يا صديقى العزيز لقد اختلفنا فجأة . . ومضيت أنت وذهبت أنا . . ولم يكن بيننا سوى الذكريات كنا فيها أكثر من صديقين وقد تكون أنت على حق وقد اكون أنا على صواب . . ولكن ليس هذا الذى اريده . .
ان ما اريده هو ان اقول لك لقد وصل كلانا لاوج مرارة ، . أنت باحلامك التى حققت الكثير منها وعلى النطاق الذى تريده وانا بواقعيتى تلك التى استطعت ان انال بها الكثير والكثير ، وهكذا شاءت الاقدار ان نختلف وان نمضى وان نصل جميعا الى غايتنا التى تحققت . .
ستذكر ولابد يوم اننى قلت لك بان احلامك ليست سوى قصور من الورق صورها وعيك الباطن فلم تعد تعى ما تفكر . . وقلت لى باننى انسان صلد وان قلبى الذى احمله هو قلب من حجارة ، وضحكت منك وانت تعدد نوع الحياة التى تريدها فى ظل امرأة وبيت واطفال وكأنها هى كل شىء لديك . . وتشاءمت منى عندما قلت لك بان رائدى فى الحياة هى السعادة فى ظل المادة . .
وضحكنا انا وانت لتلك الاوصاف التى لا اريد ذكرها والتى نعت كل منا الآخر بها ولكنك أنت بحساسيتك المفرطة شئت ان تجعل ما قلته لك يؤثر شيئا فشيئا فى تلك الصداقة المتينة التى كانت تجمعنا طوال ايامنا الماضية . .
وعدت الى زيارتك وعدت انت الى زيارتى متحفظا بعض الشىء وكان فى نفسك احساس باننى ظلمتك عن احلامك فجئت ليلتها تؤكد حقيقة الحياة فى انها جميلة . . ما دامت اعيننا تراها كذلك وان كان الفقر احد ثالوثها المفزع . . كنت متطرفا فى افكارك ايها الصديق ولم أكن مخطئا عندما سفهت رأيك وجادلتك كثيرا لاقنعك ولاشاركك افكارى تلك التى اعتقد انها على صواب اذ ان المال
عصب الحياة الدائم . . وخرجنا سوية من تلك الزيارة لنستنشق الهواء النقى فى مكان آخر . . وذهبنا سوية للحفل المقام فى دار صديقنا فريد . . وبقيت فيها ساعات وساعات وليس لك من رغبة فى مشاركة من كان فى الحفل البهجة حتى اطلت هى ورأيت عينيك والسرور بغمرهما . . رأيتك أنت ذلك الهادئ اللطيف وقد علت وجهك معالم البهجة وشاعت فى جسمك الحركة واستمر وجيب قلبك وفريد يقدم لك زميلته ( سعاد ) تلك التى كانت تشاركه الدراسة . .
ومضت عنا سعاد لتشارك فتيات من اترابها الحديث فى الجو وما يقال عادة فى مثل تلك المناسبات . .
وجاست عيناك وجوه الفتيات جميعا واستقرت فى لهفة عاصفة على صفحة ذلك الوجه النبيل وجه سعاد كنت اراقبك ايها الصديق فى كل حركاتك وعندما سألتك عما اصابك وكيوبيد يخترق بسهامه قلبك الشفاف وضحكت منى واجبتنى دون دراية عن سؤالى المحرج . .
صدقنى ايها العزيز عندما اقول لك باننى انا الآخر قد تمنيت يومها لو كانت زوجتى تلك الآنسة وكنت اشاركك الفرحة وقلبى يرقص طربا كلما عادت سعاد الى مجلسنا . .
ولكنى فضلت الاحتفاظ باطارى التقليدى فلم ارد ان اكاشفك عما فى قلبي . . وكانت لحظة حاسمة عندما طلبت منك سعاد ان تسمعها احدى قصائدك الجديدة . . فقد كان صديقنا فريد قد قدمك لها على انك شاعر . .
ومضيت أنت تتلو احدى دررك الرائعة فى تؤدة تضغط على الالفاظ عندما ترى ان ضغطك يساعدك على ان تظهر المعنى أوضح واوضح . .
وكانت حقا قصيدة حالة فيها اصداء الحب واضحة جلية . . والتفت الى لتقول لى فى همس بانك قلتها لساعتها بعد أن رأيت فتاتك سعاد فى تلك الحفلة ، وكانت سعاد معجبة بك اقصى درجات الاعجاب . . ومضت تستحثك في ان تسمعها شيئا آخر من شعرك ففعلت ، ومرت أكثر من نصف ساعة وانت تتلو اشعارا لا افهمها . . فيها رقة كما كانت تقول سعاد ، وفيها عذوبة كما يقول عنها فريد ، حتى شاء شيطانى أن اداعبك فاقاطعك فى سخرية ان تصمت . . وصمت أنت والالم يحز فى نفسك وعاتبتنى سعاد على فعلتى ذلك الذى اعتقد انه لم يكن من الذوق فى شىء
وخرجت انا من حفلكم بعد ان ودعتكم وشئت أنت الا تودعنى كعادتك فمضيت دون احتجاج على فعلتك ونسيتك وتناسيت سعاد وتركتكم جميعا ولم اعد افكر فى رؤية احد من الاصدقاء الذين شاركونا المتعة فى ذلك الوقت مضيت لغاياتى اجمع المال من شركتى الصغيرة حتى كبرت . . واليوم وقد مر علينا اكثر من عشرين عاما تعال نتحاسب أيها العزيز !
ان ما جنيته ايها الصديق هذه الثروة الطائلة التى تسمع عنها . . وهذه العمارات الضخمة التى تعرفها وهذه المكانة المرموقة التى يحسدنى عليها الكثيرون والتى لا اشك فى انك
لا تحسدنى عليها وان كان ، وزدت عليها سنوات عجافا اجترت كل حيويتى وشبابى فلم اعد سوى عجوز ليس له فى الحياة الا ان يعمل
لقد فقدت الدار الانيقة والزوجة الجميلة والاطفال . . فقدتهم جميعا لاننى لم اقدم على أى شىء من هذا القبيل . . فقدتهم وفقدت الاستقرار اما أنت فحياتك كما أرى كلها سعادة فسعاد زوجتك اليوم تعيش برفقتك وطفليك رأيتها بالامس شابين ، وقد جاءا يطلبان العمل فى احدى شركاتى فاعجبت بهما وبذكائهما وحيويتهما
وسألتهما عنك فقالا لى بانك لا
تزال تقرض الشعر وتعزف الالحان ، وان ايرادك يكفى لان تعيش حياة رغيدة واستغربا ان أكون صديقك اذ اعتقد انك لم تحدثهما مطلقا عن صداقتنا التى عفت عليها صروف الزمان . .
فحسدتك . . وحسدتك ايها العزيز وشئت ان اشعرك بما احسسته نحو حياتك ومثاليتها فكتبت لك هذه الرسالة فعسى ان نعود اصدقاء كما كنا فى الماضى . . الماضى الذى ذهب وارجو ان يعود ايها الصديق العزيز
