... ان عصرنا اليوم هو عصر تكنولوجيا التعليم فاللغة على الرغم من انها موروثة عن الآباء والاجداد أصبح تعليمها يفتقر الى تجريبية من حيث " النبر " و " الفونيم " و موسيقى الاصوات " والمخارج " هذا الى جانب ما استجد من علوم جديدة فى " علوم اللغة " كالهيكلية " والآداب المقارنة " والدراسات الجمالية " و النفسية " و " الاجتماعية " أو " الدراسات الفقهية للغات القديمة والحديثة ، او علوم بيبلوغرافية المصطلحات اللغوية التى تستخدم فيها العقول الالكترونية . كل هذه الفنون لا تتم الا باستعمال الوسائل السمعية البصرية فى مراحل التعليم الثلاث المختلفة وقد تحدث فى هذا المضمار حول تعصير اللغة لدى المربين الاستاذ محمد بن اسماعيل وهو استاذ مبرز وخبير اليونسكو وعضو المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم " الالكسو " فى كتاب متوسط الحجم يقع فى خمس وثلاثين ومائة صفحة . وهذا الكتاب من منشورات المعهد القومى لعلوم التربية وهو ما فى ذلك شك يعد لبنة جديدة تضاف
الى المكتبة " التربوية البيداغوجية " وهو نتيجة تجربة الباحث في التعليم " الثانوى " و " العالى " استخلصها من " الجمهورية التونسية " و " فرنسا و " دولة قطر " . والى جانب ذلك للكاتب تجربة رائدة فى تعليم العربية لغير الناطقين بها ...
واول شئ يجلب الانتباه ان حظ التعليم الثانوى كبير فى استخدام الوسائل التكنلوجية للتدريس حيث قدم لنا كثيرا من النصوص التونسية والقطرية ولاحظ فى جميع مراحل العملية البيداغوجية الوسائل السليمة وغير السليمة فى عملية بالوسائل الحديثة ، كما ركز تجاربه على صنف " المعلمين " و " الاساتذة " الا ان حظ مرحلة التعليم العالى فى طرق تدريس العربية بسائر فنونها لم يتعمق الكاتب فيها كثيرا ولعل هذا راجع لقلة المصادر فى هذا الموضوع ولان البحث فيها ذو شجون ...
والكتاب يبتدئ بمقدمة كتبها الاستاذ " المنجى الشملى " بعد ان تصفح المخطوط وراجعه مراجعة جادة يقول الاستاذ الشملى . " انه بحث شائق يشدك اليه شدا ، تقرؤه فى اناة مسرعا ، وتقرؤه فى عجلة متأنيا ، متأملا فيه متمليا به فى آن ، لو قلت : انه بحث لغوى لاصبت ، ولو قلت : انه بحث نربوى لاصبت ، هو هذا وذاك جميعا " .
... ولو تدرجنا فى المقدمة التى هى مرآة ناصعة لجميع خطوطها ومحتواها لرأينا الكتاب يساعد الباحثين من متفقدى اللغة العربية وآدابها فهو كوثيقة تربوية صالحة لمرحلة التعليم الثانوى ويمكن ايضا ان نعده تجربة ببداغوجية لتدريس العربية فى التعليم العالى . لان النصوص المطروقة فى الثانوى هى امتداد لما يستخدم من وسائل " تكنيكية " فى مرحلة التعليم العالى : ويمكن لكل هؤلاء الباحثين من متفقدين ودارسين يمكنهم الاستفادة من مواضيع الكتاب . يقول الاستاذ " الشملى " فى خاتمة المقدمة ، " كتاب خطير ، هو درس لواقع التعليم العربي وتحليل له ، وهو كذلك ونقد ، ونقد واصلاح " وبه شارك صديقى الاستاذ محمد بن اسماعيل فى تشخيص احدى قضايانا الحضارية الحديثة تشجيعا متفائلا ".
