الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

كيف نأكل الحب ؟

Share

" حبيبتى الجميلة . . . يا شعلة خفاقة بقلبى ، تود لو تحرقنى ولكنى لا أحترق ! كم حارت نفسى فى تأويل هذا الوضوح . ولكن عمياء هى ، لانها رأت الابهام . . . لانها تحسست الشوك قبل أن تشتم النشر ! . . واه من نفس تحملنى ما يقوس ظهر أيامى المتوكئ على عكاز الوهم .

حبيبتى الجميلة . . . هل تعلمين ما هو الحب ؟ نعم . . . الحب ؟ كم ترجم السائحون ، وهام الشاردون ، واختلق الفنانون ، وعبر المنغمون !! . . . ولكن الحب - عندهم - شئ واحد ، رجل أعمى ، بل امرأة عوراء ، بل عجوز مبصرة ! . . . جواب يبكت الروح ، الحب عندهم همسة ! كلا متى كان الحب ابن الكلمة ، إذ ان الاحساس هو الأب الشرعى للكلمة ، والابن الحلال للحظة . وما الهمسة الا كلمة ، وما الكلمة الا زيفا ، وما الزيف الا ذنبا ! .. . الحب عندهم نظرة ! ولكن كيف نحب ؟ بالنظرة ؟ أم بالتفرس ؟ أم بالتملى ؟ . . . كلا ليست النظرة حبا . بل النظرة خدعة . . . إذ أن الجمال ليس جمالا ، والخضرة ليست خضرة ، والحب إذن ليس حبا . فهو تكييف بلا . . . تأويل . . . بلا . . . ترجمة خاطئة . والترجمة خدعة !

حبيبتى الصغيرة العقل ، الظريفة الشكل . كم أنت نائية عنى ! الى متى سأظل أجهلك ؟ الى متى سأظل أعبدك ؟ الى متى سيعم الفراغ نفسى فأظل أتخبط فى صحراء عمرى ؟ . . هل من نهاية ؟ آه يا من سأظل أجهله ما دام فى صدرى صورته الملطخة بالوحل ، المغطاة بلحاف أسود " .

غاب عن حبيبته مدة ثم التقى بها فجأة وعلى غير موعد فى المخبزة . ارتعش وارتعشت وبعد تردد حطم قناع الصمت وقال لها : " الحب نار ! . . أجل سوف احترق يا حبيبتى . آنظرى الى فوهة الفرن . . . ما أجملها ! " ثم رنا من الفوهة التى يقئ منها الفرن السنة ما انفكت تطغى وتتزايد . . . ولكن حبيبته خشيت عليه هلاكا محققا فصدته ثم طفقت تبكى وكأنها لا تريد فراقه فقال لها : " لمن تصنعين هانه القطع الفضية الهزيلة ؟ انها صرخة القدرة وضحكة العجز ! سوف تضمنى الالسنة الحمراء والصفراء و . . . وسوف

ترقص لى رقصة الفراغ فى الوكر عند حلول الطعم فى شفة الام . الحب كمال ، والكمال حب ! الكمال فناء والنار حب ! النار وسيلة للفناء وأنت . . . أنت شعلة حمراء تخفق فى قلبى : انت الكمال وانت النار التى لا بد لى من الفناء فيها . . . لم يبق لى أن أعرفك بنفسى فأنا نقص . وما دمت أراك نارا فأنا خشب ! فلأذب تهويدة حرى . فلأحترق ما دام الاحتراق وسيلة " . ثم قفز ليدخل الفرن الملتهب من فوهته ، ولكن حبيبته أمسكته بعنف . واذا به يتراجع عن قراره فيضع رأسه على صدرها . واذا بها تقبله بعنف قائلة : " حبيبى المارد ! اننى مثلك تماما ، خشبة ترقب دورها للاستحمام فى قلب الفرن " . ولكنه قذفها عنه بعيدا . ثم أخذ يحملق فى السقف الذى رقشته العناكب بزرابيها المبثوثة . ثم التفت الى حبيبته فاذا هى باكية شاهقة  . سكن الى نفسه برهة ثم أقبل نحوها بخطوات حازمة . ونظر فى عينبها فاذا فيها بريق لماع . ثم نظر الى شفتيها فاذا هما شاهدان على نقصه . ..  وبعد تردد قبل عينيها ثم اخذها بين ذراعيه ورمى بها فى الفرن وصاح بأعلى صوته : " . . . كلا . . . أنت لى وحدة . أنت لى طاقة كاملة لا تفنى . أنت لى كمال ، وأنا لنفسى نقص ! أنت لى دنيا من الاحلام الراكضة التى أريد المسك بلجامها . . . وما دمت أحمل هذا الوزر ، فلا بد لك من التمرد ، لا بد لك من الذوبان . . . لا بدلك من الاكل " .

اشترك في نشرتنا البريدية