الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

مشاكل الامكانيات اللغويه، لتطوير العربية

Share

المشكلة اذن هي البحث في - ثم تحديد - امكانيات اللغة العربية الفصحى  الحديثة ومؤهلاتها لكي تصلح من شأنها فتصبح قادرة على ملاءمة مقتضيات عصيرنا هذا في جميع ميادين عمل الفكر البشر البشرى علما وفنا وفلسفة وأدبا

ولئن تحتم على الدارس المنتهج للمناهج العلمية فى البحث ان يحل الخوض في ما بين علم الاجتماع ومعطياته وحلولة وبين مشكلتنا هذه من علاقه وتفاعل المحل الاول لأولية تأثير الاحوال الاجتماعية والملابسات السياسية على نشأة اللغات وترعرعها ثم تطورها او عدمه فانه يتحتم عليه كذلك لكى يكون بحثه اكمل وأتم ان يراعي اهمية العنصر اللغوى فى حد ذاته فى درس مشكلتنا وان ينظر في مدى تأثير طبيعة اللغة الداخلية وبنيتها الذاتية وهيكلها الخاص وتعامل اعضائها اللفظية والنحوية والصرفية فى مدى تأثير ذلك كله على امكانية تطور هذه اللغة وتكيفها وملاءمتها للجديد من المقضيات والمستلزمات فان اللغة لا تتطور بمقتضى الاحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فقط بل وايضا ولو الى حد ادنى بمقتضى طبيعتها اللغوية الخاصة وقدرة تلك الطبيعة على التمطط والتكيف والتعصر

ولذا فقد وجب للالمام بدراسة مشكلتنا اليوم البحث فى " امكانيات تكيف العربية الفصحى الحديثة اللغوي لكي تصبح مطابقة لمقتضيات العصر الحديث

وفي ما سيلى من كلام سنحاول بسط بعض عناصر الظاهره اللغويه من  المشكلة بدون جمع ولا استيفاء بل بطريقة التقليل والتيسير

حالة المادة اللغوية الحالية

في العالم الغربى اليوم اليوم على الاقل ثلاث لغات متعايشة

1)اللغة العربية الفصحى القديمة

وقد بات استعمال هذه اللغة في البلاد العربية استعمالا جامعيا تراثيا صرفا اعني استعمالا منقطعا عن الحياة العملية ومقتضياتها المادية القريبة

ثم هى فى طبيعتها اللغوية الآن كما كانت ايام ان اكتملت نضجها وتطورها في القرون الاولى من تاريخ البلاد الاسلامية . فهى وان لم تمت كما ماتت اللاتينية واليونانية القديمة قد اصبحت لغة جامدة راكدة لا يكتب فيها ومن باب اولى لا يتكلم بها الا النزر القليل انفارا معدودين تمسكوا بفصاحة العربية القديمة اى عربية القرآن والعصرين الاموى والعباسى وقاموا مدافعين عن خلوصها من كل عيب وشائبة لأسباب عديدة اجتماعية وفكرية يطول شرحها ولم يعد يمثل هؤلاء الانفار الا ما يسمى اليوم فى عصر الديمقراطية اقلية مسحوقة من المتشدقين الرجعيين اخذة فى الاضمحلال والتلاشى

ومن البديهى ان هذه اللغة العربية الفصحى القديمة التى اصبح تدريسها في المدارس العربية اشبه شىء بتدريس فرنسية القرن السادس عشر من لغة " رابيلاى " rabelais. و " مونتانى "montaigne هذه اللغة التى لم تعد تستعمل لا فى الكلام ولاحتى فى الكتابة ليست لغة المستقبل فى كونها قد اكتملت تطورها وشاخت ثم تحمدت وكادت ان تموت وان لم تفعل

على ان لا يتطرق للاذهان انه يجب ترك هذه اللغة والصفح عن دراستها تدريسها اذ في الاستمرار في دراستها وتدريسها غذاء للفكر وللقلب وتثقيف للعربى المعاصر وتكميل لكيانه الفردى والجماعي ومقوم من مقومات كرامته وعزته اذ العربية القديمة جزء لا يتجزأ من تراثنا القومى العربى العظيم والعربية القديمة ليست اذا موضوع بحثنا فى حد ذاتها وأولا وبالذات وان كنا مجبورين على النظر فيها وفى امكانياتها اللغوية بما انها الاصل الذى تفرعت عنه اللغة العربية الحديثة

اللغة الدارجة

ليست هى الاخرى اللغة التى يجب ان نتخذها موضوعا لدرسنا ومادة للبحث لضعف هذه اللهجة الحالى عن الادلاء والتعبير وقصورها عن اداء الصور الذهنية المجردة Consepts abstraits وخاصة فى ميدان العلم والفن . فهى بعكس الفصحى القديمة ليست بالجامعية ولا بالثقافية بل انما هى لغة تخاطب عملي يستعملها الشعب للتعبير عن مقتضيات اعماله وشؤونه اليومية .

