الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

مذكرات معلم أجيال :، الاستعمار والتعليم الحر عهده

Share

تحدثنا عن الاعمال التى قام بها السيد الدالى يحيى بالمدرسة العرفانية للجمعية الخيرية وكيف انتهت الى استبداده بتحرير جداول التعليم للمدرسة بعجز المدير السيد حمدة البكوش فى تلكم العهود 1927 ولنزعة استعمارية بثها المستعمرون فى صدره وصدر امثاله من متفقدى المدارس فى العهد البائد الحالك فكانوا يتطوعون لخدمة اهداف المستعمر ويحققون رغبته ولا يتورعون عن التنقيص من الحصص الدينية والحصص المخصصة للعربية لتحل الفرنسية محل تلكم الحصص . ونسج على منوال الدالى يحيى المتفقدون فيما بعد ماعدا الرحل الثبت والجندى المناضل المرحوم السيد الصادق الثلاثى الآتى الحديث عنه لا غرو فطلاب الحياة ضروب وطوائف فضرب يرى افراده الحياة فى التمسك بذيول الاقوباء فيسبحون فى فلكهم ويلتفون بهم يدلونهم وينفذون خططهم مهما كلفهم الامر من خنوع وذل ما داموا يرون الحياة فى ذلك . وطائفة حال العجز والقصور دون وصول افرادها الى ما وصل اليه اولئك المحظوظون فانكمشت حول نفسها ورضيت بالقليل من العيش وباتت تحرق الارم وتتألم نظن بالله غير الحق ظن الجاهلية يقول افرادها لو كان لنا من الامر شئ ما وقفناها هنا ؟ وطائفة ثالثة لا تعد فى نظر المستعمر ونظر غيره فى العير ولا فى النفير وهي التى تعمل فى صمت وتستبسل فى سبيل المحافظة على الدين واللغة ( وهي في كل أمة سر بقاء الذاتية ( والحياة وان درت على الطائفة الاولى بما اشبع نهمتها وجشعها وشحت على الثالثة فلم يكن ذلك ليؤثر فى قلوب مؤمنة برسالتها وما عسى ان تبلغ المادة من النفوس المؤمنة ؟ وما هى الا عرض يمكن الحصول عليه متى اعدت له الاسباب المشروعة . ومن الغريب ان المدارس القرآنية الحرة نفسها ادركها ما ادرك غيرها فضربت صفحا عن هدف التأسيس وتناست الغاية التى اسست لاجلها واستنت فى مضمار نشر لغة المستمر وبزت مدارسه من سنة 1930 الى بزوغ شمس الاستقلال بهذه الديار

وبذلك زعزع تيار الاستعمار القاسى العزائم الحرة وذبذبها ووجهها الى التسابق والتنافس فيما يحاول ويريد فضلت السبيل وفسر الناس آنذاك

ضلالها بالاستقامة واللباقة والكياسة والتضحية والاخلاص ووسموا المدارس المتخلفة فى نشر اللسان الفرنسى بالتاخر والانحطاط والاهمال وطالما احدث بعض المتفقدين مشاكل لها محاولين غلقها وابعاد مديريها . وانقلب المشروع الحر من حرية الى اضطهاد واستعباد وتناسى الناس الفكرة الاصيلة من لتأسيس وكأن الشاعر العربى عناهم بقوله :

اذا كنت ترضى ان تعيش بذلة

فلا تستعدن الحسام اليمانيا

ولا تستجيلن الرماح لغارة

ولا تستجيدن العتاق المذاكيا

وازداد تنمر المستعمرين فى ذلك العهد واخذ مدير التعليم الفرنسى بادارة اليارف بهئ خطة ابتلاع هذه المدارس فاعلن ) قو ( مدير الادارة آنذاك عزمه على سن قانون اساسي للمدارس القرآنية الحرة 1937 وما كاد يعلن بذلك حتى اشرابت لمشروعه اعناق معلمي المدارس القرآنية الحرة وتطلعت اليه رؤوس الكثير من المديرين ولا ادرى هل كانوا يعلمون كما يعلم كل تونسى بصير مفكر ان كل اصلاح او نظام تسنه او تجريه الادارة الاستعمارية بتونس او بغيرها فانه لا يعدو ان يكون لصالحها لانها تريد من ورائه خدمة اغراضها السياسية فى الميدان الذي تعلن عن اصلاحه ام القوم يتجاهلون ؟ ام يؤثرون المادة على الروح وهم واهمون ؟ لا ادرى ؟ ولكن التهافت وحده . . . يعرب عن ذلك ؟ لا سيما وكل اصلاح صدر عن المستعمر فى تلكم العهود كان يحمل بين طياته وتضاعيفه السم الزعاف والهدم والتحطيم تحت عنوان خلاب . . شنشنة استعمارية معتادة ومعادة لا يجهلها الا الابله او المافون . . او الذى لم يكتب له ان يعيش ببلد ليس للمستعمرين عليه سلطان وقديما قيل :

لا يعرف الشوق الا من يكابده

ولا الصبابة الا من يعانيها

ابرز المسيو قو الفرنسى مدير ادارة تعليمنا عزمه فعلا بتونس فاستدعى هيئة لوضع القانون الاساسى للمدارس القرآنية الحرة فى فيفرى 1937

كان من بينها نواب المجلس الكبير ونواب المدارس ومتفقدى ادارته : وحضرت هذا المجلس مع السيد بوعثمان القيطونى نائبين عن المديرين وحضره السيد مصطفى زبيس نائبا عن المعلمين وحضره الغيور الصادق الاستاذ الصادق التلاتى وافتتح المسيو قو الجلسة بخطاب باللسان الفرنسى موضحا موضوع

