كان تعليم العربية عندنا - ولا يزال - مفتقرا الى أدوات تدريس كالكتب التى تصحب التلاميذ والطلبة طوال دراستهم ، وتسهل على أستاذ اللغة مهمته . ولئن سدت منشورات الديوان التربوى بعض الفراغ فى النحو والصرف والبلاغة ، فان تعليم العروض يفتقر الى كتيب مختصر مبسط ، مولف على منهج عصرى وحسب طريقة بيدوجية صالحة ، ليكون عونا للاستاذ وللتلميذ استيعاب هذه المادة الهامة .
وقد انبرى السيد نور الدين صمود فألف كتابا غزير المادة جامعا بين مبادئ الشعر التقليدى ونظريات الشعر الحديث أو الحر ، ومعرجا على المحاولات التاريخية التى عملت ، منذ امرىء القيس فى مسمطه ، الى ابن سهل فى موشحاته وابن قزمان فى ازجاله ، على التخلص من قيود العمود الشعرى وحتى من قواعد اللغة الفصيحة . وللمؤلف حسب ما يظهر من كتابه ، باع فى الشعر ، فهو لا يتردد فى الحكم على المحاولات العصرية أو لها ، وهو الى الشعر المعاصر أميل ، وخصوصا الى ذلك النظم الذى تشدو به قينات العصر الحديث على أمواج الاثير . ولعل فى اختياره لهذه الابيات " الغنائية " المعاصرة كشواهد على ما يقول ويستنبط ، دافعا لشبابنا على تذوق الشعر وممارسته .
أول ما يلفت الانتباه فى هذا الكتاب ، جملة من الاخطاء " البيداغوجية " التى تخل بمبدأ التوضيح والتدقيق - من ذلك ، خلو الابيات الواردة فى التمارين والنماذج من الشكل ، وحتى الاوزان تخلو غالبا من الحركات الصوتية فيصعب على الدارس معرفة المقاطع - أى الحركات والسكنات كما يقول المؤلف التى يبنى عليها استنتاجه . فاذا كتب " متفاعل " مثلا ، مهملة لا مشكوولة ، فكيف نقرؤها - متفاعل ، بتسكين الثوانى ، أى ، " مفعولن ؟ أم " متفاعل " مثل " متقاعس " ، أم متفاعل بسكون السادس ، أى " فعلاتن " ؟ ( انظر ص
16 من الكتاب ) . ومن ذلك أيضا ، أن يطالب القارىء - ص 17 - بتقطيع أبيات من خمسة أبحر لم يسبق ذكرها ولا تحليلها ولا حتى رسمها . ثم ينتبه الى سهوه ، فيضيف - ٠٠٠ استعن " بجدول البحور الآتى ذكره لمعرفتها ، ولكن ذكره يأتي بعد أربع صفحات ، مع أن المؤلف قرر فى مقدمته أنه " لا يمكن أن نفهم اللاحق الا بفهم السابق وحفظه " . وكذلك الشأن فى مصطلحات عروضية - عروض - ضرب - حشو - فقد ذكرت وبنيت عليها استنتاجات قبل أن يعرف بها ويحددها ( الاستنتاجات ص 16 ، والتعريف ص 21 ) .
ومن السهو أيضا ، أن يهمل المؤلف أسماء الشعراء ، والمصادر التى انتقى منها شواهده - الا فى القليل النادر - فمن الغريب حقا أن يقف كتابه بثلاث بمشرة قصيدة من الشعر الحر دون أن يذكر لها قائلا ، ويرسم لها مرجعا ( ص 198 الى 212 ) . ومن السهو ، عدوله عن باب أقحمه فى الدروس بعنوان "أسئلة" بين الدرس السادس والدرس الرابع والعشرين ، دون أن يكون هناك مرجح لاثباته أو لحذفه .