3) اللغة العربية الفصحى الحديثة

يتكون هذا النوع الثالث من العربية من لحمة ذات اهمية من اللغة العربية الفصحى . القديمة ومن طائفة من العناصر الاجنبية عن الفصحى القديمما والناتجة عن التغييرات الحديثة المورونة عن احتكاك الفصحى القديمة فى بلادنا التونسية مثلا

١ ) بالطبقة اللغوية السفلى    Substrat  اي اللغة التى وجدها العرب هنا عند فتحهم لبلادنا اى اللغة البربرية

ب ) بالطبقة اللغوية العليا  Superstrat    اى اللغات التى اقتحمت بلادنا وانتشرت فيها بعد الفتح العربى وبعد انتشار العربية فى هذه الديار اى الفرنسية والايطالية خاصة

ج ) باللهجة الدارجة التونسية المعايشة للعربية القديمة معايشة مستمرة منذ اقدم العصور

وهذه اللغة العربية الحديثة هي لغة مكتوباتنا وجرائدنا ومذياعنا اليوم وهي ايضا همزة الوصل الحقيقية اليوم بين جميع الاقطار العربية المختلفة اللهجات الدارجة اختلافا تصبح معه العربية الحديثة الوسيلة الوحيدة للتبادل الفكرى وذلك رغم ما بين العربية الحديثة فى مختلف البلاد العربية من اختلافات جزئية ناتجة خاصة عن اختلافات الطبقتين اللغويتين السفلى والعليا اقول اختلافات جزئية لان اهم عنصر عضوى تتألف منه العربية الحديثة هو تلك اللحمة العربية القديمة الوحيدة بالنسبة الى جميع البلدان العربية .

واذ كان ذلك كذلك فان اساليب العربية القديمة فى التطور اللغوى وهي الاساليب التى استعملتها قديما عندما كتب لها التطور لملاءمة مقتضيات عصرها الجديدة من علوم وفلسفة يونانية وفارسية وهندية وغيرها هى بذاتها الاساليب التى تحاول بها العربية الحديثة ان تواجه عصرنا هذا وان تتطور حسب مقتضياته

وان دراسة اولية بل مجرد عرض لهذه الاساليب اللغوية ولكيفية عملها الداخلية تبين عند اول نظر امكانيات فعلية ومؤهلات ايجابية من شأنها مبدئيا ان تخول للعربية الحديثة تطورا سريعا شافيا . ولابد من محاولة بسط القول فى بعضها

1 ) امكانية استغلال العربية الفصحى القديمة وبالتالى الحديثة لثروتها اللفظية الخاصة ولراس مالها اللغوى الخصيب الزاخر بخلاف كثير من اللغات الاوروبية اليوم التى لا تستطيع التطور الا اعتمادا على معجم لغات قديمة ماتت كاللاتينية واليونانية مثلا

وقد مكن شعور العربية الفصحى الحديثة بالاستقلال اللغوي بالاضافة الى الخصب الغريب الذي يتصف به المعجم العربى قد مكن كل هذا العرب اليوم من حل كثير من المشاكل اللغوية العصرية بمجرد الرجوع فى افتخار وعزة الى كلمات المعجم العربي القديم واعادة استعمالها وبعثها من جديد كما هى او مع قليل من التغيير والتكييف

ولقد وددنا فى هذا المضمار ان نسوق مثالا واحدا ولكنه ذو دلالة كافية تبين به مظهر استقلال العربية بالنسبة الى اكثر اللغات الهندو اروبية واستغنائها فى كثير من الاحيان ان تاخذ عن لغات اجنبية قديمة

فكلمة " فرس النهر " ( او فرس البحر )التى تدل على ذلك الحيوان البدين الهائل الجثة والذى يعيش فى انهار افريقيا الكبرى يوافقها فى لغات اوروبا المشهورة

١ ) بالاسبانية : هيبوبوطمو Hipopotamo

بالالمانية : نيلبفرد : Nilpferd        ( اي حصان النيل)

ج ) بالانقليزية : هيبوبوطامس Hypopotamus

د ( بالايطالية : ايبوبوطامو Ippopotamo

ه ( بالروسية : قيبوبوطام Guippopotam

و ) بالفرنسية : هيبوبوطام tame Hippopo

فالملاحظ ان جميع هذه الكلمات الاوروبية ماعدا الكلمة الالمانية هى على نمط واحد مع بعض التغييرات الجزئية فى الرسم والنسق وانما السبب فى اتحادها هو اصلها الاجنبى المشترك اذ جميعها ناتج عن كلمتين يونانيتين مركبتين تركيبا مزجيا وهما :

- هيبوس :hippos   اي حصان : فرس بوطاموس : : Potamos    اى نهر

وغير هذا المثال المتعلق بالعربية القديمة امثلة عديدة فى العربية الحديثة منها : طائرة او طيارة من طار يطير بينما الفرنسية تقولavion من اللاتينية avis   اى طائر وهاتف من هتف تهتف بينا الفرنسية وكافة اللغات الاوروبية تقول phone teleاو ما يشابهها من كلمتين يونانيتين هما tele بعيد و phone صوت . . الخ . .

