اشاعات باطلة ، تفقد المسلمين توازنهم
وحدت فى اثناء انكشاف المسلمين عن مراكزهم الحربية ، وفي ساعة الهزيمة ان قتل مصعب بن عمير حامل لوائهم ، قتله عبد الله بن قمئة الليثى وهو ينفح عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مصعب هذا شبيه الملامح برسول الله صلى الله عليه وسلم . فعاد ابن قمئه الى قومه يصرخ متبجحا بانه قتل محمدا عليه السلام . وكان لهذه الصرخة الكاذبة صدى هائل فى شل حركة مقاتلة المسلمين حتى وصل بهم الذهول الى ان انعطف أولهم على آخرهم ، وصار يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون ، وهام بعضهم على وجوههم من هول المصيبة الجديدة فانهزموا الى المدينة ولم يدخلوها وتفرق غيرهم فى اماكن من ميدان المعركة ، وتفرق رأيهم فيما تكون عقبة امرهم بعد هذه الحادثة الدامغة فكان من رأى فريق منهم الرجوع الى قومهم ليؤمنوهم وكان من رأى فريق آخر المضى فى منازلة العدو ، ودليلهم انه ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فعليهم ان يقاتلوا على دين نبيهم وكان على ما كان عليه نبيهم حتى يلقوا الله شهداء ، وفي طليعة هذا الفريق المؤيد بنور الله وحسن توفيقه ثابت بن الدحداح فقد قال : يا معشر الانصار ان كان محمد قد قتل فان الله حى لا يموت قاتلوا على دينكم فان الله مظفركم وناصركم وقد لبي دعوته نفر من الانصار فحمل بهم على كتيبة خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن ابي جهل وضرار بن الخطاب ، فحمل عليه خالد
وقتله برمجة وهكذا المستشهد هذا البطل فى سبيل الذب عن دين الله واستشهد من كان معه من الانصار رضي الله عنهم
وكانت هناك أقلية ابلغها المؤرخون الى "١٤" مقاتلا ، سبعة من المهاجرين وسبعة من الانصار ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم تدافع عنه دفاع الأبطال ، وتفديه بالاروح والاجسام منهم ابو بكر الصديق " وابو طلحة وسعد ابن اي وقاص والصحابية البطله الصديقة " أم عمارة المازنية ومصعب بن عمير " وقد استشهد في هذه اللحظة ، قتله ابن قمئة ، ومن الثابتين ايضا ابو دجانه فقد تترس صلى الله عليه وسلم فصار يقع النبل على ظهره وهو منحن على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى كثر فيه النبل ومنهم زياد بن عمارة قاتل قتال المستميت دون الرسول حتى الجراحة فقال الرسول ادنوه مني فوصد قدمه الشريفه فمات رضي الله عنه وخف على قدم الرسول صلى الله عليه وسلم
شعب احد اللجوء إليه انهزام المسلمين وانتصارهم فيه
الشعب لغة الطريق فى الجبل ، وشعب احد هذا هو مهيع متسع جدا يبدوا الموسع لطر يكونقرب من جدونة الوادى لأوادي قناة ، ثم يضيق تدريجيا كلما أوغلت فيه إلى داخل الجبل حتى اذا كنت عند المنطقة الشرقية المفضية الى بالمهراس الشرقي رأيت هناك أمامك طريق مهراس آخر مستقل هو المهراس العربي "١"
هذا توضيح شاق يكشف لك وضعيه الشعب وكيفيته جعلنا لتوطئه لنبين لك اهميه الشعب وهذا الجيل بالنسبة لكلا المتحاربين ، فقد لجا منهزمو
قريش أول الامر إلى جبل احد بدليل ما اشار اليه القران وصرح به المحدثون وأهل السير وبدليل قول حسان بن ثابت لقريش : -
اذ تولون على اعقابكم هربا فى الشعب اشباه الرسل
اذ شددنا شدة صادقة فأجانا كم إلى سفح الجبل
