الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

مطالعات، كتاب، " التربية التونسية في الامثال العامية "

Share

ظللنا ازمانا طوايلة نعيش وكأننا بين قوم كتب لهم العقم بعد طول الخصب فعكفوا على آثار ماض وقور يجلونة الى حد العبادة . وقد كان صدور كتاب ما بالبلاد من الاحداث الجسام التى تدعو الى الغبطة والعجب . وقد اصبحنا منذ مدة نرى بوادر نهضة أدبية الثقافية ترجو أن تاتى أكلها وان يتسع مداها .

فقد رأينا كتبا تصدر فى شتى المواضيع وراينا كتابا تونسيين يتعرضون في تاليفهم التى اصبحت تنشر بتونس للبعض من أمهات مشاكل المجتمع التونسي في صورة روايات قصصية او دراسات او غيرها .

وقد اهدانا أخيرا الاستاذ البشير الزريبى نسخة من كتابه " التربية التونسية في الامثال العامية " فانكببنا على مطالعته بشوق وعكفنا عليا ندرسة دراسة كانت ممتعة ومفيدة

فلقد تصدى الاستاذ الزريبي فى كتابه الى دراسة اهم جوانب المجتمع التونسي وتحليل النفسية الاجتماعية التونسية مركزا دراسته حول موضوع التربية التونسية ومعتمدا فيها أصول علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعى - وقد كان المؤلف تعرض لأهم هذه الاصول فى فصل مهد به للكتاب - وقد اجاد الاستاذ الزريبي استعمال الامثال العامية التونسية واعتمدها بصورة طريفة من حيث انها الشواهد الناطقة المعبرة عن روح المجتمع وعن نزواته وميوله .

ووقد كان نصيب التربية والتثقيف كبيرا فى هذا الكتاب اذ ان المؤلف تعرض للتربية الاجتماعية بمعناها الواسع وبين دور المثل العامى فى ابراز درجة الثقافة ، والنضح الاجتماعى من جهة وفى العمل على نشر هذه الثقافة في المجتمع والعمل على تطويره من جهة أخرى

يقول المؤلف : " مما ليس فيه شك ان مواقف التوجيه التربوى بعائلاتنا تتاثر تاثرا بالغا بمثل هذه الحكم التقليدية المتوارثة جيلا عن جيل منذ اقدم العصور وابعدها ) ٠٠ ( وبداهى ان الطفل منذ فجر حياته تملى عليه المواقف أملاء ويعامل بمنطق يستمد قواعده من هذا الدستور التربوي المتمثل فيما نسمية بالحكمة الشعبية او التقليدية - وعلى الرغم من تفاوت اوساطنا العاقلة فى مدى تأثرها بهذا المنطق التقليدى المتوارث فأللاحظ الى جانب ذلك ان الخبرات الطفلية تبقى شديدة الايحاء على الافراد مهما كانت مقدراتهم الذهنية التى سيكتسبونها وسيحصلون عليها فى مدارج التعليم والحياة . . . ونحن ندرك مدى صحة هذا القول اذا ما حالت بخواطرنا بعض الامثال التى يسوقها المؤلف من نحو : " غش الباى رده فى الرعية " او " اللى يعمل يلقي " أو اضرب ورد للتركينة " أو بعض الاقوال الشعبية التى هى بين المثل ومقطوعة الشعر الملحون مثل قول القائل

" لا يعجبك نوار دفلة فى الواد عامل ظائل

ولا يعجبك زين طفلة حتى تشوف الفعائل

ثم درس الزميل تصوير المثل العامى التونسى للتربية بمعناها الاصطلاحى ) أى فن تثقيف النشء وتأديبه ( وكيف كان السلف يتصورون الطريقة المثلى فى هذه التربية تصورا يكون فى بعض الاحيان مضحكا مثل ماجاء فى المثل القائل متحدثا عن التلميذ : " اضربو على ساقيه تطلع الفهامة لراسو وكان من الطبيعى ان يقارن المؤلف بين حالة المجتمع في العهد القديم وحالته الحاضرة وان يبين التحول الجذرى الذى دخل على اوضاعه في هذه الفترة الحاسمة من أطوار انتقاله ونهضته . فوضع كثيرا من الامثال العامية المصورة لعقليه العصر القديم فى ميزان النقد لمعرفة نصيب التطور فيها من نصيب الجمود .

وفى الجمل فقد جاء الكتاب طريفا قيما ينبئ عن مجهود محمود حالفه التوفيق فى الغالب اذ لا يؤخذ على الكتاب سوى بعض مآخذ شكلية لاتمس بقيمته

ونحن نشكر للاستاذ الزريبى هذا المجهود واثقين من انه خطوة أولى ناجحة ستعقبها خطوات

اشترك في نشرتنا البريدية