وهذا الاتساع الملحوظ في ثروة العربية اللفظية وفى معجمها الذي حوى ما يقرب من مائة الف كلمة وهو عدد يفوق بكثير عدد كلمات معاجم عدة لغات معروفة ومشهورة اليوم كالانقليزية والفرنسية قلت هذا الاتساع في الثروة اللفظية يسهل استعمال وسيلة اخرى لغوية تستخدمها العربية لخلق الكلمات وتعديدها حسب مقتضيات تعدد الصور الذهنية التى تدور فى العقل  البشرى وتطرأ عليه . وهذه الوسيلة تمثل امكانية عظيمة فعالة تتمتع بها العربية كما تتمتع بها جميع اللغات السامية للتطور والتعصر

2) امكانية الاشتقاق

او بالاحرى وكما يسميه اللغويون المستشرقون اليوم " القلب الداخلي (1) flexion interne

فمن المعروف ان وسيلة " الاشتقاق " او " القلب الداخلى " قد مكنت العربية الحديثة كما مكنت آنفا العربية القديمة من ان تستنبط كلمات عديدة وتخلقها خلقا لكي تواجه بها اختراعات العالم الحديث واكتشافاته

وان عدد ما اشتقوه اليوم من الكلمات على هذا النحو اعظم من ان يحصى فى مثل هذا المجال وعلى من يريد الاطلاع عليها اطلاعا شاملا ان يطلبها فى مجلات المجامع اللغوية المصرية والسورية والعراقية خاصة . اما نحن فاننا نكتفي هنا بهذا القدر البسيط من الامثلة المنتقاة انتقاء عفويا :

فقد اشتقت العربية الحديثة من صيغ قديمة كهتف وحكى اسمى الفاعل : ها تف ) telephone

وحاكى ) (Gramophone ومن صعد ورنا اسمى الآلة : مصعد( Ascenseur ) مرناه (television)

ومن لاكم وصارع مصدرين هما : ملاكمة  Boxe) ) مصارعة    (Lutte)  

وان العدد العديد من الكلمات التى اشتقت على هذا النحو اى بطريقة الاشتقاق من صيغ عربية قديمة لدليل على غزارة هذا المنهل اللغوى وصلوحيه هذه الوسيلة لتيسير عملية تطوير اللغة وتعصيرها فى جميع الميادين وفى العلمي منها خاصة .

ومهما صلحت وسيلة الاشتقاق هذه ومهما خولت للعربية الحديثة من مؤهلات فعلية فانها لم تستطع بحال من الاحوال ان تكون كافية شافية اذ اضطرت العربية الحديثة الى استعمال وسائل اخرى تتمثل فى امكانيات لغوية اقل اهمية من الاشتقاق ولكن لاينبغى اهمالها ونحن نتعرض لاثنتين منها

3 ) امكانية استعمال بعض الزوائد الحرفية الامامية    Prefixes والخلفية Suffixes

فاما الزوائد الامامية فانها تكاد تنحصر فى استعمال زائدة واحدة هى " لا " النافية فى اول بعض الاسماء للدلالة على نفى المعنى المجرد التى تدل عليه هذه الاسماء لاسيما فى ميدان الفلسفة والعلوم

فقد قالوا اليوم جريا على استعمال قديم نجد امثلة منه عند الفلاسفة المسلمين خاصة .

لا الاهية :Atheisme لا قابلية   Inptitude لا سلكى :Sans fils لا نهائى    Infini     . . الخ    

واما الخلفية فهى تنحصر فى استعمال زائدتين موروثتين عن لغتين ساميتين قديمتين الارامية والسريانية وهما " آن " و " يية "

ولئن قل استعمال زائدة " آن " فى العربية الحديثة بخلاف العربية القديمة التى فيها : فرقان - قرآن - وشنان . . . الخ فان استعمال زائدة "ية " يعد ذخيرة من ذخائر العربية في ميدان استنباط معنى التجريد من صيغ عربية قديمة . ولنكتف بهذه الامثلة فقد قالوا من وصل ووصول " وصولية  Arrivisme   او     Carrieris   ومن قوم " قومية "Nationalisme   ومن اهم أهمية Importance  ومن اولى اولويةPriorte

4 ) امكانية اخرى تتمثل فى قابلية العربية الصرفية لايواء كلمات اجنبية وفى تصريفها تصريفا عربيا بحتا يعجن هذه الكلمات عجنا ويمسخها مسخا

فكما اقترضت العربية القديمة كلمات يونانية ولاتينية وغيرها وهضمتها هضما والبستها ثوبا صرفيا عربيا قشيبا كفلسفة ( ومنها فيلسوف وتفلسف . . . ( وكهيولى ( ومنها هيولانى ) وكأثير ( ومنها أثيرى . . . ) مر اليونانية philosophiaو         hule   و    ether         كصراط من   اللاتينية Strata اقترضت العربية الحديثة ومسخت كلمات فرنسيه فى تونس ( وانقليزية فى مصر ) كتليفون ( ومنها تلفن . . .)  وفلم  (جمعه افلام) وراديو ( جمعة راديوات ) ونمرة ( نمرات ) وديموقراطية وديبلوماسيه وهستيريا . . . . الخ

هذه اذن كما ترى عدة امكانيات ايجابية فعلية من شانها نظريا ان تسمح للعربية الحديثة ان تتطور تطورا سريعا مرضيا وان تتلاءم مع مقتضيات العصر ملاءمة كاملة .

