الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "المنهل"

قصة ذات حلقات, عهد ووفاء

Share

قصة فى حلقات تمثل العفة والطهر وحفظ الذمام .. والتزام العهد وبذل الوفاء .. قصة تحكى ألم الفرقة وضــنى البعـــاد ولوعة الاغتراب .

توفى والداه وهو لما يبلغ من العمر غير التاسعة ، ولم يتركا له من متاع الدنيــــا شيئا يذكر ، فنشأ فى ظل عطف عمــه شقيق والده الذى ضمه الى ربعه واعتبره واحدا من ابنائه ، فاخذ يوجهه التوجيـــه السليم ، ويربيه التربية الحسنة ، ولما بلغ ( جابر ) التاسعة عشرة من عمره أى انـــه بلغ سنا لا يسمح له بالبقاء عالة على اكتاف عمه لا سيما واحوال عمه المعيشية تدعـــو للشفقة والرحمة والمساعدة لما بلغ ذلـــك العمر طلب من عمه ان يسمح له بالسفر سعيا وراء الرزق أسوة بابناء القبيلة مــــن أقرانه ولكى يقدم لعمه بعض واجبه عليــه فسمح بما أراد وأوصاه خيرا ..

ما أصعب ساعة الرحيل على النفس وما احر الفراق بين الاهل والاحبه .. هذا مــا كان يدور في خلد جابر ساعة ازماعه الرحيل من باديته .. مسقط رأسه ومرتع صبـــــــــاه ومربع فتوته .

ترى من سيودع جابر .. انها ليست أمه .. وليس أباه فقد توفيا منذ زمـن طويل .. والتهمهما الثرى .. وليس عمه أو عمته فكل منهما فى شغل شاغل .. انها رفيقة عمره وخدينة صباه .. أبنة عمـــه ليلى التى نشأت معه فأحبته حبا جما .. حبا يحمل معانى الطهر والعفة .. لا سبيل

معه للنزعات أو الاهواء الشيطانية .. أحبته لأنها وجدت فيه نعم الفتى ونعم المثــــال النادر بالنسبة لفتيان حيها .. حتى أصبح طيفه وخياله لا يبرحان مخيلتها اينما اتجه وحيثما كانت . وهي كذلك بالنسبة له كانت ماثلة في مخيلته راسخة في قلبه دائما لا يرتاح الا برؤيتها ولا يأنس الا لوقع كلماتها الحـــلوة العذبة التى يرى فيها البلسم الشافي والشهد الطاهر .

شد جابر العزم وأزمع الرحيل مودعـــا رفاقــــه من الرعـــــاة تاركا لهم آثـــــاره في كل سفح وجبل وواد ، وذكره الحسن الذى يتردد على الالسنة وفى كل مجلس ، وسار حتى اذا ما وصل الى تلك الصخرة ذات اللون الاحمر الجميل التى تقع على جانب الطريق الموصل للقرية والتى تعود هو وابنة عمه ليلى أن يجلسا تحتها ويستظلا بظلها الوارف عند عودة كل منهما بقطيعه جلس تحتها وكان الوقت حينئذ أصيلا ، والشمس توشك ان تغيب . وكان الوادى المخضوضر يبعث على النشوة والبهجة والسرور

.. وكانت أنغام العصافير المغرية تهيـــــج الاشجان ، وتوقظ المشاعر ، وتبعث الالهام حيا .

وبعد ان استقر فى جلسته أخذ (( شبابته )) وبدأت دموعه تسح على خديه .. قبل عزفه اللحن .. دموع الفراق الذى لم يتعوده من قبل .. دموع الغربة التى قد تطول الى سنين وهو لم يألفها ..

واخذ يعزف اللحن الشجئ الأخاذ الجذاب .. لحن الوداع .. الوداع ولكن ليـــس الأخير .. انه وداع ولكن الى لقاء .. منشدا

في لحنه اغنية الوداع التى رأى انها خير ما يودع به الحبيب حبيبه والرفيق رفيقه .

وداعا يا حياتــــى بعد عهـــد

       تجــــلى بالمـــودة والوفــــاق

وداعا يا حيـــــــاتي غير أني

     على امل قريــــب فى التلاقــــى

وداعا طالمـــا يجرى بقلبي

    كجري الماء في مجرى السواقي

وداعا قلتهــــــا والدمع يجــــــرى

     على الخدين من ألم الفــــــراق

وداعـــــا قلتها والله يـــــــدرى

      بأن القلـــب مني في احتــــراق

ذلك ما كان شأن جابر ..

فماذا عن ( ليلى ) انها لم تعلم بما نـــــوى ( جابر ) الا عندما عادت بفطيعها وحدثتها أمها بالامر فوقفت فى ساحة دارها المطلة على الربوة التى تقوم فيها الصخرة حيث يجلس جابر .. الصخرة التى هى موطن ذكرى لا تنسى .. بالنسبة لها حيال طيف ذكراها الجميل الذى لن يبرح مخيلتها حتى يعود .. وقفت مصوبة نظرها نحو جابر وهو يؤدى لحنه العذب الجميل وغناءه الساحر الأخاذ .. وقفة يتمثل فيها تراتيل صدى الوداع بكل معانيه ومفاهيمه الانسانية .. وقفة تؤكد حفظ العهد .. وصدق الوفاء طال الاغتراب أم قصر .. وقفة لا سبيل معها للعدول عما تقرر .. عما اتفق عليه القلبان .. من المشاطرة الوجدانية والشعور المتوائم على ضوء من الطهر والفضيلة .

( للقصة بقايا )

( الطائف )

اشترك في نشرتنا البريدية