى بالمستشفى حتى شعرت الى جانبي بشخص وقور كانت الابتسامة لا تفارق شفتيه

يلازمني وعيناه تفيضان حنا وعطفا وكان يبدو ان لى سابق معرفة به ولكنى لست أدرى كيف ومتى . ثم رأيت هال الى جانبه فهمست غير مصدقة عيني : ابي ؟ فأجاب : نعم يا سيلي ثم طوقني بذراعه وضمني اليه فى حنان حتى لامس خده خدى وقال : أواه يا عزيزتي ! لم لم تكتبي

الى بكل ما حدث ؟ لقد كنت اسمع عنك بوساطة عائدة طوال السنوات التى تغيبت فيها حتى تكلم الى هال وحماتك بالتليفون فجئت على الأثر وكان بالامكان ان آتي في أى وقت لو علمت انك في حاجة الى ؟ فقلت : لقد كنت اظن انك تكرهنى لان ماما

توفيت بسبب فكنت لذلك مترددة فى الكتابة اليك بحقيقة ما يحدث فضمني اليه فى حنان وقال : اكرهك ؟ آه ! وهل يوجد احد يكره ابنته يا سيلى ؟

وقد القى على بذلك درسا ولكنه جاء متأخرا فلو انني كنت اثق فى حبه وعطفه لكتبت اليه بكل شئ وتفاديت كثيرا من الآلام والمتاعب ولكن ذلك لا يمنع ان انصح جميع الفتيات اللاتى لم يبلغن رشدهن بعد . أن لا يفرطن فى الثقة بوالديهن قبل

فوات الأوان وان يفضين اليهم بكل شئ ويلتمسن معونتهم ليلقين منهم كل ما يصبون اليه من عون وحب ومساعدة . وقد اخذني والدى معه الى المنزل وساعدنى فى الحصول من فانس على وثيفة طلاق ولكن قلبي لم يتألم الا للسيدة آبوت لما كانت تغمرنى به وطفلى من العطف والحب

ومع ذلك فقد لاحظت سرورها لشفائى ورضاها بهنائى فكنت ولا أزال أواصلها بالكتابة وابعث اليها بصور فوتوغرافية للارى الصغير وأعرب لها عما يملؤني من الهناء والغبطة بالاقامة الى جانب والدى وارتياحي وسرورى بتدبير شؤون المنزل وكانت الكتابة تستغرق مني احيانا ليلة بأكملها ، لقد صرت الجأ إلى والدى فى

كل شئ فكان يمدني بمشورته ونصحه ولم اسمع من والدى قط كلمة لوم او حتى مجرد الاشارة إلى اننى كنت السبب في وفاة والدتي وبذلك تلاشى من نفسى ما عانيت طويلا من الم حتى عائدة شقيقتي لم اعد اشعر نحوها بأي كره فقد صار كل شعورى نحوها هو الرثاء والعطف سائلة الله ان يقوم من اعوجاج نفسها ويزيل ما بقلبها من بعض وانانية . .

اشترك في نشرتنا البريدية