الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 7الرجوع إلى "المنهل"

ملاحظات مستشرق مسلم، على بعض اراء المستشرقين وكتبهم المتعلقة بالعرب والاسلام

Share

( ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله (

تحت  هذا العنوان كتب ناصر الدين دينيه ملاحظاته وردوده على بعض المستشرقين ، الذين زعموا انهم دخلوا هذه الارض المقدسة خفية . قال :

زعم كثير من الاوروبيين أنهم دخلوا الارض المقدسة خفية ، وألفوا كتبا في رحلاتهم ، وبعد البحث والتدقيق ظهر لنا انهم لم يدخل احد منهم الحرمين الشريفين . الا ولدى المسلمين اطلاع عليه ومعرفة بحاله ، بل ان اغلبهم لم يستطع الدخول اليهما ، وانما كتبوا رحلات موهومة ، واتوا فيها باخبار مزعومة ، وفي رأينا ان افضل كتب الرحلات التى ألفها المستشرقون فى هذا الغرض ، وأقربها إلى الحقيقة رحلتان هما : -  

١ - رحلة السويسرى بير كهارد ٢ - رحلة الانجليزى بيرتون

ولقد مدح لنا كتاب الدكتور الهولندى سنوك هير كرونه ، ولكنه كان مكتوبا باللغة الالمانية ، ولجهلنا لها لم نستطع أن نلاحظ عليه شيئا

وهذه اسماء الكتب والكتاب وملاحظات دينيه على كل منها :

المستشرق الاول : بيركهارد السويسري في كتابه : ) رحلة إلى جزيرة العرب ( . كانت رحلة بيركهارد إلى الحجاز وحجه سنة ١٨١٤ م . والتفصيلات التى كتبها عن الحجاز جعلتنا نشك في صحة رحلته إلى هذه البلاد المقدسة برغم

التغييرات التى حصلت بعده من كثرة الحوادث المتوالية ، وطول المدة التى بين رحلته ورحلتنا

والذى ننقده عليه هو -

أنه بدل أن يكتب الحقائق ، ويصور لنا الافكار العربية ، ويصف لنا المناظر الطبيعية الجميلة ، صرف جهده وضيع وقته فى قياس مساحة الحجرة الشريفة ، وقياس الشبابيك الدائرة بها . وقال فى كتابه ان محمد على باشا كان يشك فى اسلامى ، ولهذا لم يرخص لى من أول وهلة للدخول إلى مكة ، وما اذن لي الا بوسائط  كثيرة . انتهى كلامه .

قال دينيه : إذا وعلى فرض أنه دخل ، لا يجوز له أن يقول أن دخوله كان خفية ، ويعتبر وداعة المسلمين انخداعا ، وهو انما دخل بجواز امير مسلم يعرف حقا أنه أوروبي ، ولكنه كان يشك فى اسلامه

المستشرق الثاني : بيرتون الانجليزى فى كتابه : ) الحج إلى مكة والمدينة ( بيرتون من اشهر المستشرقين وأقدرهم . وقال فى كتابه إن هيئته الاوربية لم يلاحظها أحد ، وذلك لاتقانه الالسن ومعرفته بالعوائد الشرقية ، ولاطلاعه على القواعد الاسلامية ، وأتم كل ذلك بتنكره الدقيق دخل بيرتون الحرمين بصفة كونه درويشا افغانيا ، ولد خارج بلاده ويجهل لغته

والذي يجهل اخلاق الشرق يحس عند قراءة كتاب بيرتون باحساس غريب تثيره اقرارات المؤلف ، ووقائع سفره

ولقد اعترف بيرتون فى كتابه انه قبل سفره من القاهرة ، كان له خادم اسمه ( محمد ( وقد صرح هذا الخادم في ذات يوم بان هذا الشخص الذي يدعى انه حاج يعنى بذلك بيرتون ( ما هو الا مشرك من كفار الهند

قال دينيه : وقد كانت ملاحظة هذا الخادم في محلها ؛ لان بيرتون كان

ضابطا فى الجيش الهندى ، فكان متخلقا ببعض اخلاق الهندو كين ومن حسن حظ بيرتون أن الشيخ حامدا " الذي كان معتزما على مرافقته وخدمته والقيام بجميع شؤونه ابان الحج - اقسم بان نور الاسلام يلوح على جبين بيرتون * وأما محمد الخادم ، فما هو الا مجنون لا عقل له ولا تمييز ، حيث يقدح فى ايمان أخ مؤمن كامل الايمان

ولئن سكت الخادم محمد يومئذ ، فانما ذلك لحاجة في نفسه ، فلقد اعتزم على اظهارا اكتشافه الخطير ، عند مسيس الحاجة .

