الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "المنهل"

قصة وراء الماضي!

Share

انظر . . ها هى لحيتي . . انها كومه ثلج ابيض . . ثم هذا شعر رأسى . . الا تراه كم هو نقي . . لا . . لا يخدعنك النظر فيخيل اليك ان دماغي هو قمة افرست . . او كلمنجارو . . الثلجية . . لا ٠٠ انه شعر رأسني . . هكذا هو ! . .

. . ايه . . يا بني . . لعلك ستمل حديثي . . ولكن اعذرني . . فلى من الاسباب ما يجعلني أطيل . . ايه ايه . . كم انا شقي حين وطئت قدمى هذه الدنيا . . يوم تنسمت فيح هذه الارض . . ليتنى ما عرفت لنفسي وجودا فى هذا الوجود . . - عماه . . لا تقل شيئا كهذا . . فمثلك لا يفكز فى شئ مثله . . انت قد جاوزت الخمسين . . اي ان الحياة قد مرت . . قد انطوت جل . صفحاتها . . و ٠ . .

- ويعني هذا . . يعنى هذا اننى سأموت ؟

اغادر هذا الكون . . الى العالم الآخر ؟ . - استغفر الله . . انا لم اقصد ما ذكرته . . اردت ان اقول : انه يجب ان تتوخي الخير فى بقية ايامك . . لا ان تندم على ما كان ! . .

- نعم حقا حقا قلت يا بني . . ولكن نفسي تعودت ان تفعل هكذا . . وان تتأوه ٠٠ اه " . . وما الذ التأوه إذا كان القلب مليئا . . والصدر مزدحما . . نعم . . التأوه نسمة طرية تهب على محترق الفؤاد فتشعره بلذة الحريق . . ولو لهنيهة بسيطة . . و

" كاد العم سعيد يستمر . . ولكن جرس الباب انتشله من فوق " الطراحة " التى كان متمدا فوقها ليرى من القادم "

- ان العم سعيدا يعمل في الدار كخادم له اطوار غريبة . . فى أول يوم جاء الدار ، ارتعبت من هيبته . . لحية ثلجية بيضاء . . عينان جاحظتان لا تستقران على حال . . وجسم لم تأكل منه السنون ولم تحطمه الايام . . هذا على الرغم من الخمسين التى مرت عليه . . على كل حال انه انسان . . كنت أرى انسانيته فى ملاعبته للاطفال . . يحبهم . . يحبونه . . كأنه طفل منهم . . ولا بد أن سعادته الحقة هى فى لعبه معهم . . فى حكاياته لهم . . في ابتساماتهم الحلوة الشيقة معه .

نعم سعيد . . اسم تردد فى مخيلتى . فهو انسان يعيش معنا في دار واحدة . . اذن لا بد أن اعرف من هو . . ولكنه انسان . . اليس كذلك ؟ بلى . . بلى . . انما ليس كأى انسان آخر . . قد يكون هذا فى نظري . . ولكن . . انتم . . نعم انتم لا تعلمون عنه شيئا ؛

مساكين . .

اذن . . تعالوا . . الى حيث اتكئ الآن على " مسند " فوق هذه " الكرويته " الكلاسيكية . . اعذروني فهذا هو مزاجى . . واذا أردتم فسأحضر لكم بعض " الكنبات " لتجلسوا عليها . .

ولكن هل . تظنون أن هناك مؤتمرا . . لا . . ليس من مؤتمر ولا احتفال . . انما هو العم سعيد يجلس بجانبي وبيده مروحة من السعف يبعد عنه بعض الذبابات السمجة . . ثم ثمة حديث " رومانسى " ذاتي سيروية لى . . اسمعوا . . انه يصل . . اذن فلتغلق الافواه . . ولتنصت الاسماع . .

كح . . كح . ايه يا بني يا اهل ستصدقني ان قلت لك : ان في اعماقى أمنية . . وانه . . وانه محال تحقيقها ؟ - الله اعلم يا عم سعيد . . ولكن ما هى بالله عليك ؟ وهل من الصعب تحقيقها ؟

- نعم . . ان الذى أهفو اليه من المستحيل ان يرى النور . . ان يتسم عبير الحياة . . اه . . انه لو تحقق لكنت أسعد انسان على هذه الارض

- أوه يا عم سعيد . . لا بد انك تتمنى ثروة كبيرة . . اليس كذلك ؟

- اعود بالله . . هل تعتقد ان الغنى هو الطريق الى السعادة . .

- أبدا يا عم . . ولكنه هكذا في نظر الناس . .

- يعنى هذا أن نستسلم لنظرة هؤلاء الناس . . لا . . لا يا بني فنحن بني الانسان لنا عقول تفكر . . ولكل منا تفكيره واراؤه

- اذن انا آسف لما قلت . . فهذا يزعجك . . ولكن لا بد أن ما تتمناه شىء غير الغني . .

- ه . . هه . . بالطبع . . بالطبع يا بني ، شتان بينهما . . ولكنك ستضحك ، أو ستغرق الى أذنيك استغرابا ، ان علمت الذي أتمناه . .

- أخبرني يا عماه . . بالله عليك . . - ايه يا بني . . انك ستدهش ان قلت لك اننى . . انني اتمنى العودة . . نعم العودة . .