كما انحاز المسلمون اليه فى هزيمتهم ، مما جعلنا نعتقد بوجود سبب حربى هام جدا للجوء الى هذا الجبل من كل من شالت كفته فى ميدان هذه المعركة من الفريقين المتحاربين . ولعل هذا السبب يكون ادراك الفريق المنهزم ان طريق السلامة السريعة من العدو الذى يتعقبه وراءه زاحفا مهاجما يحاول القضاء عليه هو الاصعاد في هضبات هذا الجبل المرتفعة ، بخلاف ما اذا اتخذ طريق هروبه من هذه الارض المستوية فانه لا يأمن من سرعة حصر العدو له واعمال التقتيل فى رجاله بعد ان يبلغ بهم الجهد ما يبلغ ، أضف إلى ذلك انه ما كان يمكنة مقاتلة قريش ان يفروا فرارا نهائيا بحيث يخلون ميدان المعركة بالمرة ؛ ويقفلون فى صاعة انهزامهم عن ميدان المعركة قفولا تاما لارجعة بعده ؛ لأنهم اذ ذاك يعرضون نساءهم الكبريات للاسر والمهانة ، فتعيرهم العرب وتنثل سمعتهم بذلك وهم يأبون كل هذا إباءا ما بعده اباء . وهكذا قل في المسلمين ايضا ، فهم يشعرون بان انحيازهم إلى أحد فى هزيمتهم فوق أنه امر اضطرارى ، ففيه تخفيف لحدة الهزيمة ، وفيه بوارق امل كامن بخفوق راية النصر بعد الانكسار لأن الحرب فى السلاح الابيض خاصة - كما يقولون - سجال ؛ وانهزام المسلمين الى المدينة علاوة على انه يعرضهم لعملية شاقة خطيرة هي اختراق صفوف المشركين يجعلهم عرضة لتعقب قريش اياهم إلى المدينة فيعملون فيهم السيف وهم مدبرون ، فلا تكاد فلولهم تصل الى المدينة الا وهى في نوبة حادة من الاضطراب وارتجاج
الحس الذريع والفشل المريع ، وهنا تعرض المدينة للاستباحة التامة من الاعداء الثلاثة : قريش الظامئة للانتقام النهائي من الاسلام ، واليهود الطامعين في رفع نيره الثقيل عليهم ، والمنافقين الذين يتربصون به الدوائر . اذن فمن الرأى الحربي الصائب النجاة كل من قريش والمسلمين إلى الجبل فى ساعة انهزام كل فريق منهما . وهذا الانهزام الى الجبل هو الذي افاد قريشا فى ساعة محنتها وهو الذي افاد المسلمين فى ساعة ابتلائهم وهكذا قدر الله ان تتعادل كفتا المتحاربين فى ذلك اليوم بسبب انحياز كل منهما الى هذا الجبل .
وتفصيل النجاه المسلمين الى جبل احد وانتصارهم فيه هو انهم لما انحصروا في " مثلث " يتكون من مشاة قريش وخيالتهم انكفاوا الى الجبل ؛ إذ لم يجدوا لهم ملجأ أهم من الاصعاد فيه . وثبت الرسول صلي الله عليه وسلم في موقفه الذي وصل اليه حين انهزام قريش ١ ، فلم يعره اضطراب ولا وهن ؛ ومن شدة ثباته انه وقف على صخرة من صخور احد ، وصار يدعو المسلمين من فوقها الى التراجع وهم ممعنون فى الهزيمة ، حتى إذا وصلو الى قرب المهراس الشرقي ٢ سرت اشاعة جديدة مبهجة تقول بحياة الرسول عليه السلام ومنشأ هذه الاشاعة الجميلة ، ان كعب بن مالك الانصارى عرف الرسول بعينيه الشريفتين عرفه بهما وهما تزهران من تحت المغفر ، ونري انه عرفه بهذا وهو لا يزال واقفا كالليث الضارى على الصخرة المشار اليها آنفا ، فلم يتمالك كعب من عظم الفرح حتى صاح صيحة الجذل المفاجئ فبشر الصحابة المنهزمين امامه بأن محمدا صلى الله عليه وسلم حى فاشار اليه الرسول : ان انصت ! مما يدلنا على دنو قريش من موقفه صلى الله عليه وسلم ساعنئذ ، وعلي
ان المعركة كانت فى تلك اللحظة حامية الوطيس على المسلمين ، وان النصر كان اذ ذاك في كفة قريش . ولكن الخبر السار العظيم ينتشر انتشار النور فى السرعة والبهاء ؛ من اجل هذا ما كاد المسلمون يصلون الى المهراس الشرقي في انهزامهم حتى استعادوا قواهم المعنوية ، ومالهم لا يستعيدونها وقد وصلوا الى منتهى الجبل وقد شعروا بحياة قائدهم الاعظم صلي الله عليه وسلم فالآن ادركوا ان لا منجى لهم من الموت الزؤام سوي تحكيم الحسام ، فليكن دفاعهم قويا وليستقبلوا قريشا استقبال الليوث الضارية تكشر عن انيابها لمن حاصرها في الغيل وتعمل براثنها في جسمه اعمالا مهلكا ، وينقلب دفاعهم الى هجوم مجيد يضعضع القوى المعنوية في صدور قريش ، ويفهمها تفهما عمليا أن الحرب سجال . وهذا النضال المستميت هو الذي جعل من هذا المهراس " مجزرة " الفريقين . ويدلك على كثرة القتلى حول هذا المهراس قول شاعر قريش عبد الله بن الزبعري لحسان مفاخرا بكثرة من أردته قريش عند المهراس من أبطال المسلمين :
