الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

ليلة ليلاء

Share

وددت لو اننى لم اعش تلك الليلة الفظيعة المريعة . تلك الليلة التى حييتها ، لامخافة الله , ولكن خوفا من احد عباده . بلى ياهادى ، كنت خائفا طيلة تلك الليلة ...

يبدو لى على وجهك انك لا تصدقنى . أحقا تظن أننى لا أخاف شيئا . انك مخطئ يا صديقى . صحيح اننى لست جبانا بالمعنى الذى تعارف عليه الناس لكلمة جبان . ولكن الشجاع يخاف كغيره من الناس ، فتطغى شجاعته على الخوف ، فيسمى شجاعا ، ولكن الخوف كامن فى نفسه رغم ما يبدو عليه من الجرأة وما الفرق بين الشجاع والجبان الا بان الشجاع يغلب الجرأة على الخوف والجبان يغلب الفرار على الصمود

كانت لنا فى قرية " سعسع " اراض وزياتين فى فلسطين السليبة . وكنت يومئذ فى السابع عشرة من عمرى ، طالبا فى المدرسة . وكانت ثورتنا يومئذ فائرة كالبركان ، ففى كل ليلة قتلى وجرحى وفى كل نهار انفجار ورصاص وفى كل قرية يجول الثائرون ويصولون ، ويعملون فى الارض اثناء النهار وينتظرون الظلام بفارغ الصبر ، حتى اذا اسدل الليل ستاره على ارضهم الحبيبة ، ودع الرجل زوجته واولاده والفتى أمه واباه ، والاخ اخته ، وحملوا السلاح ، فتسللوا الى الجبال يرقبون حركة الجند ، فينصبون هنا كمينا ويحفرون هناك لغما ، فاما وقعت فى الكمين سيارة من سيارات الجند او بضع سيارات ، انقضوا عليها من جانبى الطريق بالحديد والنار وهم يصيحون : الله اكبر . واما مر قطار للجند نسفوه ، فاذا اجزاؤه تتبعثر فينقضون على اشلائه كالنسور المفترسة وعلى شفاههم دائما هذا الهتاف الله اكبر . هؤلاء هم المجاهدون

ولكن فئة قليلة من ضعاف النفوس ، اغتنموا فرصة الثورة فحملوا السلاح ، لا فى سبيل الله ولكن فى سبيل الشيطان ، حملوا السلاح لا للدفاع عن الشيوخ والنساء والاطفال ، ولكن ليسلبوا به المال ويملؤوا

جيوبهم وبطونهم بما حرم الله عليهم من اموال الناس . وقد تجد بينهم من حمل السلاح ليقتل له عدوا قديما من ابناء قومه ، او ليأخذ بثأر قديم لابيه او جده . فهذه الثارات المقيتة لم نتمكن من التغلب عليها على مر السنين ولم تفلح فى القضاء عليها وضعيتنا الشاذة الفريدة التى كنا فيها نواجه اصنافا من الاعداء والوانا . فها هو جيش الانتداب يتربص بنا ويفتك بابنائنا وهاهم حثالة البشر يسلبون بلادنا وهاهم الخونة منا يبيعون ضمائرهم للشيطان مقابل دريهمات تافهة . وهاهو الفقر والمرض والجهل تفتك جميعها بنا فتكا ذريعا . وهاهم الزعماء الزائفون يوردوننا المهالك بسخافتهم وسوء تصرفهم فى امور البلاد . ولكن هذه العوامل جميعها لم تتمكن من توحيد صفوفنا والقضاء على عداواتنا السخيفة العتيقة البالية المتوارثة فهذا الثأر الشنيع بقى رافعا رأسه بيننا كالافعوان الضارى ينشب نابه يمنة وشمالا فلا يصيب الا مصرعا

انتهت الدراسة فى ذلك العام ونجحت فى الامتحان وجئت المدينة فى عطلة مدتها ثلاثة اشهر . فما انقضى منها الاسبوعان الاولان حتى دب السأم الى نفسى . ولاحظ على والدى اننى قد ضقت ذرعا بالاقامة فى المنزل ، فصار يوفدنى فى بعض اشغاله ، فأسافر من مكان الى آخر رغم صعوبة التنقل