الا انه لا ينبغي ان تنسينا هذه الامكانيات وجود عوائق وعراقيل لغوية بحتة تتعرض فى سبيل هذا التطور وتضيق عليه وتحد منه بل وقد تمنعه احيانا

1 ) ومن هذه العوائق والعراقيل يجب ان نذكر اولا وبالذات حدود الامكانيات الايجابية التى ذكرنا العملية . اعنى امكانيتي الاشتقاق والزوائد أ ) فلئن كانت هذه الامكانيات متناهية القيمة والمفعول نظريا فان هذا المفعول ليس مطلقا اذا ما نزلنا الى حيز التطبيق والعمل

ولنضرب لك مثلا واحدا نسوقه لتوضيح ما نقول : فخذ ان شئت كلمة Personalisme وهي من الفرنسية الحديثة وحاول ترجمتها . فان اول ما ستميل الى استعماله من وسائل سيكون طبعا الاشتقاق فاذا انت رجعت الى اصل Personalisme وهو Personne وجدته موافقا الكلمة " شخص " العربية . واذا اردت الحاق زائدة " ية " لتجريد معنى كلمه شخص الفيت نفسك امام كلمة عربية معروفة قديمة لها معنى متداول مضبوط وهي كلمة " شخصية "

وهنا يتبين لك ان لاستعمال وسيلة " الاشتقاق " التى قلنا عنها انها من انجع وسائل تطور العربية حدودا لايمكن احيانا اجتيازها ثم يؤول بك الامر إلى احدى اثنتين : فاما ان تقتدى بمن اضافوا الى وسيلة الاشتقاق وسيلة الحاق الزوائد الحرفية وفي هذا المضمار الحاق زائدة " ان " التى سبق الكلا فيها وصاغوا " شخصانية " ( 1 ) واقترحوها لترجمة Personalisme على ما فى شخصانية من خشونة الواقع وغلظ النبرة اللتين ينبو عنهما سمع من سلم ذوقه من اهل الفصاحة واما ان تستعير اللفظ الاجنبى استعارة فتقول " برسونالية " .

وهنالك حالة اخرى تعرض للمترجم ويظهر له فيها عجز وسيلة الاشتقاق عن قضاء حاجته لاسباب لا تتعلق بوجود الصيغة كما سبق فى المثال اعلاه بل بالاسلوب وبفصاحة الاستعمال كما فى ترجمة كلمة    Dogmatisme ( عقيدية - عقائدية - ايمانية) كلها كلمات متنافية مع حسن الاستعمال العربى فلا يكاد يبقى الا دقماطية او دقما كما يقول بعضهم )

( 1 ) انظر : كتاب هذه هي الشخصانية لايمانويل مونيى . ترجمة تيسير شيخ الله . بيروت 1956 437 37

ب ) ووسيلة اتخاذ الزوائد الحرفية هى الاخرى ضيقة محدودة الاستعمال لا نعدام مجموعة وافرة متنوعة من الزوائد الامامية والخلفية كما فى لغات اوروبا الحديثة التى يسهل فيها تغيير معانى الالفاظ بمجرد تغيير الصاق زائدة من هذه الزوائد بتلك الالفاظ .

فنحن فى العربية اذا استثنينا الزائدة الامامية " لا " والزائدتين الخلفيتين " آن " و " ية " السابق فيها القول نكاد لانجد زوائد اخرى تذكر (1 ) . حتى اذا ما اردنا ترجمة كلمات سهلة بسيطة ك proconstitutionnel interdental anti - constitutionnel post - scriptum  مثلا احتجنا الى اتخاذ تعاببير طويلة وشبه جمل كهذه : ينطق ما بين الانسان - الموافق للدستور - المنافى للدستور - ملحق للرسالة . . . . على ماهو ظاهر فى هذه التعابير من الطول والالتواء المضربين باداء المعنى اداء واضحا سهلا موجزا وعلى ما فى وضوح المعنى وسهولته وايجازه من اهمية وخطر في ميدان العلوم خاصة .

2 ) ولكن هذه الحدود العملية لاستعمال وسيلتى الاشتقاق والزوائد لاخطر لها نسبيا اذا قيست بعائق لغوى آخر وقف عرضة فى سبيل تطور لغتنا واعني به عدم اهلية العربية القديمة وبالتالى الحديثة لاستعمال التركيب اللفظي في استنباط الكلمات الجديدة

فاننا اذا استثنينا ما يسمى بالتركيب المزجى الظاهر فى كلمات عربية معدودة محدودة الاستعمال كمعدى كرب وبعلبك . . . لانجد فى لغتنا اليوم طريقة صرفية نتمكن بها من تركيب الكلمات على نحو الطريقة المعروفة ب Composition فى الفرنسية مثلا .

فقد بقينا فى هذا المضمار نستعمل جملا وتعابير طويلة مفرطة الطول كما كان يفعل القدماء من اجدادنا العرب لاداء ما تؤديه اللغات الحية اليوم فى اوروبا بواسطة وسيلة " التركيب "

فاننا نكاد لانهتدى الى ترجمة اقرب اذا ما اردنا نقل كلمة " labio - dental فى نحو قولناle Fest labio - dental مما جاء فى كتاب المفصل للزمخشرى  وهو قوله : وللفاء " باطن الشفة السفلى واطراف الثنايا العليا "(1)

وحتى اذا ما حذفنا " سفلى " و " اطراف " و " عليا " على انها زيادة فى التوضيح وليس الحاجة اليها مطلقة فان عبارة " وللفاء الشفة والثنايا " تبقى عبارة طويلة ملتوية يعوزها الوضوح والدقة التى فى   labio - dental

