. اشتغل بالصحافة اكثر عن عشرين عاما منها ستة عشر عاما محررا بجريدة
الاهرام ، وهو صاحب الكلمات السابقة بتوقيع " عربي " وصاحب مجلة " الانصار " العربية الاسلامية . اشترك مع لفيف من شباب العرب المخلصين في اصدارها بمصر لخدمة الثقافة العربية الاسلامية ، ولبعث الوعى العربى في نفوس شباب امة العرب الخالدة ليتحدوا ويعرفوا مكانهم من العالم ، وليعملوا لخير العرب والانسانية . ويبنوا : " كما كانت اوائلهم تبني . . "
" المنهل "
ان العالم بشعوبه المختلفة أشبه بجسم الانسان ، لكل جارحة فيه وظيفة خاصة تقوم بأدائها فى دقة بالغة طبقا للنظام المحكم الذي قضاه لها خالقها سبحانه الخالق البارىء المصور . ..
وقد اختار الله جل شانه أن يكون مكان العرب من العالم مكان الضمير من الانسان . فما دام الضمير حيا يقطا كان الانسان صادقا عادلا رحيما متعاونا مع من حوله من الناس . يفي قد تبلغ يقظة الضمير أحيانا درجة
من القوة يكون الانسان فيها مؤثرا أخاه على نفسه ، " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " . .
فاذا أصيب الضمير بغفوة أو اغماءة لظروف طارئة . تحركت انانية الانسان وايثاره لنفسه . فانقلب ظالما متكبرا . وصار عبدا لحواسه ونزوات نفسه ، أسيرا لمطامعه الدنيا التى لا تنتهي . وصدق الذى قال :
والنفس راغبة إذا رغبتها
واذا ترد إلى قليل تقنع
وهكذا كان العرب في العالم
يقومون بوظيفة الضمير ، فكلما رانت الغفلة على العالم وغرق الناس في مفاسدهم ومظالمهم تحرك الضمير باذن الله ، وبرسالة من الله الى رسول يبشر وينذر ويجاهد ويناضل حتى ينتبه العالم ويفئ إلى أمر الله ويأخذ الطريق السوى . .
ولقد كان العرب - وما زالوا - أهلا لحمل تعاليم رسالة الله الى الناس ، وقد صنعهم الله على عينه فأقام بيته فى أرضهم وأنزل القرآن بلغتهم على رسول من أنفسهم . هو خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن أوضح الأدلة على أهلية العرب لحمل هذه الأمانة ، انهم كانوا يعتبرون المؤمن - ولو كان من غير العرب - منهم ، كما يبرأون من آبائهم وابنائهم اذا لم يكونوا من المؤمنين . .
فبلال المولى الحبشى ، وصهيب المولى الرومى ، وسلمان المولى الفارسي وغيرهم من الموالي الأعاجم . كانوا أحب الى قلوب العرب وآثر عندهم من آبائهم وابنائهم واخوانهم الذين قعدت بهم عنجهيتهم وجاهليتهم عن الايمان بالله ورسوله . .
ونرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سلمان منا أهل البيت " فى الوقت الذى كان يتلو فيه قول الله جل شانه فى عمه ابى لهب : " تبت يدا ابي لهب وتب . ما اغنى عنه ماله وما كسب " .
بهذا الخير المثالي والعدل السابع والسمو المطلق استأهل العرب ان يكونوا حملة تعاليم رسالة الله الى الناس . .
قلت في كلمنى السابقة ان العرب بعد ان فتحت عليهم أقطار الأرض وأترفوا ، تخلفوا عن مكانتهم : وتخلفوا عن منزلتهم من العالم . . فكانت غفوة الضمير ، ويقظة الشهوات والاهواء . وها هم العرب الآن يتحركون فاذا بشائر الخير تلوح فى الأفق . .
ان اجتماع عرب شبه الجزيرة فى مملكة متينة البنيان وثيقة الأركان تقوم على توحيد الله وشريعته ، لهو الأساس الأول لقيام العرب ونهضتهم وهكذا دبت الحياة فى اطراف هذا الجسد الخامد فاذا العالم العربى جميعه من اقصاه الى اقصاه يتحرك ويستيقظ . .
