الأسرة :
الأم : ارملة مات زوجها فى ظلام السجون . والتحق ابناها الهادى والمنجى بصفوف المجاهدين سمير : طالب . عند بدء الحوادث يكون فى امتحان . وطنى غيور متحمس فائزة : بنت مثقفة مؤمنة . . . عم صالح : رجل استعمارى من دعاة الهزيمة الجنود : هم فرنسيون مستعمرون .
المشهد الأول
(الزمان) : مساء يوم من ايام جوان ( المكان ) : ( غرفة متواضعة فى بيت الاسرة ، الأم تشتغل بشأن من شؤونها . ومعها فائزة . فيدخل سمير . ) سمير : السلام عليكما فائزة : وعليك السلام يا أخى الحبيب . . كيف الحال ؟ . . الأم : ماذا يا سمير ؟ هل انت بخير ؟ . كيف صحتك سمير : لا بأس يا أماه الأم : هل اجبت عن اسئلة امتحان اليوم بدقة ؟ سمير : لقد كانت الاسئلة فى المجموع بسيطة يا أماه . فائزة : حينئذ ، لماذا انت مغتم ؟ هون على نفسك وافرح شأن كل طالب يترقب النجاح ! . . سمير : ان امر الامتحان يا اختاه لا يهم . . إنما المهم
فائزة : ( تقاطعه ) اعرف ما ستقول . . ستفكر بالهادى والمنجى واين هما وسط الزحام زحام القنابل والمفرقعات - أليس هذا ما ستقول ؟ إنك دائما تذكرنا بأفدح المصائب يا أخى .
سمير : ( بتنهد ) آه . . أجل يا أختاه . . ما استطعت أن أنسى . . لقد كنت فى قاعة الامتحان اليوم وكان قلبى فى صفوف المجاهدين كنت مع المنجى والهادى . . كنت معهم بروحى فى خط النار . .
فائزة : بالله عليك يا أخى لا . . الأم : ( تقاطعها ) سمير ولدى لقد تقطعت نياط قلبى من الشهيق وسقطت من البكاء حتى اهدابى يوم قدر على بفقدهما وبقيت أنت لى أملا وحيدا فأنا ضنينة بك الى أقصى الحدود . . فبالله عليك لا تفكر بهما . . لهما رب يحميهما ( تبكى ) .
فائزة : أما أنت يا سمير فيجب أن تبقى لهاتين المخلوقتين أملا واحدا من كل الامال العراض لقد استشهد خالك فى ساحة الشرف بطلا شجاعا ومات أبوك في ظلام السجون والتحق أخواك الهادى والمنجى بصفوف المجاهدين أليس ذلك كافيا ؟ ( تبكى . . . )
سمير : لا . . لماذا البكاء ! للمقادير مدبر حكيم ونحن لا نملك من تصرفاتنا شيئا . . لا تبكى يا أماه فتلك ضريبة الوطن المفدى تدفعها البطلات من اكبادهن . . ولست آخر من تجود . . فالى ان تندك صحون الظلم تحت معاول الشعب العظيم ستبقى التضحيات وستبقى الحرب على اشدها . .
فائزة : اسكتا . فانى أسمع على الباب . نقرا . ( ينصتون وتتجه فائزة الى الباب فتفتحه ويدخل مسعود خادم العم صالح . . )
مسعود : السلام عليكم سمير : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . . ماذا تريد ؟ مسعود : سيدى صالح يناديك يا سمير سمير : حسنا سوف آتى بعد حين . . . . انصرف الآن . . . فائزة : ماذا يريد صالح الاستعمارى منك يا سمير
الأم : لا تذهب اليه يا سمير ولدى . . لعل فى الامر مكيدة . أرجوك فهو .. سمير : لا تخافى يا أمى . . أنا على استعداد لكل شىء أنا أعرف ما هى مفاجآته . . سياسة مفلسة وفلسفة خرقاء . فائزة : خذ مسدسك يا سمير او لا تذهب اليه . انه خداع ماكر يا سمير سمير : لا يا فائزة . ذلك المسدس الذي مات أبى من اجله سوف لن يخرج من ظلامه الا لينتقم وفق تخطيط مسبق . فائقة : إنى اخاف عليك يا سمير من هذا الخداع الأفاك سمير : قلت دع الامر لى فلست طفلا إننى رجل - ( يقوم سمير فيخرج وتشيعانه بنظرات متوجسة عطوف )
المشهد الثانى
( - فى بيت صالح - )
سمير : ( يطرق الباب فيفتح له مسعود ويدخل ) أهلا عم صالح . كيف حالك . .
