الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

مطالعات، شباب ضائع

Share

آخر ما قرأت للكاتبة الانقليزية المعاصرة ) دافني دى موربيه ) قصة " شباب ضائع " ) 1 ) .

وكنت قرأت لها " ربيخة " تلك القصة التى لا ينساها من قرأها ، ولا ينسى الشبح الجبار الذى يملأ جميع أسطر الكتاب ، دون أن يظهر طرف بنانه

وكنت أود ان اعرف تاريخ وضع القصتين ، لأعرف السابقة من اللاحقة ، فهذا شئ مهم ، لتتبع تطور الكاتبة وياحبذا لوقيد ذلك عقب عناوين مؤلفات المؤلفة التى نراها عادة ، فى قفا الكتاب .

أدهشني الفرق بين الكتابين ، ضايقتني الرتابة والتفاهة والاسفاف ، ليست هناك أية خاطرة تخرج عن المالوف ، حتى شككت فى المؤلفة ، وكدت ان ارمى بالكتاب ، لكن ، هيهات التخلص من مثل قلم " دافني " وتبين ان تلك الرتابة والتفاهة والاسفاف ، اسمى درجات الفن . أليست الحياة نفسها مسفة رتيبة تافهة ؟ وكذلك نجدها ، دون تكلف ، لشد ما تحملته الكاتبة من تكلف

هناك اقلام دقيقة العدسة ، كالمجهر المتقن ، يرى فى القشة ما يتفرج الساعات . وهذا ما نجده عند غالب الكتاب الانقليز

فى الجزء الاول نرى " ريتشارد " واقفا على ضفة نهر التاميز ، ينظر الى لججه المتهادية ، حيث سيطفئ قبس حياته بعد حين ، فرارا من القلق وشعورا بفضولية حياته وانعدام الدور

يتخطى السياج ، واذا يد تمسك بكتفه ، ذلك الشخصية الثانية فى القصة ، وهو ايضا شاب ، لكنه غير زاهد فى حياته ، بل سفاك ، خارج من السجن من أجل جريمة اقترفها لغاية مبدئية . سارا جنبا الى جنب وانضما الى ملاحين ، وابحرا نحو الشمال ، نحو المغامرة : النرويج وخلجانها الجبلية ، بالموانى وضبابها الكثيف ، ستوكهولم وشوارعها الخلفية ، جبال الشمال ووحدتها غاباته وعزلتها ، وليالي القطب البيضاء .

ذاك الجزء الاول الذى جعلته الكاتبة تحت عنوان " جاك "

الجزء الثاني ، عنوانه " هيستا " وهي فتاة عاقلة تستجيب لنداء الشاب ، ويتفقان على حياة حرة عصرية ، ضاربين عرض الحائط بالتقاليد ، بالاسرة بالمجتمع ، يسايران الشباب في اجتماعاتهم ولهوهم وقصفهم لكن ، تشعر الفتاة احيانا ، بالتوق الى البيت والولد بنداء الطبع الى تأسيس خلية من البشرية هى بدورها ، والعمل لاستمرار النوع . ويشعر الفتى بالتوق الى الآفاق العليا . انه يلهث وراء شخصيات ثلاث كل واحدة فذة فى بابها :

ابوه تلك القمة الادبية المعترف لها من الجميع والذى سبر ، فى كتبه ، النفس البشرية فى اعمق حناياها دون ان يلقى نظرة على ابنه ، فعاشا متجاهلين

ورفيقه ، ذلك السفاك من أجل المبدأ .

وصاحبته ، المرأة " هستا " ، وكل امرأة فذة فى حد ذاتها

بين هؤلاء ، ينطلق فى التيار الذى اختاره لنفسه ، مالئا فراغاته بكتابة قصة ومسرحية . يرى الشهرة والمجد على قاب قوسين أو أدنى ، ويرى العالم يردد اصداء أفكاره ، ويرى الناس يشيرون اليه ويتهامسون اسمه فى اعجاب واجلال وضاع فى احلام الشباب الذي يجيز التحليق في اعلى الآفاق ، لكن الواقع غير الحلم ، انه يعاني مزاجا يأبى ان يخرج عن المعتاد ، فما هو الا ان يقنع بضحالته فينتهى موظفا فى احدى النيابات البنكية فى بلده ، حامدا مصيره ، شاكرا عيشه .

المعتاد فى القصص ، ان نجد شخصا ناتئا بين اشخاص ثانوية . والجديد فى هذه ، ان بطلها مغمور بين افذاذ . انها القصة التى تثريك ، الصدق فى تصوير الاشخاص ، والرجفات الانسانية ، المشاعة بين الناس جميعا والتي تسمح لك بان تكتشف نفسك خلالهم ، فتطوى الكتاب وقد تقدمت بك معرفة  النفس البشرية قليلا .

اشترك في نشرتنا البريدية