ولئن أعحبتنا طريقة التمرين التطبيقى اثر كل درس ، فقد ظهر لنا أن كثيرا منها فى غير متناول التلميذ الريض ولا حتى الاستاذ المتوسط الدراية بعلم العروض . ونسوق مثلا التمرين " ج " من ص 57 - فقد عرض المؤلف أربعة أبيات للتقطيع وأشعر القارىء بأن فيها أخطاء عروضيه . وبعد البحث يتسن أن الست الاول اعتراه جواز معروف مباح ، وهو انتقال همز القطع الى همزة وصل ، وان الثاني - ان لم يصبه التحريف ، وأين التحقيق قائله منهم ومرجعه مسكوت عنه ؟ فهو باق على وزن الكامل المجزوء باعتبار ضمن المتكلم " أنا " ، لا مقطعين طويلا فقيرا - آن - أو قصيرا فطويلا - أنا مثل لها - وكلاهما جائز ، بل مقطعين قصيرين ، بدليل بيت ابن زمرك الذى اشتشهد به المرحوم الشيخ ابن أبى الشنب فى ص 50 من ميزان الذهب -
أنا منشد ، ما فى وقو فك ساعة من باس
أما الثالث والرابع ، فقد بدئا بجزء " مفتعلن " عوض " متفاعلن " وهذا زحاف مستقبح ، ولكنه غير محظور ، ويسمى خزلا . وعليه ، فليس فى الابيات الاربعة من خطا سوى خطا التقدير من المؤلف الذي افترض للقارئ معرفة مدققة بهذه الزحافات الركيكة ، وقد قرر من البداية اهمالها .
وهناك أحكام نظرية أقل ما يقال فيها فيها انها قابلة للنقاش مثل الاحكام التقسيمية الصادرة عن رأى خاص من المؤلف دون استدلال ولا تحليل للنظرية -
مثلا قوله ( ص 79 ) " والبيت الذى يقع فيه زحاف " مستفعلن متفعلن مفاعلن " أخف من الذى لا يقع فيه " . وكذلك ( ص 96 ) - وبينها " أى بن الرمل والمديد والخفيف - فرق بسيط فى الحركات والسكنات ، ولكن هناك بون شاسع بينها من حيث النغم الشعرى " . وربما تناقض المؤلف في استنتاجاته ، بحكم عزمه على التشذيب والتقويم " والتفسير الذى اعتزمه فى المقدمة ، شانه فى ص 15 الجواب الرابع ، حين يقول - " ولا يكون الزحاف في " الاوتاد " ، بعدما أثبت جوازه فى السطر الرابع من الجدول الذي رسمه فى اعلى الصفحه نفسها ، قال - " فاعلن فعلن ، بحذف الثاني الساكن ، ويحوز تسكين ما يليه " . أما رأى أن الذى يليه هو الوتد ؟ ويحدد الضرب والعروض ( تنبيه 21 ) فيقول ما معناه - لا يكون الجزء ضربا ولا عروضا الا اذا بدئ بوتد ، فاذا صدر بسبب ، خفيف أو ثقيل ، خرج عن أن يكون ضربا أو عروضا . ولو صح هذا الحكم ، لامتنعت الاجزاء التالية - فاعلن - مستفعلن - فاعلاتن - متفاعلن ، من أن تكون عروضا او ضربا ، وامتنع بالتالي أن يكون بلبسيط ، والمديد والمتدارك والرمل والكامل والرجز ، أعاريض وأضرب فلا غرابة ، بعد هذا ، أن يتهم عبيد بن الابرص بالاختلال فى أوزان معلقته ( وهى من مخلع البسيط ، فلها أن تتأرجح فى ضربها وعروضها بين مفعولن فعولن ، رغم ما ادعاه العروضيون من أن العلة فى الضرب والعروض واجبة التكرر ) .
وبعد ، فهذا الغموض والابهام ، بله الغلط ، لا يسهل مهمة الاستاذ في فصله ، فضلا عن تلميذ السنة الرابعة . وان يعمد السد نور الدين صمود الى مراجعة كتابه ، فيعيد تبويبه من الدرس الرابع ، ويترك الحديث عن البحور النادرة " التجريبية " مكتفيا بدرس الموشحات والشعر الحر - وقد وافقت هواه - ، يوحد طريقة العرض ، ويشكل الشواهد والاوزان ، ويذكر الشعراء والمصادر التى استقى منها شواهده ويطهر كلامه من الاخطاء العارضة الخلط بين الظاء والضاد ، ويزيد تثبتا فى الاحكام والاستنتاجات بالرجوع الى ما كتبه القدماء والمحدثون . وكذلك ، ان يترك السؤال الساذج ، ويعلق على النصوص التى اختارها من كتاب الفصول والغايات للمعرى ، ويتجاسر على استخراج قواعد مبسطة ، ان يقدم على هذا يصر كتابه صالحا للقراء والدارسين والله لا يضيع أجر المحسنين .
