مصطفى المدايني :
* من مواليد العقد الخامس من القرن العشرين بمدينة السباسب القصرين ( .
زاول تعلمه الابتدائى بالفصرين والثانوى بسوسة وتحصل على الاجازة من اللغة والآداب العربية سنة 1976 من كلية الآداب والعلوم الانسانية بتونس
* نشر العديد من الاقاصيص القصيرة والدراسات النقدية بالصحف والمجلات العربية
* رواية " الرحيل الى الزمن الدامى " هي باكورة انتاجه وصدرت عن الدار العربية للكتاب .
الآفاق :
- له كتاب حول الفن التشكيلى التونسى ينتظر الطبع . - بصدد كتابة رواية جديدة مستوحاة من الواقع التونسي - له بعض أقاصيص خاصة بالاطفال ستصدر عن الشركة التونسية للتوزيع خلال سنة 1982
التاريخ العربي ما أعظمه انه الوجه الصحيح للعرب وهو الدليل الاكبر على عظمتهم وبما انه كذلك فقد اصبح النبع الذي يرتوى من زلاله كل عربى اصيل بهدف الامتداد والتجاوز انطلاقا من التجذر واصلا التواصل الايجابي
ولانه كذلك فان كل ميادين المعرفة مهما ادعت الحداثة فان لها جذورا أو بذورا من التاريخ العربي لا يوجد احيانا هو القدرة على الكشف او الربط بين الوقائع والازمنة وايضا الاستيعاب لكن هل ذلك قدرنا ؟ طبعا لا تقول كل الطموحات والتحفزات والمحاولات والنتائج المتواضعة التى تجسدت حتى الآن بان العربى نزع عنه لباس الخمول وترديد امجاد الاجداد لقد انبرى العرب باحثين عن مقوماتهم وخصوصياتهم التى تميزهم . . وهي التى ساهمت بقسط كبير او لعله الإكبر فى بناء الحضارة الانسانية . . ويتجلى ذلك فى مختلف الميادين الادبية والفكرية والعلمية انها خطوات صغيرة ولكن طموح العربى اليوم اكبر من المحاولات . . وانه لمحقق ما استحال على اجيال سابقة له . . لأنه رفض التغني بالامجاد لذاتها . . واتخذ منها منارات يهتدى بها لبلوغ اسمى الاهداف .
نعم وصلت قناعة العربى اليوم الى توظيف كل ادواته الفكرية والفنية والادبية والعلمية لاستيضاح الاعماق . وكانت الرواية العربية من ضمن الادوات او الانواع الادبية التى وظفها اصحابها لربط الفترات التاريخية بعضها ببعض . . ولتحسيس المواطن العربى بخطورة المظاهر السلبية التى الحقت بالتاريخ والتراث العربيين زورا . . وهم يحاولون عبر اعمالهم الروائية تقديم الوجه الصحيح لواقع الفكر العربي وتطوره الاجتماعى . . فاضحا زيف الثوابت التى حاول الزنادقة من الفرس وغيرهم ترسيخها فى المجتمع العربى فى العصور الاولى .
من الروايات التى حاولت ربط الفترات التاريخية العربية واستخدم فيها صاحبها اسلوب تداخل الازمنة فى عملية مزج بين الحاضر والماضى للتدليل على ان العربى اليوم لا يختلف من حيث الجوهر عنه فى الماضي وكذلك يجب ان يطرق ابواب المستقبل . . تقف رواية مصطفى المدائنى " الرحيل الى الزمن الدامى " مع طليعة الرواية العربية تعضدها . . وحتى نقدم صورة عن طبيعة معالجة الكاتب لمواضيعه اجرينا معه المقابلة التالية :
- ماذا يعنى لديك صدور رواية فى هذا الزمن الذي يعتبره الكثيرون زمن الرواية العربية ؟
- الرواية فن ادبى صعب . . هي مجابهة امام كون ملئ بالمتناقضات . . وهي قبل وبعد تحد يذهب البعض الى ان هذا الزمن هو زمن الرواية العربية وانى لعلى هذا الرأى . بل اذهب الى القول ان الرواية هي الفن الذى سيستقطب
كل الفنون الاخرى هي الفن الذى يتمكن الشاعر فيه ان يكون شاعرا والقصاص ان يكون قصاصا . . هي مصب لكل الفنون . . اذ تبيح لمن يمارسها ان يلونها تلوينا . . ومن هذه الوجهة هي صوغ صعب . . اذ يتطلب من الروائى ان يكون هؤلاء جميعا فى آن والا افتقرت روايته الى الشاعرية والفنية والاسطورية لكن هل يمكن ان يقال : إن الزمن زمن الرواية العربية بحق . . صحيح هناك العديد من الروايات التى تصدر فى كافة الاقطار العربية وصحيح ان هناك ابداعات كثيرة عرفناها لامثال جبرا ابراهيم جبرا وعبد الرحمان مجيد الربيعي ونجيب محفوظ الخ . . لكن هل هناك تواصل . . هل هناك مواصلة ابداع روائى حقيقي . ؟ من هذا المنظور انطلقت واليه رجعت عندما اردت ان اكتب أول رواية وهي " الرحيل الى الزمن الدامى " . . وقد صدرت بعد عن الدار العربية للكتاب . . انها رواية متوسطة الحجم حاولت ان تكون اضافة في بناء صرح الرواية العربية رواية الغد . . هي اذن مساهمة فى العصر الصعب
- ماذا - فى اعتقادك - يمكن ان تكون اضفت للرواية العربية فى تونس ؟ - قلت آنفا ان العصر عصر الرواية العربية . . لكنه فى تونس يعرف انتكاسة كبرى . . فالرواية فى تونس عمل صعب وذلك مرده للعديد من الاسباب التى لا يتسع المجال لابرازها الآن . . ووسط بعض الاعمال الروائية اردت ان تكون رواية ذات سمة الفرادة فى تونس والتميز فى معنى الخلق الابداعى هي محاولة لاثراء المكتبة التونسية وبالتالى المكتبة العربية .