وفى ذات يوم نادانى وقال : لنا بعض المال عند الشيخ عثمان ، شيخ سعسع فهو الوكيل على اراضينا . ولم يتمكن من المجئ الى صفد ليدفع لى ما بذمته . وقد أرسل الى يرجونى أن أبعث اليه بمن يحمل المال . فما رأيك فى أن تذهب اليه ، وتمكث عنده ليلة ، ثم تعود فى اليوم التالى والمال معك

ففرحت بالفكرة . وحملت معى حقيبة صغيرة ، وسرت على بركة الله . واوصلتنى السيارة العمومية الى المكان الذيى ابدأ منه المشئ فى اراض وعرة توصلنى الى قرية سعسع . ووصلت القرية قبيل الغروب ، فاختفى الشيخ عثمان بمقدمى وبالغ فى اكرامى كعادة فلاحينا الطيبين . ورأيت ابنه صالح يذبح دجاجتين استعدادا للعشاء . وما كدت اجلس مع الشيخ عثمان على شرفة منزله العالية المطلة على الوادى والجبال القائمه فى كل جانبه حتى اقبل بعض اصدقاء الشيخ ليسلموا على ضيفه . وأصر الشيخ عثمان على أن يجلسنى على كرسى ، لاننى فى نظره " افندى " اى مدنى لم أعتد الجلوس على الارض . ولكننى اصررت على الجلوس على الارض . واقبل الخدم يحملون

كانونا ضخما تلمع فى وسطه جمرات حمراء ، نسميه المنقل . فوضعوه فى وسط الشرفة امام الشيخ عثمان واحضروا له اباريق القهوة والماء والسكر والفناجين والطبق . وانهمك الشيخ فى صنع القهوة على نوعين نوع يسمى القهوة السادة او المرة وهى تغلى كثيرا ولا يستعمل معها السكر . ونوع يسمى الحلوة ، يضاف اليها السكر بكميات معينة حسب رغبة الشاربين

جلسنا نحتسى القهوة ونمتع ابصارنا بجمال الارض من حولنا وروعة المغيب ، ونستمع الى سمر الفلاحين . وكان الحديث يدور حول الثورة وحوادثها وبلاء المجاهدين ووقائعهم وهبطت الشمس وراء الجبال فكان منظر الغروب من اجمل المناظر واروعها . وقام الشيخ عثمان وبعض الجماعة الى صلاة المغرب ، فقمت مع القائمين وصلينا جماعة وأمنا الاستاذ حسن المعلم ، وهو شيخ جليل طلب العلم فى الازهر الشريف وبعد انتهاء الصلاة دعا الله دعاء كان له وقع عظيم فى نفوسنا فكنا نؤمن من بعد قوله فى ايمان وخشوع وأمل . وأذكر من دعائه قوله: اللهم أعنا على الجهاد فى سبيلك كما جاهد المسلمون الاولون . واحفظنا من شر اعدائنا واعدائك ، ووفق عزائمنا والهمنا الصبر على المكاره . وائتنا النصر الذى وعدتنا لا الاه الا انت سبحانك . اللهم شد عزم مجاهدينا والهمهم الصبر وانصرهم وانصر زعمائنا والهمهم الاخلاص وانر طريقهم الى مافيه خير هذا الشعب.

وبعد انتهاء الدعاء جلسنا نخوض فيما كنا فيه من حديث الثورة ووقائع المجاهدين وجاء طعام العشاء فاكلنا واستمر السمر الى وقت صلاة العشاء فصلينا ودعونا الله ان ينصرنا . وذهب معظم الفلاحين ، واذا الخادم " على " يقبل مهرولا ويقول : ان ثلة من الثائرين قد اقبلوا على القرية وهم متجهون صوب منزل الشيخ عثمان

فهب الشيخ عثمان لاستقبالهم والترحيب بهم . وما هى الا لحظات حتى دخلوا المضافة التى كنا فيها : فرحبنا بهم وجلسوا بيننا والتعب ظاهر عليهم . وكان بينهم رجل خلت اننى اعرفه ، ولكننى لم اتمكن من تذكر اسمه . فملت على الشيخ عثمان وهمست فى اذنه اسأله عن ذلك الرجل فحدق بى الشيخ عثمان لحظة كانه لا يدرى ما يقول ، ثم تنحنح وهمس لى قائلا : " انه صخر الاعور الا تذكره "

