لاننا مطرودون من الوطن ، ومطاردون به . . ولان بعض الوطن يشتاق الى بعضه الآخر . . (( سوف أصيح أحبك . . ما أقربنا . . ما أبعدنا )) بين البحر وبين عيونى . . نهر دماء )) ( 1 )
تكمن معرفة الشعر الفلسطينى المعاصر فى اكتشاف تلك العلاقة الخاصة والدموية بين الشاعر والارض . . وهذه العلاقة ، تكاد تكون الجسر الوحيد الذى تعبر عليه حركة الشعر الفلسطينى . مما يصبغ هذا الشعر بنوع متميز من الحنين القاسى . . وبالحاح الاستشهاد للوصول والتلاقى . غير أن تجربة الدم اليومية تعلم ايضا ان عشق الشهيد وحده لا يحقق وصلا . . فالدرب ملئ بالالغام ووضوح الرؤيا شرط لسلامة العبور . . ومن هنا يكتسب الشعر الفلسطينى بعدا جديدا يتجاوز حالات الوجد والتحريض باتجاه آفاق الكشف والبشارة .
ديوان (( مى صايغ )) الثالث (( عن الدموع والفرح الآتى )) يمثل نموذجا متقدما للشعر الفلسطينى المقاتل فى مضامينه وفى اشكاله الفنية . . وفى التعبير عن خصوصية الشعر الفلسطينى وعلاقته الصوفية الواعية بالوطن .
رحلة (( مى صايغ )) الشعرية بين (( اكليل الشوك )) ( 2 ) و (( الفرح الآتى )) حققت صعودا فعليا فى مراتب الوجد الصوفى للالتقاء بوجه الوطن . . ولان الوطن بخيل فهو لا يمنح رؤياه الا لمن امتلأت قلوبهم بوعى الايمان الحق بالوصول . . أولئك هم المنحازون اليه حتى النهاية ولهذا تهتف (( مى صايغ )) :
(( يقتلنى جرحى حين يصير حنين الارض حيادا ))
ولان الجرح لا يملك الا ان ينتهى . . ولان الجرح هو جرح الفقراء المنحازين تقول :
(( ومنذ انتمى الجرح منا لارض القتال سنوقف طبخ الحصى فهذا زمان التفاصيل والفرز هذا زمان الجياع ))
تعرف (( مى )) انه (( أهون أن يدخل جمل فى ثقب الابرة من أن يدخل غنى أبواب الجنة )) ولهذا نراها توجه نداءها الى الابناء الحقيقيين للارض المفقودة . . للوطن الجنة :
(( تعالوا . . وضموا بنادقكم أيها التائهون تعالوا ألا أيها الجائعون تعالوا ألا أيها الساخطون )) وفى (( زمان الفرز )) فلتتسع (( الهوة الفاصلة )) بين الفقراء والاغنياء . . فلكل سلاحه وطريقه : (( فانا نغادركم نحو باب الخليل . . ونحو الجليل
وانا نغادركم الى جبهة الشعب ))
(( مى صابغ )) فى ديوانها الجديد تحقق انتقالا نوعيا ، تغادر فيه على صعيد المضمون تهاويم الفكر القومى الذى ترك بصماته على ديوانها الاول (( اكليل الشوك )) كما تغادر فيه على صعيد الشكل ذلك الاستغراق ( الادونيسى ) فى لعبة الرموز الدينية واقتحاماتها المتعسفة لبناء القصيدة .
وعلى صعيد الشكل ايضا حققت (( مى صايغ )) فى (( عن الدموع والفرح الآتى )) انسجاما متقدما بين الشكل والمضمون هذا الانسجام الذى ظهر ممثلا فى ديوانها الثانى (( قصائد حب لأسم مطارد )) ( 3 ) حيث المضمون الثورى لقصائد الديوان يتقدم بخطوات واضحة عن الشكل الفنى .
لا تكتفى (( مى صايغ )) وهى تحقق تجاوزها الفكرى والاجتماعى باعلان انتمائها الى (( جبهة الشعب والجياع والسلاح )) وانما تدعو الى (( الفرز )) وتوسيع (( الهوة الفاصلة )) بين الجياع وبين المتخمين :
(( فهذا زمان التفاصيل والفرز هذا زمان الجياع تعالوا نضم البنادق انى أحلل دم الامير ))
وفى لحظة الكشف والاشراق حيث القلب ملئ بتجربة الدم وحين تمر الساعة احفر فوق عروقك ايها الوطن وجهى . . .
