قتلى المشركين
وقد صرع المسلمون من المشركين أربعة وعشرين مقاتلا سرد اصحاب السير اسماءهم وانسابهم ومن اهمهم أبي بن خلف قتيل النبى صلى الله عليه وسلم وسباع بن عبد العزي وابو امية بن ابي حذيفة وعثمان بن طلحة وغيرهم .
جرحى المسلمين
واذا كان الشهداء قد بلغ عددهم سبعين يوم أحد فمما لامرية ان فيه عدد الجرحي يزيد عن هذا بكثير ، لأن القتال يومئذ انما دار بين الفريقين بالسلاح الأبيض ، وهذا السلاح الأبيض يقتضي التلاحم والأشتباك ، وهما يؤديان حتما الى كثرة الجرحى كما يؤديان الى كثرة الضحايا .
التمثيل بقتلى المسلمين
التمثيل بالقتيل عادة وحشية تدل على الغلظة وشدة الحقد واستحكام العداوة فالقاتل الذي يمثل بقتيله لا يكتفى بمجرد نزع روحه وفصل عنقه عن جسده ، بل ان غريزته الغير مصقولة ، وعواطفه المتقدة تدعو انه الي اعمال السلاح فى جثة هذا الشخص الذي اودى بحياته ، فيوسعها تمزيقا وتقطيعا ، مبالغة في النكاية ، وإخذا للثائر ولو دري أن هذا كله لا يؤثر في القتيل ولا ينكية ، ولا يزيد في الآمه شيئا ، ما أقدم اذن على ارتكاب هذه الجريمة الوحشية المنافية للخلق
الانساني المهذب . وغاية من يقدم على ارتكاب هذه الشنيعة انه يدلنا على مبلغ اكتمال الفظاظة فى قتبه . وعدم تقيده بالاخلاق الفاضله ويدلنا على عقليته الزائفه المنوثة . وهكذا كانت قريش يوم احد لم يروغلتها ، ولا شفى غيظها هذا العدد العديد المطروح فى سفح أحد وحنبات وادى قناة من قتلى المسلمين ، فر كنف الى جناية التمثيل فيهم ، تمثلها على أقصى شكل واقبح لون . وكانت فى طليعة الممثلين هند بنت عتبة ، مورية زاد هذه المعركة ومضرمة نارها ، فانها قادت زميلاتها القرشيات بعد انتهاء المعركة ، الى معركة اخري ، من التمثيل بجثث الصحابة المنتثرة فى الوادي وسفح أحد يومذاك . وانتهزن فرصة وجود المسلمين فى داخل جبل أحد ، فصرن يجد عن آذان الشهداء المجندلين فى سبيل مرضاة الله تعالى وهداية البشر وصرن يقطعن انوفهم ، واتخذن من تلك الآذان ومن هذه الانوف قلائد وخدما ( ١ ) وقرطة . ولما وقفت هند على حمزة بن عبد المطلب بسفح جبل الرماة ، طعينا مضرجا بدمائه مفارقا لهذه الحياة الدنيا استجابة لنداء مولاه جل وعلا ، هشت واستبشرت ، وانكبت عليه انكبابا فيه جماع القسوة ومنتهي الغيظ ، فبقرت بطنه . وأخرجت كبده ، فلاكتها ورامت ابتلاعها فما استطاعت ومن ثم لفظتها . وما كادت تدهى من هذه الفعلة الشنعاء حتى علت فى فرح آسر على صخرة مشرفة - ترى انها احدى صخرات جبل عينين قريبا من مصرع حمزة رضي الله عنه فصرخت بأعلى صوتها قائلة : -
نحن جزيناكم بيوم بدر
ما كان عن عتبة لى من صبر
شفيت نفسى وقضيت نذرى
فشكر وحشي على عمرى
والحرب بعد الحرب ذات سعر
ولا اخي وعمه وبكرى
شفيت وحشي غليل صدري
حتى ترم أعظمى فى قبرى
والذي يدعونا الى الاعتقاد بكون هذه الصخرة هي من صخرات جبل عينين امور هى .