عم صالح : لا بأس . . لا بأس . . سمير : لقد جاء مسعود يطلبنى وكنت مشغولا بتحضير بعض الدروس والآن فقط جئت . معذرة على كل حال ؟ . عم صالح : دعنا من هذا . . كيف حال أمك . . سمير : إنها بخير . . هذه الايام عم صالح : هل نسيت المنجى والهادى
سمير : فيما سؤالك هذا يا عم صالح . . اشفقة أم تنكيلا انى أرى هذا السؤال غريبا واسمح اذ أقول انه متخابث
عم صالح : وجدته غريبا يا أحمق . . ألم أقل لكم منذ زمان دعكم من الحركة الدستورية . إنها لغو ولا فائدة وراءها . انكم حيال فرنسا القوية التى خرجت من حربين عالميتين ترفع رايات الانتصار بعد ما كسرت هتلر وجيوش الهاوية انه وليد فلسفة مجنونة .
سمير : إنك لا تقول جديدا يا عم صالح ؟ ! هذه معلومات خاطئة فرضت حتى على صغار التلاميذ . . . هل من جديد ؟
عم صالح : تريد جديدا . . خذ هذه الصحيفة وأقرأ يا غبى . . خذ وانظر هل انتصرتم . لا بل استمع فسوف أقرأ أنا . . ( يقرأ صحيفة ) " دارت أمس معركة حامية الوطيس بجبل بو هدمة بين جمع من " الفلاقة " يضم خمسين ارهابيا وبين كوكبة من الجنود الفرنسيين استمرت حتى الغروب وقدرت الخسائر بثلاثين قتيلا من جموع الفلاقة . . . " أسمعت ؟ . أسمعت الانتصار الذى احرزه أخواك وامثالهما من المجانين
سمير : إذا كنت أنت يا عم صالح تقرأ السطور فأنا أقرأ ما تحت السطور . . ان ما عرضته على الآن باعتباره انهزاما لا أرى فيه الا انتصارا يكفى ان يصلى العدو بنار المجاهدين يوما كاملا ولا وهن يبدو ولا انسحاب كفاية فذاك دليل على نبل المبادىء . على المستوى المعنوى للاحرار . . للمجاهدين
عم صالح : قلت لك من زمان لا تقل مجاهدين . . قل فلاقة ، قطاع طريق كما قال مسيو روبيسبيار . . أسمعت يا أحمق . .
سمير : اما يكفى نعتى بالحمق والغباوة يا عم صالح . عم صالح : لأنك أحمق فعلا وغبى لا تفهم النصائح ولا ترعوى عن غيك . سمير : ما على ظنى بأس . كنت اظن انى ضيف عندك لن أهان فى بيتك . . اما والحالة هذه فشكرا . . الى اللقاء فى الليلة المقبلة .
عم صالح : في الليلة المقبلة ؟ ! . الليلة المقبلة ستكون فى الزنزانة لتتعلم كيف تفكر وتعرف ما هى فرنسا سمير : ليلتك سعيدة يا عم صالح أما هذه فاشياء بيد الله ( يخرج ويغلق مسعود وراءه الباب )
المشهد الثالث
( - فى بيت الاسرة - الأم تصلى وفائزة تشتغل بشأن . . )
سمير : ( يطرق الباب ) فائزة . . . فائزة . . فائرة : من . . تكلم .
سمير : افتحى يا فائزة أنا سمير أخوك فائزة : ( بعد ان يدخل ) أحدث شىء ؟
سمير : لا شىء يا أختاه . هدئى من روعك . . اين أمك ؟ فائزة : ترقبتك كثيرا ثم ذهبت تصلى سمير : ( يتأمل أمه وهى تصلى وتدعو ) .
الأم : " اللهم . . يا ناصر الضعفاء . . يا ملاذ الثكالى والمقهورات اجعلهم أبطالا . . واجعل دمهم قيدا فى أيدى الاعداء . وامنحهم يا رب صبر الجبال . . . وأجعل يا رب رصاصاتهم موتا زؤاما لا يبقى عدوا " .
سمير : ( بتأثر من دعاء أمه يأخذ منديله ويستدير نحو الجدار . . . ) الأم : سمير ولدى . . هل حدث شر ؟ . ماذا يريد ذلك الخداع البيوع ؟
سمير : لا شىء . . إنه يهذى . . يقول . . يقول . لا . . لاشىء . الأم : يقول ماذا ؟ فائزة : بالله عليك قل . . قل كل شىء . . لا تكاتمنا خوفا على اعصابنا او من بكائنا . . . اصبحنا نتوقع كل شىء كل شىء على الاطلاق . . حتى قتلك أنت . لقد بلينا بكثير فصرنا اذا اصابتنا سهام تكسرت النصال على النصال . . . قل وليكن ما يكون . . .