ولما شعر بيرتون بما يختلج فى فكر خادمه محمد ازاءه قابله بالطرد ورفض خدمته بتاتا . ولكن هو مكى الموطن ، كان يريد العودة إلى بلاده ) الحجاز ( على نفقة حاج غني ولذا لم يترك بيرتون بمجرد طرده اياه كما كان يظن بيرتون ، فبعد سفر هذا من القاهرة ، وعند اجتيازه أول مرحلة لم يشعر الا بمحمد الخادم ، ممسكا بزمام ناقته ، فاناخها واعانه على النزول وانزل رحلها ، ثم هيأ الطعام ، وفرش الفراش ، كان هذا كله كان متفقا عليه بينهما من قبل . واضطر بيرتون إلى السكوت وقبول خدمة محمد " خوف الفضيحة وخشية انكشاف حقيقة امره . وعلاوة على سكوته اصبح يحوط خادمه هذا بعطف بالغ ، وا كرام زائد

قال دينيه . هذا الذي قرأته فى كتاب بيرتون ، والذي اقتضته تجاربنا نحن هو انه قد يمكن للاوروبي الذي يحسن اللغة العربية ، ويعرف القواعد الاسلامية دخول الحرمين من غير اطلاع أحد ، لاننا كثيرا ما لاقينا من الحجاج المسلمين من كان اشقر اللون ، فاللون لا يكشف حقيقة أى انسان . غير انه لما كان الحجاج يفدون من جميع الاقطار الاسلامية كان من اللازم المحتم على الانسان ان يخالط القوم الذين ينتمي اليهم ، هؤلاء لا يتأخرون عن اكتشاف أمره اذا كان

مخادعا ، واذا حاول هذا ، التباعد عنهم ؛ أصبح غريبا فى أعين الناس واسترعي حاله توجيه الانظار اليه ، وحالا يكتشف حاله .

واذا ، فمن اللازم على الاوروبي المسلم الحقيقي الذي يرغب فى تأدية فريضة الحج أن يختلط بالحجاج المسلمين ويكون معهم ، متحققين صحة اسلامه ، حتى يدافعوا عنه لدى الحاجة . وبيرتون برغم روحه الشرقية ، ومعرفته التامة للقواعد الاسلامية ، ما كان ينجح في مهمته لولا اعانة رفقائه له فى السفر الذين كانوا يعتقدون صدق اسلامه

ومن بعد هذا النقد الخفيف يجب علينا ان نعترف بان كتاب بيرتون هو ارقى كتاب فى نوعه واقول ايضا . انه لا يوجد مستشرق حيز حقيقة احوال الجنس الذي خرج منه النبي صلى عليه وسلم كما انه لا يوجد من المستشرقين من أحس بلطافة الشعر العربى كاحساسه واننا لا نستطيع ان نمسك عنان القلم عن تسطير بعض فقرات من الفصل الذي خصصه فى كتابه للشعر العربي فنقول :

قال بيرتون : الشعر العربى هو الشعر الحقيقي ، واما الشعر الاوربى فهو صورة شعرية ، ومن مزايا الشعر العربي انك تجد الكلام فيه تابعا للفكر ، بعضه آخذ برقاب يعض ، ولقد خلص الشعر العربي من هذا الثقل الممثل فى كل جزء من كلامنا ، فاشتمل على الخيال الرائع ، وهذا الخيال الجميل فى الشعر العربي مثير للاحساس ، ومقو للذوق الشعرى وكثير ما تجده حاويا للالفاظ المترادفة العجيبة ذات الجرس اللطيف والمعنى الظريف وهذا مما يزيد الشعر العربي جمالا وطلاوة ويكسوه بهاء ورونقا وبالجملة فانه يوجد فى كل لغة ملكة مختصة بها يكتسبها الانسان اذا اتقن تلك اللغة تلك - والحالة هذه تصح شاعرا إذا اجدت اللغة العربية كما تغدو مفكرا اذا أحسنت اللغة الفرنسية وفيلسوفا اذا اتقنت اللغة الالمانية ، ولقد اجاد محمد الدميري حيث قال : السمو في ثلاثة

اشياء : الفكر الفرنسي واليد الصينية ، واللسان العربي . انتهى كلام بيرتون

قال دينيه : ونعود لموضوعنا فنحكى جواب بيرتون للذين انتقدوا عليه تظاهره بالصلاة مع المسلمين ووقوفه خاضعا مذعنا امام بيت الله الحرام : قال بيرتون : انه يوجد ناس كثيرون من الطبقة الغربية العالية يعتقدون ان الاسلام هو اقرب الى دين المسيح ، مما عليه المسيحيون اليوم حيث اصبحت المسيحية منقسمة الى شعب متعددة ثم تكلم بيرتون عن القران فقال : انه دينيه . فاذا كان بيرتون المفكر الرصين والمستشرق الشهير الذي يجيد اللغة العربية ، والذي هو هو متخلق بالاخلاق الشرقية لم يستطع دخول هذه البلاد المطهرة خفية ، بل كان كثير من المسلمين عارفين بامره فما بالك بالجوابين الآخرين اذا  ( يتبع ( ناصر الدين دينيه : ترجمة وتلخيص

اشترك في نشرتنا البريدية