الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

مدرسة الكوفه والاجتهاد

Share

سيدى مدير مجلة الفكر تحية طيبة اما بعد فقد نشرتم فى العدد الاخير من الفكر تعليقى على حديث الاستاذ صالح القرمادى واعقبتموه برده - ففتحتم مشكورين باب النقاش العلمى بيننا وانى ارجوكم - 1 - نشر كلمتى المصاحبة والموضحة لمقالى السابق فى معظمها - 2 - ان تنبهوا فى العدد القادم على الاخطاء المطبعية الواردة فى مقالى (أ) صفحة 73 - سطر 18 - الوجه الصحيح كلمة Personnalisme كلمة Personnalisme (مكررة) (ب) صفحة 74 سطر 28 - حياة المعنى القديم وتدفقه الى الاصطلاح الجديد (ج) صفحة 75 سطر 5 نموه وبلغ اشده آ ستقل وختاما تفضلوا بقبول فائق سلامى وكامل تقديرى

نشرت لى الفكر فى عدد افريل تعليقا على حديث الاستاذ القرمادى ، اتبعته بمقال للاستاذ نفسه " بعض الملاحظات المنهاجية حول مشكلة اللغة " فكان لذلك من حق الفكر على ان اتابع الحديث ما دام البحث لم يكتمل نموه وتتاصل جذوره وكان من حقى على الفكر ان تنشر لى ما اكتب ، وان لا تجامل فى الحق احدا وان كان من اعضاء اسرتها.

والذى اومن به ان مثل هذه البحوث واحتدام النقاش النزيه فيها يعود بالبركة والخير على العربية . ويكشف امتداده عن فهم اوضح ووعى اوفى وقدرة خلاقة للحلول - وبهذا الايمان كتبت تعليقى الاول ، ومنه اتابعه ،  اذ بعد اطلاعى على ملاحظات الاستاذ المنهاجية تبين لى ان مدرسة الكوفة اللغوية تقتضينى ان اكشف عن وجهها المشرق ، وعن حقيقتها الفاعلة .

العربية ككل لغة حية تمتاز بخصائص طبيعية يخضعها العلم فى بعض الاحوال فيجليها للناس . وتستعصى اخرى فاذا الصبر على تجربة اللغة واختبارها فى حب وفطنة ، يطبع فى النفس صورة مشرقة اشراقا كاملا هى الصق بالحقيقة وان قصرت عنها العبارة وانفلتت من ضيق التحديد.

وهو "الذوق اللغوى" يقر به لمن لم يصل اليه اللغويون بتعليلاتهم (1) قال ابوزيد : قلت للخليل لم قالوا فى تصغير واصل او يصل ولم يقولوا وويصل ؟ قال كرهوا ان يشبه كلامهم بنبح الكلاب

ومدرسة الكوفة تقوم على اساس تتدفق منه الحياة والجدة الى اللغة اذ جمع علماؤها ما وصلهم من امثال العرب واشعارهم وحديثهم ، فالفوها على اختلاف ما بين القبائل والبطون ، فى الكثير او القليل ، من اللهجة والاعراب والاشتقاق ، متفقة فى الموسيقى والطابع العام ، قبلوها جميعها واباحوا لانفسهم خلق الجديد مادام يتناغم مع الاصوات العربية ويألفها مادامت الاصياغ متناسقة والانعكاسات فى اتجاه واحد . وفهمى هذا للمدرسة الكوفية يفرض على ان اقول - ان شوفيو قياسا على انقلو اعتمادا على الراديو لا تقبله العربية لهذه الواو الساكنة المسبوقة بضمة - ولا يصح ان تنظر بزيادتى " ان " و " ية " اذ زيادة على كون اللغات السامية متحدة فى اصولها فان " ان " علامة التثنية العربية و " ية " علامة النسب للمؤنث ، فالنغم واحد

فليست المدرسة الكوفية "اتكاء على المذهب الحنفى" للظفر ببعض الحلول الجزئية ولكنها اجتهاد مطلق لا يغله قيد ولا يحده حد للواعين وعيا رشيدا لهذه اللغة الذين استقرت فى نفوسهم متمكنة خالصة فى غير خلط .

والقارئ الكريم مدرك ان المدرسة الكوفية فى خالص حقيقتها لا يصح ان تنظر بالمذهب الحنفى ولا باى مذهب آخر يلتزم طرائق محدودة فى ميدان الاجتهاد فالعربية كما افهمها على اصول هذه المدرسة حية نامية لا يعطلها الاحتفاظ بمميزاتها ولا يخنقها طبعها (2)

والسير بتطوير العربية لمجابهة مشاكل العصر فى مثل هذا المنهج الحافظ للغة من الفوضى يسمح الاستاذ لنفسه ان يقول فيه " احسن تعريف للتخلف

الفكرى " فالتقدم الفكرى على رايه كانه التحلل الكامل من روح اللغة واصولها وخير ما يمثل هذا المذهب التقدمى ( فى نظر الاستاذ ) قول حافظ

فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة مشكلة الالوان مختلفات واريد ان اؤكد فى جزم وثقة ان طبائع اللغات المختلفة يتبعها حتما أختلاف فى طول التعبير وقصره - تبين لغة عن معنى بلفظ مفرد . ويطول فى الاخرى وينعكس الحال فى معنى آخر ولا يضيق اللغويون ذرعا بهذا ، ولا يعدونه نقصا وعيبا - خذ In الانقليزية فى قولنا مثلا He breaksin لترجمة هذا المعنى يجب ان نقول II est enntre en cassant la porte و Stylo الفرنسية يقابلها Fountain-pen امتد الكلام واختصر واللغتان من القدر لغات العالم!