وان عدم قابلية العربية الحديثة لاستعمال طريقة " التركيب المزجى " كما بينا يظهر مدى خطره وتأثيره على تطور العربية بصفته معرقلا لهذا التطور اذا ما تفطنا الى وفرة الكلمات المركبة على هذا التركيب فى اللغات الاوروبية بل الى عددها الذى لانهاية له اذ اننا نشاهد كل اليوم ان هذه اللغات لاتنفك تخلق وتصوغ الكلمات الجديدة " المركبة " ولاسيما فى اهم ميدان يعمل فيه الآن الفكر البشرى اعنى فى الميدان العلمى

فالصعوبات الناتجة عن انعدام وسيلة " التركيب " تنقلب مأساة ) بالنسبة الى المترجم طبعا ( اذا واجهنا نقل كلمات ك graphi electro carodi ( او  torhiolarygelegie      ) 2 ( الخ لا يسعنا الا الاكتفاء بهذا القدر من الامثلة اذ لاحول لنا ولاقوة على ذكر قائمة مطولة منها فى مثل ضيق هذا المقال .

ولا يخفى مافى ترجمة هذه الكلمات المذكورة اسفل هذه الصفحة من تعثر والتواء ومن طول واسهاب مما يمس ويضر بالايجاز والوضوح والدقة المحتومة في ميدان العلوم

على انه مما يبغى ملاحظته ان طريقة " التركيب " هذه قد اخذت اخيرا تتسلل في غضون اللغة العربية تسللا جزئيا خفيا وذلك بواسطة كلمات اجنبية مركبة اقحمتها الصحافة والاذاعة فى العربية ك : " انقلو - سكسون Anglo - Saxon  مثلا وربما كان هذا اول مرحلة فى سبيل تطور مقبل حدث في العربية فيؤول بها الامر الى استعمال كلماتها الخاصة على هذا النحو  من التركيب فتقول فىdental  labio - حرف " شفويو - اسناانى " وفى  elecro - cardio - graphe     " آلة كهربائيو - قلبية " مثلا .

3 ) ومن العوائق القائمة فى وجه تطور العربية الحديثة أولوية المادة الثلاثية فيها كأولويتها في جميع اخواتها من اللغات السامية وهذه الاولية قد ينجر عنها ثبوت معنى الصيغ العربية القديمة فى ما اشتق منها وما استنبط اليوم من كلمات جديدة اريد بها مواجهة الاختراعات والاكتشافات العصرية

فان كل عربي سلم ذوقه اللغوي يشعر لا محالة بان مادة " درج " و " هتف " و " صدح " التى اشتق منها " دراجة " و " هاتف " ومصدح لترجمه ( microphone Telephone bicyelette )قد فرضت على هذه الكلمات الجديدة  معانيها القديمة ومازجتها بمعاني هذه الكلمات العصرية ممازجة نتج عنها اضطراب في تصور الصورة الذهنية العصرية التى اريد بهذه الكلمات الثلاثة التعبير عنها . فمن منا لايتصور فى الوقت الذى ينطق فيه بكلمة " هاتف "

( 1 ) اقرب التراجم هى : آلة الكشف عن القلب باستعمال الكهرباء ( 2 ) " علم تطبيب الاذنين والانف والحلق

وبجانب معناها اليوم ( اى تليفون ) جميع ما توحى به مادة هتف من صور وتخيلات ذهنية من رجل يهتف من بعيد وملك يهتف من السماء . . ومن منا لاتخطر بباله اصوات الطيور وتغريد البلابل والعنادل اذا نطق امامه بلفظة " مصدح " وذلك فى نفس اللحظة التى يتصور فيها آلة الميكروفون ؛ ومن منا لم يجمع عند سماعه لكلمة دراجة بين تصور آلة البسكلات وبين تصور حركة التدرج والسير من اسفل الى عل

ومن البديهى ان ثبوت معنى المادة العربية القديمة فى المعنى الحديث للكلمات المشتقة اليوم وامتزاجه به ناتج عن حيوية اللغة العربية القديمة وعن انها وان جمدت وركدت فانها ما زالت لغة حية على الاقل فى اذهان من يدرسها ويعتنى بها من العرب اليوم اذ نحن نلاحظ ان المواد اللغوية القديمة من لاتينية ويونانية لم يثبت معناها فى اللغات الاوروبية العصرية في الكلمات المشتقة منها وذلك لان هذه المواد اللغوية تابعة للغات قد ماتت واضمحلت وعفا رسمها من ذاكرة الناطقين اليوم باللغات الاوروبية الحية . فليس احد منها اليوم يتصور عند استعماله لكلمه بسكلات bicvelete مثلا انها مأخوذة من كلمتين قديمتين الاولى : الزائدة الامامية قط بمعنى اثنين وهي من اصل الاتينى والثانية kuklos اى دائرة وهى يونانية - وكذلك الامر في micerophoneمن اليونانية microsصغير وvoix= phone      وفي  telephone     . وقد سبق اصلاها   وفى

فحيوية لغتنا العربية وقربها منا وهما خصلتان ذاتا بال قد انجر عنهما هذا الخلل فى معانى الكلمات المشتقة وهذا العائق فى طريق تطور العربية الذي يمكننا ان نحشره ايضا فى باب ذكر حدود استعمال طريقة الاشتقاق السابق الكلام فيه . وفى الخصلة ينجر عنها الخلل والعوائق ما فيه من غريب الاتفاق فى تاريخ تطور اللغات