الاجتماع واجابه الماسوف عليه السيد الصادق التلاتلى اجابة القمته حجر اوجعلته يتقدم الى ابتلاع هذه المدارس فى تثبت وحذر بل وقفت به عند حد الاعتدال بعد المجازفة والجشع واصبح منذ الجلسة الاولى اثر جواب التلاتلى شديد الحذر معتدل الخطي بعد ان كان طموحا جشعا متهافتا مندفعا مصمما على ابتلاع هذه المشاريع في سهولة ويسر وقد اعتاد المستعمرون ذلك اذا حاولوا الوصول الى اهدافهم فيشركون من يهمهم الامر مجاملة ؟ ويمعنون فى سن ما يدعم خططهم ، ويوطد سلطانهم . والمعنون بالامر يجاملون ويدهنون لينالوا المكانة فى قلوب المستعمرين وهم واهمون ؟ ومخطئون وجاهلون ؟ وانما يدينون بالمثل القائل - من بعد رأسى الطوفان - واذا كان غمط الحقائق او محاولة كسفها يعد من اكبر الجرائم بل ضلالة ومغلطة لا تقل عن التلاعب بها وقديما حذر الشارع الحكيم الهادي صلوات الله عليه امته من التورط فى ذلك بابلغ تحذير وكان متكئا في محل وعظه وهدايته يستعرض التنفير من الجرائم الانسانية ويبالغ فى مقتها وتحذير الناس منها حتى افضى له الكلام الى التنفير من شهادة الزور التى هى قلب بها وبعد ان كان متكئا استوى جالسا واخذ يكرر التحوير من شهادة الزور فى ازعاج حتى ظنه اصحابه انه لا يسكت ، فانى احقاقا للحق وصدعا بالحقيقة اقول ان الرجل الوحيد الذى يحاول فى ذلك المجلس التاريخي الذي حضرته نخبة المستعمرين ان يرد كيدهم ويعطل صيدهم وينفره هو المرحوم الاستاذ الصادق التلاتلى الذى كان يصر فى عزم وحزم على حماية مشروع التعليم الحر من تداخل المستعمرين كيلا يمسخوه ويحولوا طاقته الى مصالحهم وقد شافه هذا الرجل الفاضل السيد التلاتلى مدير التعليم الفرنسي بقوله : انه لم يحضر بهذا المجلس ليكون ضدا له ) قال احترازا ( ولم يحضر ليكون مؤبدا ومعينا وانما يجارى طبيعة الاشياء ويراعي مصلحة الشعب التونسي الذي لن يسمح بالحاق مشاريعه بمشاريعكم : قال ذلك فى صراحة وكان يحامل فيما لا تضر المجاملة ويصارح اذا شعر بالخطر ويخوف الخصم بالشعب واذا خرجنا من المجلس فانه يوعز الينا بان نحذر شديد الحذر ويصارحنا بذلك وطالما اشتبك في نزاع مر مع السيد مصطفى زبيس نائب المعلمين ويتم لو وفقنا الى القيام بخطة موحدة تقضى على طليعة هذا التداخل المشؤوم وتفضى الى رفض التعاون مع الخصوم يقول ذلك عن عقيدة مخلصه لانه حلب الدهر اشطريه وشاهد عن كتب عندما كان يعمل بتلك الادارة اثار المستعمرين في القضاء على معنويات هذه الامة بعد ان تفقه فى اسرار سياستهم الغاشمة . . وما يرمون اليه وما بثونه من النوايا السيئة لشعب القته الاقدار بين ايديهم وهو يحاول الافلات من كيدهم وهم يطاردونه . . ولكننا والحق

يقال كنا فى ذلك المجلس الذي طوت صحيفته الايام بين مؤارب ومتق ومترام متهافت ؟ وهذه الخلال لا تخلق ولن تخلق منا جبهة موحدة او معارضة يعتد بها فضلا عن ان نقف فى وجه المستعمر ونصده عن عيثه وعبثه ونصارحه ولا نمكنه من قيادنا ونحو بينه وبين مشاريع اسسها الناس غيرة على اللغة والدين وخوفا من طغيان المستعمر الذى يحاول انذاك الادماج والتنصير للشعب ويبحث عن العواتق الرخوة ليستخدمها فى سبيل اغراضه الاثيمة ويتوصل بها الى اخضاع كل عصى وفتح كل مغلق كي يفرض ارادته المطلقة ويتحكم فيها تحكم السيد فى عبيده وبذلك يطيب له المقام وتعذب له الاحلام . وتعددت الجلسات سنة 1937 وبعد ان انتهت صدر اثرها مرسوم ملكى قدمه المستعمرون بعد ان اعدوه مع تأشيرة مقيمهم عليه جريا على العادة وذلك فى 28 جوان سنة 1938 م ولم ينل هذا المرسوم ما يخشى مغبته من حرية المدرسة القرآنية وانما كان ارهاصا وتمهيدا للتداخل وغاية ما اشتمل عليه ابراز ذاتية المدرسة وتشريع شروط التعليم بها وبيان الكفاءات المطلوبة مع ضبط طريقة تحرير ميزانية المدرسة باحداث مجلس اسموه بمجلس المراقبة والاشراف حاول المستعمر ان يسند رئاسته للمراقب المدني فاخفق كاحداثه لمجلس تاديب للمنحرفين عن الجادة وبذلك خطا المستعمر الخطوة الاولى التى توصل بها الى الوقوف امام المدرسة الحرة يراقب سيرها عن كثب ويفكر في الخطوة الثانية ) * ( .

اشترك في نشرتنا البريدية