الخراصون :
قال فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف فى كتابه صفوة البيان لمعانى القرآن : جمع خراص - بفتح الخاء وتشديد الراء - كذا يقال خرص يخرص خرصا أى كذب واختلق . . اصل الخرص الظن والتخمين ثم تجوز به - بضم التاء وتشديد الجيم مع كسر الواو - عن الكذب لانه ينشأ غالبا عن الظن . . أه .
عند البادية يقول الرجل لمن يريد شراء سلعة معروضة للبيع : أخرص قيمتها اى قدر قيمتها . . من باب الحدس . . وهى شائعة الاستعمال عند القبائل العربية فى نجد وبعض الاقاليم الشمالية . . وهى ليست ككلمة اخرص التى تستعمل للشتم والذم لان اصل الاخيرة أخرس من السكوت المطبق . . والدلالة على الكلمتين تعبير ملامح وجه القائل عند الكلام ومناسبة القول . .
وردت اصالة هذه الكلمة فى القرآن العظيم قال الله تعالى ذكره فى سورة الذاريات : قتل الخراصون
فض
بضم الفاء وسكون الضاد . . أى اهرب
وهو القيام والهروب بسرعة من حدوث أمر مفاجا واسترعى الانتباه . . وليست بمعنى الهروب بالتسلل والخلسة .
يصور هذه الكلمة أجمل تصوير ويبرز معناها الحقيقى قول رب العزة تعالى اسمه في سورة الجمعة وإذا راوا تجارة أو لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما . . الآية ويتلفظ بها من قبائل الجزيرة سكان هضبة نجد . . ولم اسمعها على لسان أحد غيرهم وتلفظ ب فض الكتاب افتح الكتاب .
هب لى :
اعطنى . . امنحنى . . عربية تتلفظ بها القبائل الغربية فى جنوب الحجاز ولم اسمع احدا من الشمال والشرق يستعملها . قال الله أصدق القائلين : " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب فى من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء وهى مشتقة من الهبة : العطاء الجميل الذي لا يتخلله منة - بكسر الميم وتشديد النون - ولا بخل . . واذا نطققت بلفظ هبة لكل سكان الجزيرة فهموا مدلولها ومقصودها لانها دارجة الاستعمال واللفظ لديهم ، فى الوقت الذى لا يستعمل مصدرها الفعلى سوى قبائل جنوب الحجاز من بلاد غامد وزهران وما جاورها .
القطين :
هم جماعة من البدو الرحل يجتمعون حول بئر من الماء في أحد فصول السنة . . ويسمونه - القيض - وهو الصيف حسب المتفق عليه فى فصول السنة عند الناس . والقبض مشتق من قائض . . يوم قائض شديد الحر . . وسبب اجتماعهم حول الماء دواعى الحاجة الملحة اليه في مثل تلك الايام ولتكون مواشهم قريبة منه ليردوا المناهل عن كثب وليجتمعوا في مجالسهم
تحيى فى الشباب الشهامة والشجاعة والرجولة وحب الجهاد للذوبان عن حمى الاسلام وتنبتهم نباتا حسنا . وما أحوجنا الى هذا الاجتماع هذه الايام عند البادية والحاضرة حتى نقضى على تسكع بعض الشباب وقتل الوقت فى المقاهى والحديث فيما لا فائدة فيه ولا جدوى من ورائه .
