الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

قيمنا الروحية

Share

عصرنا اليوم مارد طاع لا يؤمن بغير المادية . . والمادية هى هذه القوى المدمرة والممثل بعضها فيما انتجته العبقرية الذهنية من مخترعات جبارة ستصبح هى المتحكمة فى مصير البشر وفي تفكيره وعاداته وتصرفاته . . ولكأننا بها ( عدوى ) استشرت فى نفوس القوم لتطغي حتى على كيانه ووازعه الديني وتجعله مجرد آلة تندفع بأرادتها وتسخرها لأغراضها حيث لا وجود لمعنى الروح والوجدان فيه . .

ذلك هو اليوم عنصرنا المادى المخيف الذى نراه يمحو رويدا رويدا آثار الروحية ويتعدى على آخر قيمها السامية . . والناس فيه - فى هذا العصر - كاغرار الاباحيين - يتحللون من شرائعهم ونظم السماء التى رسمت امامهم . يطاولون بجهل ويفترضون الفهم على ضوء ما يتعلمون من المبتدعين المارين من الديانة . . انهم يتوهمون حتى فى حياتهم الرخيصة ومصايرهم الضائعة . . لا يكادون

يعرفون الا الاسلوب التجارى الصارخ بالمادة والمتعة العارضة . . المحطم للمعاني الروحية وقداستها ولذتها البعيدة المدى ، هذا حال الناس اليوم  فى اعمالهم ونياتهم ورغباتهم . . تخلبهم مظاهر الأشياء : والطبول حولها فمثلا دور الصحافة والسينما واضرابها تجيد التهليل والزمر لكتاب ولاديب ولفيلم ولمجلة مثلا . . الخ بالاعلانات

الضخمة المتكررة وعبارات التشويق البراقة مما يخدر ذهنية المجتمع . . ومعظم ذهنياته قصيرة صغيرة إلى حد بعيد . . تتأثر سريعا بالشكليات والأوضاع المخادعة التى تعرض أمامها فهى لا تدرك الا الحيثيات المبسطة المزركشة ولا تفهم الا مرائى البهرجة والطلاء الزائف التى تجاذب عقلياتها الناشئة القصيرة حتى أصبحت لا تستسيغ غيرها ولا قدرة لها على البحث عما ينجدها من وضعها ويهيئها

للنضج والوعى الفكرى . . فترى غالبية المجتمع وقد خدعته الدعايات لا يقبل فى قراءته ومشاهداته الا على ما يرى عنه تكرار الاعلان وبهرجاته وتزويره ولا يكاد يعرف غير هذا . . فيا للضيعة ! انه قد فقد القيم الرئيسية لذلك الوعى والنضج وجمحت به المادية الحقيرة إلى ميدانها الذاتى الرخيص فى معناه ، اللالاء في مبناه . . طغي المظهر المخادع على الجوهر الكريم . . فماذا بعد الحق الا الضلال . .

ونهضاتنا العامة فى الشرق العربي المسلم ؟ ما الذى نفخر به منها  ماذا قد حصلنا وانتجنا منها فى معناها الحقيقي الخالد ؛ نحن بناة التاريخ المجيد لأسمى الحضارات منذ القرون الاولى للهجرة حتى أخذت تنتكس الامتدادات الواعية وتضعف القيم ويزحف شرقنا العربى

الى الوراء فى كبوة مريعة لا ندرى متى يقوم منها ويعيد تراثه - وحاله اليوم يرثى له فى نقمة ! . . كنا . اجل كنا . . وبلادنا مهد الديانة وقيم الروح الصادقة - واليوم لم  يبق للمسلمين الا هذا ال " كنا " . اننا كمسلمين فقط نحمل اليوم اعظم الوزر عن معظم الامم الجاهلة بيننا ان لم يكن كلها . . مسؤلون عن تنويرها وتثقيفها روحيا وفكريا

