الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "المنهل"

مدينة الطائف

Share

" فى هذه الفصول الموجزة سنحاول رسم خطط المدن الهامة فى هذه البلاد " .

مدينة الطائف من اقدم مدن شبه جزيرة العرب ، ومن اشيعها ذكرا ؛ وأغمضها تاريخاً . وهي ثانية ) القريتين ( واولاهما ) مكة ( فقد جاء فى القرآن المجيد : (( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم )) . والمشهور آن بناتها من العمالقة ، وأنه لحذر سكانها الناعمين في ظلال خيراتها الوفيرة ، من ان يغير عليهم جيرانهم من العرب القاحلة اراضيهم ، بنوا عليها سورا ) طائفا ( بها ، حماية لها من العدوان فسميت لذلك : " الطائف " وسار هذا الاسم حتى الآن

وللطائف الآن سور من اللبن اقيم عليها قبل عام الالف وما يزال الاصلاح والترميم جاريين فيه حتى الآن .

والطائف هى المصيف الوحيد المفضل لأهل مكة لقربها منها ، وتقع في شرقى مكة الجنوبي على مسافة ٩٩ كيلواً عنها وهي تقع في سهل رملى ، محاط بتلال منخفضة . وأراضي منطقة الطائف هي من اقدم طبقات الارض الجيولوجية وجميعها من الصخور الاندفاعية الصلبة وهى لا تمتص المياه ولذلك يقل وجود الماء في جبالها إذ تتسرب عنها وترسب في الاوديه ) ١ (

وتماز الطائف باعتدال المناخ في فصل الصيف وبرودة الطقس في الفصول الاخرى . وقد انقرض بناتها الاولون وبقيت بقايا تقطن ضواحيها من ذويها الثقفيين . وقد كانت قبيل دخول الاسلام ، لهؤلاء الثقفيين اصالة وللقرشيين اضافة . واستوطنها المسلمون بعد ذلك فتقلت بها الاحوال تبعاً لانقلابات الأحوال السياسية العامة والخاصة في الجزيرة...فكما انها تدهورت فى أوقات الى الحضيض فقد واتتها ظروف تقدمت فيها .

وأبرز هذه الظروف الظرف الحاضر الذي استبحر فيها العمران مالم نعهد له مثيلاً فى تاريخ الطائف .

وتنتج الطائف الشئ الكثير من مختلف الثمار والفواكه ، وذاع صيت ومنها وعنبها في الافاق ، وضربت بهما الامثال فى لذة الطعم وضخامة الجسم وكان الوهط والوهيط وهما سلسلة بساتين فى ضاحية الطائف تسقي بمياه العيون فى عهد ملاكه من آل عمرو بن العاص رضي الله عنه - آية فى وفرة الأنتاج ، حتى هلال سواد عنبها المنبسط ، سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي ، لما شاهده من بعد ، فحاله حراراً سوداً ، وما هو بحرار

وللطائف أهمية خاصة بالنسبة لبلاد العرب سياسياً واقتصادياً ، مما جمل الدول تعنى بها خاصة . فهى بين الحجاز و اليمن . ولكل منها اليها طريق مسلوك .

والطائف أحد أبواب الحجاز التجارية الكبيرة وأرضها من أخصب .

أراضى الحجاز بعد مر الظهران : ) وادى فاطمة ( فمنها تحمل الفواكه والحبوب والحاصلات الى مكة ومن باديتها يؤتى إلى أم القرى بالسمن والصوف :

وترتفع عن سطح البحر زهاء ١٦٠٠ متر وهو ارتفاع شاهق له اثره فيما تمتاز به من جفاف وبرودة هواء ) ١ ( .

أما تربتها فهى البطحاء الذهبية التى تميل الى البياض ، فهي تبر مجلو ناصع تنبسط فوقه زرابي مبثوثة من " زمرد " الحقول السندسية التى يسقي بعضها بمياه العيون المتدفقة . وبعضها بمياه السانية الأنانة ، وبعضها بمياه المضخات الحديثة الرافعة للمياه من الأعماق في دوى وهدير يعلنان عن مدى أهمية سرعة القوة في ضخامة الانتاج .