على ان هذا الخلل من شانه ان يضر بمعنى الكلمات المشتقة اليوم وان يجعله مضطربا عكرا وفى هذا الاضطراب والعكر مافيه من مساس بوضوح التصورات الذهنية وخاصة اذا كان المرء يعمل فى الميادين التى تتحتم فيها الدقة والوضوح كالميدان العلمى ذى الخطر العظيم في يومنا هذا ولاغرو ان ترى بعضهم يجتنب هذه الكلمات المتعددة الصفحات المتلألئة المعاني تلألؤ بريق الحجارة الكريمة ) facites ( هذه الكلمات التى كان الفلاسفة العرب القدماء يسمون ما يشابهها من كلماتهم القديمة " مشتركة "  equivoques ويصفحون عنها الى غيرها من خالص الدخيل ومجرده فيستعملون عوض هاتف تليفون وعوض مصدح ميكروفون وعوض دراجة بسكلات وعوض مرناة تليفزيون . . . الخ . .

4 ( هذا واننا اذا اهملنا بعض الصعوبات الطفيفة الاخرى القائمة فى طريق تعصير العربية كانعدام امكانية اتخاذ الكلمات المقتضة ان صح هذا التعب Abreviations )اللهم الا بعض الالفاظ القليلة العدد كنحو الخ ) الى آخره ( او " نا " فى كتب الحديث القديمة ) اي حدثنا (1)

فانه ينتهى بنا الكلام فى هذه المعنى الى ذكر اهم عائق عندنا فى وجه تطوير هذه العربية الحديثة الفصحى وهو والحق يقال اولا تاثير اللغات الاجنبية (وازدواج  اللغة ) ثانيا تأثير اللغة العربية الدارجة التى تلهج بها شعوب جميع البلدان العربية اليوم

فاما التأثير الاول فمشكل طويل عويص قد خيض فيه منذ عهد بعيد وسيخاض فيه مدة اخرى لا تنسك فى طولها وليس المجال هنا كافيا لا لبسطه ولا لحله . وربما رجع بنا الكلام اليه فى حلقة اخرى

واما تاثير اللهجة العامية على العربية الفصحى الحديثة فمن الخطورة والاهمية بمكان على مستقبل هذه العربية الفصحى اذ انه يبدو ان لغة ثالثة هى بين العربية الفصحى الحديثة وبين اللهجات العامية الحالية في البلاد العربية عامة وفي تونس خاصة لظروف خصوصية سنذكرها آخذة الآن في التكون والتبلور

وليس فى الامر أية غرابة اذ ان الحالة الثقافية المنحطة التى تتخبط الجماهير الشعبية العربية والجهالة الجهلاء التى تعم اكثريتهم الساحقة قد جعلت المسؤولين على هذه الشعوب فى عهد الاستقلال الوطني الجديد من رؤساء الحكومات ومديرى دواليب الادارات ومسيرى الاعمال العلمية والفنية وحتى الادبية ( 1 ) قد جعلتهم مضطرين الى الصفح عن استعمال العربية الفصحى الحديثة والى اتخاذ لغة بين لاهى بالفصحى الحديثة مطلقا ولا بالدارجه العامية مطلقا ولكنها خليط غير قار ولا ثابت من اللغتين سواء فى دواليبها الصرفية او النحوية على ان صرفها ونحوها بالدارجة اقرب والفاظها وكلماتها بالفصحى الحديثة انسب

وما فعلوا هذا الا لانهم قد اختاروا الفاعلية وفضلوها على نزعات التانق فى الكلام والتجمل في اللغة اللذين ليس فيهما طائل فى مخاطبة الطبقات الكادحة من الشعوب اى اغلبية الشعوب التى تقوم عليها الحكومات وتعول فى جميع اعمالها سياسية كانت ام اجتماعية

فنحن نشاهد اليوم فى بلادنا التونسية ان المسؤولين على تسيير حياة شعبنا التونسى على اختلاف طبقاتهم ومناصبهم من رئيس الجمهورية الى متوظفى الادارات الصغار يكادون لا يستعملون فى خطبهم ومناقشاتهم وكلامهم العمومى فضلا عن محادثاتهم الشخصية الا اللغة العامية المعبر عنها بالمهذبة (1)

ومما لابد من ملاحظته فى هذا الصدد هو التطور الذى حدث عندنا فى بحر الخمس سنين الفارطة تقريبا فى استعمال اللغة فى الاجتماعات العموم والمنتديات الثقافية والسياسية وغيرها . فان الاسباب العامة والتابعة لخروج البلاد من عصر العبودية الاستعمارية ودخولها فى عهد الاستقلال والتطور الاجتماعى والاقتصادى قد جعلت الناس اليوم لايتاسرون على استعمال الدارجة فى تلك الاجتماعات والمنتديات فقط بل وحتى فى المدارس لتفسير مختلف المواد التعليمية بما فيها احيانا . . . مادة العربية وآدابها ! كانهم قد شعروا بان تطور البلاد العام الآنف الذكر لابد من ان يصحبه تطور فى ميدان هام جدا فى حياة الامة ميدان اللغة وكانهم شعروا بان عصر الاستقلال السياسي هو ايضا عصر الاستقلال اللغوي اعنى عصر تحرير العربية الحديثة من سيطرة العربية القديمة تلك العربية التى كانت من الاسلحة اللازمة لمقاومة الاستعمار بصفتها مقوما اساسيا من مقوماتنا العمومية والصاقها بلغة الحياة اليومية بلغة الشعب باللغة الدارجة