وقد يكون اجتماع في ايام شهر رمضان من كل عام بقرب الماء ولاداء الصلاة جماعة
ورد هذا الاسم الشائع منذ القدم : " القطين حتى عصرنا الحاضر في ابيات للشاعر ابى أحمد ابن جحش لما هاجر الى المدينة المنورة مع جماعته بنى غنم بن دودان . . وقد ورد هذا فى السيرة النبوية . قال :
لو حلفت بين الصفا أم أحمد
ومروتها بالله برت يمينها
لنحن الألى كنا بها ثم لم نزل
بمكة حتى عاد غثا سمينها
بها خيمت غنم بن دودان وابتنت
وما ان غدت غنم وخف قطينها
الى الله نغدو بين مثنى وواحد
ودين رسول الله بالحق دينها
يحمش :
عاصفة الغضب تحول الانسان من الطبعى الى اللاطبعى . . وتجده يزمجر على المستمع له ويحدثه بالفاظ نابية . . مما يضطر المستمع فى أن يقول له فى الحين لا تحمش على ، يا اخي . . أى لا تزدد انفعالا ، وثورة غضبك هذه خففها لتعود الى الحالة الطبعية ويسهل النقاش . كنت احسبها من اللهجات العامية التى حرفت - بضم الحاء - من لهجات دخيلة وامتزجت باللهجات الأخرى فى الجزيرة العربية ، وسارت مستعربة ومستعملة فى كل مجال
وحال . . حتى قرأت فى كتاب الاغاني لأبى الفرج الاصفهانى ، أن رجلا من بنى الحارث بن فهر قال لما مر على قبر ربيعة ابن مكدم وتذكر قصته مع بيشة بن حبيب فأخذ يرثيه ويعتذر أن لا يكون عقر ناقته على قبره وحض على قتلته قال :
نقرت قلوصى من حجارة حرة
بنيت على طلق اليدين وهوب
فر الفوارس عن ربيعة بعدها
نجاهم من غمة المكروب
يدعو عليا حين اسلم ظهره
فلقد دعوت هناك غير مجيب
لله در بني على انهم
لم يحمشوا غزوا كولغ الذيب
وقال الشارح : يحمش يحرض على القتال ويلهبه
ومن حيث الرواية فلقد ذكر صاحب الاغانى أنه اختلف فى رواية رواها ابو عبيدة بأن الذى قال هذا الشعر هو ضرار ابن الخطاب بن مرداس ، أحد بنى مجارب ابن فهر . . وقال آخر : حسان بن ثابت رضى الله عنه .
البو :
هو تمثال محشو بالحشائش النباتية على هيئة نوع من أنواع الماشية . . قد تدعو الحاجة الى تشبيهه بعجل أو حوار صغير " وصغير الابل يسمى حوارا " أو على هيئة بهم صغار الغنم ، تستعمله البادية عند موت أحد هذه البهم فتنصب هذا البو أمام أم الفقيد إذا أرادوا استدرار اللبن لانه ينغرز فى ثديها عندما لم تحس بأحد يرضعه ، وأكثر ما يستعملونه للأبل والبقر اذا اشتد بها الجنين الى حوارها أو عجلها المفقود . . وتحس الأم بقربه اليه بالهدوء
والأنس إذا رأت الشبه القائم بينه و بين من تحن لفقدانه . . ويشاهد منظرها وهى تتعطف عليه وتحن حنينا مبكيا ، ونرى الرجل يؤلفها عليه ويحاول جاهدا ان يمنعها من تمحيصه بمراوغتها حتى ينتهى من حلبها . . ثم هى تلهو وتنسى ذلك الفقيد . .
وقد تمثل شاعرنا العربي المعروف أوطاة ابن زفر - مر ذكره فى الحلقة الثالثة من اللهجات - بأبيات جعل نفسه مقام تلك الناقة التى فقدت وليدها وأخذ أهلها يؤلفونها على بو ، مصنوع فقال هذه الأبيات يرثى ابنه عمرا :
وكائن ترى من ذات وعوله
بكت شجوها بعد الحنين المرجع
فكانت كذا البدو لما تعطفت
على قطع من شلوه المتمزع
متى لا تجده تنصرف لطياتها
من الأرض او تعمد لألف فتربع
فى البيت الاخير وصف ما يصيب الابل من وله وحب لأولادها . . فهى عندما لا تجد فقيدها أو البو المشبه به تنصرف وتهيم على وجهها وتذهب الى المرتع القديم لها ، ولو كان بعيدا عن مراح أهلها ومراتعهم ، وتجد بالقرب من أترابها السلوى للفقيد . . أو انها تنسى ذلك الفقيد وتعمد للالف والهدوء فترتع مع ارابها فى مراتع أهلها لتألفها على ذلك البو . . ان فى البادية صورا حية للحنين والود والمحبة يضيق المجال عن سردها للقارئ . . حتى البهائم لها قصص وعجائب تضرب اروع الأمثلة فى الولاء والصدق لمن يعيش معها وعسى ان تحين مناسبة فأذكر ما تيسر منها وما هو مشهور مشهور
مكة المكرمة