- الى أين يا عماه . . - الى الطفولة يا بني . . - هكذا . . الى الطفولة ٠٠ ؟ ! - الم اقل انك ستغوص فى بحر من الاستغراب ؟

- ولكنك - نعم . . قد فهمت . . ستقول اننى شيخ في الخمسين من عمري فكيف اعود الى الطفولة ؟

- بالطبع . . - وستقول : انه من الواجب على ، أن انتظر بقية ايامى فى الحياة . .

- بالطبع - ثم سأقول " انا " لنفسي . . اليس من الواجب على ، أن اتأهب للقاء الله . . فهذه خطواتى قد تسلحفت . . أو كادت .

- اذن انت تعرف ما الذي سأقوله . . ولكن أخبرني . . الى اى سن تود الرجوع ؟

- فقط . . فقط الى الثلاث سنوات ! - ثلاث سنوات . . وبعدها . . الاتمضى بك الحياة وتكبر من جديد ؟

- لا . . لقد تسرعت . . دعنى أسرد عليك قصة أماانى ، كلها لتحكم بعد ذلك . .

- اذن سألوذ بالصمت . . وأرهف السمع . . هيا . .

- ايه . . ايه لقد تمنيت ان اكون فى سن الثالثة فقط . . ولكن حتى لا تتقدم بى السن أود ان يتوقف الزمن . . ان ننعدم فيه الحياة حتى لا يتقدم . . ثم لا تنس انثى بحاجة الى أب وأم شابين غضبين . . سنهما تكون قريبة من سني حتى يلعبا معي . . ثم انني آنذاك بحاجة الى اللعب . . لذا فقد أردت أبا ثريا حتى يشترى لى كل لعب الدنيا - حتى التى لم توجد بعد - واذن فلا بد ان يكون بيتنا فسيحا كانه سطح البحر لا موانع عليه ولا حواجز . . ذلك حتى ارى جميع لعبى فى لحظة واحدة . . طبعا اللحظة الواحدة حينئذ تكون بامتداد العمر ! . . لا ٠٠ تحاول لومي . . لا تقل اننى عجوز ابيضت لحيته واشتعل رأسه بالشيب . . وان واجبى التطلع الى مستقبل ايامي . . بل ساعاتي المتبقية لى فى هذه الحياة . . كي أقضيها فى عبادة ربي ٠٠ !

انا بالذات لا أنكر هذا . . بل أوجبه على نفسي . . ولكن اليس اجحافا ان يغادر الحياة انسان مثلى ولم ينل كل حقوقه منها ؟

الم يكن اللعب من حقوقي وأنا صغير

. . اليست هذه طبيعة كل الاطفال . . حتى أطفال الحشرات . . والجراثيم

اذن . . فأنا على حق . . خاصة واننى فقدت أمي وابى منذ تنسمت عبير الحياة . . فقدتهما . . وبذلك ضاعت آمالي وأمنياتي في التمتع بجمال الحياة عند الصغار . . فما ان غادرت دنيا الظلمات الثلاث حتى فجعتني الكارثة . . رأيت أمي وهي مسجاة بمملاءة بيضاء . . مذ رأيت ذلك عرفت انها ماتت . . اما ابي . . فلم تمض أيام على ولادتي حتى همس في اذني كلمات لا أنساها أبدا : " بدايتك أيها الشقي هى نهايتى . . ونهاية امك

حقا . . لقد صدق والدى . . انا شقي . . وبدايتي هي نهايته ونهاية أمي . . رحمهما الله وكذلك ليرحمني من امنياتي المجنونة . . واحلامي " المهوسة ، . . ولكن . . من يا ترى يصدقني فيما قلته يا بني ؟

ليتك تصدقني . . أنت فقط . . صدقني . .

- كيف لا أصدقك . . وهذه الدموع تلذع خديك يا عماه !

- ه . . ها . . حقا . . لقد ذرفت

الدموع ولما أحس بها . . لعلها دموع الفرحة . . فرحة أعماقى ان وجدت من يصدقها فى أمنياتها . .

- نعم يا عماه . . انها لكذلك . . هيا اكمل..

- ايه . . انت صدقتني . . ولكن غيرك لا يصدق اننى اتمنى العودة الى عهد الطفولة . .

أما أنا . . فانني اصدق نفسي أصدق تلك الامنيات لانها نابعة من أعماقى . . وليس غريبا على . . فمثلى الذى يجتر ذكرياته حلوها ومرها ليعيش فيها . . مثلى الذى يحافظ على القديم من حياته لحياته الحاضرة . . مثلى يوصف بانه وفي . . محافظ على ماضيه . . اذ لا خير فى متنكر له ابدا . . ولاجل هذا فاننى أبحث عن الماضي . .

ولن أقف أبدا في خط سيرى . . لن يرانى أحد الا في درب الماضي . . لن اتطلع الى المستقبل ما دام سيغدو ماضيا . . لذلك فانني انتظره هناك عند بداية الماضي . واذا شئتم فسموني بالذى يجرى وراء الماضي ٠٠

( مكة المكرمة )

اشترك في نشرتنا البريدية