فكأن الشيخ عثمان مسنى بجمرة متقدة ... صخر الاعور ثائر شاكى

السلاح ؟ . انه من الاشقياء شقى لم يشق الشعب بمثله وقاتل سفاح لا يعرف قلبه الرحمة ومن أسرة بينها وبين اسرتى تأثر عظيم قديم

ما كدت ادرك هذه الحقيقة حتى وددت لو اننى لم احضر الى سعسع فى ذلك اليوم وشعرت فجاة بخوف شديد فها انذا فى هذه القرية ، بعيد عن دارى وأهلى ، أجلس فى مكان يجلس فيه عدو لدود يحمل الضغينة لى ولاسرتى ويتربص بنا الفرص ليقتص منا وها هو مدجج بالسلاح .. صدقنى يا هادى اننى شعرت كما لو كنت فأرا صغيرا لاصول له ولا قوة , قد وقع بين انياب قط جائع ان هذا الرجل لا يتورع عن القتل فى الايام العادية ووقت استتباب الامن والنظام ، فكيف به الان وقد حمل السلاح علنا وخرج الى الجبال فى زمرة الثائرين . يحمل دمه على كفه ( كما يقولون ), لا يبالى بالموت ، يذبح العلوج كما رأيت ابن الشيخ يذبح الدجاجتين

حاولت ان اخفى فزعى وأن التهى بالحديث ، ولكن عينى سمرتا فى وجه الشقى صخر الاعور ، وصرت اجد صعوبة عظيمة فى الظلام ، خصوصا عندما رأيته يحدجنى بنظرات تدل على انه قد عرف من انا وخيل الى اننى المح امارات الغدر فى عينيه الضيقتين وابتسامته الصفراء الخفية . ولم أدر ما أفعل ، ففكرت فى الامر حتى  فكرى وسهوت عن الحديث الدائر من حولى . وخطر فى بالى أن اسر فى اذن الشيخ عثمان بما يخالج نفسى من خوف من هذا الشقى . ولكن كبريائى أبت على أن احتمى بشيخ هرم من صعلوك مجرم . فقلت لنفسى : اذا كان هذا المجرم يفكر فى قتلى ، فلا يعقل ان يقتلنى امام الناس ، ولا بد من ان ينتظر حتى ننام جميعا . فاذا انامنى الشيخ فى غرفته نجوت من الهلاك . واذا انامنى مع آخرين فى غرفة واحدة نجوت ايضا . ولكن من يضمن لى ان ينيمنى مع آخرين ، انه رجل يعتز بكرمه ، ويحرص على صداقة والدى ويولينى من العناية والتقدير اكثر مما استحق . فلعله يخصص لى غرفة وحدها انام فيها وحيدا وعندئذ تحين الفرصة المواتية للمجرم صخر ، فيقوم بعد أن يهجع رفاقه ويتسلل الى مكانى ويجهز على بخنجره وانا نائم ، ثم يعود الى النوم مع جماعته وكأنه لم يفعل شيئا

ومر وقت طويل خلته سنة ، وانا غارق فى هذه الافكار . وكان الشيخ

يقدم الى والى بقية الضيوف فناجين القهوة المرة . وكنت قد اعتذرت عدة مرات ، ولكن خوفى من ذلك الرجل صخر دفعنى الى قبول القهوة من يد الشيخ . فرحت اجرعها فى لذة واستزيد منها والشيخ مسرور لذلك لانه كان يفخر بأنه من خير من صنع القهوة ، ويفرح اذا شربها ضيوفه ويحزن اذا كفوا ايديهم عنها

وجاء العشاء للمجاهدين ، واذا هو كبش كامل قد طبخ بطريقة " الزرب " المشهورة عند الفلاحين فى فلسطين . فاكل المجاهدون واثنوا على كرم الشيخ : وكان صخر بينهم يلتهم الطعام التهاما ولم تصدر منه كلمة شكر واحدة . ولما رفع السماط شارف أن ينتصف الليل . فالتفت الى الشيخ عثمان وقال : اراك تكبو من النعاس . فاذا شئت ان تنام فهيا ارك غرفتك

وما سمعت كلام الشيخ حتى شعرت كأن الدنيا تميد من تحتى . لقد صدق حدسى فها هو قد اعد لى غرفة خاصة بى انام فيها وحدى . ولكن انى يأتينى نوم فى هذه الليلة ...