... ولو امعنا النظر فى مقدمة المؤلف لرأيناها تتركز حول التقدم الصناعى الاوربى فى مختلف العلوم الذى نتج عنه تطور فى اللغة ذاتها وبرامح طرق تدريسها . فبعد ان كان القلم والقرطاس الوسيلة الوحيدة للتدوين والتسجيل أصبحت اليوم المطابع الحديثة السريعة والآلات الكاتبة والوسائل الاعلامية والثقافية " كالراديو " و التليفزيون " و الاسطوانات "
و " الاشرطة المغنطيسية " و " الفيديو " و ( Vido ) من أهم مظاهر النهضة الحديثة التى أصبحت في العالم تتسابق في استخدام المعلومات بسرعة فائقة وبوسائل سمعية بصرية تشد الانتباه والتفكير وذلك باستخدام الآلات الحديثة من افلام ومسجلات واشرطة و " صور شفافة " ( Diapositive ) و " فيديو "
وجديرة بالحفاظ على صرح لغتنا وتراثنا المجيد ليلبس ثوب التكنولوجيا الحديثة لان اللغات اليوم فى العالم اصبحت " مصنعية " تعتمد على " النبر " و " الموسيقى الصوتية وغيرها من فنون جديدة تسهل لنا العملية البيداغوجية "
ثم انتقل الكاتب الى الباب الاول فتعرض فيه للخطوط العريضة التى يريد العمل فيها مركزا نشاطه على المشاهدات من خلال امثلة مستمدة من الواقع وذكر ان طرق تدريس العربية هو قديم منذ ان كانت المساجلات الشعرية واللغوية فى " عكاظ " والمريد " ومجالس الدرس فى المساجد الاسلامية الكبرى وذكر انه سيركز تجاربه على أساسين :
الاساس الاول : المحاضرات النظرية فى طرق التدريس . الاساس الثاني : التربية العملية .
ومسرح هذه التجارب خلاصة ما استقاه من تجارب أثناء تدريسه بالبلاد العربية وبالخصوص " الجمهورية التونسية ودولة " قطر " و " البلاد الفرنسية " مركزا اهتمامه على الجانب النظرى والتطبيقي ... وتطرق في هذا الباب الى التدريس الجامعى والتدريس بالمدارس فذكر انه مع طلبة الكلية يجب المزج بين الجد والهزل للترغيب فى العمل كما كان ، يسلك الجاحظ فى مهنته وبحوثه .
وركز الكاتب على احترام أفكار الطلبة ومعاملتهم بالحسنى فى حدود الاخلاق العلمية وذلك حتى يصبح تدريس العربية عن طواعية يبتعد فيه الاستاذ عن الاستعلاء الذى يحدث فى بعض الاحيان الحساسيات والعقد ويحدث أيضا بعض الامراض النفسية كالاحباط مثلا ...
ثم تطرق المؤلف في هذا الباب الى المعلمين القدامى وتعرض لمواطن الضعف عندهم خاصة فى عدم استخدام الوسائل السمعية البصرية
والوسائل التكنلوجية الحديثة على الرغم من حذقهم لقواعد اللغة واساليب استعمالها القديمة فهذا الصنف فى نظره ينقصه " الرسكلة " والتربص وزيادة فى الخبرة . حتى يصلوا الى جادة الصواب بالدأب والعمل ...
اما الباب الثانى فقد جمع مادته من تجاربه الخاصة أثناء الزيارات التفقدية للمبتدئين فى التعليم ، ووضع نظاما لهذه المواد كالآتى :
أ - النصوص . ب - القواعد النحوية والصرفية والبلاغة . ج - القراءة والمطالعة والتعبير او الانشاء ، ه - الاملاء . و - الادب ، ثم تطرق الى بعض الاخطاء التى يقع فيها المدرسون والمبتدئون منها تصميم الدرس او " خطته " ووضع للمعلم ثلاث أسئلة يجب ان يلقيها على نفسه قبل كل حصة وهى كالآتي :
1 - الى أين الاتجاه ؟ 2 - كيف الوصول الى ذلك ؟ 3 - كيف يدرك ان الوصول قد تحقق ؟
ثم تطرق الى بعض الاخطاء العامة التى يقع فيها المدرسون منها :
استعمال السبورة : يذكر انها من الوسائل التعليمية يجب ان لا تملأ بالكتابة الا عناصر الدرس الهامة ويجب مراعاة ما يرسم عليها من المعلومات حتى لا تخلط الشروح اللغوية بالشروح المعنوية
ثم تعرض الى الاجوبة الجماعية وبعدها انتقل الى موضوع الصمت الذى يخيم على القسم من طرف المعلم الذي لا يشرك تلاميذه او يمنعهم من التفكير . ثم ينتقل المؤلف الى مجموعة من الملاحظات فى فروع المواد التى اشرت اليها فى تركيز الشروح عليها فى تدريس اللغة العربية اثناء التربية العملية وذلك فى مختلف المواد مستشهدا ببعض النصوص المستمدة من البرامج التونسية ومن البرامج القطرية . ثم حصر بعض الاهتمامات فى ستة محاور رئيسية :
1 - العزوف عن التعليم مطلقا وتعلم العربية على الخصوص وذلك لارتباط " العربية " بتعليم الكتاتيب اذ كان التلميذ فى القديم يتعاطى بعض الآيات
القرآنية او بعض القواعد الدينية وذكر المؤلف ان ابناء الخليج يفضلون العمل بالمؤسسات السخية لتدر الربح عليهم كالمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والبعثات الى الخارج والتجارة وغيرها - هذا وتستعين دول الخليج بالاساتذة الدوليين والاساتذة المعارين من الدول العربية .
