الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "الفكر"

كتاب (( وشاح الكتائب )) وطريقة تحقيقه

Share

صدر فى الشهور السابقة من هذا العام كتاب (( وشاح الكتائب وزينة الجيش المحمدى الغالب )) لمؤلفه قدور بن رويله كما يذكر محقق الكتاب السيد محمد ابن عبد الكريم .

والكتاب كما يدل عليه عنوانه يشتمل على التنظيمات والقوانين العسكرية التى كان يعتمدها الامير عبد القادر الجزائرى . وقد طبع الكتاب تحت اشراف ومسؤولية الشركة الجزائرية للنشر والتوزيع . والكتاب فى طبعته هذه يقع فى حوالى 196 صفحة من الحجم الصغير 21/14 .

والقارئ لكتاب (( الوشاح )) بعد مطالعته ترتسم فى ذهنه ملاحظات أكثرها أهمية تلك التى تتصل بتحقيق الكتاب وطريقة تحقيقه .

ونحاول الآن استعراض هذه الملاحظات التى تبدو لنا فى :

1 ) اسلوب المحقق . 2 ) عناوين الكتاب وتقسيمه . 3 ) التعليقات والشروح . 4 ) سطحية المحقق ودلالات كتاب (( الوشاحة )) .

اسلوب المحقق : يبدو على محقق كتاب ((الوشاح )) التأثر بالثقافة الدينية التقليدية المستمدة من الشروح والحواشى الفقهية . وهذا ما نلمسه فى الالفاظ والتراكيب المرصوفة بين المقاطع الكثيرة فى الصفحات الاولى من التحقيق لدرجة أنه فى كثير من المرات تصبح هذه الالفاظ والتراكيب لا مدلول لها الا دلالة السجع الثقيل الخالى من أى معنى مثل قوله : (( حسب الامكان وسماع الاوان )) ص 9 ، وقوله : (( اطمئنان الضمير واسترسال التفكير )) ص 9 , وقوله : (( من رأى سديد ومخطوط تليد )) ص 31 .

وعدم التحرى فى دلالات الالفاظ وتراكيبها جعل كتابة المحقق كتابة غير تعبيرية كل لفظ فيها قائم بوظيفة هو سبب وجود اللفظ فى الكتابة والتحرير . وبذلك أصبحت المعانى تابعة للالفاظ بينما كان الواجب أن يكون العكس . يقول المحقق فى بداية تحقيقه بعد أن سمى الكتاب (( رسالة )) فيقول : (( هذه رسالة خفيفة فى الميزان ثقيلة فى المضمون )) ص 7 . ولست أعرف ما معنى أن تكون الرسالة خفيفة ثقيلة . كما لا أعرف الموازين التى يزن بها محقق الكتاب كلامه . وأغلب الظن أنه لا يتقيد بالحد التعبيرى للكلمات والجمل وان كان أرهق نفسه فى التدليل على معرفته الواسعة باوزان الشعر وقوافيه حتى المهجور منها . . .

الى جانب هذا يسرف المحقق فى أكثر من موضع فى تحميل المعانى ما لا يطيق فما أكثر المواضع التى يقطع فيها ويؤكد برأى يحسبه انه لا يتحمل غير الذى ذهب اليه . ! ولعله ينسى أن البحوث مجالات مفتوحة يجد فيها الدارسون على الدوام مجال البحث والافكار المتجددة وتلك هى رسالة البحث والعلم الباقية أبدا . والا لو كانت الامور قطعية ثابتة لانتهت المعرفة من زمن قبل مجئ المحقق نفسه . فمن احكام المحقق القطعية أنه يصف (( رسالة كتاب (( الوشاح )) بقوله : (( انها فريدة فى نوعها )) ص 7 ، وما تؤديه كلمة فريدة واضحة كل الوضوح لدرجة أنها تسد الطريق عن غيرها . . . . وفى موضع آخر يتحدث المحقق عن الامير عبد القادر فيسميه كوكبا ويقول عنه : (( انه طلع فى سماء افريقيا الشمالية يوم أفلت جميع الكواكب )) ص 7 ، ولا شك أن المحقق لم يقدر المعنى الذى يستفاد من مدلول (( جميع )) والا لاستعاض عنه بعبارة اخرى اكثر تواضعا ووضوحا . . . وكذلك حين يصف المحقق الحالة التى كانت سائدة فى أيام الامير عبد القادر يقول : ان الغيرة الاسلامية فى تلك الفترة (( تحلى بها كل من الرئيس والمرؤوس والسد والمسود )) ص 7 , ولا شك أن الدراسة الواعية لاوضاع المجتمع فى ذلك الوقت لم تكن بمثل هذا التصوير المثالى الذى عز وجوده حتى فى أيام الرسل . . . وفى سياق حديثه عن الامير عبد القادر يقول : ان شخصية الامير (( اشرأبت اليها الاعناق وأصغت الى رنين موسيقى لفظها الاسماع واشتاق لرؤيتها انسان المقل )) ص 7 ، ولقد حاولت أن أحدد المعنى الذى توحى به جملة (( رنين موسيقى لفظها الاسماع )) فلم أفهم المقصود الذى يريده صاحب التحقيق . . . وحتى حرية الفهم والاستنتاج يحاول المحقق أن يحدد مجالاتها وصياغتها . بل لا يرى امكانية الخروج على ما يتبادر الى ذهنه وفهمه . وهكذا يرى كل القراء عند التأمل لا تزيد أسئلتهم عن (( سبعة أسئلة مهما كان الكتاب الذى يقرأونه )) ص 9 ، ولا يستطيع أن يفارق هذه القيود واللزوميات المحددة وانما يظل يؤكد دائما كل مذهب ذهب اليه وعنده أن طريقته فى تحقيق الكتاب هى : (( الاصل

