قدم الاستاذ عبد المجيد الشرفى هذا البحث الى جامعة السربون سنة 1967 لنيل شهادة الدراسات العليا باشراف الاستاذ شارك بلا ، ويهدف هذا التحقيق الى الاسهام فى التعريف بالمؤلف وفى دراسة موضوع كتابه أى اعجاز القرآن وصلته بالعلوم البلاغية والنقد الادبى ، وقد احتوى الكتاب على تصدير مقدمة متبوعة ببعض الصفحات المصورة عن النسخة المعتمدة ، ويحتل نص الرسالة 170 ص تليه فهارس تحليلية ( ستة ) ومراجع التحقيق ( 95 مرجعا عربيا و 9 مراجع أعجمية ) مذيلة بتلخيص للمقدمة باللغة الفرنسية .
اعتمد المحقق على نسخة موجودة فى مجموع يحمل رقم 4372 قسم أدب من فهارس مخطوطات الجامعة التونسية الملحقة بالمكتبة الوطنية ، تبين بعد البحث أنها نسخة فريدة فى العالم ، وبعد وصفها حلل المحقق الرسالة مشيرا الى غموض أجزاء العنوان رغم بيان المؤلف انه تعمد تسميتها كذلك " الحاقا لها بالنسبة الى صاحب نكتها وأبى عذرتها " ولعله السلطان على بن حاتم اليامى ( خلف أباه على صنعاء من سنة 556 ه الى 569 ه ) الذى أهداه هذه الرسالة ومدحه شعرا ونثرا ، أما غرضه منها فيتمثل فى " ايراد لمع مما ذكره أهل العلم والادب من الفرق بين السرقات والمعارضات والتبديلات والاحتذاءات والاستشهاد على ذلك بملح من أشعار القدماء والمحدثين مع ايراد
ما يوهم انه معارضة العلماء واتباع ذلك بإيراد فصوص من أمثلة أنواع البديع من القرآن الكريم والشعر الفصيح ليكون ذلك قدوة للمستقرىء واماما للقارئ " ( ص 24 ) .
أما منهج المؤلف فى التأليف فقد شرحه بقوله : " وسأورد لمعا يسيرة من أمثلة هذه القسمة قد ذكرها المتقدمون من أهل العلم والادب فى كتبهم مبثوثة متباعدة الاطراف منتشرة الاعطاف ، وانما اجمع مبثوثها وألائم بين أطرافها واضم حواشيها الى أعطافها ليسهل على الناظر والطالب معرفتها والاقتداء بها فيما سواها واذكر شيئا من أمثلة السرقات والمعارضات ليقع الفرق من ذلك " ( ص 34 ) ، فمنهجه اذن يعتمد اساسا الجمع على انه لا يلتزم بهذا المنهج الا فى القسم الاول فحسب .
وتتلخص آراؤه فى أن المعارض لكلام غيره لا فضل له مهما كانت درجة الاحتذاء ومهما كان نوع الاخذ الذى ينطبق عليه اذ " يحتاج الانسان فى قول الشعر الى الطبع وهو ضرورى ، ولكل فن طبع مختص به " ( ص 50 ) .
أما القسم الثانى فأطول من الاول بكثير اذ يحتوى على 18 فصلا تتعلق بأوجه البلاغة دون تمييز بين أقسامها بل يسمى البلاغة أحيانا فصاحة وبديعا ثم يبرز وجودها فى القرآن مما يجعله معجزا .
وطريقته فى التأليف جلية اذ يبدأ كل فصل بتعريف لغوى تليه أمثلة من شعر القدماء غالبا ومن شعر المحدثين أحيانا او من الحديث والنثر ثم يورد شواهد قرآنية ليثبت أنها الافضل .
فالرسالة العسجدية اذن دراسة كلاسكية تبحث فى اعجاز القرأن البلاغى والاسلوبى ، فهى لا تاتى بالجديد سواء فى المنهج أو فى المحتوى ، انما تعود طرافتها الى أن مؤلفها شيعى على أننا لا نجد أثرا لتلك الطرافة ما عدا تقديره لأيمة الشيعة خاصة على بن أبى طالب .
من المصادر التى اعتمدها المؤلف " يتيمة الدهر " للثعالبى " وشرح ديوان المتنبى " لابن جنى ، ومن المؤلفين الذين استفاد منهم وذكر أسماءهم : الوحيد ، الحسن بن أحمد ، الجاحظ ، الجرجانى وخاصة الرمانى .
ولم يكن المؤلف أمينا فى حق كتاب آخرين نقل عنهم أمثال ابن رشيق وابن عبد ربه وابن قتيبة .
عاش الصنعانى ( ق 6 ه ) فى اليمن فى فترة متقلبة اتسمت بانحلال الوحدة السياسية لبلاد اليمن وضعف التأثير الروحى للفاطميين .
وتبدو قيمة الرسالة من حيث اعتمادها على الجمع أكثر من الابتكار فى دلالتها ضمنيا على اعتراف المشارقة فى ذلك العهد بقيمة التآليف المغربية كـــ " العمدة " و " العقد الفريد " ، فهى دليل على التبادل الثقافى بين المشرق والمغرب الاسلاميين وخاصة بين البلدان التى خضعت لنفوذ الشيعة ، ومن حيث كونها تأليفا شيعيا فى اعجاز القرأن فهي أقدم ما وصلنا .
بيد أنه يجب علينا أن نثير المشاكل التى يطرحها تحقيق هذه الرسالة فنضع السؤال التالى : هل توفرت شروط التحقيق ؟ ، لقد اعتمد المحقق على نسخة تونسية اعتبرها فريدة فى العالم ، ومعلوم انها لست النسخة الاصلية التى أهداها المؤلف إلى السلطان اليمنى على بن حاتم اليامى اذ كتبت سنة 991 ه ولم يذكر ناسخها اسمه ، فهل يحتمل ان تكون النسخة الاصلية او نسخ أخرى من الرسالة موجودة باليمن فى احدى المكتبات العامة او الخاصة فتعتمد فى تحقيق مقارن دون الاقتصار على النسخ والفهرسة .
وهل أمكن التعريف بالمؤلف ؟ لقد علق المحقق هذا الامر على تقدم الدراسات اليمنية فى المستقبل وعلى اكتشاف الكتاب الثانى للصنعانى " سقط الجواهر وذخيرة الشاعر " ليزيل الغموض الذي يكتنف حياة المؤلف .
هكذا يتبين أن شروط التحقيق منقوصة ، ولو فرضنا انها توفرت ، فهل من فائدة فى نشر الرسالة بعد ان تبينت ضحالة قيمتها اذ يغلب عليها الجمع والتقليد ولا تأتى بجديد فى حين بقيت فيه مخطوطات أنفس وانفع تأكلها الارضة ، يجب اذن أن يقوم اختيار المخطوط على اعتبارات موضوعية .
وبقدر ما كانت قيمة الرسالة نسبية كان تحقيقها علميا دقيقا من حيث ضبط النص والتعريف به والفهرسة له خاصة الترجمة للاعلام مما يدل على عناية فائقة وطموح كبير .
أخيرا ، قد تمثل " الرسالة العسجدية " مجالا بكرا لدراسة البلاغة العربية القديمة ومحاولة تجديدها فى ضوء نظريات الاسلوبية المعاصرة .