وهذا التطور ونتائجه التى كانت تعتبر مسا بكرامة اللغة وبحصانة الدين بل وبقومية الامة فى عصر الاستعمار وهذا الاستعمال للدارجة المهذبة الذى كان يعتبر عيبا من اقبح العيوب ونقيصة من اسقط النقائص فى الخطبة والاساتذة قد اصبح فى عصر الاستقلال شيئا مألوفا وسنة متبعة .

ولا يسعنا فى نهاية عرضا هذا لعوائق تطور العربية الحديثة الا الاشارة الى اهمية هذه الظاهرة - اى تاثير الدارجة على العربية الحديثة في بلادنا - بالنسب الى مستقبل العربية اذ ان مثل هذا التأثير سيصبح اذا استمرقوى ليس معرقلا من معرقلات تطور اللغة الحديثة الفصحى عندنا بل ربما آل به الامر فلم النهاية الى الاتيان على هذه الفصحى والى احلال ماسميناه باللغة الثالثة محلها

فانه يمكننا بدون ان نتزعم التكهن بالغيب ان نتساءل الآن هذا السؤال الخطير بالاضافة الى مستقبل اللغة : السننا الآن نشاهد اول مرحلة في الزمان لتطور جذرى فى العربية سيؤول بهذه اللغة بعد مدة طويلة او قصيرة الى حالة جديدة تكون فيها قد اصبحت لغة عربية اخرى هى بالنسبة الى العربية الفصحى بمثابة اللغات الرومانيةlangues romanes  بالنسبة الى جذرها الاوحد  اللاتينية او بمثابة اليونانية الحديثة بالنسبة الى اليونانية القديمة او العبرانية الحديثة التى بعثوها فى اسرائيل بالنسبة الى العبرانية التوراتية القديمة ؟

يبدو مما سبق من تعديد المؤهلات والعراقيل ان العوائق القائمة فى وجه العربية الحديثة وتعصرها وملاءمتها لمقتضيات زماننا هذا اكثر عددا واقوى تأثيرا من الامكانيات الايجابية التى تتمتع بها تلك اللغة والتى من شأنها ان تخول لها ذلك التعصر وتلك الملاءمة المرغوبين

ونتيجة هذا التفاوت فى عدد الامكانيات واللا امكانيات حسب الظاهر هى ان مستقبل العربية فى خطر وأنها باتت كأنها محكوم عليها بالتجمد والركود وبعدم مسايرة ركب الحضارة كما يقال

على ان هذا يكون صحيحا لو توقف تطور اللغات وتقدمها على عامل واحد هو الطبيعة اللغوية وامكانياتها ولو كان المعيار الاوحد لقياس تحرك اللغات وتطورها او سكونها وتحجرها هو مطاطيتها الصرفية والنحوية والمعجمية او عدم تلك المطاطية ليس الا وبقطع النظر عن جميع العوامل الاخرى المؤثرة فى حياة اللغات وموتها . بيد ان الامور ليست كذلك بل هى اقل بساطة واكثر تشعبا من هذا

فان التاريخ قد برهن مرارا على ان طبيعة اللغات الداخلية وان كان لها اهميتها فى تطور حياة تلك اللغات فهى فى الحقيقة لا تمثل المؤثر الاول الرئيسى فى تلك الحياة بل فى اعتقادنا انه مهما كانت امكانيات اللغة العربية الحديثة او عدم امكانياتها اللغوية للتعصر ولملاءمة مقتضيات القرن الذى نعيش اليوم فيه فانها ليست هى بالذات التى سيتوقف عليها تطور العربية او عدم تطورها . بل ان هذا التطور عندنا متوقف وسيتتوقف على شىء آخر هو تطوير احوال البلاد الاقتصادية وبالتالى الاجتماعية السائدة الآن وتغييرها تغييرا يخرج البلاد من التخلف الاقتصادى والاجتماعى وبالتالى من التخلف الثقافي المستفحل عندنا .

ولا يجب ان يكون الخروج من التخلف او ما يسمى اليوم بتلافى التخلف مجرد محاولة الالتحاق بما وصل اليه بعد العلم والاقتصاد والثقافة فى البلاد المتقدمة اذ خاصيات هذا النوع من الخروج من التخلف وهى الاكتفاء باستعمال بعض الادوية المسكنة للظهور بمظهر التقدم كترجمة ما يكتب الاجانب وتقليد ما يفعلون تقليدا سطحيا صوريا ليست كفيلة فى الحقيقة بان تجعلنا نخرج حقا من هذا التخلف ونصبح متساويين والامم الناهضة المزدهرة اليوم بل الخروج الحقيقى من التخلف يجب ان يرتكز على قاعدة متينة صحيحة وهى متناقضة مع قاعدة محاولة الخروج من التخلف التى سبق تصويرها والتى ركزنا عليها اعمالنا الى يومنا هذا .