والهدف الاوحد من تحقيق النصوص )) ص 35 ، ولا شك أن القراء أكثر حرية فى الفهم والاستنتاج فلا داعى اذن لتحديد المفاهيم وحصرها فى مسائل معين كما فعل المحقق لكتاب (( الوشاح )) . . . الى جانب هذا ونحن نتحدث عن اسلوب المحقق ولغته نلاحظ أن اللغة التى كتب بها تحقيقه لغة غير متطورة بعيدة عن السلاسة والجمال التعبيرى المتجانس . ويبدو عليها التأثر بالصيغ الفقهية القديمة ولعل ذلك يرجع الى ثقافة المحقق نفسه هذه الثقافة المستمدة من الحواشى والشروح . واننا لنقف على الكثير من أمثال هذه القوالب الفقهية القديمة فهو عندما يريد اثبات قضية من قضايا البحث يسوق لها الادلة الفقهية كان يقول : (( هذا متواتر بالنقل . . والثانى مرجح بالعقل )) ص 12 ، كذلك حين يستأنف الحديث يعود الى ذكر طريقة شيوخ الفقه وأسلوبهم التعليمى فيقول : (( تقدم لنا )) ص 13 ، ويريد أن يلخص مضمون الكتاب فيذكر مقدمته و (( المقدمة تحتها ثمانية ( * ) مسائل )) ص 27 ، ولا ينتبه المحقق الى صيغ التأكيد فيكررها المرات العديدة كقوله : (( ونحن نعلم علم اليقين )) ص 16 ، ولا داعى أن نقول هنا أن أى تحقيق هو بداية وليس هو النهاية فى البحث والمعرفة . واذا كان التحقيق كذلك فلا لزوم اذن أن نجزم بشئ ويكفى أن نعرض أفكارنا وما وصلنا اليه الى أن يأتى من يصل الى ما لم نصل اليه . . . الى جانب هذا وذاك بعض الفقرات والمقاطع والتعابير يلفها الغموض كقول المحقق : (( وذلك لعدة أدلة قادتنا الى الحقيقة الراقصة )) ص 13 ، ومثل قوله : (( التاريخ الصريح ينبئنا )) ص 15 ، وكقوله : (( اما عقيدته فكانت صوفية المشرب حاتمية المذهب )) ص 18 ، ومثل قوله : (( تعريفنا لبعض البلدان وايعازنا لمن أسسها )) ص 35 , فكيف ترقص الحقيقة يا ترى ؟ وكيف يوصف التاريخ بالصريح وغير الصريح ؟ وما هى العقيدة الحاتمية ؟ وما المقصود ؟ بقوله : (( أوعز لمن أسسها ؟ )) .

هذه ملاحظات فى اسلوب المحقق وطريقته فى التعبير والكتابة منها انتقل الى النقطة الثانية من هذه الملاحظات وهى :

عناوين الكتاب وتقسيمه : ويبدو لى أن المحقق لم يعط للعناوين والابواب ما تستحق من أهمية وعناية ومن ثم جاءت الابواب والعناوين متداخلة وغير واضحة لدرجة أنها لا تعلق بالذاكرة ولا ترتسم فى الذهن فينساها القارئ بمجرد الانتهاء منها ولاشك أن تبويب الكتاب ووضوح عناوينه ومنهجية التبويب والتقسيم هى مهمة من المهام الاساسية التى يتصدى لها الباحث المحقق ومن يوفق فيها يكون قطع مرحلة هائلة فى صياغة ما سيعرضه ويقوله ومن ثم

