عرض : الحبيب هوله
أصدر الأديب رشيد الذوادى كتابا جديدا بعنوان : " جماعة تحت السور " يقع هذا الكتاب فى 214 صفحة ، احتوى على مقدمة : ( 3 صفحات ) وعلى : " اضاءه عن الأدب التونسى الحديث " (17 صفحة ) ، ثم : " عصر جماعة تحت السور " (6 صفحات ) ، ثم على : " دوريات أصدرها " : (76 4 9 ) ، ثم على : " شخصيات فنية خرجت من ( تحت السور ) " ، ثم على : " دراسات : تخص عبد الرزاق كرباكة ، ومحمد العريبي ، وعلي الدوعاجي ، ومحمود بورقيبة ، ومحمود بيرم التونسي ، وغيرهم . ومن خلال جولة فى هذا الكتاب تلمح ان الأدب فى نظر مؤلفه معاناة وتأمل وتحليل لأوضاع العصر ومشكلاته . وان الأديب الحق ليس كل من يحمل القلم ويخط سطورا على صفحات الزمن ، وانما هو المعبر عن المشاعر الصادقة والعقائدى الذى يحمل فكرة ، ومن يتألم ويشقى ليضئ على غيره .
ومن الآراء التى جاءت فى مقدمة كتابه : (لا بد أن يخوض الأديب المعركة ببقاء الأصلح )و (عملية الخلق تؤكد على الأدب أن يبادر بالتأمل في واقع عصره ) و ( عليه ان يفكر فيما يلمسه من متناقضات تأباها نفسية الأديب كمبدع وكمفكر وواع فى أمته ) و ( الخلق إسهام فى صنع الحياة ) و ( الأديب مسؤول مطالب بأن يتخلص من الترهات والاهتمامات الشخصية ، هو لا يصل الى الرفعه والسمو الا اذا اندفع هى سبيل صنع الحياة ، وتطهير الضمير ) .
وفى " اضاءة عن الأدب التونسي الحديث " ابرز رشيد الذوادى جل التيارات الفكرية والأدبية التى ظهرت فى بلادنا مذ عام 1830 ) تاريخ احتلال الجزائر )تحدث عن جيل خير الدين التونسي ، وعن جماعة الرائد الرسمى التونسى ، وعن عهد الحماية ، وعن الأدباء المكافحين فيها ، وعن ألوان ومضامين الادب التونسى ، وعن أهم فترات خصوبة هذا الأدب : ( 1914/
1956 )، وعن تيارات مرحلتى " الوعى الوطني " : (1939/1914 )والكفاح التحريرى (1956/1952 )اذ بعامل هاتين المرحلتين تولد أدب تونسي ، يحمل افكارا تونسية ويعالج أوضاع الشعب وطموحاته .
أما عصر " جماعة تحت السور " : ( 1952/1914 )فهو عصر مضطرب بالاحداث قضى الاستعمار فيه على معنويات الشعب التونسي ، وعلى حقوقه ، وعانت فيه : " جماعة تحت السور " جميع الأزمات ، حز فى نفوسهم ان تهدر حقوق الشعب والايصان له شرف ، وان يضيق عليه الخناق ، فثاروا وكافحوا ، وتعرض بعضهم الى السجن والى النفي والتشريد ، والبطالة ، وحتى الى تعطيل صحيفته وانتاجه .
لقد تألم " جماعة تحت السور " وهم"الحساسون " لما لمحوا الفقر وامتلاء الشوارع بالمستولين وبالمرضى وبالعاهرات ، وأحسوا بتدهور الوضع الاقتصادى ، الذى أقيم على الاستغلال ، وعلى انحطاط مستوى العيش ، وغلو الاسعار .
وقد كان لبعض هؤلاء وقفات جريئة ، فى التعبير عن اصالة الشعب ، وقدراته الذاتية ويبرز الآديب رشيد الذوادى ، فى كتابه مميزات أدب هذه الجماعة ، وجلساتهم وسهراتهم ومراحل نشاطهم في كل من : - المجالس الاولى : ( 1929/1914 ) - المجالس الثانية : (1943/1929 ) - المجالس الثالثة : (1952/1945 )
عرفنا الذوادى فى كتابه عن بداية بروز هذه الظاهرة فى باب السويقة : ( 1914 )كظاهرة فنية ، على يد محمد المغيربى ، وأحمد بطيخ ، ومحمد القادرى ، وخميس العاتى ، وخميس ترنان ، والطاهر عبو ، وموني الجبالى ، وسيمون اميال وغيرهم .
وعن المجالس الثانية التى انعقدت فيما بين اعوام : (1943/1929 )في مقهى " سيدانة " او مقهى " تحت السور " والتي ابتدأت بالتحاق الشعراء بالموسيقيين ، فى جلسات " تحت السور " ثم تبعهم الممثلون والصحافيون والقصاصون والنقاد ، ومن ابرز من كان يحضر هذه الجلسات : كرباكة ، والدعاجى " والعبيدى ، والمهيدى ، وخريف ، والعروى ، ومحمود بورقية ، وبيرم التونسي ، والهادى الجوينى ، وعلى الجندوبي ، ومحمد بن فضيلة ، ومحمد المرزوقي ، ومحمود أصلان ، وعمر الغرايرى .
