هذه هي كلمات تعبر عن رأى خلاصة رأينا فى العلم والادب والفلسفة والاجتماع . سنواصل نشرها آملين من وراء ذلك الخير والخير فى اجمل صوره وأ كمل معانيها .
كل عمل يصدر عن الانسان يشترك فى تكوينه عوامل ثلاثه . الغريزة والعاطفة والعقل
وتختلف اهمية الادوار التى يقوم بها كل منها باختلاف المراحل التى تقطع البشرية في سيرها التطوري
فالانسان الاول - فى دوره الهمجى - كانت غريزته هى التى تقوده - غالبا الى ما ياتيه . فهو يصطاد لياكل او بالتالي ليدفع عنه غوائل الجوع . وهو يسكن - او على الأصح يختبيء ليتواري عن الموت الماثل له بكل مرصد من اخيه الانسان ، ومن الوحش ، ومن عناصر الطبيعة المختلفة . وهو يكتسى بما يتيسر له من جلود الحيوانات او من اوراق الشجر - ليتقى وهج الشمس وزمهرير الشتاء . وهكذا تقوم الغريزة فى هذا الدور الانساني باهم الادوار فى اكثر تصرفات الانسان
فاذا ترقي الانسان قليلا شاركت عواطفه غريزته . فهو يتجمل - نسبيا فى ملابسه ليفوق جماعته او على الاقل ليظهر بمثل مظهرهم . او لكى يرضى
صاحبته ويغريها وهو يتلمس الزخرف فى سكنه والدسم فى طعامه لنفس هاته الاغراص او لأغررض قريبة منها لا تعدو هذا النطاق الضيق .
اما الانسان المتحضر فان عقله - فى الغالب - هو الذي بوجه غريزته وعاطفته الى اهدف مرسومة وبخطط معينة ومحكمة . . فاذا أفلت العقل زمام الغريزة او العاطفة عاد الانسان الى حالته الاولى وتكشف عن الحيوانية الكامنة فى اطواء نفسه ومغاراتها وكذلك العقل الذي ينقل الغريزة والعاطفة لا يمكن ان يهتدى الى الخير والصواب دائما .
تري هل يمكن لباحث نفسى ان يقول ان العقل هو غريزة مهذبة وانه هو فى نفس المتوحش ونصف المتحضر . والمتحضر الا انه سيقبل النشوء والتطور استحال وتركز من غرائز الى عواطف الى عقل مكين .
النظرة الانسانية إلى الاشياء هي نظرة تدل على رحابة التفكير ونبالة الهدف ولطافة الحس وتكشف عن نزعة تحريرية ترمي الى التحلل من قيود العصبيات الفردية والجنسية والأقليمية . والى اعتبار البشر كلهم اخوانا يحدب قويهم على ضعيفهم ويثقف عالمهم جاهلهم . ويعيشون في مدن فاضلة - كالمدينة التى كان يحلم بها افلاطون - عيشة يسودها الرفاه وتسومها العدالة ويشدها العلم وتباركها الفضيلة
ولكن هل هذا يتلاءم وطبائع البشر سؤال لا يجيب عنه الا الواقع الملموس الغربيون هم الذين يحملون مشاعل المدنية الحاضره ، وهم رسل الادب الرفيعة والفلسفات المتعمقة وبالتالى هم اصحاب النظرات السديدة فى أ المدنية والاجتماع . . فلماذا يحرص الانكليز هذا الحرص العظيم على امبراطورية الواسعة ولماذا يتغنى الافرنسيون بوطنيتهم الرائعة . ويقولون ان فرنسا ولا سواها - هى أم النور والعرفان ؟ ! ولماذا يطرب الالمان لنشيد ) هو فمان ( المانيا فوق الجميع
ويقدسون العنصر الاري تقديسا يضعه فوق بنى الانسان كلهم ؟ ! ولماذا تحرص الدويلات الصغيرة على كيانها واستقلالها وتخشى ليل نهار ان تباغتها القوة الغشوم فهي لذلك فى قلق مستمر وحذر ممتد واستعداد دائم ؟ ! ولماذا ؟ ! ولماذا ؟
الفردية . العنصرية . الوطنية . تحدوها جميعا المصلحة - والمصلحة وحدها هى الفكرات المهيمنة على هذا العالم المادى الجاحد ومن الان الى ان تسمو النفوس البشرية كلها سموا ووحيا يؤهلها للنظر الى بعضها بعضا بتلك النظرة الانسانية الرحيمة .