(( احفر ذكرى جوعى ، يأسى . . ذكرى الرعب ، احدد خطا بين الباعة والشهداء ))
وأعرف أن الخلاص يجئ حين (( أتشبث بالاقسام وبالبؤساء )) أن امتلاك الوعى الثورى الذى يسلخنا عن طبقة لا يؤدى فقط الى انتمائنا الى طبقة جديدة وانما يحقق وحدة انتمائنا النضالى للوطن وللامة وللعالم . . . وهذه المستويات الثلاثة تتجسد فى معظم قصائد الديوان تعبيرا عن وحدة فكرية متقدمة تضبط ايقاعات المضمون عبر رؤية سياسية ونضالية تحدد اتجاه مؤشر السهم دائما الى الامام .
اذ كانت احدى مهمات الشاعر الثورى أن يشحن وجدان شعبه بحتمية النصر فأن تناول هذه الحتمية على المستوى الفنى والشعري يأخذ طابعا مختلفا هو مزيج من التحريض و (( القدرية )) التى لا ترد . فالموت الفلسطينى من أجل الوطن موت مستحيل بل هو بعث متجدد للحياة . . . والنصر يقف فوق الشك والحوار .
(( الموت )) هو الخيار الوحيد امام الفلسطينى ، حتى يكاد يقول أنا أموت اذن أنا موجود . . .
(( ينساني العالم لا يذكرنى الا حين أموت وحين أريد الموت )) غير أن من أراد الموت من أجل الوطن لا يموت : (( يهدر دمى فى الساحات أنا المتجلى بعد الصلب )) والمصلوب يطلع ((من فجوات الموت . . أنا السكين الفصح . . )) (( وفى ايلول الاردن ورغم رائحة الدم الايلولية يطفو فى عين شهيد حلم واعد ))
وأيضا . .
(( وحين وسدوه والرمال تفتح الذراع وفى جبينه لم تغرب الشموس بأن فى عيونه اخضرار )) وفى كل عام وفى عيد الشهداء تتجدد الحياة : (( وكان المخيم يجمع زهرا وشعرا وتحتفل الامهات الحبالى بعيد الشهيد )) فيكون البعث والتجدد : (( ويصبح كل الرماد حريقا على جميرة اليوم )) (( وتمشى الشواهد فوق السلاسل
فوق الجراح وتزرع عمرا على كل دار ))
ولان الموت الفلسطينى جليل وعادى . . . وهو جليل لانه عادى . . . ولان الوطن الفلسطينى (( يرفع الموت شارة )) كما (( يرفع النصر شارة )) فليس غريبا ان تستقبل أم الشهيد ولدها بالزغاريد . . وليس غربيا أن يروى الصحاب (( نكات الشهيد )) .
(( فليس سوانا يروم الخطر ولا يضع الموت فى آخر السطر نقطة )) .
يكاد الملتقى لبعض مقاطع الديوان التى تتحدث عن الوجع الفلسطيني وعن البطولة الفلسطينية أن يخرج بانطباع عن استغراق فلسطينى مغلق لدى الشاعرة يصل إلى حدود التعصب الاقليمى , الا أن من امتلك رؤية الطريق الصحيح للوصول الى الوطن , بالانحياز الكلى للمنحازين الى الوطن حتى النهاية لا يمكن أن يضل عن رؤية الافق الفلسطينى المفتوح على الدنيا وعلى الثوار وعن رؤية العلاقة الجدلية بين النضال الفلسطينى والعربى والعالمى .