الطائف الآن طائفان مندمجتان . " طائف " قديمة وهي عبارة عن مدينة صغيرة يحيط بها سور قديم ويمتد منها ذراع الى محلة قروة والسلامة ، حيث التلول التى كانت هى الطائف القديمة الأولى . . وطائف حديثة تمتد فى جميع ارجاء ذلك السهل الا فيح محيطة بالطائف القديمة احاطة السوار الضخم بالمعصم الصغير النحيل . وهذه " الطائف " الحديثة ولدت قبل خمسة عشر عاما فقط ، ويعود الفضل فى النهوض بها ، بعد الله سبحانه ، الى انتشار ظل الأمن الوارف أولاً ، ففي ظلال الأمن تطمئن النفوس الى الاصلاح العمراني وتجد أكبر  مشجع وحافز ، ويعود ثانياً الى عناية ذي السمو الملكى الأمير ) فيصل ( نجل ونائب جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ، في الحجاز فهو ) باعث ( هذه الحركة العمرانية وهو الحافز عليها بمختلف ما يسديه من الارشادات وما يحبوه من الوان المساعدات المادية والأدبية ذات التأثير العميق .

وتتكون ) الطائف ( الحديثة من محلة ) المنتزه ( التى تربض خلف وادى وج ، حاوية لألوف الدور والقصور والدكاكين ، تخترقها الشوارع الفيحاء المتقاطعة . ومن أقسام الطائف الحديثة أيضاً ماجدد وأستصلح وما أنشئ من

محلتى قروة والسلامة حيث شيدت مئات الدور والقصور الجميلة بعضها يحمل الطابع العربى القديم ، وبعضها سلك به طريق المعمار الحديث . ومن فروعها الحديثة المحلتان ) العزيزية ) ١ ( و ) الفيصلية ) ٢ ( اللتان انشئتا على الطراز الحديث ، يخترقها الشوارع الفيحاء المنظمة وتتناثر فيها الدور الحديثة التى هي من طراز واحد تقريباً .

وكان لسور الطائف ثلاثة ابواب : باب الحزم وهو الشرق الموصل الى شبري . وباب الربع هو الغربي المفضى الى السلامة وقروة وباب ابن عباس يقع فى الجهة الجنوبية الى الغرب من الطائف . وقد زحزح هذا أخيراً فى عام ١٣٦٥ عن موضعه بسبب استفحال العمران ، ومجاراة للتطور العمراني الحديث ، وجعل بابين متسامتين احدهما لدخول السيارات والآخر للخروج وزيد باب رابع في هذا العام ايضاً هو الباب الجديد المؤدى الى اليمانية .

واذا اردنا ان نصور وضعية الطائف فنصوره كدائرة ، والمسور منه مركز الدائرة . ومحلات قروة والسلامة واليمانية والمنتزه والفيصلية والعزيزية هى محيط الدائرة .

وان اردت ان تصور منطقة الطائف عامة فلك ان ترسم فى صفحة عقلك خارطة تحوي ثلاث دوائر يحيط بعضها ببعض ، فدائرة واسعة زاهية الالوان مملوءة بالقصور الفاخرة يخترقها وادى " وج " ويشرف عليها وادى " العقيق " . وهذه الدائرة هي بلدة الطائف . وتحيط بها دائرة ارحب منها كثيراً تمتاز باخضرار الافق وتناثر الحدائق فى جنباتها وبها نقط سود ودكن ، هى جبيلات ابى صحفة ، ومعشى والسكارى ، الخ وتلك هى منطقة ضواحي الطائف وبساتينه وركبانه (٣)وفيها الوهط والوهيط والمثناة والعقيق وحوايا وسداد وشهاز

ولقيم وغير ذلك من الرياض النضرة الجميلة التى تشمل ذكراها نفوس الشعراء والموهوبين ومن وراء هذه " الواحة " المخضرة تقوم دائرة تمتد جوانبها الى الأفق من جميع النواجى هى منطقة السهول الذهبية المزهوة بمختلف أشجار البادية وشجيراته واعشابه : من سلم وتنضب وحرمل وعرفج . وسنا وحلفاء وغيرها مما ليس الى احصائه هنا سبيل .

ومنطقة الطائف غير غنية بالآثار اللهم الا اذا تصورنا نبث اراضيها واستخراج معالم من استوطنوها من بين الانقاض المطمورة بطبقات الارض المتراكم بعضها فوق بعض . ومن بواعث قلة الآثار بها كثرة مادار على ارضها من نوازل الحروب والسيول وبها من المساجد القديمة مسجد عداس ومسجدا ابن عباس رضي الله عنهما . وهناك مساجد فى المثناة يدرك قدم عمارتها من شكلها العمرانى . وفى ناحية الوهط قريباً من الجبل مقابر آل العاص لاتزال شواهد قبورهم محمل اسماءهم أباً بعد جداً ، وأبناً بعد أب ، وحفيداً بعد أب . وهناك فى الجبال أثار نقوش لم تدرس بعد الدراسة العلمية الكافية

اشترك في نشرتنا البريدية