أخي الحبيب : لم تمض على أيام قلائل حتى وجدت نفس اتخفز إلى الكتابة لك لأجلو سر الاجتماع الجميل الذي كان بيني وبين الصديق الذي حدثتك عنه فى رسالتى قبل هذه
والغريب حقا ان يستفزنى الشوق الملح الى الكتابة لك وأنا على الحالة التى حدثتك عنها ثائر النفس محطم الفؤاد لا الوى على شىء اذرع شوارع المدينة فى بياض النهار واقبع على سريري اذكر الأهل والاصدقاء في سواد الليل البهيم
أما صاحبى الذي ذكرت لك لقائى به ذلك اللقاء الذي استهوى نفسينا . قلقد نظر الى وحدجني بعينيه الفاحصتين وقد آله أن يرانى كسير القلب منخفض النظرات .
اختلست النظر اليه فرأيته يستجمع قواه لحديث طويل يخصني به لاتحدث به الى اصدقائى ولأعلن هؤلاء الاصدقاء نتيجة صديقهم الذي عرك الحياة وعركته وقارع الزمن وقارعه الزمن فاضحى وقد امتلأ قلبه عبرا واستكن هذا القلب دون فزع أو ريب .
" أى صديقى - : لا احدثك طويلا عن حياتي الاولى فقد كنت تعرفني جيدا وتعرف أبي الذي كان يغدق على من نعمائه ما جعلنى فى طليعة الشباب
- زملائك المرحين - وتعرف أيضا الزمن الذي قضيناه جميعا هانئين بالحياة ، ناعمين بسعادة العيش ، قريرين بما يمتعنا به ذوونا من عطف وحنان .
لا احدثك عن الزمن الذي قضينا فيه امتع زمن الشباب وأحلى أيام المرح والحبور ، كما اني لا اضن عليك برأبي الذي سأشرحه لك فى حديثي هذا ، وسوف اعرض لك - وفى تدليل ثابت - كيف جنى علينا الاهمال فجعلنا نتخبط فى ديجور مدلهم تحت اصفاد إلاحمال نئن يدى براثن الحياة ونتألم من غصص العيش المرير عيش البطالة والكسل متحرقين الى حياتنا الماضية حياة الدعة والراحة .
ولعلك توافق أخاك في نظريته التى خبرها فى غير مكان واحد ولا موضع محدود ولا شخص معين ، وسوف تجدني اقدم لك الدليل الملموس على نظريتي ولا اريد منك غير عرضها على زملائك دون أن تحملني عبء التحدث اليهم أو مشاغلتهم لهدوئى المتواضع وحسبى انك تعرف من تواضعى وحبى للانزواء ورغبتى فى عدم اختراق هذا الحجاب الصفيق الخلاب الذي يتراءي لى مغريا بما وراءه من شهرة لا ادعي إذا قلت انها كل ما يتطلبه المجانين ويتراءى لى أيضا بما خلفه من عظمة هي أمل الحمقى والمعتوهين.
وما نحن يا صديقى غير شابين من بين ذلك الشباب الجم الذي بدد اخر نفس ابقاه له ذاك الذي امده في حياته بما يشتهي ويريد .
وأعتقد انك ادركت انت بنفسك - أيها الصديق - كيف انتابتك الصدمة ووقع عليك هول المصاب وكيف عرتك قشعريرة من خوف الفقر والعوز وكيف تطلعت الى ذلك العدو البغيض عدو الحياة والشرف
كيف تطلعت الى التبذير والاسراف بعين ملؤها الخوف وبقلب ملؤه الندم والحصرة حينما رأيت نضوب معين جيبك وخلوه من وقود العيش وعرك الحياة
لا اكتمك فقد دارت برأسي الوساوس وأصابني شذوذ عقلي عانيت اتعابه . وآلامه ردحا من الزمن غير قليل حتى هيأ لى الجد حياتى التى ترانى عليها اجد وادأب حول العيش لعلى استطيع اعالة تلك الطفلة المسكينة وتلك الأم المنكوبة اللتين قضتا معي زمن البؤس كما قضتا زمن السعادة وقد حتم عليهما القدر أن بكافحا آلام الحياة واتعابها مع ما تنذر به الايام من شرر مستطير ان نحن احجمنا عن الجهاد والمكافحة.
هكذا قال صاحبى وقد اغرورقت عيناه بدمع الفرح وافتر ثغره الحلو بيسم الرضا على لقائنا الجميل
