الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

لقاء مع (( الهامش ))

Share

قصة ،

الى الذين تساءلوا : (( لم صمت ؟ )) الى اخوتى فى العمل ؛ ان جاز اهداء ..

من الحي الجامعي (( رأس الطاببية )) الى كلية (( 9 أفريل )) ؛ والمطر رذاذ ، والدروب وحلة قفراء . (( صبي علي لعنتك يا سماء ، واحملينى يا سيول ، فما أبالي بالحياة . ما غاية الإنسان من أتعابه ؟ )) ومرت به سيارة جيش فلوثته بالوحل . نظر الى ثيابه وغرق في قهقهة بائسة وخدر الخطى .

(( الدروس تبدأ مع التاسعة ، وكم تراها الساعة الآن ؟ الثياب المبللة الملوثة ... والاستاذ الحقود يبحث عني بعينيه ، يتملى الرؤوس المطرقة في الصفوف ، وعندما يتأكد من غيابي يدمدم ساخرا :

(( لقد تغيب )) ؟.. هن .. لن يقنعني بأن دروسي تافهة .. أعلموه أني رفعت فيه تقريرا الى السلط الجامعية ؛ قولوا له (( مصيرك في خطر )) .. هن .. ويوم الامتحان ... فيكمل الطلبة : (( يكرم المرء أو يهان . ))

جامعة أم سجن ؟ ومنفى أم برامج ؟

الكتب الصفراء ، وطالب العربية في داية : قال سيبويه ، ورد عليه الكسائي ، وروي عن عمرو بن أبي العلاء . وقالوا ان الخليل وضع كتاب (( العين )) وأنكر ذلك عدد له شأن من العلماء .. وكان حماد (( حماد عجرد فحذار )) ينحل الشعر . وطالعوا فصلا في (( المزهر )) وتصفحوا (( الإتقان )) ، وانظروا في (( الكشاف )) و (( يا بلادي

لن تعودي للوراء )) والطلبة المساكين يتراكضون كالاحمرة ، . يتدافعون كالعميان ، يسرقون الكتب ، ويتسابقون لحفظ الاسرار (( شيء هام .. وهام جدا .. شيء عظيم .. )) رأسه كالبيضة العفنة ، عيناه محمرتان : الاستاذ يرقص في الهواء ، الطاولات تطير بمن فيها ، تحلق في القسم ، تحطم الزجاج وتهوى في الساحة الحمراء .. (( مرحبا بالليل من غير صباح ))

(( لن أذهب الى الجامعة ؟ )) لقد تسلم منحته منذ ثلاثة أيام ، فعرج على حانة ليغرق شجونه في كؤوس (( القمراية )) (1) الصغيرة . رحب به النادل وقدم اليه منشفة يجفف بها رأسه وأزاح عن ثيابه الوحل .. و.. غرق في الدفء

لقد تسرب الكسل حتى الى الحانات . كان وحده ، والنادل يتناوم على (( الكنتوار )) . بائع الصحف يردد (( برس )) ويركض من زاوية الى زاوية كالمعتوه . والمطر رذاذ . اقترب منه قط أسود ، ربيب حانات ، وربض غير بعيد يرمقه بعينين ضيقتين .. (( بش .. بش ..)) ولم يفهم .. (( تعالى .. تعالى ..)) ولم يفهم .. (( فيان .. فيان )) ولم يفهم . (( كم هيير .. كم هيير )) ولم يفهم . غرز الشوكة في قطعة لحم صغيرة وأومأ بها الى القط فماء . (( أنت أيضا .. يا لك من انتهازي قذر ..)) وخطر له أن يعذبه ، فجعل بلوح بالقطعة و(( الحيوان )) يلاحق يده ؛ وتكررت العملية حتى تعب ولكن القط لم ييأس ... يا لك من طماع ملحاح )) وسكن يده ، فجعل (( الحيوان )) ينظر اليه بعتاب ثم قفز يريد افتكاكها : (( هيهات .. در بغافل .. )) الحمرة في السماء المنتجة وفي الارض العاهرة ، على الطاولات وفي السقف ، في الكؤوس وعلى الرف . الحمرة في جوفه ، في فمه ، في عينيه وفي ضميره . الحمرة والنار : (( لا .. غير معقول )) وكنت لا ترى الا الضباب وتكشيرات الالم .. (( لا .. غير معقول ..))

لقد تسرب الإبهام حتى الى الحانات .. ابهام وكسل .

وأخذه شوق جموح الى تقبيل العالم : الخروج من الذات واسعاد الآخرين . وأحس في نفسه قدرة عجيبة على الإحسان . ولكنه وحده فى هذا العالم الصغير المغلق ، عالم الاوهام والخيالات والاعاجيب ، سجن سقفه الصمت وجداره ظهر الآخر وقفاه .

سيهب كل ما تبقى من منحته .. الى من ؟! .. سيكاتب كل أصدقائه ... القدامى .. و .. زينب ؟! زينب تدعى حبه (( يا أدعياء الغرام ))

ما أبعد ان يتعاون شخصان في الحب (في مسيرة العواطف نحو الدمار) ، الاول بووفرة في الطيبة ، والثاني بوفرة في الخبث .. يعرفهم : (( التعبد للفن والبغض للانسان ))

فليشرب على شعار الناس . وقرب يده من الكأس فصدم الزجاجة ، فهوت ، فتهشمت . وأفاق النادل ففرك عينيه أو فعل ، وابتسم أو كاد ، وأسرع اليه بخطوات ناعسة :

- سيدي . - الزجاجة .. انتحرت -

نابل / جويلية / 1969

اشترك في نشرتنا البريدية