قبل كل شئ ولنتولى عن ذلك شأنها وتسير مستبصرة فى الطريق المرسوم امامها للحياة الكريمة والغايات النبيلة . . نقصد ان جهل هذه الامم بالقيم الروحية وتجاوزها عنها هما الطامة والخسران للانسانية . . وما معنى كونها مسلمة ؟ اين منها قول الرب سبحانه ( وما خلفت الانس والجن الا

ليعبدون) ؟ والعبادة هى الروحية والايمان الصادق لاداء التعاليم والواجبات المفروضة في الدين وتفهم اسرارها والتنور بمعانيها والتطلع دائما الى كمال المعرفة والعمل لها ليدرك المرء بفطرته المهذبة وعقليته الناضجة ما يجب ان يأخذ وان يدع ليحيا الحياة الكريمة التى وجد من اجلها وليس هو بالحيوان الذي يعيش لياكل

ومثال آخر عن ( المرأة ) اى بلد عربي اخرجها الى الشارع وحررها من طبيعتها المثالية فجنى على كرامتها التى منحها اياها التشريع السماوى

فكادت تفقدها الى الابد - وعي قد اصبحت تعيش فى شبه بوهيمية يدمى لها جبين الفضيلة . . وللمرأة مكانتها الخطيرة فى كيان المجتمع وتربية النشىء ورسالتها من اسمى الرسالات . . ولكننا نراها هبطت بمعنوياتها وتكاد تهدم قصرها بيديها ( كالتى نقضت عزها من : بعد قوة انكاثا) . لئن ولى عهد الحريم كما يقولون - فليس معنى هذا أن  تزج

( حواء ) فى كل  ميدان ترضى هواياتها وغريزتها وغرورها تركب رأسها لتضحي بمميزاتها الانسانية ونفسيتها المريضة على مذبح تحررها وننطع الدعاة حولها بهذا التحرر البغيض . . وما الذي يستحق من حواء هذه ان يذكر ويصلح للمشاركة فى بناء معمر

سليم وكل الذى عرفناه بعد تمثيلها ورقصها ورياضتها تسلخها من التقاليد الحشيمة المحافظة . . نصف عارية .  فى اصباغ الجمال وتسريحات الشعور وحبك الثوب على الجسد وعلى البلاج مظاهر سائنة  ومن البلية ان معظمهن متعلمات فهل عن يتعلمن الجهل والتصوف فى أن

وهكذا للأسف مما يخزي ويؤلم والمرأة لم تخلق لكل هذه المظاهر المخزية المؤلمة وعلى هذا التحلل الخلفى السائد فى عالم اليوم المتمدين وشباب الجيل ايضا . .

فالصدق والامانة والاخلاص والوفاء كلمات تتناقض مع ما يضمرون . معاني فنيت وحل محلها الريبة والنفاق والغدر والخديعة - وكأنهم ليسوا آدميين . . وصفات الأدمية السامية عقلية وضمير ووجدان - يوجههم الدين بروحانيته وتسمو بهم المعرفة للفهم الصحيح ، لن يصلح حال امة دون هذه المعرفة وتلك الروحانية والا فان الناس مثل عصرهم اليوم مارد طاغ بل عابث ماجن ليس هو من الكرامة والانسانية فى شىء . .

قيمنا الروحية التي نفتدها يوما بعد يوم لا تستطيع ان تعوضنا حتى جزءا منها - مادية هذا العصر الذرى

وان كانت هنالك اصوات للحقيقة كامنة لن تزول فانها لن تسمع فى ضجيج هذه المدنية الا ثمة والتحلل الغريب .

فمتى ننتصر لمبادئنا الكريمة وقوميتنا الحقة ؟ متى نحطم اصنام الاباحية والجشع النفسى للتوافه والاغترار بالمظاهر وقبول الخدع البينة ؟ علامات استفهام تزيد من حيرتنا في صخب المادية اللاهية العابثة بأفكار ونفوس الناس كأنما شربوا في قلوبهم الجهل . . والله نسأله السلامة . ولكن اين الطريق القويم ! . طريق النور للحقيقة الروحية وقيمها الخالدة ؟

اشترك في نشرتنا البريدية