فى اوائل الشهر الماضى تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك سعود بافتتاح ( كلية الملك عبد العزيز الحربية فى الرياض ) في مهرجان رائع مشهود . . ونشرت الصحف
وصف ذلك المهرجان الحافل العظيم ، واشادت بمجهودات الملك في سبيل تنمية اسباب العزة والكرامة في بلاده . وقد حفزني حادث افتتاح هذه
الكلية ، المباركة في الاسم ، والغراء في اللقب ، والميمونة فى الانتاج والاهداف سالي الرجوع لامجاه ماضينا الذهبية الخالدة في عالم الحروب والفتوح ودحر الاعداء ورفع رايات المجد والسمو والاصلاح فوق ربي الدنيا ووهادها ، لأستنطق سجل ذلك التاريخ الوضاء عن سير اولئك القادة العظام الخالدين في اسفاره ،
واولئك الفاتحين الماهدين من اسلافنا الميامين ، الذين استطاعوا بما تلقوه من فنون الحرب في هذه البلاد ، وبما درسوه من برامجه في دينهم الحنيف ، وطبقوه خير تطبيق - استطاعوا بذلك ان يتعمقوا في اركان المعمورة ، وان يثلوا عروش الامبراطوريتين الشامختين : امبراطورية الروم في شمال الجزيرة حتى مشارف اوروبا ، وامبراطورية فارس في شرق الجزيرة حتى مشارف الصين 0 0 تذكرت اذن خالد بن الوليد قاهر الروم في معارك اليرموك الفاصلة ،
وتذكرت سعد بن ابي وقاص قاهر الفرس في معارك المدائن الفاصلة ، وتذكرت طارق بن زياد قاهر الغرب فى شبه جزيرة الاندلس وتذكرت موسى بن نصير ، وتذكرت القاسم بن محمد الثقفي فاتح ديار المشرق الاقصى ، وتذكرت ابا عبيدة بن الجراح امين الامة ، وتذكرت عبادة بن الصامت المحارب الداهية ، وتذكرت
عمرو بن العاص ، ومسلمة بن عبد الملك امير الغزوات البحرية الصوائف والشواتي في بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) . وتذكرت المثنى بن حارثة وطليحة الاسدى اركان حرب سعد بن ابي وقاص حروب فارس الخطيرة ، تذكرت اولئك القادة الخالدين الذين بيضوا وجه تاريخ الفتوحات في العالم وسجلوا لهم في صدره اعظم الخطط والفتوحات ، وابهر المعارك ، وادهش المصاولات ، وقلت في نفسي عندها : ان هؤلاء الفتيان الكرام الذين تفضل
اليوم الملك سعود فاختط لهم سبيل المجد العسكري الحديث بهذه الكلية الحربية المفتتحة لاول مرة في تاريخ هذه البلاد ، هم ولا ريب اشبال أولئك الاسود ، وسلائل اولئك الاعلام . ومن السنن المسلوك ان يسير الابناء بسيرة الآباء ، وان يتبع الاعقاب اعقاب الاجداد في ترسم الخير والنهوض 0 0 فعلى هؤلاء الفتيان الكرام الذين عهد لهم سبيل ذيوع
الصيت ودوي . الاسماء ان يثبتوا الهم لاقتطاف تصدر مجد . يجعلوا نصب اعينهم استعادة مجد الاجداد ، بدعم مجد البلاد ، فيغوصوا الى اعمق اعماق اسرار التكتيك الحربي ويتفقهوا نظريا وعمليا فى فنون الحروب قديمها وحديثها حتى يخرجوا لنا بين عشية وضحاها نوابغ من نوابغ الحرب في الدراسات العليا وفي الميادين العملية ، وحتى نرى من بينهم قادة عالميين نفاخر بهم اضراب مونتجمري ورومل ومن لف لفهم من قواد المعارك الكبرى في الحروب العالمية الحديثة 0
ان التاريخ يعيد نفسه باشكال والوان . . واذا وجدت الارض الطيبة الصلبة ووجدت مواد البناء الصاحة
ووجد البناء الماهر المخلص ، ارتفع البناء الى عنان السماء . . ولا يشيد صروح امجاد الامم كما يشيدها بناء فن الطعان . . وقديما قال الشاعر العربى الحكيم المجرب :
السيف اصدق انباء من الكتب
في حده الحدبين الجد واللعب
بيض الصفائح لاسود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريب
وقد شاهدنا في العصر الحاضر ان الناطق بلسان المدفع يبلغ صوته سنة تبعد بحال اصوات المقال المدوية المجردة من اسباب القوة المادية والمنعة الحربية
وبعد فان عبقرية ابناء الجزيرة العربية كامنة فيهم كمون النار في الزناد ، او الكهرباء في الاسلاك ، فاذا جاء الزعيم الكيس الحصيف وعالج اسباب بعث النور والعبقرية من الصدور فسرعان ما تستجيب له تلك العبقرية الكامنة فتاتي بالمدهشات والمحيرات . وقد وجد الزعيم الكيس الحصيف ..الا وهو الملك سعود ، سعود البلاد والعروبة والاسلام .. ابقاه الله ذخرا ، وأيد له ملكا . . ودعم له امرا ..
