لم تكن السمكة في انطلاقها من ركن الى ركن ، تحت آلوان من الانوار الباهته ، إلا طرفة العين فى الظلام يشحذها بريق ، وخفقة القلب تهفو الى عبير الحياة ، أملا وتوقا ، ولهوا واشتياق .
ولم تكن الفتاة ، ونظرها يرقص خفافا فوق لمع الجسم يحتك بالماء ، تشعر بنظره ، لاهيا ، أفاكا ، يعانق رقصة البصر ، ويقتنص لحنا ينساب كهبة نسيم ، ورجفة جناح شق أفقا عنيدا أبى *.
وانطلقا ، زمانا حائرا ينطق بالزهر والعبير ، ويضحك حنينا ، ويضحك انعتاقا . ويلف على قلبها أصابعه الناعمة ، وينغم دقاته على دقات قلبه ، ويهمس فى أذن صاحبها بأغنية أنغامها سحر ، وألحانها دفق فرار .
ومشى ومشت ، على حصى الشاطئ كالجمر والماء ثلج ، ودميت أقدامه وانفتح قلبها انشراحا ورضى ، وضحكت ليرجع خرافة وأنس أليف ، والليل عين أحداقه تضيق وتضيق ، وظل الظلام كنف عابر تكشفه شمس الحقيقة .
وافتر صبح عن سن الجفاء ولاجفاء ، فدميت أقدامه والأرض صلب أنوف ، وانفصل الزمان عاتيا ظلوما ، وانتفي اللهو .
وشده إليها خيط ، إبرته تخز قلبه ثم تدميه ، وراح بكفيه ، يعتصر ألما شفافا من ورائه ذوب دمع وبراعم حزن ، فلم يعرف وجهه فيها ، ولا استشف نسيج اللهو من بين خيوطها .
ثم اشتد الأسر ، خيوطا حريرا ولا كالحرير .
ان الشعر التونسي الحديث الذي ابتدا منذ استهلال هذا القرن سيطر عليه مفهوم يكاد يكون واحدا هو العصرية . فعبارة الشعر العصري بدأت مع مجلة خير الدين وبقيت تتردد تحت شعارات مختلفة الى يومنا هذا . والعصرية فى الشعر او الحداثة عرفت مدلولات عديدة اغرقت جانبا من الشعر التونسي احيانا فى متاهات لم يقدر على الخروج منها ، واضاع فيها كنهه ومدلوله .
ما هو الشعر ؟ سؤال اجاب عنه منذ ان عرفت البشرية هذا الفن ، الفلاسفة والادباء وكل من اهتم بالخلق . والاجوبة متعددة لا تكاد تحصى . والشعر عندى هو ما اودعه الشاعر ايقاعا هو ايقاعه وجعل هذا الايقاع يتفاعل مع رؤيته الكونية ويتجاوب مع مظاهر الحياة حوله وقدر على ان يشعر به القارىء ويغمر وجوده به .