وهذه القاعدة الصحيحة هي عندنا الانتقال من مرحلة الاستعمال الى مرحلة الابتكار وذلك في جميع ميادين الفكر البشرى وحسبما تسمح به ظروف البلاد الموضوعية طبعا .

ومعنى مرحلة الاستعمال فى نظرنا (وهى ايضا ما سميناه بمرحلة التقليد والترجمة ) هو تلك الفترة الزمانية المتفاوتة الطول والقصر التى طغى الاستعمار فيها على البلاد العربية والتي انتهت بهذه النهضة المباركة التى نشاهدها اليوم والتي اكتفى العرب فيها باستعمال مخترعات الغرب وابتكاراته ولم يحاولوا لاسباب قاهرة احيانا ان يكتشفوا سر هذه المخترعات الباطنى من الناحية الفنية بحيث انك ترى فى هذه البلاد من يعرف كيف يقود السيارات والآلات وكيف يستعمل اجهزة كهربائية مختلفة كالمذاييع ومضخمات الاصوات وغيرها علم انه لا يعرف من اسرار تلك الآلات الفنية ولا من كيفية عمل دواليبها الداخلية شيئا حتى اذا ماحدث ان اصاب تلك الآلات خلل او عطل احتاج لاصلاحها الى الفنيين الاوروبيين فى اكثر الاحايين

ومرحلة الاكتفاء بالاستعمال الناتجة عن تخلف البلاد الاقتصادى وعن عدم تصنيعها بالخصوص هى التى جعلتنا الآن مثلا لا نتصور او نكاد ان نرى انفسنا يوما راكبين على " سكوتر " من طراز عربي صنعه مهندسون وعملا عرب ولامنصتين لجهاز اذاعى يكون خالقوه وصانعوه عربا واسماء محطاته مخطوطة بالعربية على واجهته البلورية .

اما معني مرحلة الابتكار فعكس ماسبق اذ هى المرحلة التى ستمكننا بعد ان تكون قد طورنا البلاد اقتصاديا وقد احدثنا فى ارضنا صناعة عصرية مبينه على اساس استغلال ثرواتنا الداخلية ستمكننا قلت من البحث والتنقيب ومن الوصول الى تكوين مهندسين عرب وباحثين عرب وعلماء عرب فى شتى الميادين قادرين على الوصول فى يوم قريب الى مشاركة علماء البلاد الاخرى فى الاختراعات والاكتشافات .

وعندئذ وعندئذ فقط في اعتقادنا تستطيع العربية ان تحل مشاكلها بصفة عملية ناشطة ايجابية كما استطاعت اللغة الصينية بعد الثورة الصناعية التى حدثت في هذه البلاد ان تحل مشاكلها اللغوية المعقدة تعقيدا اشد قوة ومدى من مشاكل العربية وكما استطاعت العبرانية الحديثة المبعوثة فى اسرائيل ان تواجه بعد نهضة البلاد الصناعية ان تواجه ضروريات العصر الحديث مواجهة يبدو انها فعالة ولاشك في ان العربية وهي اختها السامية قادرة على الوصول اليها هى الاخرى . 44 444

وعندئذ لن تقف فى وجه العلماء والمخترعين والادباء والمثقفين التونسيين مثلا صعوبات العربية اللغوية التى بيناها فى اول هذا الحديث كما لم تقف فى الماضى اى فى القرن الثامن بعد المسيح وما وليه من قرون فى وجه العلماء والفلاسفة العرب عندما انتقلوا من طور الترجمة السلبية للعلوم اليونانية مثلا الى طور الخلق والابداع

وعندئذ تعمل اللغة عملها وتتغلب بموجب الواقع وبحكم مقتضيات الحياة العملية التى لا تطيق الصبر ولاتقبل الانتظار على جميع العراقيل والعوائق وعندئذ يحكم تطور اللغة الذى لانشك فيه بين من يخير بقاء العربية الفصحي القديمة ومن يحبذ استعمال الفصحى الحديثة ومن ينادى باتخاذ لغة ثالثة حكما لامناص منه

وعندئذ لن تكتفى اللغة العربية بترجمة ما يكتشفه الآخرون فى ميدان التعاون الدولى المرغوب فيه بل ولربما جبرت هى الاخرى اللغات الاجنبية على الترجمة منها والاخذ عنها .

فلئن اخذنا عنهم اليوم تلفزة وسبوتنيك . . . فانه لا يجب ان ننسى انهم اخذوا عنا في عصر نهضتنا القديمة : ناعورة وانبيق . . . . فلننهض اذن وستزدهر اللغة . . .

عيد فرحات

لقد وقع تحريف فى قصيد محسن بن حميدة بالعدد الاخير من المجلة فالفكر تعتذر عنه للاستاذ وتطلب من القراء ان يصلحوا القصيد كما يلى :

اني رأيت على الوجوه السمر آثار الحديد                                                                                                      ولهيبه القانى يخط بها خطوط اني رأيت الجوع والدم والعذاب والاخطبوط ٠٠

وفى مكان آخر

ركب الطغاة ركب الطغاة الحاقدين المجرمين ركب النتونة والعفن ركب الوحوش الصاديات الى الدماء اننى أبدا براء . . .

اشترك في نشرتنا البريدية