وفى قصيدها (( الاعدام )) تتحدث (( مى صايغ )) عن استشهاد المناضل (( عبد الخالق محجوب )) فى الخرطوم فيمتزج الجرح العربى بالجرح الفلسطينى فى (( دبين )) حيث واجهت قوات الثورة مجزرة الاحراش , كما يلتقى (( عبد الخالق )) بالمقاتل الشهيد (( عودة بدوية )) الذى واجه حكم الاعدام فى عمان وفى نفس الشهر الذى اعدم فيه محجوب :
(( صار للانسان زهو الابنوس )) (( والتقى اللونان فى جلدى . . .عذوية وعروية )) (( صارت المنجا الصنوبر )) (( عرق الثوار انصب على امواج الاردن ، النيل . . ( - ويح القاتل لم يشهد كيف انزرعت لحظة عمر فى اعماق الحزن ( العامل )
لم يشهد كيف ارتد عويل الارض وصار مشاتل - افرخ فى باحات منازل ستظل تقاتل تنصب للجلاد على اهداب الخرطوم مقاصل فتلوح خطتها ( دبين ) وتظل تقاتل ))
البعد العروبى فى قصيد (( الاعدام )) كما يلاحظ لا يمت بصلة لتهاويم الفكر القومى التجميعى ، فالعلاقة هنا بالغة الدلالة والوضوح حيث تنهض الصلة بشكل محدد بين نضال الطبقة العاملة السودانية ( الحزن العامل ) وبين الكفاح الوطنى المسلح الذى تخوضه الثروة الفلسطينية حيث يرمز لها بالحطة التى تلوح فى دبين الاحراش ، وفى قصيدتها (( الانتماء فى الزمن الفلسطينى الخشن )) تخطوه (( تخطوه (( مى صايغ ) خطوات الى الامام فى تبيان وحدة النضال العربى :
(( وتنشق فى لغة البحر يقظة وتمتد جسرا على ( نجمة الدم ) ( 4 ) بين المغازى ( 5 ) وعمان للنيل حتى الفرات لعينيك تنفجر الواحة الجامدة ويصبح كل الرماد حريقا على جمر اليوم عرسا على غصن جميزة والدة وتصبح كل الاماسى كما حضن أم تلملم عصفورة ريشها وتنقش اسماءهم فى جذوع الشجر ويقترب البحر يهمى رذاذ الضياء على الثورة الواحدة ))
ولان النضال الوطنى الفلسطينى لا ينفصل عن النضال الواحد على مستوى الوطن العربى فهو ايضا لا ينفصل عن النضال العالمى . فالعدو واحد
والنضال واحد :
(( فى أحذية العسكر سر لا يعرفه غير تراب شطوط البحر الابيض ولهاث الماء على دلتا الميكونج )) فأنا طفل النابالم يجرب فى البيت الابيض تقرير لجان الابحاث أتدحرج فوق حضارة واصير حدث العصر على الصفحات يعنينى تاريخ العالم أتشكل فى ظل رصاص العالم ويكون أن يأتى الخلاص : (( حين يطل العالم من ثقب التنشبين و من عينيك . . يدق الفجر على ابواب الافق يلون بالليمون ربيعك والحناء ))
هكذا يرتفع الصوت الفلسطينى بالدعوة للثورة العربية الواحدة وهو يحتل موقعة فى خندق قتال واحد على امتداد العالم . اضافة الى امتداد الرؤية الافقية على صعيد ( الجغرافيا ) فانشعر (( مى صايغ )) يتميز بالرؤية العمودية على صعيد ( التاريخ ) أيضا . . إن تزاوج الرؤية التاريخية بالرؤية النضالية لعالمنا المعاصر شرط أساسى لولادة الشعر العظيم .
الشكل الفنى والتوصيل :
اذا كان الشعر وسيلة لفهم الحياة وتغييرها كما يقول (( فيشر )) فى تعريفه للفن ، فان تحقيق ذلك شعرا يبدأ بشرطين :
الاول : جمالية الشعر الفنية . الثانى : وصول هذا الشعر الى اوسع قطاع من المتلقين .
لا نريد هنا ان نفصل بين مضمون الشعر وشكله الفنى ودرجة توصيله ، لكننا نود التوقف امام نقطتين بارزتين فى ديوان (( مى صايغ )) ترتبطان بالجانب الفنى وبأسلوب التوصيل :
النقطة الاولى : استخدام التراث . النقطة الثانية : الاهتمام بموسيقى الشعر وقوافيه .
التراث :
لا شك أن الوجدان الشعبى الفلسطيني والعربى ملئ بآلاف الحكايات والقصص الدينية والتاريخية ، ولا شك ايضا ان التعامل الشعرى مع هذا التراث بالتحديد وليس بالأساطير الغربية ( اليونانية والرومانية ) البعيدة عن وجدان الناس - يحقق درجة عالية من التأثير والوصول .