وعندما قمت الى النوم تحرك المجاهدون واستعدوا للنوم حيث هم . ونصب قائدهم حارسا ليليا يتناوب الحراسة مع زملائه ، يحرس كل منهم ساعة واحدة ورأيت من كلام القائد أن صخرا سيتولى الحراسة فى الساعة الخامسة

ودلنى الشيخ عثمان على غرفتى ، واذا به قد فرش لى فراشا على الارض ، وكان الفراش نظيفا والادثرة كافية . وخرج وهو يقول " تصبح على خير " فلم اتمالك ان قلت " ان شاء الله وانت بخير " ونظرت الى قفل الباب واذا هو قوى متين و مفتاحه من الداخل . فقلت لنفسى اقفل الباب وانام بحفظ الله " ولكن يدى توقفت على المفتاح ، اذ خطر لى خاطر اقلقنى ، قلت لنفسى " اذا جاء هذا الوغد عندما يرقد زملاؤه ، ووجد الباب موصدا ، فانه سيتبجح عند افراد أسرته ، باننى قد خفت منه . واوصدت الباب دونه . وخطر فى بالى أن الموت اهون من أن يدعى هذا النذل اننى جبان . فتركت الباب مغلقا ولكن من غير أن أوصده . فقلت لنفسى " لن انام هذه الليلة بل سأبقى صاحيا متربصا منتظرا قدوم صخر . حتى اذا دخل الباب متلصصا فاجأته بالهجوم عليه ، قبل أن يستطيع الوصول الى . وشرعت حالا فى تنفيذ خطتى ، فاطفأت المصباح وجلست على المصطبة الحجرية المبنية تحت الشباك والتى نسميها " المد " وهممت ان ازيح الستار عن الشباك ولكنى خشيت ان يكون الشباك مطلا على احدى غرف الشيخ أو صحن الدار

الداخلى حيث تقيم عائلته . فتركت الستار مكانه واخرجت مسبحتى من جيبى ورحت اسبح الله وانا ادعوه السلامة واللطف بى ومر الوقت بطيئا مملا ... واذا بى قد كبوت من نعاسى فأفقت فجاة كالملسوع والتفت الى الباب فوجدته على حاله

وتوالت كبواتى من شدة نعاسى ، فقمت الى الفراش وزحزحته حتى صار مواجها للباب تماما.

وصممت على أن اقفز قفزة واحدة اذا فتح الباب لاباغت صخرا عند دخوله فى هداة الليل . ولم يكن عندى اى سلاح ، فرحت اتلمس جوانب الغرفة وابحث عن اى سلاح او عصا ، ولكننى لم أجد شيئا ، واتضح لى ان على ان اعتمد على يدى وحدهما فى الدفاع عن نفسى . وصرت استعرض فى ذهنى أساليب الدفاع الاعزل التى اعرفها . وتيقنت ان فى استطاعتى اذا فأجأته فى الظلام أن أضربه ضربة تشل حركته او تقضى عليه ولو كان مشهرا سلاحه . ولكننى عدت فذكرت أن هذه الضربة ربما تقتله ، وانا لا احب أن اقتل انسانا ( ولو دفاعا عن نفسى ) اذا وجدت طريقة اخرى لشل حركته من غير أن افقده الحياة . ثم ذكرت ايضا ان هذه الضربة لا تمنعه من الصراخ العالى فتوقظ صرخته جميع من فى المنزل . واخيرا هدانى التفكير الى طريقة بسيطة ، وهى أن انقض عليه فأطبق يدى على عنقه حالا واخنقه خنقا يمنع صدور أى صوت منه