لقد درست بالمعاهد التونسية . . وكنت اجد صعوبة فى اختيار الروايات التونسية وذلك لندرتها فهناك عدد قليل من الكتاب الذين يقبلون على ابداع الرواية . . بحيث ندر ان نمتهن العمل الروائى . . وانى ادعو الاوساط المسؤولة ان تمكن اهل الذكر من ممارسة هذا العمل بالتشجيع . . فهو عمل مضن ولابد له من رعاية خاصة . .
الرحيل الى الزمن الدامى . .. . رحلة فى البيئة التونسية ذات بعد تاريخي اردته لها حتى اوازي نسق عمالقة الرواية العربية امثال نجيب محفوظ الذي بدأ ابداعاته الروائية بالرواية التاريخية لكنى صورت خلالها مدينتى الحبيبة القصرين من افيائها العريش وعين القايد هى المحلية التى تنطلق الى العالمية او هكذا على الاقل اتخيل
- طبعا من خلال الرواية كل منطلقاتك واهدافك اجتماعية وحضارية . . لكن هل تعتقد ان الرواية يمكن ان تغير الواقع الاجتماعى ؟
- فى البدء اؤكد ان اى تغيير اجتماعى هو عمل جماعى تشترك فيه كل
فئات المجتمع . . وكشريح اجتماعية اساهم فى التغيير نحو الافضل . . هو مارب نساق اليه اردنا او لم نرد . . والعمل الابداعى تصوير لما وقع ولما سيقع كما انه تنبؤ صادق عما فى الغيب لقد حاولت ان اصور ماضيا ما . . هو فى الحقيقة في تجاويفه الحاضر . . هو معنا ونحن معه واليه . . انه المسار التاريخي للامة العربية قاطبة . . هو البحث المتواصل عن الذات التى غدت فى عصرنا مفقودة . . واني لا جهد النفس لاجدها . . ولكنى اعلم ان هذا العمل ليس بالسهل أو المتيسر ومن ثم هو عمل متواصل الحلقات لقد صورت حضارتنا العربية الاسلامية عبر رؤية " زركويه " لها وصورت المتناقضات عبر التاريخ كما حاولت تصوير المتواجد اليوم . . هي محاولة حصر الواقع الدرامي للاقطار العربية دون استثناء . . هي اذن مسار تاريخي عبر محلية ضيقة نحو هدف سام هو تصوير الواقع العربي المرير . . فنحن نعايش ثنائية لا نود التملص منها نبحث عن الداء وهو فينا فى ذواتنا وعندما نعى الواقع نشعر اننا كنا غافلين عن التاريخ الوضىء وبعد . . هل يمكن اعتبار الكتابة مغيرا للمسار الاجتماعى . . ؟ نعم هى تحديد للمسار الآتى . . قبلنا ام كرهنا هي الآتى حتما . .
- الرواية العربية منذ نشاتها وعبر تطورها هل استطاعت شد القارىء اليها وهل استوعبت مشاكله ؟
- الرواية العربية منذ نشاتها ثرية بتصوير المجتمع العربى . . وكما قلت آنفا ان الرواية هي النمط الفني الذي يمكنه ان يستوعب مشاكل الشعوب ولا شك ان دراسة مستفيضة للرواية العربية تعطينا صورة للمجتمع العربى الحالى فى تطوراته . . فى تحركاته وسكناته . . انها ميدان تصويري رائع . لما يجد على الساحة . . والمتتبع لمسار الرواية العربية بدقة تتضح له تقلبات هذا المجتمع وتطوراته . . ايجابية كانت او سلبية
على ان عملية شد القارىء تستدعي توضيحا . . فمن المؤكد ان لكل فن متقبلا معينا والرواية لها صفة الحكاية ومن ثم فهى تشد القارىء . على انه يجب التأكيد ان الروائى الباحث عن الصياغة الجديدة قد يجد صعوبة فى التواصل مع قارئه . . لكن ذلك سيمحى بالتطور الحاصل فى مفكرة المجتمع
ان الرواية هي العين الساهرة على التفاعلات الداخلية والخارجية للمجتمع بدقة متناهية .