فى (( عن الدموع والفرح الآتى )) حققت (( مى صايغ )) درجة متقدمة فى استخدام هذا التراث والتعامل الشعرى معه بأسلوب يحقق اغراض الشعر الفلسطينى المقاتل فى الوصول والتأثير والتغيير . يتراوح قاموس (( مى )) التراث بين الحكاية الشعبية وقصصها واساطيرها وبين التراث الدينى المسيحى والاسلامى ، وبين التراث التاريخى بدلالاته المختلفة كذلك تعتمد (( مى صايغ )) على التضمينات الشعرية الكلاسيكية والشعبية لنفس الغرض . وفى رصدنا لهذه الاستشهادات نجد (( مى صايغ )) تستخدم :
السندباد . . مرجان . . المسيح . . سدوم . . بطرس . . بيلاطس البنطى . . يوحنا المعمدان . . ابريق الزيت . . الصليب . . نجمة المجوس . . عمر بن الخطاب . . مسيلمة الكذاب . . العنقاء . . التتار . . قارىء الرمل . . الروم . . الموالى . . قداس الاحد . . القربان . . الناصرى . . الحلول . . الاسماء الحسنى . . سالومى . . الحجاج . . أمية . . المزامير . . الصلب . . الفصح . .
هذه الرموز والدلالات التراثية حين توظفها (( مى صايغ )) شعريا لا تتعامل معها بحياد وانطلاقا من وضعها الساكن ، وانما هى تستغل وجودها ودلالاتها فى وجدان الناس وتعمل على تثبيت الجوانب الايجابية منها ، كما تعمد لاحداث تحويلات فى معانيها ودلالاتها بما يخدم مضمون القصيدة واتجاهها النفسى .
فعبد الخالق مجحوب ، يصبح بطلا شعبيا تحكيه الجدات كما تروى قصص (( السندباد )) وهو ايضا (( مرجان )) الذى يطفح (( بالطيب والوداد )) و (( مرجان الودود )) الطيب الصافى كعين النبع : (( صار اليوم مارد ))
تراثنا لم يسجل بطوله لاسود عدا عنترة . . والاسود دائما هو مرجان الطيب لكنه بعبد الخالف محجوب صار ماردا . .
وحين تتناول قصة عمر بن الخطاب مع المرأة العربية التى تطبخ الحصى لاولادها كى يناموا تعلن :
(( ومنذ انتمى الجرح منا لارض القتال سنوقف طبخ الحصى ))
لم تعد قصة طبخ الحصى هنا دلالة على الجوع وتفقد الخليفة أو الملك لشؤون الرعية كطريق للخلاص من الجوع . . القتال هو الخلاص فهذا (( زمان الجياع )) الذى يحلل فيه (( دم الامير )) كما تقول مى . .
فى قصيدة (( اصحاح الاحد الدامى )) التى تتحدث عن مجزرة عين الرمانة المشهورة فى بيروت تلجأ (( مى صايغ )) الى تضمينات دينية مسيحية متعددة لأنها تريد الوصول إلى قطاع طائفى عريق فى لبنان يخضع لتأثيرات طائفية حادة ومضللة ، فتسعى للدخول الى عالم هؤلاء باسلحتهم نفسها ولكن باستخدام مختلف :
(( ودمى يراق اليوم عنكم ودمى يراق اليوم عن أهل الخطايا فاشربوا يا أهل موأب الجديدة ينبت الشجر الشظايا ))
ثم تلجأ بعد ذلك الى عملية تصوير شعرى لقداس الاحد الذى صلى فيه (( الجميل )) فى عين الرمانة :
(( يبدأ القداس هذا كاسنا ليس نبيذا
يصير دما )) (( هللويا . . هللويا كان ربي يصنع اليوم الذبيحة لم أكن الا حلول الروح كانوا فى كنائسهم وفى طرقاتهم هدروا دمائى ))
مقابل هذا المشهد الدموى تنتقل الى مقارنة نقيضه لخطوات الفدائى داخل فلسطين . .
