قبل كل شئ أتوجه - باسم عائلة " الفكر " الكبرى ، بعبارات الشكر والامتنان الى اللجنة الثقافية وخاصة الى رئيسها الاستاذ الامين الشابى على هذا الحفل اللطيف الذى انتظم لتكريم مجلة الفكر وأسرتها بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسها ، وهى تدخل سنتها الحادية عشرة أشد ما تكون ايمانا برسالتها وأمضى ما تكون عزيمة على مواصلة العمل للمساهمة فى النهوض بالادب التونسى وتغذية الثقافة القومية
ومما يشرفنا ويبعث فينا الشعور بالاعتزاز ان تفضل فخامة رئيس الجمهورية المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة فأحاط هذا الحفل الكريم بسامى اشرافه وشمله بعطفة وثقته ، فأكد بذلك مرة اخرى عنايته بالادب والادباء فى هذه البلاد ، وعبر عن رضاه بالمجهود المتواضع الذى لم نزل نبذله منذ فجر الاستقلال الى اليوم ؛ وليس لنا ما نرد به على فضل رئيسنا وحامى حمى الثقافة فى ديارنا سوى ان نجدد له العهد على مواصلة العمل بما عهده فينا من تجرد ، وتسام الى مصلحة الوطن العليا ، وتفان في خدمة القيم السامية التى غذانا بها وطبعنا منذ زهرة شبابنا على التمسك بها ومزيد البذل فى سبيل نصرتها وتكييف الواقع بمقتضاها .
وان حضور السيد كاتب الدولة للشؤون الثقافية معنا ورئاسته الفعلية لاجتماعنا لدليل آخر على عطف حكومة المجاهد الاكبر على " الفكر " وتشجيع المسؤولين لهذا المشروع الثقافى الكبير ، وهو فوق ذلك شرف لاسرة المجلة التى ينتسب اليها الاخ الشاذلى القليبى فيشارك فى تحريرها بقدر ما تسمح له مسؤولياته الكبرى فى الدولة ، فله منى ومن اخوانه كافة أفراد عائلة " الفكر جزيل الشكر وبالغ الثناء .
أيها السيدات والسادة
انى وكافة رفقائى لأشعر بالارتياح والاعتزاز عندما أشاهد ما غمرنا به كافة
الاصدقاء وكل الزملاء من عبارات التقدير والتشجيع وآيات التكريم والتبجيل ؛ وانى لأتساءل لماذا كل هذا العطف ؟
ألأن المجلة صمدت وكان لها من طول النفس والتوفيق فى التصرف ما جعلها تجتاز عقدها الاول وهى لم تتخلف مرة واحدة عن موعد صدورها ، فضربت بذلك رقما قياسيا وأقامت الدليل ، بعد التجارب الفاشلة التى منيت بها حوالى سبعين مجلة ونشرية صدرت طيلة الثمانين سنة المنصرمة ولم تعمر أكثر من ثلاث او أربع سنوات ، بل لم يتجاوز عمر أغلبيتها السنة الواحدة ، أقامت الدليل على عدم حتمية ظاهرة الاختفاء الذى سرعان ما يعقب ظهور المجلات فى بلادنا ؟
ألأنها بذلك استأصلت مركبات النقص التى عششت فى نفوس الكثير من رجال الادب وجعلتهم لا يثقون بمثل هذه المشاريع الثقافية ولا يكلفون انفسهم - بالتابع - مشقة المساهمة فى بعثها أو فى تحرير فصولها بل وحتى فى شرائها ومطالعتها ؟
أم لأنها مجلة ثقافية بحتة ليس للوازع التجارى أى دخل أو تأثير عليها ولا يجنى افراد الاسرة من مديرها الى أبسط المشاركين فى تحريرها أى غنم مادى ، جزاؤهم الوحيد الشعور بالقيام بالواجب والمساهمة فى الخروج بالادب التونسى من طور الركود والتقليد الى منزلة الخلق والابداع ؟
أم لأنها كانت منذ الاستقلال الى اليوم مرآة صادقة تنعكس عليها مجهودات الامة التونسية فى معركتها الكبرى من اجل السيادة والحرية والكرامة فى أكمل معانيها ومنبرا للأقلام الملتزمة فى جهادها من اجل الحق والخير والعدالة فى كل مكان ؟
أم لأنها فتحت المجال للأدباء الشبان واحتضنت محاولاتهم وشجعتهم وامدتهم بالرعاية اللازمة حتى اشتد عودهم وثبتت أقدامهم ، فكشفت بذلك عن مواهب كثيرة وفتحت للادب التونسى مجالات كبرى وآفاقا جديدة ، واصبحت مرجعا للأدب التونسى المعاصر لا يستغنى عنه ؟
أم لأنها عرفت بالثقافة التونسية والادباء التونسيين فى المغرب الكبير
والعالم العربى وحتى فى بقية الدنيا شرقها وغربها كما يشهد بذلك ما نتصل به من الجامعات والمعاهد والمفكرين من رسائل الاستحسان وطلب الاشتراك قد يكون هذا الحفل تنويها بكل ذلك أو ببعضه ، وقد يكون فيه بعض الاعتراف بالجميل للمسؤولين عن المشروع فى فرصة غير التى تعودنا فيها اقامة مثل هذه الاجتماعات . ذلك أننا ألفنا فى الماضى التحسر والتأسف على المجلة بعد اختفائها ، وتعظيم الشعراء والكتاب بعد وفاتهم أو عند عجزهم ، أما اليوم ، ونحن فى عهد الكد والجد والتضحية من أجل تشييد مجتمع اشتراكى فاضل ، لا يعادل تفاؤلنا بالمستقبل المشرق البسام الذى ينتظر وطننا العزيز الا شعورنا بمشقة معالجة الواقع الذى نحياه اليوم وعزمنا على تغييره بما ينسجم ونظرتنا للكمال المنشود ، . . . أما اليوم فان التكريم تخص به المشاريع المزدهرة والاعمال الناجحة ، وأصبحنا نرنو الى ما سنحقق وننجز غدا أكثر مما نأسف على ما فات وانقضى
لذلك فان العبرة من هذا الحفل والمغزى من هذه العناية الاخوية الفائقة انما هو مزيد الشعور بالمسؤولية ومزيد السعى لتحسين مستوى المجلة كى تواكب اكثر مما واكبت النهضة القومية ، وتوفق ، أكثر مما وفقت ، الى خلق أدب بسمو به الفرد وتتغذى منه الجماعة ، أدب يستحق مجد الخلود وشرف الانسانية .
واذن فهل من شكر أبلغ وأوفى بالقصد من ان أقول لكم باسمى وباسم اخوانى اعضاء أسرة المجلة اننا سنواصل عملنا ونضاعف مجهودنا ونناضل بكل ما أوتينا من قوة ، وفاء لامتنا وانسانيتنا ، وارضاء لضمائرنا كأدباء وقبل كل شئ كمواطنين فى تونس البورقيبية
