يخطئ من يظن أن الحجاز يعيش بمعزل عن العالم فما من حركة علمية أو أدبية أو رياضية أو سياسية تدور رحاها في الاقطار الاخرى الا وللحجاز واهله من شؤونها وتتبع تطوراتها نصيب مقدور وليس غريبا ان يكون الحجاز كذلك بل الغريب الا ان يكون كذلك لأن الحجاز له منزلته الممتازة فى قلوب الملايين فى الاقطار المختلفة وهو بفضل الله ثم لحج المسلمين اليه كل عام وثيق الصلة باقطار كثيرة يبادل أهلها مختلف المرافق والمصالح من زمان بعيد . واذا كان لا يعنينا الآن أن نفيض القول في نهضة الحجاز الحديثة من وجوهها المختلفة فانا نحب أن نقول كلمة موجزة عن ناحية منها هى ناحية النهضة الرياضية التى لا تعلم عنها الاقطار الاخرى على الارجح شيئا مذكورا .
كنت اسمع ان نفرا من شباب مكة يمارسون ضروبا من الرياضة كرفع الاثقال وكرة القدم وكنت أرى فى مكة وفي الطائف جماعات تلعب الكرة وسمعت من بعض الاصدقاء ان هناك فرقا منظمة وأندية تتبارى فيما بينها وان جمهورا جما يشهد المباريات . كنت اسمع كل ذلك ولا اكاد اتبين منه شيئا يذكر حتى اتاح لى النادى الاهلي يوم الجمعة الماضية أن اشهد مناورة بين جماعتين من فرقه الكثيرة .
لبيت دعوة النادى مع زميلي الدكتور احمد الطباع فلما وافينا ميدان اللعب استقبلنا احد أعضاء النادى باشا مرحبا وصافحنا بحرارة وهو يقول : يسرنا كثيرا ان نرى اطباءنا يشهدون لأول مرة حفلاتنا الرياضية ويسرنا اكثر أن نسمع فيها رأيهم وملاحظاتهم . ثم جلسنا واخذنا فى حديث الرياضة واهتمام الامم الراقية بها ومالها من اثر
محمود في تقوية الجسم والخلق وتنمية روح التعاون والجماعة ثم سرحنا اطرافنا فى البطاح والروابي التى تأخذ الملعب من سائر جهاته والظلال التى تموج فوقها ودروبها المنحنية وأفواج الناس التى كانت تنسل منها مشاة وركبانا تارة فى عربات وأخرى فى سيارات ولما أزف وقت اللعب كانت الكراسي - ويبلغ عددها مائتى كرسي - قد شغلت بالزائرين ووقف الناس فى جهات اخرى من الملعب صفوفا متوازية ورقي جماعة من أبناء البلد كتف تل مطل على الميدان فاحتلوه فى وسط الميدان وقف الفريقان متقابلين ومرت لحظة ارتقاب سادها صمت وهدوء ثم انطلقت صفارة الحكم فدار اللعب واسفر الشوط الاول عن اصابة واحدة وانقضى الشروط الثاني من غير اصابات
لقد كان مما يسترعى النظر في هذه المناورة هدوء اللاعبين ومحافظتهم على النظام وطاعتهم لأشارات الحكم واهم من كل ذلك بعدهم عن الأثرة والانانية وحرصهم على أن تجرى اللعبة بالتعاون والتوزيع فما رأيت قط بينهم لاعبا واحدا مكثت الكرة بين قدميه اكثر من ثوان معدودة وما رأيت لاعبا واحدا جعل همه ارسال الكرة عاليا فى الهواء بل إن الضربات كانت على الاغلب ارضية محكمة التسديد وواضح ما فى ذلك من توفير الوقت والجهد على اللاعبين والباس اللعبة ثوب الجد والاهتمام . ورأينا من الجمهور فهما حسنا وتقديرا للالعاب البارعة .
ان من بين اللاعبين الذين شهدناهم في هذه المباراة لاعبين قديرين ممتازين فى خفتهم ورشاقة العابهم وتسديد رمياتهم واذكر من بينهم على سبيل المثال السيد ابن على فقد كان بارع اللعب الى حد يبعث الاعجاب وإن تعجب فاعجب لرزانته وعلى توزيعه الموفق حتى ليخيل الى الناظر أن هذا اللاعب يقيس الرمية بمقياس وان قدمه واعية مبصرة والا فما هذه الدقة المدهشة يرمى بها الكرة فاذا هي من قدم زميله حيث يريد ؟
هذه صورة لاعب ممتاز انفرد بصفات وخصائص جعلت منه شخصية معروفة رأينا الى جانبه لاعبين آخرين لهم صفاتهم وميزاتهم واذا كان فى النادي
فرق أخرى اعلا مكانا وابرع لعبا مما رأينا علمنا ان هذا النادى الرياضي من الاندية الناجحة المنتجة وانه يستطيع فى يوم قريب بعد ان تضع الحرب أوزارها ان يبارى فرق الكرة فى الاقطار الاخرى مثل مصر والشام والعراق والسودان وغيرها ويشارك فى بناء الدعاية الطيبة لبلاده
وبعد فان لعبة الكرة لعبة بريئة فيها كما قلنا صلاح للجسم والفكر تصرف الذين يشغفون بها لاعبين وغير لاعبين عن ضياع جزء كبير من أوقاتهم سدى فى الحجرات راكدين كالماء الآسن او متحدثين فى غيبة ونميمة وأي شيء لعمر اجدى على الصحة من انفاق ساعات طيبة في الهواء الطلق ونعمة صفرة الاصيل ورؤية شباب الوطن متحابين متبارين تظمأ نفوسهم الى موارد الفوز والنصر ؟ . تجد هذه اللعبة فى البلاد الاخرى عونا وتشجيعا من الجمهور وكبار الرجال وتراها لامتلاء صندوقها تخطو خطوات سريعة فى مراقي الرقي والمعتقد أن الجمهور عندنا قادر على مساعدة هذه الاندية باشتراكات يسيرة وان اغنياءنا يستطيعون أن يمنحوا القائمين بها عونهم وتشجيعهم
بقيت كلمة نوجهها الى النادى بان يعود لاعبيه لبس الاحذية لان القدم المحتذية أجرأ على تكييف اللعب وتسديد الرميات وأبعد من الاخطار التى تحدث عن الصدام . نضيف إلى ذلك وجوب توحيد كسوة اللاعبين بحيث يكون لكل فريق زي يوسم به إذا رآه الجمهور عرفه وعرف منزلته وآتاه من حماس التحية ما هو به قمين وجدير .