كنت اسرى فى شرايين العواصف كنت ادنى آخر الخطوات من درب المدينة كنت آتى ( سافوى ) الخيال الجامح المنسوج حتى الموج )) ولهذا يأتي المقاتل ليطرد الصيارفة والقتلة من الهيكل : (( كان جرح الناصرى ينز خلا كان جرح الناصر ينز خلا . . . . . . . . . . . . كان صوت الناصرى أجئ سيفا ))
اضافة إلى هذه الاستخدامات والتضمينات التراثية تلجأ (( مى صايغ )) للتعامل مع جانب آخر من التراث . وهو التراث الشعرى ، وفى هذا المجال يتم التعامل مع الاستشهادات الشعرية بتضمينها لجسم القصيدة تقولها مثلا :
(( طلت البارودة والسبع ما طل يا بوز البارودة من الندى مبتل )) الا انها بعد هذا التضمين تقول مباشرة : (( ويطل )) وتقولها أيضا : (( أمر وما ضيعتنى )) ثم تضيف :
(( وتقترب الارض من حدقات العيون ))
أو تلجأ الى استخدام النغم والاسلوب الشعب فى الاغانى المعروفة مستخدمة مطالع هذه الاغنيات ثم تضيف لها كلمات جديدة تقولها :
(( يا ظريف الطول يا طول النخل يا طايح عمان ببيوت الاهل والثورة فى الارض عم تشتعل فى عيون الشعب ينبت نصرنا ))
الموسيقى والقافية : لقد اعتادت الاذن الموسيقية العربية خلال اكثر من ألف عام على أوزان موسيقية معروفة فى القصيدة العربية ، وكذلك على قافية واحدة أو مشتركة تحدث لدى المتلقى انسجاما نغميا معينا . .
فى تقديرى أن الشاعر الملتزم والحريص على ايصال شعره الى اوسع القطاعات لا بد أن يراعى ضرورات التوفيق بين شروط الشعر الحديث من حيث موسيقاه الداخلية وعدم الاهتمام بالقوافى المشتركة فى قصيدته ، وبين اعتياد الاذن العربية على الموسيقى الخارجية والقوافى المشتركة فمثل هذا التوفيق يحافظ على درجة معقولة من فنية الشعر من جهة وعلى توصيله للآخرين من جهة أخرى ، فالى اى حد نجحت (( مى صايغ )) فى تحقيق ذلك ؟
الملاحظة الاولية على قصائد الديوان تشير الى ان هناك درجة واضحة من الحرص على اختيار الاوزان ذات الطبيعة الموسيقية الواضحة ، كما تشير بشكل اوضح الى درجة انتباه عالية فى بناء القصيدة باعتماد قوافى مشتركة لها مما يحقق عذوبة موسيقية متقدمة تساعد على الوصول الى آذان المتلقين ونفوسهم .
تتألف قصيدتها الاولى (( وعودة الطائر الجريح )) من ستة مقاطع شعرية تتوزعها القوافى على الترتيب التالى : المقطع الاول : الفجوة - الجرف - الحلوة - الصيف - غزة - الضيف . المقطع الثانى : الصيف - الاسمر - السكر - عليها - الاشياء - اليها - الخوف - الباب - النهر - غناها . المقطع الثالث : القرب - حرقة - المر - البحر - الزرقة - الطارق - الصيف .
المقطع الرابع : بسمة - الامس - الود - غناها - الود - للجارة - للحارة - الضيف .
المقطع الخامس : الراعف - السيف - الباسق - النكهة - العاشق اللوعة .
القطع السادس : وطنى - الاشياء - الزاحف - السجناء - سماء وطنى - القضبان - الانسان - العشرين - النازف .
يبدو واضحا هنا أن (( مى صايغ )) تتعمد القافية ، والتعمد هنا بالمعنى الايجابى لانه يستهدف كما قلنا التوصيل ونلاحظ ايضا عند استعراض قوافى القصيدة أن القوافى المشتركة لا تتكرر فى المقطع الواحد فقط ولكنها تمتد الى بقية المقاطع كما فى روى ، الجرف . . الضيف فى المقطع الاول حيث نجده يتكرر فى بداية ومنتصف المقطع الثانى ، وفى نهاية المقطعين الثالث والرابع . مما يعطى للقصيدة نسيجا نغميا موحدا وانسجاما موسيقيا متكاملا لدى المتلقى ، ويمكن ملاحظة ذلك ايضا على بقية قوافى المقاطع المختلفة ، كذلك على بقية قصائد الديوان بنسب مختلفة .
إن ديوان )) مى صايغ )) (( عن الدموع والفرح الآتى يدخل عالم الشعر الفلسطينى المقاتل من اوسع ابوابه كقيمة نضالية وفنية معا .