سمير : أحقا ما قلته يا فائزة . . أأنت شجاعة الى هذا الحد . فائزة : أجل . تكلم . سمير : الى أمه . . أماه . . اريدك بطلة تقابلين بثلاث بنادق في سبيل وطنها .
الأم : قل . . قل يا سمير ماذا هناك فوجهك يبدو فى شحوب . سمير : أنا يا أماه أصبحت مطاردا غدا ستأتى الشرطة الفرنسية لالقاء القبض على بامر من عم صالح . . وعندما اخذنى الى بيته اعاد نغمته القديمة فذم الدستور وتشدق بعظمة الفرنسيين وناولنى صحيفة بها حوادث يفهم منها ان ابطالنا فى تفوق دائم وحسب انه سيحطم بها أعصابى لان المسكين فهم العكس . . .
الأم ؛ ماذا قال . . وماذا فعل رجالنا سمير : المهم الآن اننى مطارد . . وهاك هذه الرسالة يا فائزة سلميها الجنود الذين سيأتون . . . أما أنا فوداعا يا أماه ويا أختاه .
الأم : لمن تتركنا يا سمير لمغامرات عمك صالح . . للظلام للثكل النهائى بعد الترمل واليتم . فائزة : يتركنا لله يا أمى . . . لا تقنطى من رحمة الله ولان يموت أخى فى ساحة الحرب مجاهدا خير من أن يلقى عليه القبض ويموت فى ظلام السجون .
سمير : شكرا لك يا فائزة . . بامثالك يفتخر الوطن أنابك أقوى من الاحداث . . لن أخافها . فلى فائزة ولى حبيب ولى شعبى ولى جبال فدقى يا عاصفات الجدار . . أما العم صالح فسوف يكون حتفه بيدى . . سيموت الليلة برصاص مسدسى هذا . . اما الآن فالى اللقاء . . . الى غد مشرق عزيز الأم : الى اللقاء يا ولدى العزيز . بلغ تحياتى لمن بقى حيا من رجالنا جميعا . . قل لهم ان الامهات يباركن نضالهم . . يدعين لهم . - ( يغلبها البكاء ) ويخرج سمير . . -
المشهد الرابع
( أمام بيت عم صالح )
سمير : عم صالح . . عم صالح عم صالح : من ينادينى ؟
سمير : تعالى سامحنى بعض خطوات . . عم صالح : لا . . مسعود فى الخارج وأنا لا أخرج اليك فى هذا الليل سمير : - يمثل لهجة فرنسى - اسرع مسيو صالاه كبتان جون ينتظر
عم صالح : كبتان جون .؟! معذرة أنا قادم حالا يا للفرصة السعيدة . - يفتح الباب ويخرج فيقطع سمير عليه طريق العودة - سمير : أخرجت الآن ؟ ! امتحان أخير لك وكنت كالعادة نذلا ولقد عرفتك دائما نذلا . . عم صالح : نذل . نذل يا وقح سمير : اخرس . . كلمة اخرى منك توردك حتفك . . ألم تقل لى قبل كلاما ألم تذكر " الزنزانة " ها قد جئت لتأخذنى اليها
عم صالح : - ( يتحسس جيوبه كمن يبحث عن سلاح ) - سمير : ارفع يديك فأنا مجنون أحمق كما تعلم . . ستموت الليلة من هذا المسدس . يا خؤون كثير من الابرياء . . كثير من الاحرار سكنوا السجون وماتوا فى الظلام . بخيانتك يا أفاق يا " بيوع " .
عم صالح : ( وهو يرتعد ) خذ مليون فرنك ودعني يا ولدى . . دعنى لابنائى . . اننى شيخ فلماذا تقتلنى .
سمير : لا . . هيهات . . ابناؤك لا تستحق أبوتهم . عم صالح : خذ مليونين . . خذ كل اموالى واتركنى يا سمير سمير : قلت لا . . اننا كرماء اشراف لا نأكل الاموال بغير رضا اهلها . . ان همى الوحيد هو دمك . . دمك انت يا وغد اما الاموال فلا حاجة لى بها . . اننا نقتات برائحة البارود بدعاء الامهات ولن اطعمك الليلة سوى بارود . خذ . - يسقط صارخا ويهرول سمير هاربا - .