يتتابع العرض وتسترسل المشاهد والمسائل . وهذا ما لا نجده فى تحقيق كتاب (( الوشاح )) . فالموضوعات لم تنتظم فى كليات عامة . وفروع الكليات لم ترتبط بالمسائل الصغيرة ربطا ذهنيا يكيف العلاقة الموضوعية بين عناصر الموضوع العام . ولعلنا نلمس هذا التفكك بداية من الصفحة السابعة التى تحمل عنوان (( استهلال )) ثم العنوان الذى يليها والذى يحمل (( مقدمة )) لم يحرر منها كاتبها الا سطرين اثنين حتى أخذ فى ترتيب المسائل بهذه الطريقة المملة فيقول : (( اولها تحقيق أصل المقروء . . . ثانيها تحقيق عنوان المقروء . . . ثالثها تحقيق زمان التحرير . . . رابعها تحقيق اسم الكتاب )) ص 9 ، وهكذا الى أن يصل الى سابعها بهذه الطريقة الجافة الميتة المفككة . . . ونجد مثل هذا أيضا فى صفحة 18 حين نقرأ عشرة عناوين متتالية غير منتظمة تحت عنوان رئيسى تكمل عناصره بقية العناون التسعة بطريقة منهجية متسلسلة ومرابطة ترابط الحلقات ، وحين نصل الى صفحة 25 نجد هذا العنوان (( تحقيق الدوافع الداخلية والخارجية لتحرير الرسالة )) . . . ولا أظن أن الدوافع التى تحرك الناس لعمل من الاعمال هى من السهولة واليسر حتى نستطيع أن نحققها . ذلك لان الدوافع قضايا معقدة تعود فى أصولها لاكثر من علم واختصاص قد يكون منها ما يتصل بشعور المرء ومزاجه وأوضاعه وقد لا يكون هذا ولا ذاك . والدوافع على أية حال قضايا غير مرئية فمن الصعوبة اذن القول بان الدوافع التى حركت الكاتب لكتابة ما كتب هو ما نخمنه ونظنه ؛ فضلا عن القول بتحقيق ما دفعه للكتابة ثم نجزم ونطمئن فنقسم هذه الدوافع الى داخلية وخارجية ونعتقد فى الوقت نفسه اننا حققناها فلعلنا نتواضع أكثر لو نستبدل كلمة تحقيق الدوافع التى يحملها العنوان بذكر الاسباب التى يذكرها كاتب (( الوشاح )) نفسه . عندها نكون مع الكاتب ولا نبعد أكثر من المطلوب من المحقق .

كذلك يبدو لى العنوان الذى جعله المحقق تحت (( تحقيق قيمة المقروء فى الكم والكيف )) ص 25 ، فلست أعرف المقصود بالكم والكيف هنا . وأظن أن العبارة لا مدلول لها وكان الافضل أن لو وضع المحقق - ان كان ولا بد - عنوانا آخر اكثر دلالة على ما يأتي بعده من غير حاجة لذكر (( الكم والكيف )) ونرجع الآن الى النقطة الثالثة من هذا الحديث عن كتاب (( الوشاح )) وهى تتصل بالتعليقات والشروح .

التعليقات والشروح : وملاحظتى العامة على هذه التعليقات انها فى أغلبها جاءت بعيدة الصلة عن موضوع التحقيق الذى يطلب من مثل محققى كتاب (( الوشاح )) . فالتعليقات فى أكثرها هى تفسيرات وشروح لالفاظ لغوية سهلة يشترك فى فهمها الخاص والعام وهذه ملاحظة عامة على لغة الكتاب فهى لغة واضحة ومفهومة ولا تحتاج لمثل هذا الشرح الكثير الذى لا لزوم له . . .

فكلمة (( الاستعدادات )) يفهمها حتى من لا ثقافة له ومع ذلك المحقق يشرحها بقوله : (( جمع استعداد )) ص 39 ، وكلمة (( الفريق )) يشرحها (( بالجماعة )) ص 39 ، وكلمة ( الخباء ) يشرحها ( بالخيمة ) ص 40 ، (( والاحمر القانى )) يفسره (( بالشديد الحمرة )) ص 44 ، وحتى (( اللون الاكحل )) يشرحه  المحقق (( باللون الاسود )) ص 45 ، (( والعلقم )) يفسره (( بنوع من النبات أشد مرارة )) ص 71 ، ولست أعرف هل هناك من لا يعرف (( الورود )) حتى تشرح (( بأنها نوع الازهار الوردية اللون )) ص 89 ، (( وغناء الحمام )) يحتاج إلى أن يفسر (( بهديله )) ص 89 ، (( والطير )) وهو كل ما يطير بجناح طليق )) ص 89 , ولا اعرف اذا ما كسر جناحه أو ربط ماذا يسمى بعد ذلك ؟ وحتى (( البراهين غامضة )) عند المحقق وتحتاج الى أن يقول فيها بأنها ( جمع برهان ) وهو الحجة الدامغة ص 90 .