2 - ضعف مستوى التعليم فى البلاد العربية واستدل على ذلك بتقرير ندوة خبراء اعداد المعلمين العربية فى الوطن العربى الذى أقيم بالرياض فى شهر مارس 1977 .
3 - الثقافة العامة : يجب اعداد المعلم اعدادا علميا لا اعدادا تخصصيا مع الاستعانة بالنظام التكاملى التتابعى مع التكوين المهنى النظرى التطبيقى .
4 - يجب التنسيق بين النظرى والمهنى
٥ - استعمال الوسائل الحديثة والتدريب على ذلك فى نطاق واسع ، كان فى القديم اللوحة والسبورة والصور هي الوسائل البيداغوجية الوحيدة اما اليوم فقد استحدثت وسائل اخرى كالصور الشفافة والقلم والاشرطة المغناطيسية والتلفزة المدرسية بنوعيها .. وآلة " الفيديو "
وكل هذه الوسائل رهن الامكانيات مع العقليات الجديدة المتفتحة لما يحدث فى المخابر الصناعية لوسائل التدريس وطرقه الجديدة .
6 - المشكل الاخير الذى تعانى منه " هو المزج بين اللهجة العامية والفصحى وهذا الموضوع تحدثت فيه مليا مجامع اللغة العربية كثيرا والمجلات العلمية ...
وبعد عرض سريع لما جاء فى الباب الثانى انتقل الكاتب الى الخاتمة التى ذكر فيها الوسائل العلاجية لتحسين طرق تدريس هذه المادة بالوسائل التكتيكية " العصرية وهى وسائل مستعملة فى الدول المتقدمة ولسنا فى معزل عن هذه الدول التى سبقتنا فى استخدام تكنولوجيا التعليم وتحسين مناهجه ووسائله التعليمية .
ان الشخصية " المغربية وشخصية " دول الخليج " جديرة بالسير فى نهج التفتح على تكنلوجيات العلوم التى سبقنا فيها الغرب باشواط وان العقلية " المغربية " . و " الخليجية " ليست بمعزل عن هذه التجارب الحديثة
التى اتخذت من استعمال الخبرة اليدوية والفلسفية الفكرية نهجا فى رفع مستوى التعليم من حيث طرقه وبرامجه ووسائله .
... ان الدأب والعمل من اجل رفع المستوى المهنى فى التدريس لا يقتصر على العقلية العربية فهى عقلية فى المستوى الفكرى ولا ينقصها شىء عن العقلية الاوربية الا الزمن الذى سبقونا فيه وكونوا فيه انفسهم معتمدين فى ذلك على التجربة والاستنتاج والتوق الى كل المخترعات ووراء كل ما هو جديد ومستحدث ..
وبعد هذا كله : فالاضواء التى القيتها على هذا الكتاب والتعريف بصاحبه تعد بحق مساهمة متواضعة لاثراء المكتبة " التربوية البيداغوجية " . الجديرة بالاهتمام والدرس . ولا يسعني ايضا الا ان انوه بجهود الاستاذ العلامة السيد " المنجى الشملى " الذى قدم للكتاب بايجاز وتبصر وموضوعية كما انوه بمجهود الاستاذ " على الشباح الذي أشرف على تنسيقه فلهؤلاء جميعا من قريب وبعيد اسمى عبارات التقدير . والله الموفق .
