عندما نقرأ عنوان هذه الكلمة ، قد يأخذنا العجب أو تستحوذ علينا الدهشة والاستغراب . كيف تكون الكلمات مظلومة ؟ وهي الفاظ اصطلاحية تخرج من الشفاه او تسطرها الاقلام ، وليست مخلوقات مادية يمكن ان ينالها الضلم ، او تتمتع بالعدل ؟ ولكن عندما نعرض هذه الكلمات المظلومة لانظار القراء الكرام ونذكر كيف ظلمت ومن ظلمها ولأى سبب ظلمت ، ستظهر لنا الحقيقة ويزول عنا الاستغراب والدهشة ، وغاية ما ارجوه من القارىء الكريم ان لا يحكم حتى يقرأ المقال الى نهايته .
الطليعة - المنجل - الرفيق - الكادح
هذه الكلمات الاربع كلمات عربية اصيلة ورد بعضها فى القرآن الكريم والبعض الآخر فى الاحاديث النبوية الشريفة ، واشتملت عليها كتب العلم الاسلامي والعربي ، وتضمنتها اشعار العرب وآدابهم ورسائلهم ومؤلفاتهم ، ولم تستلفت النظر او تكون مجالا للملاحظة او المناقشة - حتى ترجمت اليها معانيها فى اللغات الاجنبية بعد ظهور المذهب الشيوعي الهدام في أول هذا
القرن - فجاءت ترجمات الكلمات الاجنبية المقابلة لكلماتنا العربية الاصيلة المذكورة وامثالها - جاءت على السنة الشيوعيين والماركسيين من العرب وبعض المتنطعين التائهين ، فأصبحت مكروهة عند الجانب المحافظ من العالم الآخر ، وتحوم الظنون حول من يكررون نطقها باستمرار سواء عن قصد مذهبي أم التزام عقائدى ، أم عن غير قصد الا لكونها كلمات عربية اصيلة لا فرق بينها وبين اخواتها من بحور الكلمات الزاخرة فى اللغة العربية الواسعة .
ولكي نثبت لمن لا يعلم ان هذه الكلمات عربية اصيلة مائة فى المائة . فاننا نعرض اصولها كما وردت في النصوص والقواميس وما في حكمها :
الطليعة - فى القاموس المحيط ما نصه : وطليعة الجيش من يبعث ليطلع طلع العدو ، للواحد والجميع جمعه طلائع . وفي لسان العرب ما نصه : والطليعة - القوم يبعثون لمطالعة خبر العدو ، وفي الحديث : ) انه اذا كان غزا يبعث بين يديه طلائع ( وهم القوم الذين يبعثون ليطلعوا طلع العدو كالجواسيس - واحدهم طليعة .
ومن منا لا يتذكر ان بنات الانصار قابلن النبي صلى الله عليه وسلم - يوم الهجرة وهن ينشدن :
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
ايها المبعوث فينا
جئت بالامر المطاع
ومن منا يشك في ان وجه المصطفى الوضاح المشرق هو أول طليعة فى ذلك الصباح السعيد - طلعت على اهل المدينة من ثنيات الوداع ؟ فطلع معها النور والايمان ونصرة الحق ، ومن منا ينكر ان ناقته القصوى كانت طليعة الركب الصغير الذي تبدى من ثنيات الوداع .
المنجل - ورد في لسان العرب ما نصه :
المنجل : ما يحصد به . وفي الحديث ) النبوى ( ) وتتخذ السيوف مناجل ( . أراد ان الناس يتركون الجهاد ويشتغلون بالحرث والزراعة ، والمنجل هو ) المحش ( كما يعرف في الجزيرة العربية . وأهل القصيم يسمونه ) المخلب ( وفي كتاب ) مبادئ العلوم والتربية الصحية ( تأليف الاستاذ محمد سعيد كمال المقرر تدريسة من قبل وزارة المعارف لطلاب السنة الرابعة الابتدائية ، تظهر صورة المنجل ) المحش ( والكلمات التى توضح وظيفته فى حش النبات ووظائف بعض الآلات الأخرى للنكش والحراثة والتقليب وما الى ذلك .
الرفيق - في القاموس المحيط ما نصه : ) الرفيق : المرافق - جمعه رفقاء ، فاذا تفرقوا ذهب اسم الرفقة ( . وفي لسان العرب ما نصه : ) ورافق الرجل : صاحبه . ورفيقك الذي يرافقك . وقيل هو الصاحب في السفر خاصة ( قال الله تعالى : ) وحسن اولئك رفيقا وقد يجمع على رفقاء .
واذكر بهذه المناسبة : ان جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله - عندما يخاطب الهيئات التى كان يرسلها في مهمات رسمية - يجعل العنوان كالآتي : فلان الفلانى ورفقاؤه ، وتجيب الهيئات جلالته بنفس ما يسميها .
وكنت انا في يوم من الايام واحدا من رؤساء تلك الهيئات - فتأتيني برقية الملك بعنوان : عبدالله السعد ورفقاؤه ، وبنفس العنوان اضع اسمى ورفاقي في الجواب
الكادح : في لسان العرب ما نصه :
الكدح : العمل والسعي والكسب والكدح عمل الانسان لنفسه من خير او شر . كدح ، يكدح ، كدحا . وكدح لأهله كدحا : وهو اكتسابه بمشقة . ومنه قوله تعالى : ) ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ( أى جاهد في عملك الى لقاء ربك وهو الموت ، وملاق عملك المذكور من خير أو شر يوم القيامة .
وقال الشاعر :
وما الدهر الا تارتان فمنهما
أموت واخرى ابتغي العيش اكدح
أى تارة اسعى في طلب العيش وأداب ويقال : هو يكدح لعياله ويكتدح : اي يكتسب لهم .
هذه الكلمات وهذه اصول معانيها فى
القرآن والسنة وكتب اللغة والمعاجم وعلى السنة العرب قبل الاسلام وبعده الى اليوم وحتى تقوم الساعة ، ولن تبدلها أو تهينها او تدنسها أو تزهدنا فيها السنة الشيوعيين والمنحرفين الماركسيين لانها كلمات عربية اسلامية أصيلة كريمة ، أصلها ثابت وفرعها فى السماء ، ومن واجبنا ان نعمقها ونشيع استعمالها بتوسع فى جميع تعابيرنا ومقالاتنا ومؤلفاتنا وصحافتنا واذاعاتنا لكي نقطع دابر مفترسيها من العقديين الشيوعيين وعملائهم الدهماء الضالين الملتزمين ، ولا نرهق اخواننا الذين يستعملونها ببراءة وحسن قصد أو نشك فى نياتهم واخلاصهم واتجاهاتهم ، ويجب ان نفرق بين من يستعملها تقليدا اعمى للملحدين الضالين ، والتزاما عقديا بمذاهبهم الهدامة ، وبين من يردها لمعانيها الاصلية دون التزام خبيث أو سوء قصد مبيت ومخطط ، ويجب ان نعرف كيف نوجه وكيف ننصح وكيف نستوضح ونتفهم قصد القائل وماضيه واتجاهه قبل ان نتوجس منه او نشهر به . وان الدين النصيحة والباقيات الصالحات خير عند الله من الدنيا وما فيها ، وعلى الله قصد السبيل والعاقبة للمتقين .
) جدة (