١ - تضافر الروايات على ان المسلمين كانوا وقت حصول التمثيل بقتلاهم في الشعب من أحد
٢ - كون مصرع حمزة على حافة هذا الجبل الشرقية المطلة على وادي قناة
٣ - لأن موقع نساء قريش في ساقة جيشهم وخلف معسكرهم . وهم قد توغلوا ساعة التمثيل في الجبل فى لحوقهم بالمسلمين
مصرع حمزة رضى الله عنه وموضع قبور الشهداء
ينص المطرى فى تاريخه " التعريف بما انست الهجرة من معالم دار الهجرة " على ان المسجد المربع المكشوف الصغير القائم على سفح جبيل عبينين فى شرقيه هو الموضع الذي طعن فيه سيد الشهداء ؛ طعنه فيه وحشي بحربته بعد ان كمن له فى احدى صخور هذا الجبيل على ما رواه وحشي بنفسه لمن حدثهم عن كيفية قتله لحمزة رضي الله عنه ، ورى ابن شبة بسنده الى الاعرج ان حمزة لماقتل مكث فى موضعه تحت جبل الرماة ، وهو الجبل الصغير الذي ببطن الوادي الأحمر ، ثم أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحمل عن بطن الوادي الى هذه الربوة التى بها قبره اليوم وكفنه في بردة ، ودفنه مع مصعب بن عمير فى هذا الضريح الذي هما به الآن
والسمهودى يؤيد هذه الرواية القائلة بان مصرع حمزة كان بموضع المسجد المذكور آنفا ، وهكذا العباسى يرويها عندما تعرض لمشهد حمزة رضى الله عنه
ونحن إذا عرضنا هذه الروايات على محك التحقيق والتطبيق يمكننا ان نجد لها حلا وتخريجا يتفق معنا فيه النقل والعقل ، فبحسب التعبئة التى عبأ بها المسلمون لجيشهم يكون حمزة رضي الله عنه انما استشهد فى وسط المعركة ، لا في أولها ولا في آخرها بعد ما جندل ثلاثة نفر من ابطال العدو بسيفه البتار ، وان قاتله وحشيا بنفسه يروى ما يؤيد كون مصرعه فى هذا الجبيل ؛ ففي صحيح البخاري عنه انه قال : كمنت له تحت صخرة فلماد نامنى رميته بحربتي ، وقد مر
ما جاء فى السيرة الحلبية رواية عن صحابي مشاهد مدقق ان موقف حمزة كان بعد . هزيمة المسلمين فى الصخرات ، ولا ريب ان الصخرة التى كمن له فيها وحشي هي احدى هذه الصخرات ، ولا توجد صخرات عظيمة يقف عليها المقاتل ويكن فيها القاتل فى هذه المنطقة اللهم الا بجيل عينين .
والسمهودي يفصل لنا في الجزء ( ٢ ) ص ( ٥٤ ) من كتابه وفاء الوفا ، مراحل انتقال حمزة بعد مصرعه الأول تفصيلا علميا دقيقا لا شبهة فيه ولا التواء ، إذ يقول نقلا عن المطرى ما ملخصه : ان المسجد الثاني الواقع بشمال المسجد الصغير هو المصرع الثاني النهائى لحمزة بعد مصرعه الأول فى موضع المسجد الصغير القائم على السفح الشرقي من جبل عينين ، فقد مشى من هذا المصرع متحاملا والحربة فى ثنته حتى إذا بلغ موضع المسجد الثاني بوسط الوادى خارت قواه فسقط واسلم الروح لبارئها هناك .
ومما يوطد مركز نظرية كون المصرع الأول هو بموضع هذا المسجد الصغير بالسفح الشرقى من جبل عينين أن ابا عبد الله الاسدي من المتقدمين روى ان المسجد الثاني الواقع في بطن الوادى بالشمال الشرق بالنسبة للمسجد الصغير الواقع بسفح الجبل المذكور - كان يسمى " مسجد العسكر " ، وان به كان معسكر المسلمين فهذه الرواية إذا عرضناها على مجهر التدقيق نجدها رواية لها أهميتها فى اثبات النظرية القائلة بان حمزة صرع في موضعي هذين المسجدين وذلك لأنها تفيدنا بصورة خاصة صريحة ان عسكر المسلمين كانوا بهذا الموضع فى بطن الوادى وهذا معناه ، ان معظم جيش المشاة وأن مركز القيادة العليا لجيش الاسلام كان بهذا الموضع ، فتجوز أبو عبد الله الاسدى وسماه مسجد العسكر اطلاقا للجزء على الكل .
ولا ريب ان حمزة كان فى طليعة هؤلاء المشاة ، ولا ريب في انه كان يتنقل بين هذا المركز ومركز المشتركين ذاهبا آتيا ، متيامنا متياسرا ، بحسب مواقع فرائسه من المشركين الذين كان ينقض عليهم انقضاض الصاعقة ، ويهذ رؤسهم
هذا ، ولا ريب انه فى احدى اقداماته بعد انحياز المسلمين وذهاب ريجهم ، وفي ساعة ذهوله وامعانه فى الضرب والتقتيل واستبساله واتضاح تفوقه فى دفاعه فى هذه الحالة المزعجة وفي هذه الساعة المكفهرة العابسة استطاع وحثى ان يكن له كما يكن الدئب المرتحف للاسد الضارى ، وفي كمونه هذا استطاع ان يقتله بحربته . وهو قريب منه وتحت صخرة من صخور هذا الجبل نفسه .
أما قبور شهداء احد ، فنرى انها هى الواقعة بغرب ضريح حمزة الحالي بنحو ( ٥٠٠ ) ذارع حيث تكون الرضم وحيث الخطيرة البيضاء المستطيلة الكامنة بالجهة الغربية الشمالية بالنسبة لضريح سيد الشهداء بالقرب من خيف الثنايا ، اما هذه الخطيرة الواقعة بشمال قبر حمزه فهناك روايتان للمؤرخين عن حقيقتها ، فأحدى الروايتين تقول انها بنيت على قبور من ماتوا مام الرمادة فى خلافة عمر رضي الله عنه وهذه هي رواية الواقدي من اقدم المؤرخين وتنصيصه على هذا القول وجزمه به وارتضاؤه يدل على ملغ ارتكازه وأحقيته ، ولا توجد رواية تاريخية فيما بين ايدينا من المصادر تقول بان هذه الخطيرة الواقعة بشمال قبر حمزة رضي الله عنه هى على قبور شهداء أحد مطلقا . " للبحث بقية "