المشهد الخامس
- بعد ثلاث ايام من هذه الحادثة تأتى احداث المشهد الخامس - - فى بيت الاسرة - فائزة وأمها تشتغلان بشؤون المنزل يسيطر عليها حزن عميق يطرق الباب
فائزة : من يطرق الباب . . تفضل - يفتح الباب وتندهش فائزة عندما ترى الجندرمة والجنود - القائد : اين سمير ؟ . . الأم : لا ادرى لم اره من أيام . . القائد : ( يضربها بمؤخرة البندقية ) قلت لك اين سمير يا شمطاء
فائزة : لماذا تضربها يا وغد انها امرأة فى عمر أمك . . ألا يخجلك شيبها وضعفها لو كانت رجلا هل تجرأ على ذلك . . أما أخى سمير . . أما سمير البطل فهو يترقبك هناك . . هناك على القمم الهادرة بعزة البطل وفى اليد رشاشة ثائرة . . خذ هذه رسالة منه . . اقرأ لا تخف من حروفها . . لا تجبن أمام كلماتها ليس فيها رصاص انها فقط مكتوبة بقلم بطل أملاها فكر مؤمن وايمان مفكر انها اقوى منك حتى وهى حروف .
القائد : خذوا هذه المجنونة انها آلمتنى كثيرا بثرثرتها . لعن الله المرأة المثقفة عموما والتونسية على وجه الخصوص هيا اخرجوا بها ٠
الجنود : - يأخذونها ويدفعون العجوز - فائزة : اتركونى أساعد أمى على السير فهى أم انجبت رجالا انجبت الطاعون قدمته لكم فى ثلاث قنابل مفكرة وقادرة على حملها بكل اعتزاز فمثلها لن تموت ذليلة . .
الجنود : - يدفعون العجوز - الأم : أنا معكم سائرة . . تريدون سجنى مع ابنتى تريدون تعذيبها وتعذيبى . . ومن يدرى لعلكم فكرتم فى شىء أبعد من هذا ؟ . حتى هذا الشىء الكبير الذى نموت دونه نحن التونسيات قد تفكرون به لكن فائزة ابنتى تعرف كيف تموت اذا اصبح العفاف والشرف فى خطر
القائد : تقدمى . . يكفى هراء . . من الآن سوف لن اسمح لك بالكلام وسوف تعلمين ماذا سيفعل رجالى بك وبابنتك هذه انها صيد "سمين" انك ولا شك تجيدين المواويل والرقص البدوى اليس كذلك يا صبية .
فائزة : أجل يا حضرة الضابط عندى مواويل وعندى ايضا . . . عندى رصاص . رصاص خذ . . - تطلق النار فيصاب أحد الجنود - . احد الجنود : الويل لك أيتها المجنونة كادت تقتل الكبتان اللعينة الأم : جندلته يا فائزة انتقاما مسبقا . فائزة : اردتك انت يا وغد مرتعا لرصاصى لكن للاسف اخطأتك . آخر من يموت هو اللئيم
القائد : الويل لك كبلوها وخذوا منها السلاح . الجنود : - يكبلونها - فائزة : ما اجبنكم تخافون بنتا فتكبلونها القائد : اسكتوا فانى اسمع حركة مريبة سمير : ( مع جمع من رجاله ) . ايها الانذلال قفوا وارفعوا الايدى الى السماء . . قسما بحرمة الوطن لاهشمن رأس اول من يحاول ان يستعمل سلاحه وهذه الاولى
- يطلق النار فيسقط أحد الجنود ويلقي الآخرون السلاح - فائزة : أماه . أخوتى . سمير . منجى . هادى الأم : أحقا ما تقولينه يا فائزة هل كنا معهم على ميعاد . سمير : تقدموا يا رجالى . . كبلوهم بالاغلال وجردوهم من السلاح . . سيروا بهم الى الامام كالنعاج سمير : ( الى أمه وأخته ) هيا تقدمى يا أمى . . . وأنت يا فائزة . .
الأم : ونحن الى اين يا سمير ؟ . . سمير : الى الجبال . . لن نعود الى بيتنا الصغير الا فى فرحة اعياد . اعياد الحرية والاستقلال . . الا تريدين الذهاب معنا الى الجبل يا فائزة ؟
فائزة : كلا يا سمير . . كيف لا أحب الجبل المنبر المقدس الذي يخطب من فوقه الحق . . يتكلم من فوقه الرشاش سمير : وهناك يا فائزة سوف يكون دورك ممرضة تسعفين جرحى العدوان . . .
فائزة : لى الشرف يا سمير . . . وأمى الأم : أما أنا فدعوا أمر الطبخ والتنظيف لحسابى نظفوا الوطن من جراثيم الظلم وأنا أنظف الثياب . . لى الشرف أن أكون منظفة ثياب طهرها زيت البنادق وشحم الزناد سمير : اذن فلنسر : ومن لا يحب صعود الجبال فائزة : يعش ابد الدهر بين الحفر