وبعد هذا فلى مع الاستاذ وجه ثان من الحديث مستمد من اصل آ من به الناس جميعا والاستاذ مغال فيه (3) وهو ان الكلام ملك للفرد يتصرف فيه مادام بين حناياه متحركا داخل دماغه - اما اذاعة بين الناس وتحدث به فله شان غير شانه الاول - هو فى الاولى سلبى وفى الثانية ايجابى كان ضرره او نفعه مقصورا على صاحبه فيغدو بعد نشره مؤثرا فى من استمع اليه ونظر فيه . ومن هذه الجهة يحاسب . وقد قال الاستاذ فى حديثه (4) " اعنى به عدم اهلية العربية القديمة وبالتالى الحديثة لاستعمال التركيب اللفظى فى استنباط الكلمات الجديدة " و " لانجد فى لغتنا اليوم طريقة نتمكن بها من تركيب الكلمات على نحو الطريقة المعروفة بـ Composition فى الفرنسية مثلا " أثر هذا الكلام وخصوصا فيمن قرب عهده بدراسة العربية لا يحله من تبعته قوله وفيما سيلى من كلام سنحاول بسط بعض عناصر الظاهره

اللغوية من المشكلة بدون جمع ولا استيفاء بل بطريقة التقليل والتيسير " ولا يهمنى ان يفهم من كلامى العتاب او الارشاد ولكن الذى يهمنى فى درجة اولى وادعو اليه فى الحاح "أ" ان لا يضيق المفكر بالنقد البناء وان لا يعمد الى التشويه كقول الاستاذ مغلقا "الا يظن السيد السلامى ان الامثلة التى ساقها فى البحث تكاد كلها لا تعدو اسماء الاعلام والعلم لايكاد يتصل باللغة " كما يقول هو بنفسه " ماكتبته ليس سرا بينى وبين الاستاذ ولكنه منشور فى مجلة بلغت جميع قرائها والامثلة التى اوردتها لا يوجد

واحد من بينها . فى وضعه العلمى الجامد بل جميعها لا استثنى من ذلك مثالا وردت فى الطريقة الصرفية التى تحولت عليها الكلمة فكان الجمع والفعل والنسب "ب" ان يؤمن كل مفكر ان الحقيقة لا يجليها السباب والشتم "شرذمة" "اقلية مسحوقة" "متشدقين رجعيين" "الفكرة الساذجة الفاسدة" وهذا ما كنت ارمى اليه فى خاتمة حديثى السابق وان كان ذلك تبصرا يدعونى الاستاذ الى رده بالدليل ويؤاخذنى على ذلك ويشتد فى كلام لا استطيع ان اجاريه فيه فليرشدنى الى الحجة الدامغه والبرهان الواضح وهل يسمى هذا فى اللغة العربية الحديثه او القديمة صراحة وعدم نفاق ؟ وان اعتقد الاستاذ ان عظمة الغزالى فى مثل فلتات لسانه هذه .. فرأيى أن قيمة الغزالى تذوب لو قيست ببراعة عظماء الاسواق فى السباب فهم اقدر عليه وأطول منه لسانا . ولكن الغزالى عظيم بتدفقه وحرارة ايمانه وتتابع حججه. ثم متى كانت هذه القسوة قدرة على الجدل وأى منهج علمى فى الشرق او الغرب فى القديم أو الحديث يبيح للفكر أن يعتمد فى نشر ما يؤمن به على اللمز . بل الفلاسفة الانسانيون الداعون للاخوة البشرية ينكرون بقولهم وعملهم مثل هذه الطرق

وان ماقصر عليه الاستاذ نصف مقاله الثانى وازاح فيه الستار عن "خريجى الجامعة الزيتونية القديمة . . . وبعض خريجى المدارس العصرية " وهم يتحدثون بلغة الجاحظ وأبى حيان ويؤثرون فى عقول الناشئة اسوأ التاثير ، يدعونى الى القاء ضوء على خشبة المسرح لا تبين ما ينقم الاستاذ من الجاحظية فهل ينقم الاسلوب والصياغة او الالفاظ والكلمات ؟ فان كانت الثانية فأى غربال ينخل به الكلمات ويصفى به اللغة . وان كانت الاولى فاقولها صريحة لا التواء فيها : ان طبيعة العربية تختلف عن الفرنسية ماتت لغه القرن السادس عشر الفرنسى واساليبه والعربية تتطور ولن يذبل الرفيع من أدبها والممتاز من طرائق كتابها (5) لان الحافظ لهذا الامتداد المتجدد ، هو ماجعل كبار الادباء يحتذونه ويرتوون من نبعه, " القرءان "

وفى ختام حديثى اريد أن اثبت للاستاذ القرمادى ، انى انتفعت بما كتب ايما انتفاع ، وان خالفته فى بعض النقط فذلك من ضرورات الوجود الفكرى . وان هذا الجدال ان لم ينحرف عن اصله وتتعرض فيه حرية الكتاب للطعن والازدراء والمقت لانها توافق المنهج الذى يدين به الاستاذ فى الكتابة فانى ساواصل الحديث الى ان نلتقى على صعيد اليقين . والا فانى استمنح الصفح ممن كنت سببا فى التعريض بهم من طرفه

اشترك في نشرتنا البريدية