ابلغا حسان عني آية ففريض الشعر يشفى ذا الغلل
كم ترى بالجر من جمجمة وأكف قد أثرت ورجل
وسرابيل حسان سريت عن كماة أهلكوا في المنتزل
فسل المهراس ما ساكنه بين أقحاف وهام كالحجل
ويؤيد حسان نفسه هذا المعنى ، تأييدا محدودا ضمنيا اذ يقول لابن الزبعرى مجيبا له : -
ذهبت بابن الزبعرى وقعة كان منا الفضل فيهالو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم وكذاك الحرب أحيانا دول
فلولم يكن ابن الزبعري صادقا فى دعواه كثرة قتلى المسلمين بالمهراس لرأينا
حسان الشاعر المفوه يرد عليه ردا قاسيا فية الكثير من العنف ، والتهكم والرمي بالبهتان ، وليس فيه شئ من هذا المعنى الذى صاغه في قوله :
ولقد نلتم ونلنا منكمو وكذاك الحرب أحيانا دول
أما تراجع المسلمين وإصعادهم في الجبل حين انهزامهم فيدلنا عليه قوله تعالى ) وتلك الايام نداولها بين الناس ( وقوله تعالى اذ تصعدون ولاتلوون على أحد ( *
وأما ثبات الرسول صلي الله عليه وسلم فيدلنا عليه قوله تعالى والرسول يدعوكم في أخراكم ( ويدلنا على ابتلاء الله المسلمين بالهزيمة والتقتيل والتمثيل قوله تعالى * ) وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبأذن الله ( ويدلنا على انتصار المسلمين واستعادتهم قواهم قوله تعالى ) ثم انزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ( بطولة المرأة المسلمة وقيامها بواجبتها فى المعارك الحربية
ويحدث ابن هشام فى سيرته حديثا شائقا عن أم عمارة المازنية : نسيبة بنت كعب المنزنية ، يوم احد ، وسنورد لك نص هذا الحديث العاطر لما يفوح منه من بطولة رائعة وسمو همة مشرف . فقد حدثه رواته ان نسيبة هذه قالت : " خرجت أول النهار وأنا انظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو في أصحابه والربح للمسلمين ، فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمى عن القوس حتى خلصت الجراح إلى . قالت أم سعد الراوية لهذا الحديث : فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور ، فقلت : من أصابك بهذا ؟ قالت : ابن قمئة أقماه الله لماولي الناس عن رسول الله صلي الله ليه وسلم أقبل يقول : دلوني على محمد فلا نجوت ان نجا ، فاعترضت
له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة فلقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدوالله كانت عليه درعان " اه
وبعد فهذا فهذا مثال رائع من أمثلة البطولة سجله التاريخ الاسلامي لهذه الصحابية المبرورة . وكذلك يحدث البخارى فى صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال : " ولقد رأيت عائشة بنت ابي بكر وام سليم وانهما لمشمرتان اري خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما تفرغانه فى آفواه القوم تم ترجعان فتملأنهما تم يجيثان فتفرغانه فى أفواه القوم
وروي البخاري أيضا ان فاطمه بنت النبى صلي الله عليه وسلم كانت تغسل دم رسول صلي الله عليه وسلم فلمارات ان الماء لا يزيد الدم الا كثره أخذت قطعة من حصير فاحرقتها والصقتها فاستمسك الدم " للبحث صلة