) ستبقى النظرية الانسانية ) فكرة فى رأس فيلسوف . . ( قال لى صديق : لو تكاشف الناس لاستقامت شؤون الكون . فقلت له لو تكاشفوا لتناحروا ولاختلت موازين الحياة واصبح الوجود جحيما ما يطاق
افليس هذا عجيبا ؟ ! بلى ولكنه الحق . فهذا الحجاب الصفيق الذي يغشى بصائر الناس ويغطى على حقائقهم . هذا الحجاب المنسوج من الكذب والرياء والمخادعة لابد من أسباله على حقائق النفوس . . لابد ان يتساتر الناس ؛ !
الأنانية بارزة فى كل عمل يأتيه الناس . فالمنفعة - مادية او روحية - هي رائدهم الاول . والايثار اخشى ان اقول ان هذه الفضيلة ثوب خلاب يغطي الأنانية التى يقوم عليها نظام دنيا الواقع . . كم هو الفرق بين دنيا الواقع ودنيا الخيال
يجتمع الناس على حب الجمال . ولكنهم يختلفون اختلاف صبينا فى تحديد هذا الحب ولسنا نجد مظهرا من مظاهر الطبيعة تصطرع امامه الصوفية والبهيمية والطهر والدعارة كمظهر الجمال . انه ميزان دقيق لحظوظ الناس من قوة النفوس وضعفها
الا سقيا لألئك الذين يسيطرون على مشاعرهم ويقهرون احقر ما فى النفس من نزوات
اذا ضاق العقل ذرعا بالغاز الحياة اطمأن القلب اليها باحلامه : وتلك هي احدي عجائب النفس البشرية التى تمزج بين المنطق والاحلام .
فى الحياة حقائق كثيرة ولكن فيها حقيقة اغرب من الخيال . وهي عدم وجود حقيقة واحدة بالمعنى الشامل .
ما قامت حرب فى العالم الا وكان الباعث اليها عقيدية او طمع او حزازة ) ١ ( تلك هي أسباب الحرب الوحيدة بين الامم والجماعات والإفراد
والعقل الحصيف لا يمكن ان يجزم على شئ بأنه خير مطلق أو شر مطلق فان مثل هذا الاطلاق اقل ما يوصف به انه سخف وغباء لا يستحق عناء مناقشته وتحطيمة .
فالحرب نكبة . . اليست هى ثكلا وتأيما وجراحات تسيل وارواحا تتناثر : ليست هى تدميرا وخرابا وذعرا وقلقا ؟ ثم ليست هي وحشية تنم عن غلظة واثرة وتدلل على ان حضارة الناس قشرة تغطى حيوانيتهم ولكنها لا تبيدها ( الحرب نكبة (
والحرب نعمة . . فليست هى التى تدفع المظالم وتشدد العزائم ؟ ليست هى التى تهب الحرية والمجد والسيطرة ؟ ليست هى التى تفنأ الاحقاد المتأججة فى نفوس المقهورين القاهرين ليست هى التى تئد حضارة لتتمخض عن حضارة ازهى وارفع ؟ ) الحرب نعمة
الحرب خير لابد منه . وشر لا محيص عنه . هي عملية لازمة لتطور البشر والحضارات ولتصحيح الأقيسة والموازين . . عملية جراحية ان اضطرت الى بتر عضو فلكى تهب الحياة والقوة لبقية الأعضاء بوركت الحرب من مهماز رهيب