وعزمت على هذه الطريقة . فاستلقيت على الفراش انتظر الساعة المحتومة . وعاودنى النعاس وخشيت أن اغفو ، فصرت اقرص جوانبى بيدى فيضطرنى الالم الى البقاء على صحوى . وفجأة شعرت بقرصات اخرى مؤلمة فى جوانب عديدة من جسمى ، وتلمست مواضيع تلك القرصات واذا هى قرصات براغيث عديدة . ذلك ان الشيخ قد بالغ فى اكرامى فوضع فوق الفراش جلد شاة وثير ، والظاهر ان البراغيث كانت معششة فى صوف الجلد الذى نسميه " الجاعد " وانا كغيرى من عباد الله العاديين ، اكره البراغيث كرها شديدا . ولكنى احببت تلك البراغيث التى هاجمتنى فى تلك الليلة فكأن الله سبحانه وتعالى ، يسرها لى لتبقينى صاحيا . ومر الوقت وانا اعالج المسبحة حينا واعالج البراغيث احيانا واكبو واصحو وقد اخذ منى التعب مأخذه . ولكنى لم اعد اشعر بالخوف ، لاننى تأكدت من ان المفاجأة ستشل تفكير هذا الطارق المجرم وتحفظنى من شره . وفجأة شق ستار الليل صوت عال رخيم يقول الله اكبر الله اكبر . فادركت انه صوت المؤذن يدعو الى صلاة الصبح . فحمدت الله وشكرته على السلامة . لقد طلع الفجر ولم يتحقق خوفى من قدوم صخر فى الليل ليقتلنى . وصرت ألوم

نفسى على خوفى الذى لم يكن له داع . وايقنت ان ذلك المجرم لن يجرؤ على المجئ الى غرفتى الآن وقد اذن المؤذن لصلاة الصبح . فلا شك فى ان الناس او بعضهم سيصحون من النوم . ولا يعقل ان يهاجمنى صخر فى تلك الساعة . فقمت حالا ملء عينى

وفجأة شعرت كان يدا خفية توقظنى من نومى ، فصحوت مذعورا وعيناى على الباب ، واشتد رعبى عندما رايت مقبض القفل (اى الحلقة) يدار فى بطء شديد فولى نعاسى فى لحظة وقفزت الى الباب فى اقل من رمشة عين ، فما كان يفتح الباب حتى قبضت على عنقه بيدى الاثنتين وجذبته جذية جبارة وكبست اصابعى باقصى ما فيها من عزم وقوة ، ولم يستطع أن يصرخ ، ولم يصدر صوتا ، بل انه لم يستطع أن يتنفس . وانهارت قواه وانثنت ركبتاه وهوى عليها ، فاضطررت لان انثنى فوقه فقرب وجهى من وجهه ... يالهول ما رايت . رايت عينى الشيخ عثمان تكادان تقفزان من محجريهما وقد ازرق وجهه وبدا عليه رعب فظيع فارخيت قبضتى حالا وساعدت الشيخ عثمان على النهوض واسندته حتى جلس على " المد " ورحت ادلك له رقبته وفتحت الشباك طلبا للهواء النقى . ولما عادت الى الشيخ نفسه قال لى فى ضعف "كدت تقتلنى يابنى . ماذا طرأ عليك " فخجلت منه ورحت اعتذر اليه وقلت : " اننى مصاب بالاحلام المفزعة ولا يخفى عليك اننا نعيش فى ظروف صعبة ، فى وسط هذه الثورة . وقد اثر فى اعصابى قدوم المجاهدين فى الليلة الماضية ، وصحوت فزعا من حلم فظيع ، خيل الى فيه أن رجلا يدخل على متسللا ليقتلنى ، فهببت من غير وعى لادافع عن نفسى وكنت ما ازال تحت تأثير الحلم المفزع الذى رأيته فى منامى . وهذا ما كان والحمد لله على السلامة . وارجوك عفوك واستر على ستر الله عليك . " فرثى الشيخ لحالى وقال : " لا بأس عليك يابنى لن يعلم احد بما جرى . ان هذه الاحلام المفزعة شىء فظيع . وانصحك بان تستشير طبيبا " فوعدته بذلك ولكنى سألته فى دهشة :

لكن يا شيخ عثمان لماذا جئت الى غرفتى هكذا متسللا ؟ "

فقال : " لقد اذن المؤذن ، وقام الناس للصلاة . ولم ارك قائما مع القائمين فصرت فى حيرة لا ادرى ، هل تريد الصلاة ام لا ؟ وخشيت أن اوقظك من نومك من غير داع خصوصا وانك سهرت الليلة الماضية . كما خشيت ان تلومنى اذا فاتتك الصلاة ولم اوقظك . فقلت لنفسى ادخل عليك على مهل فاذا وجدتك صاحيا سألتك عن الصلاة ، حتى اجلب لك الماء للوضوء . واذا وجدتك نائما تركتك نائما . "

فقلت له : احسنت صنعا ياشيخ عثمان . هيا بنا الى الصلاة

اشترك في نشرتنا البريدية