هذه أمثلة من شروح وتعليقات المحقق اللغوية لكتاب (( وشاح الكتائب )) الذى تمتاز لغته بالسهولة واليسر لدرجة انه يبدو لنا لا لزوم لمثل تلك التعليقات والشروح ما دامت واضحة ومفهومة . ونضيف الى هذا أن المحقق علق على أشياء أخرى فبينها ووضحها و كان ما علق عليه هذه المرة أكثر وضوحا من الاشياء التى تقدمت - فالشهادة - يعلق عليها المحقق بأنها (( أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمدا رسول الله )) ص 44 ، فمن لا يعرف الشهادة يا ترى ؟ وهل هناك أى لزوم للتعليق عليها ؟ كذلك لفظ ( الجلالة ) يعلق عليه بأنه ( الاسم الاعظم وهو الله ) ص 44 . ( والبشماط ) هناك من لا يعرفه فيشرحه المحقق بانه (( البقسماط )) ص 55 . وحتى (( الضمائر )) يرى المحقق ضرورة التعليق عليها ليدل القارئ على من يعود الضمير ؟ فيقول : (( الضمير يعود على الخليفة )) ص 70 ، وفى مكان آخر يقول : (( ان الضمير يرجع إلى رئيس الصف )) ص 71 ، ويعلق على كلمه ( غير ) فيفسرها بأنها جمع ( أغيار ) ثم يجد المناسبة لينقل من كتب اللغة كل الذى قيل حول (( غير )) ومتى تكون بمعنى (( سوى )) أو بمعنى - الا - ومختلف الحالات وشروط كل حالة مع التمثيل لكل حالة بنفس الصيغ والتعابير التى تذكرها مطولات كتب اللغة - ص 83 و 84 .

سطحية المحقق : ودلالات كتاب (( الوشاح )) ونختم ملاحظاتنا على كتاب (( الوشاح )) بالاشارة إلى أن المحقق لم يلزم نفسه بدراسة نصوص الكتاب و ما توحى به هاته النصوص ثم مقارنة ما يلاحظه ويجده فى متن الكتاب من معلومات تاريخية مع ما جاء فى المصادر الاخرى المقارنة . . . فلو فعل المحقق ذلك لجاء بدراسة ممتعة حقا قد تلقى اضواء على نواح كثيرة من تلك الفترة التاريخية المهمة فى حياة المجتمع الجزائرى وما يتصل به . . . ولعله من

الدلالات الواضحة التى توجد بكتاب (( الوشاح )) والتى لم ينتبه اليها محققه , هى الاشارات التى ترمز اليها قوانين الامير عبد القادر فى التشديد على العقوبات للمتهاونين فى استعمال أسلحتهم وأخذ الرشوة بطريقة أو بأخرى ص 70،53،47،46 ومحاولة دفع الهمم بمختلف وسائل التشحيع ص 66،48 .

ووجود مثل هذه المعلومات فى نظام من الانظمة له دلالته فى سير الاحوال وما وصلت اليه معنويات الافراد والجماعات . . . فلو أنتبه المحقق الى هاته النواحى وقارن بينها وبين واقع المجتمع والحياة فى ذلك العصر على ضوء المصادر التاريخية المختلفة لجاءت دراسته ممتعة ومضيفة أشياء جديدة .

كذلك لو قام المحقق بدراسة ما توحى به أوصاف فرق جيش الامير لاستطاع أن يصنف لنا جيش عبد القادر تصنيفا رائعا نرى فيه النسب المختلفة لرجال هذا الجيش من حيث السن والاوصاف العامة . . . ولا شك أنه لو فعل المحقق ذلك لاستطعنا أن نعرف عدد الجنود الشبان ونسبتهم الى الكبار ومتوسط العمر لهذا الجيش ومستوى الخدمة العسكرية فيه . وكل هذه المعلومات تلقى اضواء نيرة على دراسة تلك الفترة كما أنها تجيب على بعض الاسباب التى حملت الامير على تسليم نفسه فى وقت يقول فيه هو أنه سلم من مركز القوة لا الضعف . . .

على أية حال فان ذلك لم يفعله المحقق ولعله يأتى من يحقق الكتاب من جديد على هدى المصادر التاريخية ووفق منهج أسلم وأليق بمناهج البحث والتحقيق .

اشترك في نشرتنا البريدية