الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . أما بعد فان من اهم الواجبات الاسلامية التى يترتب عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته ، في الدنيا والآخرة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وذلك هو سفينة النجاة كما ثبت فى صحيح البخارى عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ) مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فاصاب بعضهم اعلاها وبعضهم اسفلها فكان الذين في اسفلها اذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو انا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم تؤذ من فوقنا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فان يتركوهم وما ارادوا هلكوا جميعا وان اخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعا ( . فتأمل ايها المسلم هذا المثل العظيم من سيد ولد آدم ورسول رب العالمين واعلم الخلق باحوال المجتمع -
واستباب صلاحه وفساده تجده واضح الدلالة على عظم شان الامر بالمعرف والنهي عن المنكر وانه سبيل النجاة وطريق صلاح المجتمع . ويتضح من ذلك ايضا انه واجب على المسلمين وفرض عليهم القيام به لانه هو الوسيلة إلى سلامتهم من اسباب الهلاك . وقد اكثر الله سبحانه في كتابه الكريم من ذكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر ان امة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الامم بسبب صفاتها الحميدة التى من اهمها قيامها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر . كما قال عز وجل : ) كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ( وتامل ايها المسلم الذي يهمه دينه وصلاح مجتمعه كيف بدا الله سبحانه في هذه الآية بذكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الايمان مع كون الايمان شرطا لصحة جميع العبادات يتبين لك عظم شان هذا الواجب وانه سبحانه انما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام . وقال عز وجل : ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم )
فانظر يا أخي كيف بدا في هذه الآية بذكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة وما شك الا لما تقدم بيانه من عظم شبانه وعموم منفعته وتاثيره فى المجتمع ، وتدل الآية ايضا على ان الامر -
بالمعرف والنهي عن المنكر من اخص اخلاق المؤمنين والمؤمنات وصفاتهم الواجبة التى لا يجوز لهم التخلى عنها او التساهل بها ، والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد ذم الله سبحانه من ترك هذا الواجب من كفار بني اسرائيل ولعنهم على ذلك فقال سبحانه فى كتابه المبين من سورة المائدة : ) لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ( وفي هذه الآية ارشاد من الله سبحانه لامة محمد صلى الله عليه وسلم الى ان سبب لعن كفار بني اسرائيل وذمهم هو عصيانهم واعتداؤهم وان عن ذلك عدم تناهيهم عن المنكر فيما بينهم لتحذر هذه الامة سبيلهم الوخيم ويبتعدوا عن هذا الخلق الذميم ويتضح من ذلك ان هذه الامة متى تخلقت باخلاق كفار بني اسرائيل المذكورة استحقت ما استحقه أولئك من الذم واللعن ، لأنه لا صلة بين العباد وبين ربهم الا صلة العبادة والطاعة فمن استقام على عبادة الله وحده وامتثال اوترك نواهيه استحق من الله الكرامة فضلا منه واحسانا وفاز بالثناء الحسن والعاقبة الحميدة ومن حاد عن سبيل الحق استحق الذم واللعن وباء بالخيبة والخسران وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ) عن رأي منكم منكرا فليغيره بيده فلان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فيقلبه وذلك اضعف الايمان ( رواه مسلم رحمه الله فى صحيحه .
وروى مسلم ايضا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ) ما من نبي بعثه الله في امة قبلى الا كان له من امته حواريون واصحاب يأخذون بسننته ويهتدون بأمره ثم انها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل
فاتق الله ايها المسلم في نفسك وجاهدها لله واستقم على امره وجاهد من تحت يديك من الاهل والذرية وغيرهم وامر بالمعروف وانه عن المنكر حسب طاقتك في كل مكان وزمان عملا بهذه الادلة الشرعية التى ذكرتها لك انفا وتخلق باخلاق المؤمنين واحذر من اخلاق الكافرين والمجرمين واحرص جهدك على نجاتك ونجاة اهلك واخوانك المسلمين ، كما قال عز وجل : ) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ( وقال سبحانه : ) يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صعد المنبر فحمد الله واثني عليه وقال : ( يا ايها الناس ان الله يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل ان تدعوني فلا اجيبكم وتسالوني فلا اعطيكم وتستنصروني فلا انصركم ( خرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه وهذا لفظ ابن حيان .
والمعروف يا اخي هو كل ما امر الله به ورسوله والمنكر هو كل ما نهى الله عنه ورسوله فيدخل في المعروف جميع الطاعات القولية والفعلية ويدخل في المنكر جميع المعاصي القولية والفعلية ، ثم اعلم يا أخي ان كل مسلم راع على من تحت يده ومسؤول عن رعيته ، كما ثبت فى صحيح البخارى رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ) كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالامام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في اهل بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والعبد راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ( ثم قال صلى الله عليه وسلم : " الا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته "
فاتق الله يا عبد الله واعد جوابا لهذا السؤال قبل ان ينزل بك من امر الله ما لا قبل لك به . والله المسؤول ان يهدينا جميعا صراطه المستقيم وان يوفقنا وسائر المسلمين للقيام بأمره والثبات على دينه والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر والتواصى بالحق والصبر عليه بصدق واخلاص انه ولى ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
المدينة المنورة (

