الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

مداخن المصانع

Share

حبذ انت يا مداخن المصانع ينطلق من فوهاتك الدكناء ، دخانها الاسود المعقد الداكن ، كلون جبالنا الحبيبة الشامخة فى الفضاء ، نراه يصاعد الى السماء . . ثم تبدده انامل الرياح الرخصة ذات اليمين وذات الشمال ! حبذا أنت يا مداخن المصانع رمز قوة ، ورمز تصنيع ، وبداية للطريق الحديث ، ومرقب الآمال العملاقة !

فى طريقي من مكة الى جدة . . . استلفت نظري ذات صباح جميل . . مصنع حديث يقوم على شاطى الطريق المعبد بالابرق ، والممتد من مكة الى جدة . . ثم شاهدت ، بعد ذلك في صباح آخر جميل عمارة هذا المصنع وقد بدا فى العمل ، ورايت عناقيد الدخان الكثيف تتدلى منه الى فوق ان صح التعبير ، فابهجني المنظر ، واشاع في النفس غبطة واحيى امالا وانعش رجاء مكبوتا متحفزا

أمصانع حديثة ذوات مداخن حديثة ينطلق من فوهاتها عبير الدخان القاتم الادكن ، الذي هو رمز الصهر والطهى

الحديث . . تقوم في وسط بلادنا التى كنا الى الإمس القريب نعهدها فاحلة كل الفحول من كل اسباب الصناعة الحديثة ذات الإنتاج الباهر الوفير ؟ !

ومضيت في طريقي الى جدة . . ممتطيا صهوة سيارتى ، والاحلام المعولة العذاب تدغدغ تفكيرى . وتداعب ضميرى ، وتشرح خاطرى وتتراقص عرائسها الخلوة بين عيني على مسرح الحاضر والمستقبل العتيد ، ولم اشعر الا وانا ادنف الى مداخل جدة ، عند الكيلو الثاني والستين .

واذا بمصنع آخر من نوع الذي شاهدته حول منتصف الطريق يقوم هو الآخر قرب الكيلو العاشر بضاحية جدة الشرقية ، واذا به ينفث من مدخنته الحديدية الدكناء ، دخانا قاتما يتصاعد كذلك الى عنان السماء ، فازددت اغتباطا وانشراحا ، وازداد تراقص الامال العذاب بين يدى . . واصبحت وكانى فى مسرح رائع مفعم بالحركة والمباهج . .

وهنا . . وهنا تذكرت ايضا امسنا القريب القاحل الاجرد من كل علامات

الحياة الطامحة العاملة الحديثة فازداد اغتباطي بحاضرنا اللامع بالارهاصات التقدمية المنشودة . . ثم قلت لنفسي أو قالت لي النفس : طب نفسا وقر عينا فهذه بداية الصعود . . وان يوم الوصول الى القمة ليس ببعيد ان شاء الله . . وعدهدت الامال الرخصة الانامل العذبة الانغام ، البال القلق وهي تنشد انشودة الحلم الحلو المرتجي

اطمئن يا هذا بالا ، فستعج ديارك عما قريب بالمصانع الحديدية الضخمة التى تصهر الفولاذ المستخرج من البلاد فتحيله الى هياكل سيارات ودبابات وطيارات ، شامخة شموخ هذه الجبال الرابضة في الآفاق تحرس بنظمها ما في نفسها وتنبئ أهلها عما في جوفها من كنوز لا تقوم بثمن . .

اطمئن بالا يا هذا ، فستموج سهول بلادك وحزونها ان شاء الله بمختلف المصانع التي تنتج اجهزة العصر وأدويته وادواته فتتقى بلادك عن الاستيراد الذي يكاد يفرق اسواقها عاما بعد عام . . ثم تدخل في زمرة المصدرين ثم تتقدم القافلة ، ويومئذ ينتشر الضياء اللامع العميق الانوار والاغوار والآفاق بين الخافقين من جديد . .

ان الثروة الكامنة في الرمال والجبال والوهاد والبحار في هذه المملكة المترامية الاطراف ، تنتظر الماهدين الفاتحين ، وهذا اوان الشد والبعث والاحياء والاستنباط والتصنيع . . واذا رأيت من الهلال نموه

ايقنت ان سيصير بدرا كاملا وهذه المياه الجوفية الرابضة في اعماق هذه السهول ، كسهل قمينة بان يساعدا استخراجها بالاصول الحديثة الثرة ، الانتاج على التصنيع المروم والاكتفاء الذاتي المنتظر .

وهي بعد ذلك كفيلة بتزريع البلاد ان صح التعبير ، فتقوم بجانب سلاسل المصانع وتلال الانتاج المرتقبة سلاسل وحلقات اخرى مترامية الاطراف من المزارع الغلبب والحدائق السندسية التى تثمر لنا حبا وذرة وشعيرا وفولا وعدسا وخضروات وفواكة وثمار جمة من كل صنف ولون ، حتى نحيى حياة كريمة عزيزة الجوانب سداها ولحمتها الاكتفاء والتصدير والرفاهية والسؤدد والمجد الشامل والعزة القعساء . . وذلك هو الفتح المبين ، والنهضة الشماء الكبرى المباركة .

اشترك في نشرتنا البريدية