- هل يمكن الربط بين تجربتك القصصية الاولى ومرحلة الرواية هذه ؟ كيف ؟
يؤكد وولتر كامبيل " ان الاقصوصة شكل من الاشكال الادبية التى تجتذب الكاتب الناشئ ومن هذا المنطلق فقد وجدتني دون ان ادرى انساق الى كتابة الاقصوصة وكنت اجد لذة فى اختيار هذا النمط الفنى ، ولما تمرست به انسقت الى ضرب من الشاعرية الاسطورية مما جعل البعض يعتبر انتاجي شعرا . . وكنت انوى به اقصوصة جديدة . . لم اناقش الموضوع من هذه الزاوية وانما اكتشفت في الختام انى امام مازق ما . . ومن ثم عنت لى عملية المجابهة : الرواية امر صعب لكنه واجب . . ووجدتني انساق فى المغامرة الروائية . . ايمان ذاتي دفع بي الى كتابة " الرحيل الى الزمن الدامى والمنطلق فى الحقيقة كان ارادة كتابة اقصوصة لكنى لم أجد الشكل كان المضمون يستدعي شكلا آخر . . وجدته فى البداية فى ضرب من الغنائية الشاعرية . لكنى فى الاخير اقلعت عن الاقاصيص الشاعرية واتبعت خطا وجدته يتناسب والمضمون فكانت الرواية الاولى . . انها عملية كشف مضنية . . دامت التجربة حوالى خمس سنوات . . كنت احلم بالكتابة عن " زركويه " فكانت هذه الرواية الرحيل الى الزمن الدامى " الآن . . انا مسكون بالكتابة الروائية . . وآمل فى القريب ان اتمكن من كتابة رواية ثانية و . . .
- من خلال اطلاعك على القصة العربية . . ما هي الاضافات التى يمكن ان تكون قدمتها للساحة الادبية ؟
- الرواية كفن تحولى النزعة . . ومن هذا المنظور فان الرواية قد واكبت تطورات المجتمع العربي . . فمنذ بداية القرن العشرين تمكنت الرواية من تصوير الواقع المعاش في وطننا العربي . . لقد داب الرواد على تتبع تطور هذا الفن في الاقطار الاوربية والامريكية والروسية ومن ثم تمكنت الرواية العربية من التواجد بصورة تدريجية في الساحة الادبية . . ثم اصبحت صنفا أدبيا مميزا وهى الآن من الفنون التى تسطر مسارها المستقبلي على المستوى العالمي لا المحلى فحسب فلقد تمكنت الرواية من ايجاد رصيد هام فى نطاق الرواية التاريخية وقد اوجد الرواد هذا الصنف رغم صعوبته وما من روائى جاد العطاء الا واضاف الى هذا الصنف فمنهم من ابتدأ سلسلة رواياته بالاعمال التاريخية ثم اتبعت بالاعمال الاجتماعية والوصفية . . فالقصة السكلوجية والقصة الواقعية الخ لقد اصبحت الرواية رافدا لا يستهان به فى الادب العربي . . على انه يجب التاكيد ان هذا الفن لم ياخذ بعد حظه من
الدرس والتقييم وما يلاحظ حاليا هو جمود النقد الادبى الصادق فى الوطن العربى . . وقد اكد ذلك عبد الرحمان مجيد الربيعي في مقال نشره بجريدة الجمهورية العراقية حيث اكد بؤس النقد عندنا واننا لنتساءل عن سب هذا الفقدان وماذا وراءه ؟ ان الرواية - وقد تواجدت على الساحة - مازالت تعاني من قلة التقييم الجدى . . حيث تصدر العديد من الروايات وتمضى دون اشارة او التفاتة جادة
- ١ - وانطلاقا من هذا الوضع لا يتسنى لى ان احدد الاضافات التى يمكن ان تكون قد اضافتها الرواية والقصة العربيتين عموما .
- كيف تتصور مستقبل الثقافة العربية بما فى ذلك القصة والرواية ؟
- المسار القادم هو مسار الامة العربية قاطبة . . اننا نعايش لحظات الكدر الكبرى . . فالامة العربية تعرف انتكاسات متعددة . . وكل يوم جرح جديد يحز فى نفسي . . اعرف ان امتى تعانى . . ففي الشرقين فلسطين مدماة ومفاعل تموز احترق وما من مأمن فى عصر الشرور . . انها لحظات التوه الكبرى . . وعند الوعى اعلم ان الغد آت . . فالالأم الكبيرة تولد الاعمال العظيمة . . اننا امة تتالم . . وثقافتنا تتالم وتقاوم الغزوات . . ولا شك ان المستقبل مستقبلنا . . نتحدث هذه الايام عن رواية وقصة امريكا اللاتينية وعن . . وعن . . اما ثقافتنا فمحرومة . . ولا غرو فى ذلك فهى الثقافة التى اجتاحت العالم قبلا . . وانتكاستها انتصار للآخرية الذين يعلمون علم اليقين ان استفاقة هذه الثقافة عنوان عودة العدل لعالم موبوء نحن امة تختزن الآلام الى اليوم القادم