ان دين الله لم يدع اليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام واصحابه رضوان الله عليهم بالقوة الا بعد الحكمة والموعظة الحسنة ، ولم يأذن الله لهم بالقتال الا عندما هوجموا من المعارضين الجاحدين : " أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا ، وان الله على نصرهم لقدير ".
وها هم العرب يستيقظون ويتحدون ويتأهبون ويتسلحون . لا ليعتدوا على أحد . ولكن ليكونوا على استعداد لدفع العدوان الذي يتهددهم . .
ليست شرازم اليهود من نفايات البشر ، فى فلسطين هم الذين يهددون الامم العربية المتحدة ، بالعدوان اليوم وانما هم أولئك الذين ناصروا هؤلاء اليهود وأسكنوهم فلسطين ، وانفقوا عليهم ، وما زالوا ، وزودوهم بالسلاح والعتاد . .
ان حركات اليهود عند حدود فلسطين مع جنود سوريا ومصر وحركات الانجليز فى واحة البريمي . كل هذه الحركات ليست الا دليلا على الفزع الأكبر الذي أصاب دول العالم الغربي من يقظة الضمير وتحركه أى من يقظة العرب واجتماعهم وتسلحهم .
ان هذه الدول يحكمها اناس قلائل طمس الله بصائرهم وابصارهم عن الحق والعدل ، فاستعبدوا شعوبهم قبل استبعادهم للشعوب الأخرى ولعل فزع هؤلاء الحكام من شعوبهم ، إذا عرفوا باطلهم حينما تتم اليقظة اشد من فزعهم من تسلح العرب واجتماعهم !
لقد كان من امضي أسلحة العرب التى غلبوا بها أمم الارض ، سيرتهم العطرة التى تسامعت بها شبعوب الارض ، عن عدلهم ورفقهم بالناس . وانسانيتهم المثالية ، فكانت الشعوب تعاون الفاتحين العرب لعدلهم وبرهم ضد الحكام الغاشمين . .
وهل أدل على عدل العرب المطلق
من موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص ، واليه على مصر وولده ؟ ! لقد جعل القبطى المصرى يضرب ابن عمرو قصاصا منه على عدوانه ، أمام جميع المسلمين يوم الحج قائلا له : ( اضرب ابن الاكرمين !) . بل لقد قال له بعد أن فرغ من ضرب ولد عمرو : " أجلها - أى الدرة ، في صلعة عمرو " فقال القبطى : انما ضربت من ضربني . فقال له عمر : " والله لو ضربته ما منعك أحد ، انما ضربك الولد بسلطان أبيه ! )
ثم التفت عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى عمرو بن العاص وقال له قولته الحالدة : " متى تعبدتم الناس ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ !! "
ان حكومات الدول الغربية تتعاون تعاونا وثيقا لتأييد اليهود فى فلسطين ، ومعنى هذا ان هذه الدول تقف الى جانب اعدائنا ، وحليف عدوك هو عدو لك عداوة لا شك فيها وان الفعلة الخاطئة والعدوان الآثم الذي أقدمت عليه انجلترا في واحة البريمي لدليل قاطع على تأييدها لليهود المعتدين ، ومحاولة منها لشغل بال العرب . .
على أن هذا كله سيزيد العرب اتحادا وتصميما على ان يستردوا
مكانهم من العالم ، وهو مكان القيادة والسيادة ، وما اشبه هذه الحوادث المفتعلة بالقاء البترول على النار المشتعلة !
ان الترابط الذي تم أخيرا بين مصر وسوريا ، ثم بين مصر والمملكة العربية السعودية ، لدليل واضح على أن هذه الامة العربية المجيدة ، قد عرفت الطريق ، وبدأت السير فيه لتكون أمة واحدة ، كما ارادها الله من
قبل ، قوية عزيزة : " ان هذه امتكم أمة واحدة " .
ولقد اقترن هذا التوحد والترابط باتخاذ أسباب القوة والمنعة تنفيذا لأمر الله تعالى : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . . "
فالى النصر أيها العرب بعون الله وفضله ، " ولينصرن الله من ينصره ، ان الله لقوى عزيز " . .