اما المجالس الثالثة : (1952/1945 )فيقول عنها المؤلف أنها تميزت بقصرها ، كانت تضم بعض الشعراء ، والصحافيين والممثلين والموسيقيين ، وتقع كل ليلة اما فى " مقهى خالى على " أو فى " مقهى الغربى " بنهج الكبدة بتونس . ويلخص الكاتب مذهب هذه الجماعة ، فيما يلى : - تضامنهم فى الافراح والاتراح . - تشابههم فى المشاعر والاحاسيس . - حبهم للأدب وميلهم ، الى حياة البوهيم . - اتفاقهم على النقمة والتمرد . ونصل مع المؤلف الى القسم الاخير من كتابه : " أدباء وصحافيون " للتعريف بدورهم فى الحياة الاجتماعية والأدبية ، وما كان لهم من فضل فى ابراز الذاتية التونسية ، ومدى دفعهم ، لعجلة التطور الذهنى ، فى تلك الفترة التى كان الشعب التونسى ، يصارع مرارة البؤس والحرمان من ذلك الدخيل ويبدأ بـ :
أ ) عبد الرزاق كرباكة (1945/1901 )الأديب الشاعر الذي : " مارس مختلف الفنون الأدبية طيلة ربع قرن " .
ب )على الدوعاجى ( 1949/1909 )هذا الكاتب الصحفى الذى كان محبا : " للاسفار ومن الفنانين المؤمنين بفنهم الى حد التقديس ، ومن المولعين باللهو والتكتة " .
ج )محمود بورقيبة (1956/1908 )هذا الشاعر الأديب والصحفى كان له دور كبير فى اثراء الحياة الأدبية ، وتأثير فى تطور الأغنية التونسية .
د )محمد بن فضيلة (1957/1911)كان شاعرا بالعامية وداعية من دعاة الأدب الواقعى وممن ناضلوا بجانب الفقراء والمعذبين بوجه عام .
ه )محمود بيرم التونسى ( 1883 1961) وهذا الكاتب القدير ، والقصاص الخبير ، والزجال الشهير ، كان من أبرز الكتاب الذين أحبوا الفن وماتوا في سبيل الفن .
و )زين العابدين السنوسى (1965/1901 )شب طموحا منذ الصغر ، وتعلق بميادين الاصلاح ، وهام بالأدب والصحافة والتاريخ منذ نعومة اظفاره ، وكانت مجلة " العالم الأدبي " التى كان يصدرها ملتقي لأقلام جماعة تحت السور ، وكان منطلقا لحركة أدبية تونسية صميمة .
ز )على الجندوبى (1966/1909 )أو شاوش الهيئة الاجتماعية ، كما كان يحلو له ان يلقب نفسه : " لم يحرز على شهادة ، ولا ظفر بزوجة كابناء الأرض ، ولا با بناء ، ولا ببيت ، إن كل ما تحصل عليه هو كثرة صداقته للادباء ، والمطربين والمطربات " .
ح ) أحمد خير الدين (1906-1967 ( هذا الكاتب الأديب كانت له عدة ميادين فنية تمثلت فى الرواية والمسرحية والقصة وقرض الشعر وكتابة الأغاني .
ط )مصطفى خريف ( 1967/1909 )خريف الذي عاش حياة بوهيمية واحب حلقات " تحت السور " واكب تاريخنا السياسى والفكرى أكثر من أربعين سنة .
ى ( محمد صالح المهيدى (1969/1902 )المهيدى مثقف بلا جدال ، وبعد من جماعة تحت السور المحرز على شهادتين وبالاضافة الى هذا فقد كان من الشبان العصاميين الذين برزوا بفضل تكوينهم الشخصى .
ص )عبد العزيز العروى (1971/1898 )وهذا الصحفى اللامع قد ساهم مساهمة كبرى فى توعيه الجماهير الشعبية عن طريق الاذاعة ، وهو بحق صحفى الشعب ، بما كان له من سحر بيان وقدرة على حبك المواضيع ومعالجتها .
ع )الهادى العبيدى " يعد العبيدى من أبرز الصحفيين التونسين في النصف الثاني من هذا القرن ، فقد مارس جميع ألوان الكتابة الصحفية ، ومعظم مواضيعه الصحفية الجادة تتناول قضايا الشعب وحرية الوطن ، وكفاح المجاهدين ، ونقد الاوضاع السياسية والاجتماعية والتبشير بالفجر الجديد " صفحة 199 .
ف) محمد المرزوقى ، و " تمكن المرزوقى - بفضل عصاميته - أن يصبح فى 1935 اصغر مؤلف تونسى فى هذا القرن ، حيث نشر وعمره (19 سنة ) كتيبا صغيرا قدمه له الطيب العنابى وعنوانه : " آراء وعقيدة أبي العلاء المعرى " صفحة 205 .
هذه رحله مع المؤلف ليست مكتملة ، بل هى وقفة فى الطريق المفتوح ، نبرر لك الملامح الاساسية " لعالم تحت السور " وتعد هذه الدراسة نقطة انطلاق لزيادة العناية بدراسه هذه الحقبة الخصبة من تاريخ أدبنا التونسي الحديث .

